الصفحات

الأحد، 30 ديسمبر 2018

دستورية منح القاضي الجزئي (أو رئيس نيابة على الأقل) صلاحية تجديد الأمر بالمراقبة وتسجيل المحادثات

الدعوى رقم 207 لسنة 32 ق " دستورية " جلسة 1 / 12 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من ديسمبر سنة 2018م، الموافق الثالث والعشرون من ربيع أول سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 207 لسنة 32 قضائية " دستورية ".
المقامة من
محمد حفنى أحمد عليان
ضــــــد
1 - رئيس الجمهوريـة
2 - رئيس مجلس الـــوزراء
3 - رئيس مجلس الشعب ( النــــــواب حاليًا )
4 - النائــب العــام
الإجراءات
      بتاريخ السادس عشر من ديسمبر سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (95، 206/5 "وصحتها الفقرة الرابعة"، 206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 3/11/2018، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بتقديم مذكرات في خلال أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى وآخرين، للمحاكمة الجنائية في الجناية رقم 1575 لسنة 2010 جنايات أول الغردقة (المقيدة برقم 404 لسنة 2010 كلى البحر الأحمر)، متهمة إياه بأنه في خلال الفترة من شهر أكتوبر سنة 2009 حتى 15/2/2010، بدائرة قسم أول الغردقة - محافظة البحر الأحمر، بصفته في حكم الموظف العام (رئيس قطاع شبكات كهرباء البحر الأحمر بشركة القناة لتوزيع الكهرباء) طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب من المتهم الخامس بوساطة المتهم الثامن مبلغ عشرة آلاف جنيه، وأخذ منه مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة، مقابل توصيل الكابلات الكهربائية بمشروع مبارك (11)، المسند تنفيذه لشركة أبو النصر للمقاولات والاستثمارات العقارية والسياحية، المملوكة للمتهم الخامس على النحو المبين بالتحقيقات. كما طلب بصفته المار ذكرها، وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن طلب وأخذ من المتهمين السادس والسابع بوساطة المتهمين الثامن والتاسع مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة، مقابل إنهاء إجراءات تركيب عداد مؤمن لقياس استهلاك التيار الكهربائي بمحل خير زمان بمدينة الغردقة، الخاص بجهة عمل المتهمين السادس والسابع - شركة مترو ماركت للتجارة والتوزيع - وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، وطلب بصفته سالفة البيان، وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، بأن طلب وأخذ من المتهمين السادس والسابع بوساطة المتهمين الثامن والتاسع مبلغ عشرين ألف جنيه، على سبيل الرشوة مقابل الموافقة على زيادة القدرة الكهربائية لمحل مترو ماركت بمدينة الغردقة، المملوك لجهة عمل المتهمين السادس والسابع على النحو المبين بالتحقيقات، وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (103، 107 مكررًا، 110، 111/1، 6) من قانون العقوبات. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نصي المادتين (95، 206/5 "وصحتها الفقرة الرابعة") من قانون الإجراءات الجنائية، فيما نصت عليه من السماح لقاضى التحقيق بتجديد مدة المراقبة والتسجيل لمدة أو لمدد أخرى مماثلة، دون قيد، حتى تصبح غير محددة، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة، وبتاريخ 20/3/2018، أودع محمد مصطفى محمود إسماعيل، قلم كتاب المحكمة طلب تدخل فيها منضمًّا للمدعى في طلباته.
وحيث إنه عن طلب محمد مصطفى محمود إسماعيل، التدخل في الدعوى المعروضة خصمًا منضمًّا للمدعى في طلباته، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبول طلب التدخل أن يكون مقدمه ممن كان طرفًا في الخصومة الموضوعية. لما كان ذلك، وكان الثابت أن طالب التدخل في الدعوى الدستورية المعروضة لم يكن طرفًا أصيلاً أو متدخلاً في الدعوى الموضوعية في الحالة المعروضة، ولم تثبت له تبعًا لذلك صفة الخصم التي تسوغ اعتباره من ذوى الشأن في الدعوى الدستورية، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول تدخله.
وحيث إن المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن: "لقاضى التحقيق أن يأمر بضبط الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
وفى جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل بناء على أمر مسبب ولمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة".
وتنص المادة (206) من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة على أن: "لا يجوز للنيابة العامة تفتيش غير المتهم أو منزل غير منزله اتضح من أمارات قوية أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.
ويجوز لها أن تضبط لدى مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود ولدى مكاتب البرق جميع البرقيات، وأن تراقب المحادثات السلكية واللاسلكية، وأن تقوم بتسجيلات لمحادثات جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
ويشترط لاتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة الحصول مقدمًا على أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد اطلاعه على الأوراق.
وفى جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة لمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا ويجوز للقاضي الجزئي أن يجدد هذا الأمر مدة أو مددًا أخرى مماثلة.
وللنيابة العامة أن تطلع على الخطابات والرسائل والأوراق الأخرى والتسجيلات المضبوطة، على أن يتم هذا كلما أمكن ذلك بحضور المتهم والحائز لها أو المرسلة إليه وتدون ملاحظاتهم عليها. ولها حسب ما يظهر من الفحص أن تأمر بضم تلك الأوراق إلى ملف الدعوى أو بردها إلى من كان حائزًا لها أو من كانت مرسلة إليه".
وتنص المادة (206 مكررًا) من القانون المذكور المضافة بالقانون رقم 95 لسنة 2003 بإلغاء القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة، وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، والمعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية على أن: "يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل - بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة - سلطات قاضى التحقيق في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكررًا والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ويكون لهم فضلاً عن ذلك سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة المبينة في المادة (143) من هذا القانون في تحقيق الجرائم المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني المشار إليه بشرط ألا تزيد مدة الحبس في كل مرة على خمسة عشر يومًا.
ويكون لهؤلاء الأعضاء من تلك الدرجة سلطات قاضي التحقيق فيما عدا مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في المادة (142) من هذا القانون، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات".
وحيث إن طلبات المدعى التي ضمنها صحيفة دعواه الدستورية، قد انصبت على الطعن بعدم دستورية نصوص المواد (95)، (والفقرة الخامسة من المادة 206 "وصحتها الفقرة الرابعة")، والمادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، وكان المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الدعوى الدستورية، ينحصر نطاقها في النصوص القانونية التى دفع خصم أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وفى حدود ترجيحها لمنطقية المطاعن الموجهة إليها، تقديرًا بأن المسائل الدستورية التي أثارها هذا الدفع، هي التي قدر الحكم الصادر عنها جديتها، والتي اتصل بها تصريحها برفع الدعوى الدستورية. إذ كان ما تقدم، وكان الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع، قد تعلق بعجز الفقرة الثانية من المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية فيما نص عليه من منح قاضى التحقيق سلطة تجديد مدة المراقبة أو التسجيل لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وكذا ما تضمنه عجز الفقرة الرابعة من المادة (206) من هذا القانون، من منح القاضي الجزئي صلاحية تجديد الأمر بالمراقبة والتسجيل، لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وهي الأحكام التي انصب عليها حقيقة تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية، لينحصر فيها نطاق الدعوى الدستورية المعروضة، دون غيرها من أحكام المادتين (95، 206/4) من قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك نص المادة (206 مكررًا) من هذا القانون، ليضحى اختصامها في الدعوى الدستورية المعروضة فيما جاوز ما تقدم، دعوى دستورية أصلية، أقيمت بالطريق المباشر بالمخالفة لنص المادة (29/ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، فهو مردود؛ ذلك أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، وقوامها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية، متى كان ذلك، وكان المدعى قد تمسك أمام محكمة الموضوع بمذكرته المقدمة بجلسة 23/10/2010، ببطلان الإذن الصادر من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بتسجيل ومراقبة المحادثات التليفونية، وكذا تسجيل المقابلات والأحاديث في الأماكن الخاصة بالمدعى، والمحادثات التي جرت بينه وبين باقي المتهمين في الجناية محل الدعوى الموضوعية، والصادر بتاريخ 9/12/2009، وتم تجديده بتاريخ 5/1/2010، ثم بتاريخ 3/2/2010، وتدعيمًا لطلبه دفع المدعى بذات الجلسة بعدم دستورية النصوص المشار إليها في حدود نطاقها المتقدم، وكان نص الفقرة الرابعة من المادة (206) من قانون الإجراءات الجنائية إنما يتعلق بسلطة القاضي الجزئي في إصدار الأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية، وتسجيل المحادثات التي جرت في مكان خاص، وتجديد هذا الأمر لمدة أو مدد أخرى مماثلة، ولا صلة للأحكام التي تضمنها في هذا الشأن بسلطة النيابة العامة في إصدار الأمر بالمراقبة والتسجيل المقـررة لها بمقتضى نص المادة (95)، والفقرة الثانية من المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي استند إليها الأمر الصادر من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا الذى يتضرر منه المدعى، مما مؤداه انتفاء مصلحة المدعى في الطعن على هذا النص، ذلك أن الفصل في دستوريته لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الطلب المبدى من المدعى في هذا الشأن، وقضاء محكمة الموضوع فيه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة له، لتغدو المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى متحققة في الطعن على عجز الفقرة الثانية من المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية، وذلك فيما تضمنه من تخويل قاضى التحقيق سلطة تجديد المدة الصادر بها الأمر القضائي المسبب بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية وإجراء تسجيل لأحاديث جرت في مكان خاص، لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وذلك في مجال انطباقه على سلطة النيابة العامة في إصدار هذا الأمر، المقررة لها بمقتضى عجز الفقرة الثانية من المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، الذى منح أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضى التحقيق، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاصة بالرشوة، والتي من بينها تجديد المدة الصادر بها الأمر بالمراقبة والتسجيل، إذ إن القضاء في دستورية النص المذكور في حدود النطاق المتقدم سيكون ذا أثر أكيد على الطلب المطروح من المدعى على محكمة الموضوع، والذى ينعى فيه بالبطلان على الإذن بالمراقبة والتسجيل، الصادر ضده من المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا المشار إليه، وصولاً إلى إبطال الدليل الناشئ عن هذه الإجراءات في حقه، بوصف أن الأحكام المتقدمة هي السند التشريعي الذى خول النيابة العامة سلطة إصدار أمر المراقبة والتسجيل للمدة التي عينها القانون وتجديدها، مما يتعين معه الالتفات عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه محددًا نطاقه على النحو المتقدم مخالفته لنصى المادتين (41، 45) من دستور سنة 1971، استنادًا منه إلى أن منح أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضى التحقيق بالنسبة لجرائم الرشوة، وتخويلهم سلطة تجديد مدة المراقبة والتسجيل لمدة أو مدد أخرى مماثلة، يؤدى إلى خضوع المتهم للمراقبة والتسجيل لمدة غير محددة، وهو ما يشكل اعتداءً على الحرية الشخصية، ويتصادم مع ما اشترطه الدستور من أن تكون المراقبة بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة وفقًا لأحكام القانون.
وحيث إن المدعى ينعى كذلك على فرض الرقابة على تليفونه الخاص مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وهو في حقيقته نعى على نص المادة (45) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المادة (57) من الدستور الحالي، التي أجازت الرقابة على المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وهو ما يخرج الفصل فيه عن ولاية هذه المحكمة، التي حصرت المادة (192) من الدستور الحالي، والمادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، اختصاصها في الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، ولا تمتد رقابتها - من ثم - إلى نصوص الدستور ذاته، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة, ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه - الذى    مازال معمولاً به، وذلك من خلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة في 18 يناير سنة 2014.
وحيث إن من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن توافر الضمانات القضائية، وأهمها الحيدة والاستقلال، يعد أمرًا لازمًا في كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة، وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدرًا، وهاتان الضمانتان تتوفران بلا ريب في أعضاء النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية، أحاطها المشرع بسياج من الضمانات والحصانات على النحو الوارد بقانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، على نحو يقطع بتوافر ضمانتي الاستقلال والحيدة لهم، فضلاً عن أن عضو النيابة العامة يمارس أعمال التحقيق والتصرف فيه من بعد ذلك، وقد حل محل قاضى التحقيق لاعتبارات قدرها المشرع، والتى من بينها ما قررته المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية من منح أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل سلطات قاضى التحقيق، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات المتعلقة بجرائم الرشوة، بما فيها السلطة المقررة لقاضى التحقيق بمقتضى نص المادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية في شأن إصدار الأمر بالمراقبة والتسجيل، وتحديد مدتهما في الإطار الذى عينه القانون، وفى هذه الحدود فإن عضو النيابة العامة يستمد حقه لا من النائب العام بصفته سلطة الاتهام، وإنما من القانون ذاته، وهو الأمر الذى تستلزمه إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة، وما يصدر عن عضو النيابة من قرارات وأوامر قضائية في هذا النطاق، إنما يصدر منه متسمًا بتجرد القاضي وحيدته، مستقلاًّ في اتخاذ قراره عن سلطان رئاسة رئيس أو رقابة رقيب، ومن أجل ذلك حرص الدستور الحالي على النص في المادة (189) منه على أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، ليتمتع أعضاؤها بذات ضمانات القضاة، وأخصها الاستقلال، وعدم القابلية للعزل، ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون، التي أكد عليها الدستور في المادة (186) منه، الأمر الذى يضحى معه الأمر الصادر من أعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل بالمراقبة والتسجيل وتحديد مدتها وتجديدها، المقررة لهم بمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة (95)، والفقرة الثانية من المادة (206 مكررًا) من قانون الإجراءات الجنائية، داخلاً في نطاق الأمر القضائي المسبب الذى اشترطته المادة (57) من الدستور لفرض تلك الرقابة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تمثل أغوارًا لا يجوز النفاذ إليهـا، وينبغي دوما - ولاعتبار مشروع - ألا يقتحمها أحد ضمانًا لسريتها، وصونًا لحرمتها، ودفعًا لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها، وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التى بلغ تطورها حدًّا مذهلاً، وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثر بعيد على الناس جميعهم حتى في أدق شئونهم، وما يتصل بملامح حياتهم، بل وببياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهبًا لأعينها ولآذانها. وكثيراً ما ألحق النفاذ إليها الحرج أو الضرر بأصحابها. وهذه المناطق من خواص الحياة ودخائلها، تصون مصلحتين قد تبدوان منفصلتين، إلا أنهما تتكاملان، ذلك أنهما تتعلقان بوجه عام بنطاق المسائل الشخصية التي ينبغي كتمانها، وكذلك نطاق استقلال كل فرد ببعض قراراته المهمة التى تكون - بالنظر إلى خصائصها وآثارها - أكثر اتصالا بمصيره وتأثيرًا في أوضاع الحياة التى اختار أنماطها، وتبلور هذه المناطق جميعها - التى يلوذ الفرد بها، مطمئنًا لحرمتها ليهجع إليها بعيدًا عن أشكال الرقابة وأدواتها - الحق في أن تكون للحياة الخاصة تخومها بما يرعى الروابط الحميمة في نطاقها, ولئن كانت بعض الوثائق الدستورية لا تقرر هذا الحق بنص صريح فيها، إلا أن البعض يعتبره من أشمل الحقوق وأوسعها، وهو كذلك أعمقها اتصالاً بالقيم التى تدعو إليها الأمم المتحضرة.
وحيث إن الدستور الحالى بعد أن نص في الفقرة الأولى من المادة (57) منه على أن للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، فرَّع عن هذا الحق - وبنص الفقرة الثانية من هذه المادة - الحق في صون المراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال تقديرًا لحرمتها، كما كفل سريتها، بحيث لا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون، وفى هذا الإطار أخضع النص المطعون فيه تقرير المراقبة أو التسجيل وتحديد مدتها لمجموعة من الضوابط الحاكمة لها، التى تضمن جديتها وفاعليتها في صون الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، فاشترط أن يصدر بها أمر مسبب من قاضى التحقيق - أو عضو النيابة العامة الذى لا تقل درجته عن رئيس نيابة - بناء على ما تكشف له من التحريات والتحقيقات من دلائل على جدية الاتهام الموجه للمتهم، والذى يصلح ويكفى سببًا لإصدار الأمر، للمدة التى يقدرها، والتي لا تزيد على ثلاثين يومًا، وإن أجاز تجديدها لمدة أو مدد أخرى مماثلة، إلا أنه أحاط تحديد تلك المدة وتجديدها بضمانات تكفل عدم تأبيدها، وعدم مساسها بالحرية الشخصية أو تجاوزها تخوم الحياة الخاصة، والتي كفلها الدستور في المادتين (54، 57) منه، إلا لضرورة تقتضيها مصلحة التحقيق باعتبارها أحد أوجه المصلحة العامة، وغايتها إظهار الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وفى الحدود التي يستوجبها ذلك، حتى لا تتخذ هذه الإجراءات مع خطورتها سبيلاً للتغول على حقوق الأفراد وحرياتهم، وفى جرائم قليلة الأهمية، وتحديدًا لنطاق هذا الحكم تطلب المشرع أن تكون هذه الإجراءات ذات فائدة في إظهار الحقيقة، كما عين موضوعها في مراقبة المحادثات السلكية أو اللاسلكية، أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص، منظورًا في ذلك إلى أن ضبط الأحاديث الشخصية عن طريق تسجيلها يعتبر - كما أبانت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 37 لسنة 1972 المشار إليه - نوعًا من التفتيش، ومن ثم فإنه يجب أن يخضع لأحكام التفتيش، هذا فضلاً عن خضوع الأمر بالمراقبة أو التسجيل لسلطة محكمة الموضوع، ليبقى دائمًا ضمان عدم تأبيد مدتها أو تجاوزها الحدود المعقولة التي تقتضيها ضرورات التحقيق، وإظهار الحقيقة، شرطًا لمشروعيتها وتوافقها مع أحكام الدستور، ومصدره نص الدستور ذاته في المادة (57) منه، واشتراطه أن يكون فرض الرقابة لمدة محددة، والمادة (95) من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليها، والتي اشترطت أن تكون المراقبة والتسجيل ذات فائدة في ظهور الحقيقة، والذى يعد قيدًا على السلطة مصدرة الأمر، وخاضعًا في الوقت ذاته لرقابة محكمة الموضوع، وتقديرها للدليل الناشئ عنه، في إطار حريتها في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى التي تطرح عليها، لتقول هي وحدها كلمتها فيها، ليكون مرد الأمر دائمًا إلى ما استخلصته هي من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة في ذلك بوجهـة نظر النيابة العامة أو الدفاع أو أي جهة أخرى بشأنها، إضافة إلى حق المتهم في تفنيد هذا الدليل ودحضه، بما كفله له نص المادة (98) من الدستور، من الحق في الدفاع أصالة أو بالوكالة، باعتباره أحد ضمانات المحاكمة المنصفة العادلة التي كفلها الدستور للمتهم بمقتضى نص المادة (96) منه، ليضحي التنظيم الذى أتى به النص المطعون فيه في حدود النطاق المتقدم غير مصادم لنصوص المواد (54، 57، 98) من الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه في حدود الإطار المشار إليه لا يخالف أي نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم قبول تدخل محمـد مصطفى محمود إسماعيل خصمًا في الدعوى.
ثانيًا : برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق