الصفحات

الأحد، 28 أكتوبر 2018

دستورية التقادم الحولي للحقوق العمالية


القضية رقم 306 لسنة 24 ق " دستورية " جلسة 11 / 12 / 2005
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 11 ديسمبر سنة 2005م، الموافق 9 من ذى القعدة 1426 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله وإلهام نجيب نوار وماهر سامى يوسف وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمد جبالى .
وحضور السيد المستشار / رجب عبد الحكيم سليم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 306 لسنة 24 قضائية " دستورية " المحالة من محكمة استئناف القاهرة بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 374 لسنة 119 ق.
المقامة من
السيد / نبيل السيد محمد المهدى
ضد
السيد رئيس مجلس إدارة شركة مصر للسياحة
الإجراءات
 بتاريخ الأول من ديسمبر سنة 2002، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 374 لسنة 119 قضائية ، بعد أن قضت محكمة استئناف القاهرة ، بجلسة 24/7/2002 –وقبل الفصل في الموضوع- بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في مدى دستورية نص المادة (698) من القانون المدني . 
 وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم باعتبار الخصومة منتهية . 
 وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. 
 ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة . 
حيث إن الوقائع -على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى أقام الدعوى رقم 667 لسنة 2000 عمال كلى الجيزة ، ضد المدعى عليه، بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى له مقابل رصيد الإجازات الزائد على ثلاثة أشهر حتى تاريخ خروجه على المعاش في 22/12/1998، وتعويضه عن الأضرار المادية والأدبية ، على سند من القول بأنه كان يعمل بالشركة المدعى عليها حتى بلوغه سن الستين، واستلم جميع مستحقاته بما فيها المقابل النقدي لرصيد الإجازات بما لا يزيد على ثلاثة أشهر، على الرغم من أنه يستحق هذا المقابل كاملاً تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن. وبجلسة 29/1/2002 قضت المحكمة بسقوط الحق في الدعوى بالتقادم الحولي عملاً بنص المادة (698) من القانون المدني. وإذ لم يصادف هذا الحكم قبولاً لدى المدعى ، فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 374 لسنة 119 ق. أمام محكمة استئناف القاهرة ، طالباً الحكم بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء له مجدداً بطلباته أمام محكمة أول درجة . وإذ تراءى لمحكمة الاستئناف عدم دستورية نص المادة (698) من القانون المدني لمخالفته نص المادتين (40، 68) من الدستور لعدم مساواته بين أجور العمال الواردة بهذا النص وبين المهايا والأجور والمعاشات التي تتقادم بمضي خمس سنوات طبقاً لنص المادة (375) من القانون المدني ، فضلاً عن إهداره حق التقاضي ، فقد قضت بجلسة 24/7/2002 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية نص المادة (698) من القانون المدني . 
وحيث إن المادة (698) من القانون المدني "المطعون عليها" تنص على أنه:-
"(1)- تسقط بالتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بإن قضاء سنة تبدأ من وقت انتهاء العقد، إلا فيما يتعلق بالعمالة والمشاركة في الأرباح والنسب المئوية في جملة الإيراد، فإن المدة فيها لا تبدأ إلا من الوقت الذى يسلم فيه رب العمل إلى العامل بياناً بما يستحقه بحسب آخر جرد.
(2)- ولا يسرى هذا التقادم الخاص على الدعاوى المتعلقة بانتهاك حرمة الأسرار التجارية أو بتنفيذ نصوص عقد العمل التي ترمى إلى ضمان احترام هذه الأسرار." 
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة باعتبار الخصومة منتهية ، تأسيساً على أن هذه المحكمة سبق وأن قضت بجلسة 4/8/2001 في القضية رقم 55 لسنة 22 قضائية "دستورية " برفض الدعوى ،. فهو غير سديد، ذلك أن البين من قضاء المحكمة الدستورية الصادر بجلسة 4/8/2001 في القضية رقم 55 لسنة 22 قضائية "دستورية "، التي أُقيمت نعياً على مخالفة المادة (698) من القانون المدني لمبادئ ء الشريعة الإسلامية ، أن المحكمة اقتصرت في قضائها المذكور على التصدي لهذا المنعى فقط، باعتباره مبنى الطعن الوحيد، وخلصت إلى رفض الدعوى ، تأسيساً على أن القيد المقرر بمقتضى المادة الثانية من الدستور، بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980، والم تضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادى ء الشريعة الإسلامية ، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، وإذ كانت المادة المذكورة من القانون المدني الصادر سنة 1948 لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، فإن النعي عليها بمخالفة الدستور يكون في غير محله. مما مؤداه أن قضاء هذه المحكمة في الدعوى المشار إليها لا يعتبر مطهراً لذلك النص مما قد يكون عالقاً به من مثالب أخرى ، ولا يحول بين كل ذي مصلحة وإعادة طرحه على المحكمة . 
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة ، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية ، مناطها –وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور في جوهره حول أحقية المدعى في المقابل النقدي لرصيد إجازاته الذى يجاوز ثلاثة أشهر، وقد قضت محكمة الموضوع بسقوط حق المدعى في الدعوى بالتقادم الحولي استنادا إلى نص المادة (698) من القانون المدني ، حيث كان قد أقام دعواه بتاريخ 3/1/2000 بينما خدمته قد أنهيت بالشركة المدعى عليها بتاريخ 22/12/1998، ومن ثم فإن مصلحته في الدعوى الماثلة تكون متوافرة ، ويتحدد نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها في ضوء ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (698) من القانون المدني السالف ذكرها من سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بالتقادم، بإن قضاء سنة تبدأ من وقت انتهاء العقد، ولا يتعداه إلى غير ذلك من أحكام تضمنها النص المذكور.
وحيث إن النعي بأن النص المطعون عليه –في النطاق المحدد سلفاً- وإذ أخضع الدعاوى الناشئة عن عقد العمل لتقادم قصير المدة ، فتسقط بإن قضاء سنة تبدأ من وقت انتهاء العقد، فإنه يكون قد قيد السلطة القضائية في مزاولة اختصاصها بضرورة رفع تلك الدعاوى قبل إن قضاء المدة المشار إليها، مما يخل بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور، مردود ذلك أن المشرع إنطلاقاً من رغبته في تحقيق استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل، والمواثبة إلى تصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل على السواء، قيد الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بميعاد تسقط بانقضائه، مستهدفاً بذلك تصفية المنازعات المتعلقة بحقوق العمال ورب العمل تصفية نهائية ، صوناً للمصلحة العامة كي لا يستطيل النزاع بينهما. إذ كان ذلك، وكان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق إنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حداً لها يحول دون إطلاقها. وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري أصيل وبين تنظيمه تشريعياً، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره. وكان النص المطعون فيه لا ينال من ولاية القضاء ولا يعزل المحاكم عن نظر منازعات معينة مما تختص به، بل يقتصر على تحديد ميعاد تسقط بانقضائه الدعاوى بطلب الحقوق الناشئة عن عقد العمل، شأن هذا الميعاد شأن غيره من مواعيد التقادم ينقطع جريانها أو يقف سريانها. لما كان ذلك، وكان المشرع يفرض هذه المواعيد لتحقيق المهمة التي ناطها بها، وهى أن تكون حداً زمنياً نهائياً لإجراء عمل معين، فإن التقيد بها – وباعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى في المسائل التي عينها خلال الموعد الذى حدده- لا يعنى مصادرة الحق في الدعوى بل يظل هذا الحق قائماً ما بقى ميعاد سقوطها بالتقادم مفتوحاً، وليس ذلك إلا تنظيماً تشريعياً للحق في التقاضي ، لا مخالفة فيه لنص المادة (68) من الدستور. 
وحيث إن النعي بأن النص المطعون فيه قد أهدر مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور، بمقولة أنه أخضع الدعاوى الناشئة عن عقد العمل لتقادم حولي ، بينما تتقادم دعاوى مهايا وأجور ومعاشات الموظفين العموميين بالتقادم الخمسي طبقاً لنص المادة (375) من القانون المدني ، مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، لا يعنى أن تعامل فئاتهم –على تبيان مراكزهم القانونية - معاملة قانونية متكافئة ، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقاً لأحكام الدستور التي ينافيها انفصال هذه النصوص عن أهدافها وتوخيها مصالح ضيقة لا تجوز حمايتها. وكان العمال الخاضعون لأحكام عقد العمل تختلف مراكزهم القانونية عن الموظفين العمومين، إذ أن علاقة الطائفة الأولى بأرباب الأعمال علاقة عقدية تخضع لأحكام عقد العمل، بينما علاقة الطائفة الثانية بالجهات التي يعملون بها علاقة تنظيمية تحكمها قوانين ولوائح التوظف. وكان النص المطعون فيه لا يقيم في مجال سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بالتقادم الحولي تمييزاً بين العمال المخاطبين به، بل ساوى بينهم في هذا المجال، فإنه لا يكون قد انطوى على حرمان طائفة من بينهم من حق التقاضي ، بعد أن إنتظمتهم جميعاً الأسس الموحدة التي نظم بها المشرع هذا الحق، بما لا مخالفة فيه لنص المادة (40) من الدستور. 
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النص المطعون عليه –في النطاق المحدد- لا يتعارض مع حكم الدستور من أوجه أخرى . 
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق