الصفحات

الأحد، 17 مارس 2019

الطعنان 13313 ، 13460 لسنة 80 ق جلسة 12 / 5 / 2015 مكتب فني 66 ق 108 ص 714

جلسة 12 من مايو سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ عبد المنعم دسوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمد القاضي، صلاح عصمت، شحاتة إبراهيم نواب رئيس المحكمة وأحمد العزب.
--------------
(108)
الطعنان رقما 13313، 13460 لسنة 80 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن: السبب المفتقر للدليل".
الطعن بالنقض. وجوب تقديم الخصوم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. عدم تقديم الطاعنة الدليل على ما تتمسك به من أوجه النعي. نعي بغير دليل. غير مقبول.(2 - 4) تحكيم "ماهية التحكيم" "حكم التحكيم: بطلان حكم التحكيم: دعوى بطلان حكم التحكيم".
(2) التحكيم. ماهيته. طريق استثنائي لفض الخصومات. قوامه. الخروج عن طرق التقاضي العادية. اكتساب حكم المحكمين حجية الشيء المحكوم به ما بقى قائما. م 55 ق 27 لسنة 1994.
(3) الالتجاء لدعوى ببطلان حكم المحكمين. حالاته. م 53 ق 27 لسنة 1994. وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر فيه. أثره. بطلانه.(4) بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه. إندراجه ضمن حالات الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين. م 53/ ز ق 27 لسنة 1994. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(5 - 9) قانون "تفسير القانون: التفسير القضائي: ضوابط التفسير القضائي".
(5) تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى. من صميم عمل المحكمة.
(6) التفسير اللغوي للنص. يكون باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات المكونة للنص.
(7) تعذر التفسير اللغوي للوقوف على قصد الشارع. مؤداه. الاستعانة بعناصر خارجية. ماهيتها.
(8) تفسير النصوص. العبرة فيها بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. التعرف على الحكم الصحيح للنص. مقتضاه. تقصي الغرض المرمى إليه والقصد الذي أملاه.
(9) الأحكام القانونية. تدور مع علتها لا مع حكمتها. مؤداه. عدم جواز إهدار العلة للأخذ بالحكمة.
(10 ، 11) نظام عام "المسائل المتعلقة بالنظام العام".
(10) القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام. ماهيتها.
(11) النظام العام. فكرة نسبية. تحديد القاضي لمضمونها. مناطه. التقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه. مؤداه. اعتبارها مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
(12 - 14) تحكيم "اتفاق التحكيم: شرط التحكيم" "بطلان حكم التحكيم: دعوى بطلان حكم التحكيم".
(12) المحكمة التي تنظر دعوى البطلان. قضاؤها ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها. شرطه. تضمنه ما يخالف النظام العام في مصر. م 53 /2 ق 27 لسنة 1994.
(13) التحكيم في منازعات العقود الإدارية. جواز الاتفاق عليه. شرط صحته. موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة. عدم جواز التفويض في ذلك الاختصاص. صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على حصول الموافقة. تعلقه بالنظام العام. تخلف الموافقة. أثره. حق طرفي التعاقد في التمسك بالبطلان. م 1/2 ق 27 لسنة 1994 المضافة بق 9 لسنة 1997.
(14) تكييف العقد الوارد به شرط التحكيم على أنه عقد إداري لتوصيل الغاز الطبيعي. مؤداه. وجوب موافقة وزير البترول على شرط التحكيم أو اعتماده أو إجازته دون الرئيس التنفيذي للهيئة. علة ذلك. خلو الأوراق من تلك الموافقة. أثره. بطلان اتفاق التحكيم. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(15) محكمة الموضوع" سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود: سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقد".
محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها. شرطه.
(16) تحكيم" اتفاق التحكيم: شرط التحكيم".
إثبات صدور الإجازة أو القبول الضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد الإداري المبرم بين طرفي التداعي. وقوعه على عاتق أطرافه. علة ذلك.
(17) نقض" أسباب الطعن بالنقض: الأسباب الموضوعية".
إغفال الحكم لبعض مستندات الطاعنة غير المؤثرة في الدعوى أو الرد عليها، النعي عليه. جدل موضوعي. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.

----------------

1 - عد الشارع- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون، وإذ لم تقدم الطاعنة رفق طعنها الاتفاقية المبرمة بينها وبين الهيئة المطعون ضدها بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 حتى يمكن التحقق من تضمنها إضافتين مثبت بهما موافقة وزير البترول واعتماده شرط التحكيم، إعمالا لحكم المادة 255 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007، فإن النعي على الحكم المطعون بهذا الوجه يكون مفتقرا لدليله، ومن ثم غير مقبول.

2 - التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين- شأن أحكام القضاء- تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائما ولم يقض ببطلانه، وهو ما أكدته المادة 55 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية.

3 - إذ كانت المادة 53 من ذات القانون "القانون رقم 27 لسنة 1994" تقضي ببطلان حكم التحكيم وقبول الدعوى بذلك في الحالات التي عددتها ومن بينها ما أوردته في الفقرة (ز) منها من وقوع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم.

4 - إذ كانت الهيئة المطعون ضدها "الهيئة المصرية العامة للبترول" قد أقامت الدعوى المطروحة بطلب بطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لأسباب عددتها في صحيفة دعواها ومنها بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه "وزير البترول" وهو ما يندرج في مفهوم الفقرة (ز) من المادة 53 سالفة البيان التي تجيز الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان شرط التحكيم لهذا السبب، ورتب على ذلك قضاءه ببطلان حكم التحكيم، فإنه لا يكون قد أهدر حجيته وإنما قضى بالبطلان لتحقق إحدى الحالات التي تستوجب القضاء ببطلانه، ويضحى النعي على غير أساس.

5 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة هو من صميم عملها وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها.

6 - إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته أو إشارته أو دلالته.

7 - إذ تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي، فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والحكمة من النص والجمع بين النصوص.

8 - إن العبرة في تفسير النصوص هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فإن التعرف على الحكم الصحيح في النص يقتضي تقصي الغرض الذي رمى إليه والقصد الذي أملاه.

9 - الأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم لا يجوز إهدار العلة، وهي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص، وهو ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو مفسدة أريد رفعها.

10 - المقرر أنه وإن خلا التقنين المدني من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد، فيجب على الجميع مراعاة هذه المصلحة- المصلحة العامة للبلاد- وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يحرمها أو لم يرد.

11 - "النظام العام" فكرة نسبية فالقاضي في تحديد مضمونها مقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه، مما تعتبر معه مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وفي ذلك ضمانة كبرى لإقامة هذا التحديد على أسس موضوعية.

12 - إذ كان قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 قد خول بنص الفقرة الثانية من المادة 53 منه للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان سلطة القضاء ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها، إذا تضمن الحكم ما يخالف النظام العام في مصر، وقد تحدث المخالفة بسبب ما ينص عليه القانون بالنسبة للعملية التحكيمية، وقد تكون المخالفة هي فقط القضاء بما يخالف النظام العام في مصر، فلا يكفي مخالفة الحكم لقاعدة آمرة في القانون المصري.

13 - إذ كان النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 على أنه "وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك "يدل- وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع تعديل بعض أحكام قانون التحكيم وتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن هذا التعديل- أنه رغبة في حسم الخلاف حول مدى جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية بنص فاصل لا تتوزع الآراء معه وتلتقي عنده وتستقر كل الاجتهادات جاء التعديل بالإضافة على المادة الأولى من قانون التحكيم سالف الذكر بنص يقرر صراحة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، ويحدد السلطة الإدارية التي يرخص لها بإجازة مثل هذا الاتفاق واعتماده، ضبطا لاستعمالها وضمانا لوفاء اتفاق التحكيم عندئذ باعتبارات الصالح العام، وبحيث يكون المرد في هذا الشأن للوزير المختص أو من يمارس اختصاصاته في الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة، إعلاء لشأنها وتقديرا لخطورتها ولاعتبارات الصالح العام وباعتبار أن الوزير يمثل الدولة في وزارته، ومفاد ذلك هو وجوب موافقة الوزير المختص على الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية أو موافقة من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وليست الهيئات العامة التي تتبع الوزير ويحظر التفويض في ذلك الاختصاص، وترتيبا على ذلك فإن صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على مدى حصول موافقة الوزير المختص دون غيره عليه هي من القواعد المتعلقة بالنظام العام باعتبارها قد شرعت لمصلحة عامة بما يحق معه التمسك بالبطلان لطرفي التعاقد حال تخلفها.

14 - إذ كان الواقع في الدعوى- حسبما حصله الحكم المطعون فيه- أن الهيئة المطعون ضدها تعاقدت مع الشركة الطاعنة بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 على توصيل الغاز الطبيعي إلى المناطق السكنية والتجارية والصناعية ومحطات القوى بمحافظة الشرقية، وقد تضمن هذا العقد من الشروط وتوفر له مقومات تكييفه بأنه عقد إداري- بلا خلاف بين طرفيه- واتفق فيه على حسم المنازعات التي تنشأ بينهما عن تطبيقه عن طريق التحكيم، وإذ كانت الهيئة المطعون ضدها وفقا لقانون إنشائها رقم 20 لسنة 1976 وقرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2007 بتشكيل مجلس إدارتها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة إلا أنها تمارس اختصاصات محددة لا تملك فيها سلطة وزير البترول، إذ إن قراراتها خاضعة لإشرافه ورقابته، ومن ثم فلا يتمتع الرئيس التنفيذي للهيئة بسلطات الوزير بالمعنى المقصود بالفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على موافقة وزير البترول على شرط التحكيم الوارد بالعقد أو اعتماده وإجازته، فإن هذا الشرط يكون قد وقع باطلا، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم المستند إلى شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين طرفي التداعي تأسيسا على بطلان الاتفاق على التحكيم لعدم موافقة وزير البترول عليه، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه على غير أساس.

15 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بشرط أن يكون بيانها سائغا.

16 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة الوارد بسببي الطعنين "أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع حاصله أن الموافقة على شرط التحكيم الوارد في اتفاقية توصيل الغاز المبرمة مع الهيئة المطعون ضدها تستفاد ضمنا من حضور وزير البترول لمراسم توقيع العقد، وكذا صدور حكمين لصالحها في التحكيمين رقمي ... لسنة 2004 و... لسنة 2006 من مركز القاهرة الإقليمي بشأن نزاعين آخرين عن ذات العقد وقامت الهيئة بتنفيذهما دون أن تتمسك ببطلانهما لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم، فضلا عن استمرار الهيئة المطعون ضدها في تنفيذ الاتفاقية حتى الآن، وهو ما يعد قبولا ضمنيا منها لشرط التحكيم وملزما لها ويمنعها من التمسك ببطلانه، وخلص إلى عدم صدور إجازة ضمنية أو قبول ضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين طرفي التداعي واللذين يقع على عاتقهما إبرامه وفق صحيح القانون لكون الخطاب التشريعي بوجوب موافقة الوزير المختص على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية موجه إلى طرفي التعاقد، وأن تنفيذ الاتفاق تم من جانب الهيئة المطعون ضدها وليس الوزير المختص والذي لا يصح هذا الشرط إلا بموافقته، وكان هذا الاستخلاص سائغا له مأخذه الصحيح من الأوراق بما يكفي لحمله.

17 - لا يعيب الحكم إغفاله لبعض مستندات الطاعنة أو عدم رده عليها ما دام أنها غير مؤثرة في الدعوى، ومن ثم يكون النعي بهذين السببين جدلا موضوعيا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى غير مقبول.

---------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الهيئة المطعون ضدها في الطعنين أقامت أمام محكمة استئناف القاهرة الدعوى رقم ... لسنة 126ق على الشركة الطاعنة فيهما بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم رقم ... لسنة 2008 الصادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 2009 لحين الفصل في الموضوع، وفي الموضوع ببطلان حكم التحكيم سالف البيان، وقالت بيانا لذلك إن الطاعنة لجأت إلى التحكيم بناء على شرط التحكيم المنصوص عليه في العقد المبرم بينهما بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 والذي التزمت الأخيرة بموجبه بتوصيل الغاز الطبيعي إلى بعض المناطق بمحافظة الشرقية، فأصدرت هيئة التحكيم حكمها، وإذ شاب هذا الحكم البطلان لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم قبل اللجوء للتحكيم فقد أقامت الدعوى ببطلانه، وبتاريخ 27 من مايو سنة 2010 قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم ... لسنة 2008 تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي الصادر بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 2009. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 13313، 13460 لسنة 80ق، وقدمت النيابة مذكرة في كل طعن أبدت فيهما الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة- في غرفة مشورة- حددت جلسة لنظرهما، وفيها ضمت الطعن الثاني إلى الأول، والتزمت النيابة رأيها.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الطعنين قد أقيم كل منهما على سببين من عدة وجوه، تنعى الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول منها في الطعن الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ قضى ببطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لبطلان شرط التحكيم الوارد في الاتفاقية الأصلية المبرمة بين طرفي التداعي بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 لعدم موافقة وزير البترول عليه، في حين أنه وافق على هذه الاتفاقية وفقا للإضافة رقم (2) المدونة بها وكذا الإضافة رقم (1) الموقعة في 29 من أبريل سنة 2001 باعتماده للتنازل عن الاتفاقية بما تضمنته من بنود ومنها شرط التحكيم من الهيئة المطعون ضدها إلى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن الشارع- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. وإذ لم تقدم الطاعنة رفق طعنها الاتفاقية المبرمة بينها وبين الهيئة المطعون ضدها بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 حتى يمكن التحقق من تضمنها إضافتين مثبت بهما موافقة وزير البترول واعتماده شرط التحكيم، إعمالا لحكم المادة 255 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007، فإن النعي على الحكم المطعون بهذا الوجه يكون مفتقرا لدليله، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الأول من سببي الطعن الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ أهدر حجية الأمر المقضي لحكم التحكيم رقم ... لسنة 2008 الصادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي مخالفا بذلك نص المادة 55 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، وقضى ببطلانه، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين- شأن أحكام القضاء- تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائما ولم يقض ببطلانه، وهو ما أكدته المادة 55 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وكانت المادة 53 من ذات القانون تقضي ببطلان حكم التحكيم وقبول الدعوى بذلك في الحالات التي عددتها ومن بينها ما أوردته في الفقرة (ز) منها من وقوع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم. لما كان ذلك، وكانت الهيئة المطعون ضدها قد أقامت الدعوى المطروحة بطلب بطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لأسباب عددتها في صحيفة دعواها ومنها بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه وهو ما يندرج في مفهوم الفقرة (ز) من المادة 53 سالفة البيان التي تجيز الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان شرط التحكيم لهذا السبب ورتب على ذلك قضاءه ببطلان حكم التحكيم، فإنه لا يكون قد أهدر حجيته، وإنما قضى بالبطلان لتحقق إحدى الحالات التي تستوجب القضاء ببطلانه، ويضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثالث من السبب الأول من سببي الطعن الأول والسبب الأول من سببي الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك تقول إن إبرام الرئيس التنفيذي للهيئة المطعون ضدها للعقد موضوع النزاع معها متضمنا شرط التحكيم لا يوجب موافقة وزير البترول على هذا الشرط، كما أن استيفاء تلك الموافقة هي مسئولية المطعون ضدها وحدها، ومن ثم يجب إعمال آثار شرط التحكيم واعتباره صحيحا مراعاة لحسن نيتها وإعمالا لنظرية الوضع الظاهر، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم موضوع النزاع تأسيسا على بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد لعدم موافقة وزير البترول عليه، مفسرا نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم على نحو مخالف للقواعد القانونية لتفسير النصوص التشريعية، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة هو من صميم عملها وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها، وأن إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته أو إشارته أو دلالته فإذا تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والحكمة من النص والجمع بين النصوص، وأن العبرة في تفسير النصوص هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فإن التعرف على الحكم الصحيح في النص يقتضي تقصي الغرض الذي رمى إليه والقصد الذي أملاه، فالأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم لا يجوز إهدار العلة، وهي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص، وهو ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو مفسدة أريد رفعها، ومن المقرر أنه وإن خلا التقنين المدني من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد، فيجب على الجميع مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يحرمها أو لم يرد، وهي فكرة نسبية فالقاضي في تحديد مضمونها مقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه، مما تعتبر معه مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض وفي ذلك ضمانة كبرى لإقامة هذا التحديد على أسس موضوعية، وكان قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 قد خول بنص الفقرة الثانية من المادة 53 منه للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان سلطة القضاء ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها، إذا تضمن الحكم ما يخالف النظام العام في مصر، وقد تحدث المخالفة بسبب ما ينص عليه القانون بالنسبة للعملية التحكيمية، وقد تكون المخالفة هي فقط القضاء بما يخالف النظام العام في مصر، فلا يكفي مخالفة الحكم لقاعدة آمرة في القانون المصري. لما كان ذلك، وكان النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 على أنه "وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك "يدل- وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع تعديل بعض أحكام قانون التحكيم وتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن هذا التعديل- أنه رغبة في حسم الخلاف حول مدى جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية بنص فاصل لا تتوزع الآراء معه وتلتقي عنده وتستقر كل الاجتهادات جاء التعديل بالإضافة على المادة الأولى من قانون التحكيم سالف الذكر بنص يقرر صراحة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، ويحدد السلطة الإدارية التي يرخص لها بإجازة مثل هذا الاتفاق واعتماده، ضبطا لاستعمالها وضمانا لوفاء اتفاق التحكيم عندئذ باعتبارات الصالح العام، وبحيث يكون المرد في هذا الشأن للوزير المختص أو من يمارس اختصاصاته في الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة، إعلاء لشأنها وتقديرا لخطورتها ولاعتبارات الصالح العام وباعتبار أن الوزير يمثل الدولة في وزارته، ومفاد ذلك هو وجوب موافقة الوزير المختص على الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية أو موافقة من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وليست الهيئات العامة التي تتبع الوزير ويحظر التفويض في ذلك الاختصاص، وترتيبا على ذلك فإن صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على مدى حصول موافقة الوزير المختص دون غيره عليه هي من القواعد المتعلقة بالنظام العام باعتبارها قد شرعت لمصلحة عامة بما يحق معه التمسك بالبطلان لطرفي التعاقد حال تخلفها. لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى- حسبما حصله الحكم المطعون فيه- أن الهيئة المطعون ضدها تعاقدت مع الشركة الطاعنة بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 على توصيل الغاز الطبيعي إلى المناطق السكنية والتجارية والصناعية ومحطات القوى بمحافظة الشرقية، وقد تضمن هذا العقد من الشروط وتوفر له مقومات تكييفه بأنه عقد إداري- بلا خلاف بين طرفيه- واتفق فيه على حسم المنازعات التي تنشأ بينهما عن تطبيقه عن طريق التحكيم، وإذ كانت الهيئة المطعون ضدها وفقا لقانون إنشائها رقم 20 لسنة 1976 وقرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2007 بتشكيل مجلس إدارتها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة إلا أنها تمارس اختصاصات محددة لا تملك فيها سلطة وزير البترول، إذ إن قراراتها خاضعة لإشرافه ورقابته، ومن ثم فلا يتمتع الرئيس التنفيذي للهيئة بسلطات الوزير بالمعنى المقصود بالفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على موافقة وزير البترول على شرط التحكيم الوارد بالعقد أو اعتماده وإجازته، فإن هذا الشرط يكون قد وقع باطلا، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم المستند إلى شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين طرفي التداعي تأسيسا على بطلان الاتفاق على التحكيم لعدم موافقة وزير البترول عليه فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني من سببي الطعنين على الحكم المطعون فيه البطلان للقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع حاصله أن الموافقة على شرط التحكيم الوارد في اتفاقية توصيل الغاز المبرمة مع الهيئة المطعون ضدها تستفاد ضمنا من حضور وزير البترول لمراسم توقيع العقد، وكذا صدور حكمين لصالحها في التحكيمين رقمي ... لسنة 2004 و... لسنة 2006 من مركز القاهرة الإقليمي بشأن نزاعين آخرين عن ذات العقد وقامت الهيئة بتنفيذهما دون أن تتمسك ببطلانهما لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم، فضلا عن استمرار الهيئة المطعون ضدها في تنفيذ الاتفاقية حتى الآن، وهو ما يعد قبولا ضمنيا منها لشرط التحكيم وملزما لها ويمنعها من التمسك ببطلانه، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع الجوهري المؤيد بالمستندات فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بشرط أن يكون بيانها سائغا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة الوارد بسببي الطعنين وخلص إلى عدم صدور إجازة ضمنية أو قبول ضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين طرفي التداعي واللذين يقع على عاتقهما إبرامه وفق صحيح القانون لكون الخطاب التشريعي بوجوب موافقة الوزير المختص على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية موجه إلى طرفي التعاقد، وأن تنفيذ الاتفاق تم من جانب الهيئة المطعون ضدها وليس الوزير المختص والذي لا يصح هذا الشرط إلا بموافقته، وكان هذا الاستخلاص سائغا له مأخذه الصحيح من الأوراق بما يكفي لحمله، فلا يعيب الحكم إغفاله لبعض مستندات الطاعنة أو عدم رده عليها ما دام أنها غير مؤثرة في الدعوى، ومن ثم يكون النعي بهذين السببين جدلا موضوعيا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى غير مقبول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق