الصفحات

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

الطعن 12051 لسنة 62 ق جلسة 16 / 3 / 1994 مكتب فني 45 ق 57 ص 391

جلسة 16 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل وعمار إبراهيم فرج وأحمد جمال الدين عبد اللطيف وبهيج حسن القصبجي نواب رئيس المحكمة.

---------------

(57)
الطعن رقم 12051 لسنة 62 القضائية

(1) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التي تنم عليه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على نية القتل.
(2) قتل عمد. مسئولية جنائية. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه يؤدى بطبيعته إلى وفاته بنية قتله.
مساءلة المتهم عن جريمة القتل العمد سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أو من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة.
(3) ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ظرف الليل. هو الفترة بين غروب الشمس وشروقها.
مثال.
(4) ظروف مشددة. سبق إصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. تعريفه؟ استخلاص القاضي له من وقائع خارجية. مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر ظروف سبق الإصرار.
 (5)إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إيراد الحكم من الدلائل والقرائن الثابتة بالأوراق ما يكفي لتحقق ظرف سبق الإصرار. النعي عليه بالخطأ في الإسناد. غير مقبول.
(6) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله. ماهيته؟
(7) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
العبرة في الحكم بالمعاني لا الألفاظ والمباني.
 (8)دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(9) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشاهد؟
الجدل في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(10) إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصلح سبباً للنعي على الحكم.
(11) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بإجابة الطلب الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصولها. علة ذلك؟
مثال.
 (12)إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
مثال لتسبيب سائغ لرفض طلب مناقشة ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المجني عليها.
 (13)حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
إغفال الحكم التحدث عن إصابات المجني عليها الأخرى. لا يعيبه طالما لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى.
(14) إجراءات "لإجراءات المحاكمة". محضر الجلسة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "خبرة".
إثبات المحكمة بمحضر الجلسة سماعها لشهادة الطبيب الشرعي وأجابته على ما وجهته إليه من أسئلة وامتناع الدفاع عن مناقشته. ادعاء الطاعن بمخالفة الثابت بالأوراق. غير مقبول.

---------------
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله: "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في الواقعة متحققة في الجريمة ثابتة في ضمير المتهم من ظروف الدعوى وملابساتها وباستعماله سكين في الاعتداء على المجني عليها وهي أداة قاتلة بطبيعتها وضربه المجني عليها في مكان قاتل من جسمها أجهز به عليها وفي جوف الليل وأثناء تواجدها بمضجعها، وقد تناول تقرير الصفة التشريحية بيان الإصابة التي أحدثها المتهم بالمجني عليها وقد كان في عرضه لها ووصفه لطبيعتها ما يؤكد أن المتهم كان ينوي فعلاً إزهاق روح المجني عليها ومن ثم فإن المحكمة تنتهي إلى توافر نية القتل في حقه" وإذ كان هذا الذي أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعن فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير سديد.
2 - المقرر أن جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه بنية قتله يؤدى بطبيعته إلى وفاته سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أم من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة.
3 - إن المقصود بظرف الليل هو ما تعارف الناس عليه من أنه الفترة بين غروب الشمس وشروقها، وإذ كان الحكم قد أثبت أن الواقعة حدثت ليلة السادس من أغسطس سنة 1988 وبعد أن أسدل الليل أستاره، وكان الطاعن يسلم في مذكرة أسباب طعنه أن الواقعة حدثت في الساعة العاشرة مساءً فإن الواقعة تكون قد حدثت بعد غروب الشمس وقبل شروقها ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم.
4 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الإصرار وأثبت توافره لدى الطاعن بقولة "وحيث إنه عن سبق الإصرار فقد توافر لدى المتهم لما بينه وبين المجني عليها من خلف سابق بيانه ولرغبته الأكيدة في الانتقام منها لاعتقاده بأن وجودها علي قيد الحياة خطر يهدده في حياته المستقبلية بعد أن قضت علي مستقبله العلمي، فأقدم علي إثمه بعد أن تروى في تفكيره وتدبر أمر الخلاص منها، معداًً لذلك آلة قاتله - سكين - ليزهق روحها راصداً خطواتها، وإذ تبين تواجدها بمضجعها دون زوجها وباقي أفراد الأسرة ليلة الحادث فتوجه إليها حتى إذا ما ظفر بها قام بالاعتداء عليها بالسكين في بطنها محدثاً إصابتها التي أودت بحياتها".
5 - لما كان الحكم قد ساق من الدلائل والقرائن ما يكفي لتحقق ظرف سبق الإصرار لدى الطاعن وكان الثابت من المفردات المضمونة أن أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني قد جرت علي أن المتهم اعتقد أن المجني عليها كانت وراء فشله في الدراسة لقيامها بأعمال السحر والشعوذة فإن منعي الطاعن علي الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد يضحى غير مقبول.
6 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلي إدانة الطاعن بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار بعد أن استبعد ظرف الترصد فإن منعي الطاعن علي الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له.
7 - من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم علي المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني.
8 - من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي علي غير أساس.
9 - وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء علي أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل هذا مرجعة إلي محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها علي عدم الأخذ بها فإن منعي الطاعن على الحكم اعتناقه لصورة الواقعة كما رواها الشهود ومن أنها ترديد لما جاء بمحضر التحريات لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة بتاريخ 5 من مايو سنة 1992 أن المدافع عن الطاعن أثار دفاعاً مؤداه أنه كان يجب سماع أقوال قائد سيارة الإسعاف التي نقلت المجني عليها والعامل المرافق وطبيب المستشفى الذي استقبلها دون أن يطلب إلي المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره فيما سلف لا يعدو أن يكون تعيباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة علي المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن بالنقض.
11 - من المقرر أن الطلب الذي لا يتجه إلي نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلي إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فلا محل للنعي علي المحكمة لعدم إجابتها طلب الدفاع ضم دفتر الأحوال طالما اطمأنت إلي أقوال شهود الإثبات.
12 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن القائم على طلب سماع ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح الجثة وإطراحه في قوله: وحيث إنه عن طلب الدفاع مناقشة ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح الجثة ورفضه مناقشة الطبيب الشرعي الذي حضر بالجلسة لتعذر حضور الطبيب الذي قام بالتشريح والذي أبدى استعداده للرد على أي استفسار بعد اطلاعه على تقرير الصفة التشريحية فإن المحكمة لا ترى مبرراً لإصرار الدفاع على طلبه ورفضه توجيه ما يعن له من أسئلة للطبيب الشرعي الحاضر إذ كل ما يطلب هو رأي فني يستطيع أي طبيب مختص أن يبديه فضلاً عن أن المحكمة تطمئن إلى التقرير الطبي الشرعي المرفق والمؤيد بأقوال الطبيب الشرعي الحاضر بالجلسة". وكان ما رد به الحكم على طلب الطاعن في هذا الصدد سائغا ًوكافياً لإطراحه فإن ما يثيره بشأن إعراض المحكمة عن طلبه مناقشة ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المجني عليها يضحى غير سديد.
13 - لا تثريب على المحكمة إن هي لم تتحدث عن الإصابات الأخرى التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية وذلك لما هو مقرر من أنه متى كان الحكم قد أنصب على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به من حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى على غير أساس.
14 - لما كان ما يثيره الطاعن في شأن مخالفة الحكم للثابت بالأوراق فيما أورده من أن الطبيب الشرعي الحاضر بالجلسة أبدى استعداده للرد على أي سؤال وأن الدفاع رفض توجيه ما يعن له من أسئلة للطبيب الذي ناقشته المحكمة وخلو محضر الجلسة من ذلك فإن ذلك مردود بأن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة سمعت شهادة الدكتور....... وأجاب على ما وجه إليه من أسئلة من المحكمة بينما امتنع الدفاع عن مناقشته مصراً على سؤال الطبيب الذي قام بالتشريح ومن ثم يكون النعي على الحكم بدعوى مخالفة الثابت بالأوراق في هذا الصدد غير قويم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل.... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم على إزهاق روحها فأعد لذلك سكيناً وترصدها من مسكنه المجاور لمسكنها وما أن علم بنومها حتى تسلل إلى مخدعها وطعنها طعنه واحدة في بطنها قاصداً من ذلك قتلها فأحدث إصاباتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى كل من...... و....... عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على ولديه القاصرين...... و....... مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض النهائي. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين. 230، 231 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإحالة الدعويين المدنيتين إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...... بجدولها برقم 7579 لسنة 60 القضائية) وهذه المحكمة قضت...... بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السكين المضبوط وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض "للمرة الثانية....... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه دلل على توافر نية القتل في حق الطاعن بما لا يكفي سنداً لقيامها، وأثبت بياناً لها أن الطاعن ضرب المجني عليها في مقتل وبعد أن أسدل الليل ستاره في حين أن الضربة لم تكن في مقتل بدلالة بقاء المجني عليها على قيد الحياة لفترة بعد الحادث، كما توقيت الواقعة كان في العاشرة ليلاً في فصل الصيف ودلل الحكم على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بما لا يصلح لقيامه وتساند في ذلك إلى وجود خلاف بين الطاعن والمجني عليها دون أن يكون لذلك أصل في الأوراق، وأورد الحكم عبارة تفيد ترصد الطاعن للمجني عليها رغم استبعاد المحكمة لهذا الظرف مما يدل على اختلاف فكرته عن الواقعة، وأطرح دفاعه بتلفيق الاتهام بما لا يصلح لإطراحه، وتمسك الطاعن بتزوير محضر ضبط الواقعة بصدد ساعة افتتاحه وطلب تدليلاً على ذلك ضم دفتر أحوال مركز الشرطة غير أن المحكمة لم تعن بهذا الدفاع، وعول الحكم على أقوال ضابطي الواقعة رغم أن شهادتيهما جاءت ترديداً لما ورد بمحضر التحريات دون بيان لمصدرها، والتفتت المحكمة عن طلب سماع مرافق المجني عليها لدى نقلها بسيارة الإسعاف إلى المستشفى وخلت التحقيقات من سؤال سائق سيارة الإسعاف والممرض المرافق وطبيب مستشفى بلطيم والتفتت المحكمة عن طلب مناقشة الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المجني عليها واطرح الحكم دفاعه في هذا الصدد على غير سند من الأوراق إذ أورد بمدوناته رفض الدفاع مناقشة الطبيب الشرعي الذي حضر وناقشته المحكمة وأن هذا الطبيب أبدى استعداده للرد على أي إيضاح دون أن يرتد ذلك إلى أصل ثابت في الأوراق، ولم تناقش المحكمة الطبيب الحاضر فيما أثاره الدفاع عن كيفية حدوث الإصابات الأخرى بالمجني عليها وما إذا كانت قد حدثت إصابات تماثلها بالطاعن من عدمه رغم جوهرية هذا الدفاع. كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن بقوله: "وحيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في الواقعة متحققة في الجريمة ثابتة في ضمير المتهم من ظروف الدعوى وملابساتها وباستعماله سكين في الاعتداء على المجني عليها وهي أداة قاتلة بطبيعتها وضربه المجني عليها في مكان قاتل من جسمها أجهز به عليها وفي جوف الليل وأثناء تواجدها بمضجعها، وقد تناول تقرير الصفة التشريحية بيان الإصابة التي أحدثها المتهم بالمجني عليها وقد كان في عرضه لها ووصفه لطبيعتها ما يؤكد أن المتهم كان ينوي فعلاً إزهاق روح المجني عليها ومن ثم فإن المحكمة تنتهي إلى توافر نية القتل في حقه" وإذ كان هذا الذي أورده الحكم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعن فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير سديد. ولا يغير من ذلك قول الحكم بأن الطاعن تعدى على المجني عليها في مقتل رغم بقائها على قيد الحياة فترة من الزمن عقب الحادث، لما هو مقرر من أن جريمة القتل العمد لا تتطلب سوى ارتكاب فعل على المجني عليه بنية قتله يؤدى بطبيعته إلى وفاته سواء أكانت الوفاة حصلت من إصابة وقعت في مقتل أم من إصابة وقعت في غير مقتل ما دامت الوفاة نتيجة مباشرة للجريمة. كما لا ينال من ذلك أيضاً - تحدث الحكم عن أن التعدي كان في جوف الليل، وذلك بأن المقصود بظرف الليل هو ما تعارف الناس عليه من أنه الفترة بين غروب الشمس وشروقها، وإذ كان الحكم قد أثبت أن الواقعة حدثت ليلة السادس من أغسطس سنة 1988 وبعد أن أسدل الليل أستاره، وكان الطاعن يسلم في مذكرة أسباب طعنه أن الواقعة حدثت في الساعة العاشرة مساءً فإن الواقعة تكون قد حدثت بعد غروب الشمس وقبل شروقها ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر الخارج محسوس يدل عليها مباشرة وإنما تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الإصرار وأثبت توافره لدى الطاعن بقولة "وحيث إنه عن سبق الإصرار فقد توافر لدى المتهم لما بينه وبين المجني عليها من خلف سابق بيانه ولرغبته الأكيدة في الانتقام منها لاعتقاده بأن وجودها علي قيد الحياة خطر يهدده في حياته المستقبلية بعد أن قضت علي مستقبله العلمي، فأقدم على إثمه بعد أن تروى في تفكيره وتدبر أمر الخلاص منها، معداً لذلك آلة قاتلة - سكين - ليزهق روحها راصداً خطواتها، وإذ تبين تواجدها بمضجعها دون زوجها وباقي أفراد الأسرة ليلة الحادث فتوجه إليها حتى إذا ما ظفر بها قام بالاعتداء عليها بالسكين في بطنها محدثاً إصابتها التي أودت بحياتها". وكان الحكم قد ساق من الدلائل والقرائن ما يكفي لتحقق ظرف سبق الإصرار لدى الطاعن وكان الثابت من المفردات المضمونة أن أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني قد جرت على أن المتهم اعتقد أن المجني عليها كانت وراء فشله في الدراسة لقيامها بأعمال السحر والشعوذة فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد يضحى غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر فلا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار بعد أن استبعد ظرف الترصد فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحي ولا محل له كما أن ما ساقه الحكم لدى تدليله على توافر ظرف سبق الإصرار من أن الطاعن قد ترصد خطوات المجني عليها غير مقصود به الترصد بمعناه القانوني إذ من المقرر أن عقيدة المحكمة إنما تقوم على المقاصد والمعاني لا على الألفاظ والمباني ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، كان من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي على غير أساس. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام من حولها من الشبهات كل هذا مرجعة إلي محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهاداتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإن منعي الطاعن على الحكم اعتناقه لصورة الواقعة كما رواها الشهود ومن أنها ترديد لما جاء بمحضر التحريات لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة بتاريخ 5 من مايو سنة 1992 أن المدافع عن الطاعن أثار دفاعاً مؤداه أنه كان يجب سماع أقوال قائد سيارة الإسعاف التي نقلت المجني عليها والعامل المرافق وطبيب المستشفي الذي استقبلها دون أن يطلب إلي المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره فيما سلف لا يعدو أن يكون تعيباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن بالنقض. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الطلب الذي لا يتجه إلي نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلي إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ومن ثم فلا محل للنعي على المحكمة لعدم إجابتها طلب الدفاع ضم دفتر الأحوال طالما أطمأنت إلي أقوال شهود الإثبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن القائم على طلب سماع ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح الجثة وأطرحه في قوله: وحيث إنه عن طلب الدفاع مناقشة ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح الجثة ورفضه مناقشة الطبيب الشرعي الذي حضر بالجلسة لتعذر حضور الطبيب الذي قام بالتشريح والذي أبدى استعداده للرد على أي استفسار بعد اطلاعه على تقرير الصفة التشريحية فإن المحكمة لا ترى مبرراً لإصرار الدفاع على طلبه ورفضه توجيه ما يعن له من أسئلة للطبيب الشرعي الحاضر إذ كل ما يطلب هو رأي فني يستطيع أي طبيب مختص أن يبديه فضلاً عن أن المحكمة تطمئن إلى التقرير الطبي الشرعي المرفق والمؤيد بأقوال الطبيب الشرعي الحاضر بالجلسة". وكان ما رد به الحكم على طلب الطاعن في هذا الصدد سائغاً وكافياً لإطراحه فإن ما يثيره بشأن إعراض المحكمة عن طلبه مناقشة ذات الطبيب الشرعي الذي قام بتشريح جثة المجني عليها يضحى غير سديد. هذا إلى أنه لا تثريب على المحكمة إن هي لم تتحدث عن الإصابات الأخرى التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية وذلك لما هو مقرر من أنه متى كان الحكم قد انصب على إصابة بعينها نسب إلى المتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المتهم هو محدثها فليس به من حاجة إلى التعرض لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد يضحى على غير أساس. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعن في شأن مخالفة الحكم للثابت بالأوراق فيما أورده من أن الطبيب الشرعي الحاضر بالجلسة أبدى استعداده للرد على أي سؤال وأن الدفاع رفض توجيه ما يعن له من أسئلة للطبيب الذي ناقشته المحكمة وخلو محضر الجلسة من ذلك فإن ذلك مردود بأن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة سمعت شهادة الدكتور..... وأجاب على ما وجه إليه من أسئلة من المحكمة بينما امتنع الدفاع عن مناقشته مصراً على سؤال الطبيب الذي قام بالتشريح ومن ثم يكون النعي على الحكم بدعوى مخالفة الثابت بالأوراق في هذا الصدد غير قويم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعا ً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق