الصفحات

الخميس، 22 مارس 2018

دستورية إعطاء القاضي حق تطليق الزوجة من زوجها دون رضائه رغم عدم ثبوت الضرر


القضية رقم 82 لسنة 17 ق "دستورية ".
باسم  الشعب
المحكمة   الدستورية   العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم  السبت 5 يوليو سنة 1997 الموافق 30 صفر 1418 هـ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 82 لسنة 17 قضائية "دستورية ".
المقامة من
السيد / .............
ضد
1.  السيد/ رئيس الجمهورية
2.   السيد/ رئيس الوزراء
3.  السيد/ وزير العدل
4.  السيدة / .........
" الإجراءات  "
  بتاريخ الحادي عشر من ديسمبر سنة 1995، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نصى المادتين  السادسة والحادية عشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، فيما تضمناه من إعطاء القاضي حق تطليق الزوجة من زوجها دون رضائه رغم عدم ثبوت الضرر.
          قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى .
   وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
 حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى كان قد وجه إلى زوجته -المدعى عليها الرابعة - بتاريخ 21/9/1994 إنذاراً بالدخول في طاعته؛ فردت عليه بالاعتراض المقيد بجدول محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية "نفس" رقم 1965 لسنة 1994؛ وأثناء نظر الاعتراض أضافت طلب التفريق عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة (11) مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 وبجلسة 7/11/1995 دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (6، 11) من هذا القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه؛ وصرحت له برفع دعواه الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة
  وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما لمبادئ الشريعة الإسلامية ، ولأحكام المادتين (9، 10) من الدستور، وذلك من أوجه أربعة : [أولها] أن الله بواسع حكمته، اختص الأزواج بالطلاق، وأسنده إليهم باعتبار أن عقد الزواج عهد وميثاق ميزه الإسلام عن سائر العقود، فلا يجري على نسقها، ولا يقاس عليها، ومؤدى أحكامه أن الزوج وحده هو الذى يملك حل عقدته. ولو كان الله سبحانه وتعالى يجيز تطليق الزوجة من زوجها رغم ممانعته، لفتح باباً لذلك في كتابه العزيز؛ وإذ لم يفعل، فإن الاجتهاد لا يجوز أن ينزلق إلى تغيير حكم الله تعالى [ثانيها] أنه حتى الخلع -وعند قيام مقتضاه- وإن كان جائزاً شرعاً بتراض من الزوجين؛ ويحق للقاضي إلزام الزوج به؛ إلا أنه لا يملك أن يحل محل الزوج في إيقاع الطلاق. [ثالثها] أن قيام القاضي بتطليق الزوجة من زوجها رغماً عنه واستجابة لطلبها رغم عدم ثبوت الضرر، يعني انتقال حق الطلاق إليها بما يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية ؛ ويهدم روابط الأسرة وهى أساس المجتمع؛ ويناقض التزام الدولة بحماية الأمومة والطفولة .  [رابعها]  أن النصين المطعون عليهما خالفا مبدأ مقرراً في تشريعات الأحوال الشخصية نصت عليه المادة (280) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، ومؤداه: أن تصدر الأحكام -حال غياب نص في المسائل التي تتعلق بها- طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة ؛ وهذا المذهب -ومعه المذهب الشافعي والظاهرية وغيرهم- على أن الزوجة ليس لها طلب التفريق من زوجها عند وقوع شقاق بينهما، وهو ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا يجاوزها؛ فيما يرى المالكية وحدهم -وبمذهبهم أخذ القانون المطعون فيه- أن للزوجة في حالة الشقاق، أن تطلب من القاضي التفريق بينها وبين زوجها، وبذا يكون القانون قد ترك الرأي الأرجح في الفقه إلى الرأي الأضعف.
    وحيث إن المادتين المطعون عليهما من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية ، تجريان على النحو الآتي :- 
          مادة (6) "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ، ولم يثبت الضرر، بعث القاضي حكمين، وقضى على الوجه المبين بالمواد  (7، 8،  9، 10، 11)".
مادة (11) "وعلى الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتملاً على الأسباب التي بنى عليها، فإن لم يتفقا، بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح، وحلفته اليمين المبينة في المادة (8) . وإذا اختلفوا أو لم يقدموا تقريرهم في الميعاد المحدد، سارت المحكمة في الإثبات، وإن عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين وتبين لها استحالة العشرة بينهما وأصرت الزوجة على الطلاق قضت المحكمة بالتطليق بينهما بطلقة بائنة مع إسقاط حقوق الزوجة المالية كلها أو بعضها وإلزامها بالتعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتضى ".
          وحيث إن المادة (11) مكرراً (ثانياً) من هذا المرسوم بقانون، تنص على ما يأتي "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق، توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع.
وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن.
وللزوجة الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ هذا الإعلان، وعليها أن تبين في صحيفة الاعتراض الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته، وإلا حكم بعدم قبول اعتراضها.
          ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به في الميعاد.
وعلى المحكمة عند نظر الاعتراض، أو بناء على طلب أحد الزوجين، التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة ، فإذا بان لها أن الخلاف مستحكم وطلبت الزوجة التطليق اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من (7 إلى 11) من هذا القانون".
          وحيث إن النزاع الموضوعي يدور حول طلب الزوجة التطليق أثناء نظر اعتراضها على دعوة زوجها لها للعودة إلى مسكن الزوجية طبقاً للمادة (11) مكرراً ثانياً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية ؛ وكان طلبها التطليق على هذا النحو، يؤسس على أن النزاع بينها وبين زوجها قد صار عميقاً وخلافهما مستحكماً، وأن صدعها لا زال غائراً حتى بعد التدخل لإنهاء شقاقهما صلحاً، ودعوتهما إلى معاشرة تستقيم بها حياتهما، فإن سبب دعواها هذه يكون مختلفاً عن طلب التطليق إعمالاً لحكم المادة (6) من هذا القانون التي ينحصر مجال تطبيقها فيما هو إيذاء من الزوج لزوجته بقول أو بفعل بما لا يليق بأمثالهما؛ وكانت المادة الحادية عشرة -بما لها من صلة بالنزاع الموضوعي بحكم الإحالة إليها في عجز المادة (11) مكرراً ثانياً- هي وحدها التي تتصل بها الدعوى الدستورية الراهنة ؛ فإن نطاق هذه الدعوى ينحصر فيها.
          وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة (11) مكرراً ثانياً -المشار  إليها- توجب على المحكمة عند نظر الاعتراض، أو بناء على طلب أحد الزوجين؛ التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة ؛ فإذا بان لها أن خلافهما صار مستحكماً وشقاقهما عميقاً، وطلبت الزوجة التطليق، اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من (7 إلى 11) من هذا القانون. وقد تناولت المادة السابعة الشروط الواجب توافرها في الحكمين؛ وحددت المادة الثامنة البيانات التي يشتمل عليها القرار الصادر ببعثهما؛ وأوضحت المادة التاسعة طريقة عملهما؛ وبينت المادة العاشرة ما يجب عليهما أن يقترحاه إذا عجزا عن الإصلاح؛ ثم فصلت المادة الحادية عشرة -المطعون عليها- الإجراءات التي يتعين على المحكمة اتباعها قبل أن تقضى بتطليق الزوجة من زوجها.
          وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة ، أن حكم المادة الثانية من الدستور -بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980- يدل على أن الدستور أو ردها ليفرض بمقتضاها -واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل- قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية ؛ بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة -مصدراً وتأويلاً- بعد أن اعتبرها الدستور مرجعاً ترد إليه هذه النصوص فلا تعارضها؛ باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً؛ إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها؛ وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها.
          ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها، أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها؛ وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان؛ لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً؛ ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة ؛ على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها؛ ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
          وحيث إن الطلاق وإن شرع رحمة من الله بعباده، وجعل أمره بيد الرجل باعتباره أقدر على تحكيم العقل وتبصر العاقبة ؛ وكان الطلاق من فرق النكاح التي ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كنائياً؛ وكان غالباً ما يقع إذا ما غفا وازع الدين والخلق، وصار بنيان الأسرة متهادماً، وصرحها متداعياً، ورباطها متآكلاً يكاد أن يندثر؛ وكان وقوع شقاق استفحل أمره بين الزوجين انحرافا من أحدهما أو كليهما عن مقاصد الزواج، يقيم بينهما جفوة في المعاملة لا يكون العدل والإحسان قوامها، بل يذكيها التناحر، فلا تكون حياتهما إلا سعيراً يمتد أواره إلى الأسرة جميعها، فلا يؤول أمرها إلا هشيماً، ولا يكون إلفها ووفاقها إلا حسيراً؛ وكان خلافهما وإن صار عميقاً، ونزاعهما مستحكماً، لا يحول دون جهد يبذل من جانبهما، أو من قبل رجلين عدلين من أهلهما إن أمكن، يسعيان بينهما معروفاً، وينظران في أمرهما ليقيما بينهما حدود الله تعالى ، فإن تعذر أن يصلحا ما اختل من شئونهما، أغنى الله  -إن تفرقا- كلا من سعته. بيد أن الفقهاء مختلفون فيمن يستبد  حينئذ بالتفريق بينهما، ولكل وجهة هو موليها.
          وحيث إن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين مرده إلى قوله تعالى "وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، إن الله كان عليماً خبيرا"، وكان الفصل فيما إذا كان الحكمان لا يكلفان إلا بأن يصلحا بين زوجين استفحل عنادهما وجفاؤهما، أم أنهما مطالبان عند إخفاقهما في ذلك بأن يفرقا بينهما بمال أو بغير مال، رضيا أم أبيا، لا يندرج تحت المسائل التي حسمتها الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها، فإن حدود مهمتهما تعد من المسائل الاجتهادية التي يتصور أن تتباين الأنظار في شأنها، فمن نظر من الفقهاء -كأبي حنيفة وأصحابه والظاهرية والشيعة الإمامية والشافعي في أحد قوليه- إلى أن عمل الحكمين لا يجاوز سعيهما إلى التوفيق بين زوجين استحكم خلافهما، سلباهما حق التفريق إلا بتفويض من الزوج، استصحاباً للأصل في الطلاق، وهو معقود بيده إلا أن يوكل غيره فيه، ولأن الحياة الزوجية -في رأيهم- لا تصفو من شقاق يخالطها عادة ، فلا يجوز أن يكون خلافهما أياً كان مداه، سبباً لحل عقدتها وفصم رابطتها ومن نحا من الفقهاء إلى جعلهما حاكمين، كالمالكية وأحمد بن حنبل في إحدى روايتين عنه، يخولانهما أن يقررا في شأن الزوجين ما ينتهيان إليه بعد بحثهما لأحوالهما، سواء كان قرارهما بجمعه ما أم بالتفريق بينهما، على أن يتولى القاضي إمضاء حكمهما وتنفيذه وهم يؤسسون اجتهادهم على أن الله تعالى اعتبر المبعوثين حكمين لا وكيلين، ولو أرادهما وكيلين ما قصرهما على أهله وأهلها. وبعثهما إلى الزوجين غير معلق على قبول زوجها، ولا يتصور بالتالي أن يكون قد أنابهما عنه في مهمتهما محدداً إطارها كذلك فإن اتصال الشقاق بين زوجين واطراد نزاعهما يشى بأن جذوة حياتهما تكاد أن ترتد عن مواقعها، وأن مضاراً يتعذر احتمالها أو القبول بها، صار أمرها بادياً وأثرها ملحوظاً، فإذا لم يتدخل زوجها لرفعها، قام الحكمان بدفعها.
          وحيث إن النص المطعون فيه - وفى حدود السلطة التي يملكها ولي الأمر لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية -نظر إلى الحكمين- لا باعتبارهما مخولين حق التفريق بين الزوجين، وإنما بكون بعثهما ليحيطا بمظاهر النزاع بينهما، على أن يقفا كذلك على أسبابها، ثم يحددا بعدئذ من يكون منهما مسيئاً إلى الآخر، وما ينبغي أن يرفع به النزاع من فرقة دون بدل أو ببدل يكون متناسباً وقدر الإساءة أو نسبتها. ولا يناقض هذا الاجتهاد من ولي الأمر حكماً قطعياً، بل يقع في دائرة المسائل الخلافية التي تتفرق الآراء من حولها، والتي لا تتقيد الحلول التشريعية المتعلقة بها بغير ما يكفل للعباد مصالحهم المعتبرة شرعاً، فلا تكلفهم ما لا يطيقون، أو تقنطهم مما يأملون وفق مقاصد شريعتهم، وبمراعاة أصولها.
          وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن النص المطعون فيه يناقض ما استقر عليه العمل من الرجوع في المسائل التي تخلو من نص يحكمها، إلى أرجح الأقوال في المذهب الحنفي -وهو لا يقر تفريق المرأة من زوجها عند وقوع شقاق بينهما- مردود أولاً: بما جرى عليه  قضاء هذه المحكمة من أن أية قاعدة قانونية ولو كان العمل قد استقر عليها أمداً، لا تحمل في ذاتها ما يعصمها عن العدول عنها، وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً وروداً ودلالة ، وتكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل  بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي يجوز أن تشرع الأحكام لتحقيقها بما يلائمها، فذلك وحده طريق الحق والعدل؛ وهو خير من فساد عريض. ومن ثم ساغ الاجتهاد في المسائل الاختلافية التي لا يجوز أن تكون أحكامها جامدة بما ينقض كمال الشريعة ومرونتها، ذلك إن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بين عباده، مرده أن هذه القواعد تسعها الشريعة الإسلامية ، إذ هي غير منغلقة على نفسها، ولا تضفى قدسية على أقوال أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم عليها دليل شرعي فالآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها، ولا يسوغ  بالتالي اعتبارها شرعاً ثابتاً متقرراً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى ، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد. ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء، ليس بالضرورة أحق بالاتباع  من اجتهاد غيره؛ وربما كان أضعف الآراء سنداً، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ، ولو كان مخالفاً لأقوال استقر عليها العمل زمناً. 
          ومردود ثانياً: بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية وربطها بمصالح الناس، عن طريق الأدلة الشرعية -النقلية منها والعقلية - وإن كان حقاً لأهل الاجتهاد؛ فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولى الأمر، ينظر في كل مسألة بخصوصها، بما يناسبها إخماداً للثائرة وإنهاء للتنازع والتناحر وإبطالاً للخصومة ؛ مستعيناً في ذلك كله بمن يفقهون دينهم، ولا يكون عملهم إلا فهماً أعمق لقواعده، وهو في ذلك لا يتقيد بالضرورة بآراء الآخرين، بل يجوز أن يشرع على خلافها، وأن ينظم شئون العباد في بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها  الخاصة ، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله؛ مستلهماً في ذلك حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ، متلاقية معها؛ وهى بعد مصالح لا تتناهي جزئياتها أو تنحصر تطبيقاتها؛ ولكنها تتحدد تبعاً لما يطرأ عليها من تغيير وتطور. ومن ثم كان حقاً عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما مالم يكن إثماً؛ وكان واجباً كذلك ألا يشرع ولى الأمر حكماً يضيق على الناس؛ أو يرهقهم من أمرهم عسراً؛ وإلا كان مصادماً لقوله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ولازم ذلك، أن الاجتهاد حق لولى الأمر في الدائرة التي شرع فيها، ليكون كافلاً وحدة الشريعة ميسراً لقواعدها؛ بإمدادها دوماً بما يعين على اكتمال نمائها.
          وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة (9) -وأحكامه متكاملة لا تنافر فيها- من أن الأسرة قوامها الدين والأخلاق والوطنية ، وأن صون طابعها الأصيل وإرساء قيمها وتقاليدها ضرورة لا يجوز لأحد أن ينحيها، مؤداه: أن الأسرة لا يصلحها شقاق استفحل مداه ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمها بالتالي تباغض يشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين والخلق القويم؛ وكان النص المطعون فيه -وقد أجاز التفريق بين زوجين غشيهما وأمضهما نزاع مستحكم- قد هيأ لهما مخرجاً يرد عنه ما كل حرج، ويزيل عسرهما، فلا تكون حياتهما وزراً وهضماً، ولا عوجاً وأمتاً، فإنه بذلك لا يكون مخالفاً للدستور.
          وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن النص المطعون فيه -في مجال تطبيقه على طلب التطليق العارض المبدى أثناء نظر اعتراض الزوجة على إعلان الطاعة - لا يخول المحكمة أن تفرق بين الزوجين حتى بعد تدخلها لإنهاء نزاعهما صلحاً، ودعوتهما إلى حسن العشرة ، بل جعل الحكم بالتطليق متوقفاً على طلبها، وعائداً بالتالي إلى إرادتها، ولو ثبت أن خلافها مع زوجها أظمأ حياتهما وأظلمها، مردود أولاً: بأن المشرع قدر أن إنهاء الشقاق بين زوجين، يقتضى من المحكمة أن تتدخل أولاً بنفسها لإصلاح أمر هما، وأن تدعوهما إلى حسن المعاشرة . فإذا بان لها أن جهدها قد قصر عن بلوغ الأغراض التي توخاها، وأن خلافهما قد أحاط بهما، وأنهما أسرفا على نفسيهما، كان عليها أن تحيل أمر هما إلى حكمين -أو ثلاثة - ينظران في أحوالهما بيد أن المشرع شرط للجوئها إلى التحكيم، أن تفصح الزوجة بنفسها عن اتجاه إرادتها إلى التطليق من زوجها، تقديراً بأنها قد ترجح مصلحة أسرتها حتى بعد شقاقها مع شريكها، فلا تتخلى عنها، بل تقبل صابرة على مجاهدة نفسها لتقويم عوارضها -ولو تحيفها زوجها حقاً مقرراً لها شرعا- فلا يرتفع قيد النكاح وتلك مصلحة مشروعة لا يجوز إسقاطها، أو التهوين منها. ومردود ثانياً: بأن العقيدة الإسلامية قوامها خلقاً متكاملاً وسلوكاً متسامياً، وأعمق فضائلها أن يكون المؤمن منصفاً خيراً فطناً، معاوناً لغيره، رءوفاً بالأقربين، فلا يمد يده لأحد بسوء، ولا يلحق بالآخرين ضرراً غير مبرر، بل يكون للحق عضداً، وللمروءة نصيراً، ولإباء النفس وشممها ظهيراً. وما الزواج إلا علاقة نفسية واجتماعية يرتهن بقاؤها بمودتها ورحمتها، باعتدالها ويقظتها، بعدلها وإحسانها وتمزيق أوصالها بالشحناء، إيهان لها ومروق عن حقيقتها. وكلما استبد الرجل بزوجه وأرهقها صعوداً بما يجاوز حد احتمالها، فإن طلبها التفريق منه يكون جزاء وفاقاً. وإذا كان عتو خلافهما، قد أحال مسراه ضلالاً، أفلا تستجير من بأسائها بطلبها التفريق من زوجها، ثم الإصرار عليه ومردود ثالثاً: بأن تعليق الحكم بالتطليق على إصرارها على طلب الخلاص من زوجها، يتمحض قيداً على سلطة المحكمة في التفريق بينهما، وهو ما تتحقق به مصلحته في النزاع الموضوعي .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق