الصفحات

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

دستورية إلغاء طريق الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية


القضية رقم 24 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 6 / 4 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من أبريل سنة 2014م، الموافق السادس من جمادى الآخرة سنة 1435 هـ.
برئاسة السيد المستشار / أنور رشاد العاصي النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 33 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / .........
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد رئيس مجلس الشعب
4- السيد النائب العام
5- السيد وزير العدل
6- السيدة / ..........
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من فبراير سنة 2011، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً في ختامها الحكم: 
أولاً: بعدم دستورية نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004.
ثانياً: بعدم دستورية القرار والكتاب الدوري الصادر عن محكمة النقض المانع لقبول الطعون بالنقض في أحكام الدوائر الاستئنافية بمحاكم الأسرة .
ثالثاً: بعدم دستورية نصي المادتين (62) و (63) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية .
رابعاً: بإلزام أجهزة الدولة المطعون ضدها المتمثلة في الحكومة ، بإلغاء النصوص المطعون عليها مع العمل على إزاحة كل الآثار المترتبة عليها، والعمل على تمكين الطاعن في الملاذ إلى قضاء محكمة النقض لعرض الدعاوى المذكورة عليها مع تكليفها بإزالة جميع العوائق الإجرائية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعى عليها السادسة كانت قد أقامت ضد المدعي الدعوى رقم 162 لسنة 2008 أمام محكمة الأسرة بمنيا القمح؛ بطلب الحكم بإثبات نسب صغيرها "نادر" من والده " المدعي "، على سند من القول بأنها تزوجت منه بموجب عقد رسمي برقم 5430 في 7/12/2003، ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح بالطفل المذكور، إلا أن المدعي رفض قيد ميلاده بمكتب الصحة المختص، وبجلسة 25/11/2009 قضت المحكمة لها بطلباتها؛ فطعن المدعي على هذا الحكم أمام محكمة استئناف المن صورة "مأمورية الزقازيق" وقُيد استئنافه برقم 4483 لسنة 52 ق، وبجلسة 26/12/2010 دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة . وبجلسة 27/4/2011 قضت محكمة استئناف المنصورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف .
وحيث إن المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004 تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض".
وحيث إن المادة (62) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، تنص على أن "للخصوم وللنيابة العامة الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، كما يكون لهم الطعن بالنقض في القرارات الصادرة من هذه المحاكم في مواد الحجر والغيبة والمساعدة القضائية وعزل الوصي وسلب الولاية أو وقفها أو الحد منها أو ردها واستمرار الولاية أو الوصاية أو الحساب".
كما تنص المادة (63) من القانون ذاته على أنه "لا تنفذ الأحكام الصادرة بفسخ عقود الزواج أو بطلانها أو بالطلاق أو التطليق إلا بانقضاء مواعيد الطعن عليها بطريق النقض، فإذا طعن عليها في الميعاد القانوني، استمر عدم تنفيذها إلى حين الفصل في الطعن.
وعلى رئيس المحكمة أو من ينيبه تحديد جلسة لنظر الطعن مباشرة أمام المحكمة في موعد لا يجاوز ستين يوماً من تاريخ إيداع صحيفة الطعن قلم كتاب المحكمة أو وصولها إليه، وعلى النيابة العامة تقديم مذكرة برأيها خلال ثلاثين يوماً على الأكثر قبل الجلسة المحددة لنظر الطعن.
وإذا نقضت المحكمة الحكم كان عليها أن تفصل في الموضوع".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مقتضى نص المادة (29/ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، أن يتحدد نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أُثير أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته . ولما كان المدعي قد قصر دفعه بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع على نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وهو ما انصب عليه التصريح الصادر منها بإقامة الدعوى الدستورية ، فإن نطاق الدعوى الراهنة يتحدد في هذا النص دون سواه، وبه تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية ، وينحل الطعن على سائر النصوص الأخرى السالفة البيان طعناً مباشراً بطريق الدعوى الأصلية ؛ بالمخالفة للأوضاع التي رسمها القانون، متعيناً عدم قبوله.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (40) و (65) و(68) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد حرمه من درجة من درجات التقاضي، وحال بينه وبين اللجوء إلى قاضيه الطبيعي المتمثل في محكمة النقض التي تفصل في المسائل القانونية التي تتضمنها الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية ، ومايز بينه وبين النائب العام الذي يحق له استثناءً الطعن بالنقض طبقاً للمادة (250) من قانون المرافعات، كما مايز بينه وبين سائر الخصوم الذين صدرت في شأنهم أحكام من غير محاكم الأسرة ، بالرغم من وحدة طبيعة الدعوى وتكافؤ المراكز القانونية للمتداعين في كلتا الحالتين، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزاً تحكمياً غير مبرر، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة وتقييداً لحق التقاضي وإهداراً لمبدأ سيادة القانون.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام دستور سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية .
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (40، 65، 68) من دستور سنة 1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستورية ذاتها التي تنص عليها المواد (53، 2/94، 97) من دستور سنة 2014 المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافة ً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتأيه محققاً للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضاً أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستورياً هو ما يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبياً لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنها سلطة تقديرية ، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية بعد عرضها على قضاتها خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً، وقصر حق التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة ، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائماً على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها الواقعية منها والقانونية فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى ، تبعًا لذلك فلا يجوز من زاوية دستورية انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا.
وحيث إنه من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية ، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعاً، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصوراً على بعضهم، ولا منصرفاً إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفراً من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، من ضبطاً وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن المشرع قد تغيا من النص المطعون فيه وعلى ما تضمنته الأعمال التحضيرية لقانون إنشاء محاكم الأسرة الم تضمن لهذا النص سرعة حسم المنازعات المتصلة بالأسرة ؛ لما تتسم به هذه المنازعات من طبيعة خاصة تتعلق، في جوهرها، بأخص أمور العلاقات الإنسانية ، والقضاء على تكدس القضايا بالمحاكم وتوفير جهد القضاة ، ورفع العنت عن كاهل الزوجة لضمان استقرار الأسرة ، وتحقيق مصالح الصغار بوجه خاص وتجنيبهم كضحايا للخلافات الزوجية الكثير من المعاناة في أروقة المحاكم، وفض تعارض الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بدرجاتها في مسائل الأحوال الشخصية ، وفي سبيل ذلك؛ عمد المشرع إلى استحداث نظام قضائي متكامل يجمع منازعات الأسرة أمام محكمة واحدة تتمتع بالخبرة والتخصص؛ تُشكل من ثلاثة قضاة ؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة ، وتختص بمسائل كان ينفرد بنظر العديد منها قاض فردى ، وتستأنف أحكامها أمام دائرة من دوائر محكمة الاستئناف المشكلة من ثلاثة مستشارين؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة استئناف، على حين كانت أحكام المحاكم الجزئية قبل العمل بقانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه تستأنف أمام إحدى دوائر المحكمة الابتدائية التي تُشكل من ثلاثة قضاة . كما أضفى المشرع على محاكم الأسرة مكنة تحقيق الصلح بين أفراد الأسرة الواحدة بما يُسمى بالبعد الاجتماعي لدور محكمة الموضوع، عن طريق معاونتها بنيابة متخصصة في شئون الأسرة ؛ تتولى تهيئة الدعوى ، ومكتب لتسوية المنازعات الأسرية ، وفريق من الإخصائيين في المجالين الاجتماعي والنفسي، مما أدى بالمشرع إلى الاستغناء عن طريق طعن غير عادي يتمثل في الطعن بالنقض يكون من شأنه إطالة أمد النزاع وزعزعة المراكز القانونية لأفراد الأسرة ، واكتفى في حسم تلك المنازعات بقضاء محاكم الاستئناف المشكلة من عناصر تتمتع بالخبرة الطويلة والتخصص، بما يجعل إلغاء طريق الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية متفقاً وطبيعة الدعاوى التي تصدر فيها هذه الأحكام.
وحيث إن النص المطعون فيه قد أجاز للنائب العام الطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحوال المقررة بالمادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، دون إفادة الخصوم من هذا الطعن، وقد استند هذا النص في ذلك وعلى ما يتبين من الأعمال التحضيرية في شأنه إلى قاعدة موضوعية تتمثل في استهداف توحيد المبادئ القانونية في شأن إعمال أحكام النص المطعون فيه، لوضع حد للخلاف حول تطبيقه في المنازعات المنظورة أمام المحاكم وقت صدور حكم محكمة النقض بناءً على ذلك الطعن؛ وبالتالي استقرار المراكز القانونية لأطراف هذه المنازعات. ومن ثم فإن النص المطعون فيه؛ وإن مايز في هذا الصدد بين المتداعين الخاضعين لأحكامه من جهة والنائب العام من جهة أخرى ، إلا أن هذا التمييز؛ وقد شُيد على أساس القاعدة الموضوعية السالفة البيان، فإنه ينهض تمييزاً مبرراً غير قائم على أساس تحكمى .
وحيث إن النص المطعون فيه، ولئن ترتب على تطبيقه كذلك تمايز بين المتداعين في مسائل الأحوال الشخصية ، مقتضاه عدم إمكان الخاضعين لحكمه الطعن بالنقض على الأحكام النهائية الصادرة في شأنهم، في حين أنه إعما لاً لأحكام المادتين الثانية والثالثة من مواد القانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة ؛ فإن غير المخاطبين بالنص المطعون فيه من سائر المتداعين في مسائل الأحوال الشخصية وهم الذين صدرت في شأنهم أحكام من غير محاكم الأسرة يتمتعون بحق الطعن بالنقض أو الاستمرار في نظره أمام محكمة النقض، حسب الحالة التي توجد عليها منازعاتهم قبل تاريخ العمل بهذا القانون، إلا أن هذا التمييز قد ورد على أساس قاعدة موضوعية تبرره؛ تتمثل على ما فصلته الأعمال التحضيرية لقانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه في ضرورة مواجهة ما أفرزه الواقع من الكثير من المشكلات العملية الناجمة عن حالات تعارض الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بدرجاتها في مسائل الأحوال الشخصية وعدم ملاءمة هذا التعارض مع طبيعة البنيان الخاص بالأسرة المصرية على النحو السالف البيان مما دعا إلى ضرورة استحداث تنظيم تشريعي متكامل للتقاضي في هذه المسائل؛ يستهدف وضع حد لاستمرار تلك المشكلات العملية ، وهو ما يقع في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في إطار القيام بوظيفته في تطوير النظم القانونية القائمة ، وتبعًا لذلك فلا يقوم هذا التمييز على أساس تحكمي، بعد أن استند على قاعدة موضوعية تبرره.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه المشار إليه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في المنازعات والدعاوى التي تختص بنظرها محاكم الأسرة ، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمامها نظاماً للتداعي يقوم على أساس نوع المنازعة ، بحيث تعرض الدعاوى على محكمة أول درجة ، وأجاز استئناف الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية ، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا القانون، والتي تتمثل على ما يتضح جلياً من أعما له التحضيرية في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الأسري وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التي تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه المنازعات التي يعُتبر الزمن عنصراً جوهرياً في حسمها، وعام لاً أساسياً لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال في الوقت ذاته بكفالة الضمانات الأساسية لحق التقاضي، ولا بأركانه التي كفلها الدستور على النحو السالف البيان، بما يكفل لأى من المتقاضين أمام هذه المحاكم، عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعاً بفرص متكافئة في الطعن على الحكم الصادر من أول درجة من درجات التقاضي أمام الدائرة الاستئنافية ، بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلاً منصفاً يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً منهياً عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي أمام محاكم الأسرة على أساس نوع المنازعة باعتبارها تعكس أهميتها النسبية قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها ، وتبعًا لذلك تنتفي قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو تقييد حق التقاضي.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفاً لأحكام المواد (53، 2/94، 97) من دستور سنة 2014، كما لا يخالف أى أحكام أخرى من هذا الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى .
وحيث إن محكمة استئناف المن صورة ، ولئن استمرت في نظر الدعوى الموضوعية وقضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وكان يتعين عليها بعد تقديرها جدية الدفع بعدم الدستورية وتصريحها للمدعي بإقامة دعواه الدستورية الراهنة أن تتربص قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية ، إلا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما انتهى إليه الحكم في الدعوى الدستورية الراهنة برفضها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق