الصفحات

الأربعاء، 28 مارس 2018

الطعن 3129 لسنة 62 ق جلسة 10 / 10 / 1995 مكتب فني 46 ق 158 ص 1084

جلسة 10 من أكتوبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسين لبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم ووفيق الدهشان وبدر الدين السيد نواب رئيس المحكمة وزغلول البلشي.

--------------

(158)
الطعن رقم 3129 لسنة 62 القضائية

(1) حكم "تصحيحه". نقض "ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
الطعن في الأمر الصادر بتصحيح الأخطاء المادية البحتة في الحكم. غير جائز. إلا إذا تجاوزت المحكمة حقها في التصحيح.
القرار الصادر برفض التصحيح. لا يجوز الطعن فيه على استقلال. المادة 191 مرافعات.
(2) حكم "تصحيحه". قانون "تفسيره".
وقوع خطأ مادي في الحكم أو الأمر. تتولى الهيئة التي أصدرته تصحيحه من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم بعد تكليفهم بالحضور.
القرار الذي يصدر بتصحيح الأخطاء المادية. أمراً لا حكماً. المادة 337 إجراءات.
(3) نقض "ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام".
جواز الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من آخر درجة في مواد الجنايات والجنح. المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959.
القرارات والأوامر. لا يجوز الطعن عليها. إلا بنص.
 (4)حكم "تصحيحه". قانون "تطبيقه".
عدم رسم قانون الإجراءات الجنائية طريقاً للطعن في أوامر التصحيح التي تصدر إعمالاً لحكم المادة 337 منه. وجوب الرجوع في هذا الشأن إلى حكم المادة 191 مرافعات.
 (5)نقض "ما يجوز الطعن فيه من الأحكام".
تجاوز المحكمة حقها في تصحيح الأخطاء المادية إلى تعديل حكمها والإضافة إليه. أثر ذلك: جواز الطعن في أمر التصحيح.
(6) حكم "تصحيحه". قانون "تفسيره". قوة الشيء المحكوم فيه.
صدور حكم في النزاع. أثره: انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة. عدم جواز تعديله أو إصلاحه. إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون.
حق المحكمة في تصحيح الأخطاء المادية البحتة. المادة 337 إجراءات.
عدم جواز تغيير المحكمة في منطوق الحكم بما يناقضه. علة ذلك؟
 (7)حكم "تصحيحه" "حجيته". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
تجاوز المحكمة حقها في أمر التصحيح بإجراء تغيير كامل في منطوق حكمها بإضافة ما لم يجر به - مبلغ الغرامة - بعد استنفاذ ولايتها بالفصل في الدعوى. وجوب نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن. لا يغير من ذلك بيان الحكم في أسبابه وجوب القضاء بتلك الغرامة. ما دام لم يثبت بورقته تلاوة تلك الأسباب علناً بجلسة النطق به مع المنطوق. أساس ذلك؟
 (8)نقض "المصلحة في الطعن" "نظره والحكم فيه".
انتفاء مصلحة الطاعنة في النعي على الحكم الصادر في طلب إعادة إجراءات الأمر بالتصحيح. ما دامت محكمة النقض قد انتهت إلى نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن.

-----------------
1 - لما كان قانون المرافعات قد نص في المادة 191 منه على أن تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة. ويجوز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليه في الفقرة السابقة وذلك بطرق الطعن الجائزة في الحكم موضوع التصحيح. أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال. فهو لم يجز الطعن في هذا القرار إلا أن تكون المحكمة قد أجرت التصحيح متجاوزة حقها فيه.
2 - لما كانت المادة 337 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه إذا وقع خطأ مادي في حكم أو في أمر صادر من قاضي التحقيق أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ولم يكن يترتب عليه البطلان تتولى الهيئة التي أصدرت الحكم أو الأمر تصحيح الخطأ من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم وذلك بعد تكليفهم بالحضور. ويقضى بالتصحيح في غرفة المشورة بعد سماع أقوال الخصوم ويؤشر بالأمر الذي يصدر على هامش الحكم أو الأمر. ويتبع هذا الإجراء في تصحيح أسماء المتهم ولقبه. ويبين من هذا النص أن المشرع حرص في قانون الإجراءات الجنائية، كما حرص في قانون المرافعات على تسمية ما يصدر في طلب تصحيح الأخطاء المادية أمراً لا حكماً.
3 - لما كانت المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نظمت الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من آخر درجة في مواد الجنايات والجنح، مما مفاده أن الأصل عدم جواز الطعن بطريق النقض - وهو طريق استثنائي - إلا في الأحكام النهائية الصادرة في الموضوع والتي تنتهي بها الدعوى، أما القرارات والأوامر فإنها لا يجوز الطعن فيها إلا بنص.
4 - من المقرر أن قانون الإجراءات الجنائية لم يرسم طريقاً للطعن في أوامر التصحيح التي تصدر إعمالاً لحكم المادة 337 منه كما فعل قانون المرافعات في الفقرة الثانية من المادة 191 التي أجازت الطعن استثناء في حالة تجاوز المحكمة حقها في التصحيح ولم تجزه على استقلال في حالة رفض الطلب ولما كان الأصل أنه لا يرجع إلى قانون المرافعات إلا لتفسير ما غمض من أحكام قانون الإجراءات الجنائية أو لسد ما فيه من نقص، وكان حكم الفقرة الثانية من المادة 191 من قانون المرافعات هو من الأحكام التي لا تتعارض مع أحكام قانون الإجراءات الجنائية وإنما تكمل نقصاً فيه يتمثل في عدم رسم طريق للطعن في قرار التصحيح عند تجاوز الحق فيه، فإنه يتعين الرجوع إلى هذا الحكم والأخذ بمقتضاه في الحدود الواردة به.
5 - لما كان مناط الطعن كما سبق القول إن تتجاوز المحكمة حقها في تصحيح الأخطاء المادية بما في ذلك تصحيح اسم المتهم ولقبه، وكان يبين من الأمر المطعون فيه أن المحكمة تجاوزت في هذا الخصوص الحدود المرسومة في المادة 337 من قانون الإجراءات الجنائية وامتد ما أجرته بالأمر المطعون فيه إلى تعديل حكمها السابق والإضافة إليه، فإن الطعن في هذا الأمر يكون جائزاً.
6 - من المقرر أنه يترتب على صدور الحكم انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة بحيث لا يجوز لها أن تعود إلى نظرها بما لها من سلطة قضائية، كما لا يجوز لها تعديل حكمها فيها أو إصلاحه، إذ لا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون. وهذا هو الأصل، إلا أن الشارع رأى لاعتبارات قدرها عند وضع قانون الإجراءات الجنائية أن يجيز للمحكمة - أخذاً بما جرى عليه العمل - أن تصحح ما يقع من أخطاء مادية بحتة، فنص على ذلك في المادة 337 المار ذكرها. لما كان ذلك، وكان البين من نص المادة المذكورة وما أكدته المذكرة الإيضاحية لها أن سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها مقصورة على الأخطاء المادية البحتة، وهي التي لا تؤثر على كيانه بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم المصحح، ومن ثم فهي لا تملك بحال أن تتخذ من التصحيح وسيلة للرجوع عن الحكم الصادر منها فتضيف إليه أو تغير منطوقه بما يناقضه لما في ذلك من مساس بحجية الشيء المحكوم فيه، وابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع أو ينظمه القانون.
7 - لما كانت المحكمة أصدرت حكماً يقضي بمعاقبة الطاعنة بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزلها من وظيفتها، ثم أصدرت بعد ذلك أمراً بتصحيح منطوق هذا الحكم ينص على أن يضاف إليه بعد العقوبة وتغريمها مبلغاً مساوياً لقيمة ما استولت عليه أو سهلت للغير الاستيلاء عليه وقدره 73000 - ثلاثة وسبعون ألف دولار أمريكي، 37000 سبعة وثلاثون ألف ريال سعودي. فإنه تكون قد تجاوزت حقها في أمر التصحيح ذلك بأنها أجرت تغييراً كاملاً في منطوق حكمها وأضافت إليه ما لم يجربه، بعد أن كانت قد استنفذت ولايتها بالفصل في الدعوى، وهو ما لا تملكه، مما يتعين معه نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن لخطئه في القانون، ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد بين في أسبابه وجوب الحكم بهذه الغرامة، ما دام لم يثبت بورقة الحكم أن تلك الأسباب قد تليت علناً بجلسة النطق به مع المنطوق، وذلك لما هو مقرر من أن العبرة فيما تقضي به الأحكام هي بما ينطق به القاضي في وجه الخصوم في مجلس القضاء عقب سماع الدعوى، فلا يعول على الأسباب التي يدونها في حكمه الذي يصدره إلا بالقدر الذي تكون فيه هذه الأسباب موضحة ومدعمة للمنطوق.
8 - لما كانت هذه المحكمة - محكمة النقض - قد انتهت في الطعن المرفوع من الطاعنة في أمر التصحيح إلى نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن، لأن المحكمة التي أصدرته قد تجاوزت حدود اختصاصها عند إصدار الأمر المذكور. لما كان ذلك، وكانت المصلحة مناط قبول الطعن، وقد انتفت مصلحة الطاعنة مما تثيره حول الحكم الصادر في طلب إعادة إجراءات الأمر بالتصحيح والذي انتهى إلى القضاء بعدم جواز الطلب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها بصفتها موظفاً عمومياً تعمل بإدارة مركز العملاء بالعملة الأجنبية ببنك.... فرع.... إحدى وحدات القطاع العام استولت بغير حق وبنية التملك على مبلغ اثنين وعشرين ألف دولار أمريكي وخمسة عشر ألف ريال سعودي وسهلت للغير.... الاستيلاء بدون حق على مبلغ واحد وستين ألف دولار أمريكي وسبعة وعشرين ألف ريال سعودي وهي المبالغ المودعة بحساب نيابة.... ببنك.... فرع.... على ذمة القضايا أرقام....، .... لسنة 1982، .... لسنة 1983 حصر وارد مالية، وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمة تزوير واستعمال محرر مزور ارتباطاً لا يقبل التجزئة بأن قامت في ذات الزمان والمكان وبصفتها السالفة باصطناع صور خطابات لصرف هذه المبالغ على غرار خطابات الصرف الحقيقية التي تصدر نيابة.... ونسبتها زوراً إلى تلك النيابة وأثبتت فيها على غير الحقيقة أمر النيابة للبنك بصرف المبلغ المودع على ذمة القضايا السابقة للمتهم فيها، وزورت إشعارات الصرف الخاصة بتلك القضايا، كما زورت خطابي نيابة.... المؤرخين.... بجعلها واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وذلك بأن دونت بخط يدها بإشعار كل قضية بيانات القضية والمبلغ المودع على ذمتها وأمر النيابة بصرفه واستوقعت المدعو/ .... على هذه الإشعارات رغم أنه صاحب الحق في الصرف ودونت بالخطاب الخاص بالقضية رقم.... لسنة 1982 والخطاب الخاص بالقضية رقم.... لسنة 1983 أن كلاً منها صورة طبق الأصل بدل فاقد لخطاب حقيقي أصدرته النيابة المختصة من قبل بصرف المبلغ المودع على ذمة كل قضية من هاتين القضيتين وقدمتها خلسة ضمن أوراق أخرى على رئيسة القلم الجنائي للنيابة سالفة الذكر وحصلت منها على توقيعها عليهما وبصمتها بخاتم النيابة واستعملت هذه المستندات المزورة فيما زورت من أجله بأن قدمتها للمسئولين بالبنك لاتخاذ إجراءات الصرف كما قدمتها للمسئولين بالنيابة لستر الجريمة. وأحالتها إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 113/ 1 - 2، 118، 118 مكرراً، 119/ ب، 119 مكرر/ هـ من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمة بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزلها من وظيفتها عما أسند إليها. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض وقيد بجدول محكمة النقض برقم.... لسنة.... قضائية وقضت تلك المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً. ثم تقدمت النيابة العامة بطلب إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتصحيح الحكم الصادر منها بتاريخ.... أمرت المحكمة بتصحيح منطوق الحكم بأن يضاف إليه بعد العقوبة وتغريمها مبلغاً مساوياً لقيمة ما استولت عليه أو سهلت للغير الاستيلاء عليه وقدره 73000 دولار أمريكي و37000 ريال سعودي وبأن يؤشر بذلك على نسخة الحكم الأصلية.
فطعن الأستاذ/ .... المحامي نيابة عن المحكوم عليها في هذا الأمر بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

أولاً: عن الطعن في أمر التصحيح الصادر بتاريخ 20/ 5/ 1990
من حيث إن النظر في شكل الطعن إنما يكون بعد الفصل في جواز الطعن من جانب الطاعنة. لما كان ذلك، وكان قانون المرافعات قد نص في المادة 191 منه على أن "تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة، ويجوز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليه في الفقرة السابقة وذلك بطرق الطعن الجائزة في الحكم موضوع التصحيح. أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال." فهو لم يجز الطعن في هذا القرار إلا أن تكون المحكمة قد أجرت التصحيح متجاوزة حقها فيه. لما كان ذلك، وكانت المادة 337 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه إذا وقع خطأ مادي في حكم أو في أمر صادر من قاضي التحقيق أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ولم يكن يترتب عليه البطلان تتولى الهيئة التي أصدرت الحكم أو الأمر تصحيح الخطأ من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم وذلك بعد تكليفهم بالحضور. ويقضي بالتصحيح في غرفة المشورة بعد سماع أقوال الخصوم ويؤشر بالأمر الذي يصدر على هامش الحكم أو الأمر. ويتبع هذا الإجراء في تصحيح أسماء المتهم ولقبه. ويبين من هذا النص أن المشرع حرص في قانون الإجراءات الجنائية، كما حرص في قانون المرافعات على تسمية ما يصدر في طلب تصحيح الأخطاء المادية أمراً لا حكماً. لما كان ذلك، وكانت المادة 30 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض قد نظمت الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من آخر درجة في مواد الجنايات والجنح، مما مفاده أن الأصل عدم جواز الطعن بطريق النقض - وهو طريق استثنائي - إلا في الأحكام النهائية الصادرة في الموضوع والتي تنتهي بها الدعوى، أما القرارات والأوامر فإنها لا يجوز الطعن فيها إلا بنص. ولما كان مؤدى ما سبق أن قانون الإجراءات الجنائية لم يرسم طريقاً للطعن في أوامر التصحيح التي تصدر إعمالاً لحكم المادة 337 منه كما فعل قانون المرافعات في الفقرة الثانية من المادة 191 التي أجازت الطعن استثناءً في حالة تجاوز المحكمة حقها في التصحيح ولم تجره على استقلال في حالة رفض الطلب ولما كان الأصل أنه لا يرجع إلى قانون المرافعات إلا لتفسير ما غمض من أحكام قانون الإجراءات الجنائية أو لسد ما فيه من نقص، وكان حكم الفقرة الثانية من المادة 191 من قانون المرافعات هو من الأحكام التي لا تتعارض مع أحكام قانون الإجراءات الجنائية وإنما تكمل نقصاً فيه يتمثل في عدم رسم طريق للطعن في قرار التصحيح عند تجاوز الحق فيه، فإنه يتعين الرجوع إلى هذا الحكم والأخذ بمقتضاه في الحدود الواردة به. ولما كان ذلك، وكان مناط الطعن كما سبق القول أن تتجاوز المحكمة حقها في تصحيح الأخطاء المادية بما في ذلك تصحيح اسم المتهم ولقبه، وكان يبين من الأمر المطعون فيه أن المحكمة تجاوزت في هذا الخصوص الحدود المرسومة في المادة 337 من قانون الإجراءات الجنائية وامتد ما أجرته بالأمر المطعون فيه إلى تعديل حكمها السابق والإضافة إليه، فإن الطعن في هذا الأمر يكون جائزاً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن البين من الأوراق أن الطاعنة قدمت للمحاكمة بتهمة الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على مال مملوك للدولة وتسهيل ذلك للغير وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي التزوير في محررات رسمية واستعمالها، ومحكمة جنايات أمن الدولة العليا قضت حضورياً بتاريخ 26/ 3/ 1988 بمعاقبتها بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزلها من وظيفتها. وطعنت المحكوم عليها - الطاعنة - في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم.... لسنة 58 وبتاريخ 21/ 2/ 1989 قضت فيه محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً. وتقدمت النيابة العامة بطلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتصحيحه، وبتاريخ 20/ 5/ 1990 أمرت المحكمة بتصحيح منطوق حكمها السابق بأن يضاف إليه بعد العقوبة وتغريمها مبلغاً مساوياً لقيمة ما استولت عليه أو سهلت للغير الاستيلاء عليه وقدره 73000 ثلاثة وسبعون ألف دولار أمريكي و37000 سبعة وثلاثون ألف ريال سعودي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يترتب على صدور الحكم انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة بحيث لا يجوز لها أن تعود إلى نظرها بما لها من سلطة قضائية، كما لا يجوز لها تعديل حكمها فيها أو إصلاحه، إذ لا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون. وهذا هو الأصل، إلا أن الشارع رأى لاعتبارات قدرها عند وضع قانون الإجراءات الجنائية أن يجيز للمحكمة - أخذاً بما جرى عليه العمل - أن تصحح ما يقع من أخطاء مادية بحتة، فنص على ذلك في المادة 337 المار ذكرها. لما كان ذلك، وكان البين من نص المادة المذكورة وما أكدته المذكرة الإيضاحية لها أن سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها مقصورة على الأخطاء المادية البحتة، وهي التي لا تؤثر على كيانه بحيث تفقده ذاتيته وتجعله مقطوع الصلة بالحكم المصحح، ومن ثم فهي لا تملك بحال أن تتخذ من التصحيح وسيلة للرجوع عن الحكم الصادر منها فتضيف إليه أو تغير منطوقه بما يناقضه. لما في ذلك من مساس بحجية الشيء المحكوم فيه، وابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع أو ينظمه القانون. وإذن فمتى كان الواقع هو أن المحكمة أصدرت حكماً يقضي بمعاقبة الطاعنة بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزلها من وظيفتها، ثم أصدرت بعد ذلك أمراً بتصحيح منطوق هذا الحكم ينص على أن يضاف إليه بعد العقوبة وتغريمها مبلغاً مساوياً لقيمة ما استولت عليه أو سهلت للغير الاستيلاء عليه وقدره 73000 - ثلاثة وسبعون ألف دولار أمريكي و37000 سبعة وثلاثون ألف ريال سعودي. فإنها تكون قد تجاوزت حقها في أمر التصحيح ذلك بأنها أجرت تغييراً كاملاً في منطوق حكمها وأضافت إليه ما لم يجربه، بعد أن كانت قد استنفذت ولايتها بالفصل في الدعوى، وهو ما لا تملكه، مما يتعين معه نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن لخطئه في القانون. ولا يقدح في ذلك أن يكون الحكم قد بين في أسبابه وجوب الحكم بهذه الغرامة، ما دام لم يثبت بورقة الحكم أن تلك الأسباب قد تليت علناً بجلسة النطق به مع المنطوق، وذلك لما هو مقرر من أن العبرة فيما تقضي به الأحكام هي بما ينطق به القاضي في وجه الخصوم في مجلس القضاء عقب سماع الدعوى، فلا يعول على الأسباب التي يدونها في حكمه الذي يصدره إلا بالقدر الذي تكون فيه هذه الأسباب موضحة ومدعمة للمنطوق. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن.
ثانياً عن الطعن في الحكم الصادر في طلب إعادة الإجراءات.
من حيث إن هذه المحكمة - محكمة النقض - قد انتهت في الطعن المرفوع من الطاعنة في أمر التصحيح إلى نقض الأمر المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن، لأن المحكمة التي أصدرته قد تجاوزت حدود اختصاصها عند إصدار الأمر المذكور. لما كان ذلك، وكانت المصلحة مناط قبول الطعن، وقد انتفت مصلحة الطاعنة مما تثيره حول الحكم الصادر في طلب إعادة إجراءات الأمر بالتصحيح والذي انتهى إلى القضاء بعدم جواز الطلب، ومن ثم تعين رفض الطعن موضوعاً ومصادرة الكفالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق