الصفحات

السبت، 13 يناير 2018

دستورية قصر منح العلاوة التشجيعية على العاملين المخاطبين بقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة

القضية رقم 81 لسنة 26 ق " دستورية ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من يونيو سنة 2017م، الموافق الثامن من رمضان سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمـود محمـد غنيم والدكتور محمـد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان          نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار الدكتور / طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع     أمين السر 
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 81 لسنة 26 قضائية " دستورية ".
المقامة من
 المستشار الدكتور / ..............
ضد
1 - رئيس الجمهوريـة
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - مساعد وزير العدل مدير إدارة التفتيش القضائي
4 - وزير العـدل
الإجراءات
بتاريخ الحادي عشر من إبريل سنة 2004، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 بقواعد وإجراءات منح علاوة تشجيعية للعاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل- حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة النقض "دائرة طلبات رجال القضاء والنيابة العامة" الطلب رقم 42 لسنة 73 قضائية "رجال قضاء"، ضد وزير العدل، طالبًا الحكم؛ أولاً : بعدم دستورية نص المادة السادسة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2287 لسنة 1960 في شأن الرواتب الإضافية للحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه فيما نص عليه من أنه " لا يمنح الرواتب المشار إليها في المادتين (1، 2) الموظفون الذين يعينون بمقتضى أحكام كادرات خاصة"، ثانيًا : إلغاء القرار الصادر عن مدير التفتيش القضائي بوزارة العدل بتاريخ 13/1/2003 وما يترتب عليه من آثار، وذلك فيما تضمنه من عدم أحقية الطالب في العلاوة التشجيعية المقررة للحاصلين على درجتي الماجستير، أو الدكتوراه، وأحقيته مجددًا في العلاوة المقررة في المادة (52) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة، وبجلسة 9/12/2003 أدخل المدعى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ومساعد وزير العدل مدير التفتيش القضائي خصومًا جددًا فى الطلب، وعدل طلباته الختامية إلى الحكم بعدم دستورية نص المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 بقواعد وإجراءات منح علاوة تشجيعية للعاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى، وذلك فيما تضمنه من أنه لا تسرى أحكام هذا القرار على المعاملين بكادرات خاصة، وأحقية الطالب مجددًا فى العلاوة المقررة بالقرار السالف ذكره وذلك من تاريخ حصوله على درجة الماجستير عام 1992، ودرجة الدكتوراه عام 2001، وإلزام المطعون ضده الأخير - وزير العدل - بالتعويض الجابر لما أصاب الطالب من أضرار. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم دستورية نص المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 المشار إليه، وصرحت للمدعى برفع الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وأثناء تحضير الدعوى أمام هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، قدم المدعى مذكرة طلب فيها الحكم بعدم دستورية المادة السادسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 في شأن قواعد وإجراءات منح حافز أداء متميز للعاملين المدنيين بالدولة الحاصلين على درجة الدكتوراه وما يعادلها ودرجة الماجستير وما يعادلها، والمادة الأولى من قـرار وزير الدولة للتنمية الإدارية رقم 47 لسنة 2005 بشأن ضوابط استحقاق الحافز المنصوص عليه في قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 وأحوال تخفيضه والحرمان منه.
وحيث إنه عن هذا الطلب فإن من المقـرر فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أو إضافية أمام هيئة المفوضين، كما أن الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع قد اقتصر على نص المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 بقواعد وإجراءات منح علاوة تشجيعية للعاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى، وهو النص الذى انصب عليه تقدير المحكمة لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية، ومن ثم فإن الدعوى المعروضة، فيما جاوز ذلك التصريح، تنحل إلى دعوى دستورية أصلية، أقيمت بالمخالفة لنص المادة (29 / ب) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للنصين المتقدم بيانهما.
وحيث إن عجز الفقرة الأخيرة من المادة (52) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه " كما يجوز للسلطة المختصة منح علاوة تشجيعية للعاملين الذين يحصلون أثناء خدمتهم على درجات علمية أعلى من مستوى الدرجة الجامعية الأولى وذلك وفقًا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض لجنة شئون الخدمة المدنية ".
وحيث إن المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 بقواعد وإجراءات منح علاوة تشجيعية للعاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى تنص على أنه " لا تسرى أحكام هذا القرار على المعاملين بكادرات خاصة ".
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط توافر المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك القانون خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وتبعًا لذلك توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستوريته.
متى كان ذلك، وكان المدعى يطلب الحكم في دعواه الموضوعية بأحقيته فى علاوة تشجيعية لحصوله أثناء خدمته على مؤهل علمي أعلى من الدرجة الجامعية الأولى، التى انتظم قواعد وإجراءات منحها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982، وكان نص المادة الخامسة من قرار رئيس مجلس الوزراء السالف ذكره يحول دون إعمال محكمة الموضوع سلطتها في تقرير مدى سريان قواعد وإجراءات منح تلك العلاوة التشجيعية على أعضاء السلطة القضائية المعدودة ضمن الجهات المعاملة ماليًّا بكادر خاص، ومن ثم فإن حسم المسألة الدستورية يكون لازمًا للفصل في النزاع الموضوعي المرتبط بها، مما تتوافر معه المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى في الدعوى المعروضة، ويتحدد نطاقها فى مجال إعمال نص المادة المطعون فيها على أعضاء السلطة القضائية دون غيرهم من المعاملين بكادرات خاصة. ولا ينال من ذلك نسخ القرار المار ذكره بمقتضى نص المادة الثانية من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016 - المعمول به اعتبارًا من 2 نوفمبر سنة 2016، اليوم التالي لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية، طبقًا لنص المادة الخامسة من مواد إصدار هذا القانون - بعدما أعادت المادة (39) منه، والمادتان (124، 125) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 تنظيم المسألة ذاتها التى نظمتها المادة (52) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة سالف الذكر، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 المشار إليه، على نحو مغاير لتنظيمها السابق به، كما طبقت الأحكام المتقدمة على حالة المدعى، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه؛ إذ إن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وبالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه فى ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.
وحيث إن المادة (68) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 تنص على أن " تحدد مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفقًا للجدول الملحق بهذا القانون ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة ".
وحيث إن جدول الوظائف والمرتبات والبدلات الملحق بقانون السلطة القضائية المشار إليه والمستبدل بالقانون رقم 32 لسنة 1983 تحت مسمى جدول رقم 1 (أ) قد حدد المخصصات السنوية للمخاطبين بأحكام قانون السلطة القضائية فى المرتب وبدل القضاء، وبدل التمثيل، والعلاوة الدورية السنوية، على النحو المبين تفصيلاً بالفئات المقررة لكل وظيفة من وظائف السلطة القضائية، وقواعد تطبيق جدول المرتبات المكملة له.
وحيث إن المادة (1) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه تقضى بأنه " لا تسرى أحكامه على العاملين الذين تنظم شئون توظفهم قوانين أو قرارات خاصة فيما نصت عليه هذه القوانين والقرارات، وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه ملتزمًا أحكام هذا النص فى خصوص تحديده لنطاق المخاطبين بأحكام العلاوة التشجيعية المار ذكرها، فاستثنى منها بمقتضى النص المطعون فيه المعاملين بكادرات خاصة، بحيث لا تسرى عليهم أحكامها.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن سمات الكادر الخاص تطغى فيه طبيعة العمل محل الوظيفة على التنظيم القانونى لها بحيث تدمغه بطابعها وتسبغ هذا الطابع على ذلك التنظيم فيفرض طبيعته وآثاره عليه، ولقد عدد المشرع فى القانون رقم 32 لسنة 1983 سالف الذكر الكادرات الخاصة بما يكشف عن هذه الطبيعة الخاصة والإطار المتميز لها. وإذا كان هذا هو وضع الكادر الخاص فى دائرة الوظيفة العامة، فإنه يكون مفهومًا - وباعتباره تنظيمًا خاصًّا - أن يمثل الأصل فى تنظيم شئون الخاضعين لأحكامه، فإذا قصــر هذا التنظيم، أو سكت عن ترتيب أمر ما، وجب وبلا ريب الرجوع للشريعة العامة للوظيفة العامة، وعلى هذا تجرى دائمًا التشريعات المنظمة للوظيفة العامة، على أن يكون لهذا الرجوع حدود وضوابط، فإذا كان منطق التفسير يقبل استدعاء أحكام التوظف العام فى نظام خاص فيما لم يرد فيه حكم، فإن ذلك مشروط بألا يتضمن النظام العام أحكامًا تتعارض مع أحكام القانون الخاص أو تتنافى مع مقتضاها أو تتنافر مع مفادها، أو مع طبيعة عمل تلك الكادرات، ومتطلباته.
متى كان ما تقدم، وكان جدول الوظائف والمرتبات والبدلات الملحق بقانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 والمستبدل بالقانون رقم 32 لسنة 1983 قد خلا من تقرير مخصص مالى بمسمى العلاوة التشجيعية المنصوص عليها فى عجز نص المادة (52) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة، والتى صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 بقواعد وإجراءات منحها للعاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى، وكان منح تلك العلاوة التشجيعية للعاملين المدنيين بالدولة، دون أعضاء الكادرات الخاصة، قد جرى تنظيمه بقرار رئيس الجمهورية رقم 2287 لسنة 1960 فى شأن الرواتب الإضافية للحاصلين على الماجستير والدكتوراه المعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم 2706 لسنة 1966، والذى ألغى بمقتضى نص المادة السادسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 السالف الإشارة إليه، والذى أعاد التأكيد على الحكم ذاته فى المادة الخامسة منه، فإن مؤدى ذلك أن المشرع فى قانون السلطة القضائية قد تناول بالتنظيم المستحقات المالية لأعضاء السلطة القضائية، بما يمتنع معه الرجوع إلى ما عداه فى شأنها، ولازم ذلك عدم سريان المعاملة المالية للمخاطبين بأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة فى خصوص العلاوة التشجيعية عليهم، خاصة بعد أن حصرت المادة (1) منه نطاق تطبيق أحكامه عليهم، فيما لم تتناوله بالتنظيم القوانين والقرارات الخاصة بهم، وذلك كله شريطة اتفاقه مع طبيعة عملهم والأوضاع الخاصة بهم، ويتواكب ذلك مع ما قرره الدستور فى المادة (186) منه من أن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، كما أوجب تنظيم أوضاعهم بما يحفظ استقلالهم وحيدتهم، ومؤدى ذلك استبعاد كل ما يناقض تلك الأوضاع والغايات، ويتعارض مع طبيعة عمل القاضى والولاية التى يضطلع بها وموجباتها، والذى يدخل ضمنه تقرير علاوة تشجيعية للحاصلين أثناء الخدمة على درجات علمية أعلى من مستوى الدرجة الجامعية الأولى، والتى قررها نظام العاملين المدنيين بالدولة والقرار المطعون فيه، والتى لا تتفق قواعد وضوابط منحها مع طبيعة عمل القاضى، وما يجب كفالته له من حيدة واستقلال حرص الدستور على توكيدها، ومن أجل ذلك أعرض المشرع عن إقرار تلك العلاوة تشجيعية للمخاطبين بأحكام قانون السلطة القضائية، فضلاً عن أن تطبيق تلك العلاوة التشجيعية على أعضاء السلطة القضائية من شأنه إهدار قاعدة عدم جواز أن يقل مرتب وبدلات من يشغل إحدى الوظائف القضائية عن مرتب وبدلات من يليه فى الأقدمية فى ذات الوظيفة، المنصوص عليها فى الفقرة الرابعة من البند تاسعًا من قواعد تطبيق جدول المرتبات الملحق بقانون السلطة القضائية والمستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 1981.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة بين المواطنين وإهداره لمبدأ كفالة حرية البحث العلمي المنصوص عليهما فى المادتين (40 و49) من دستور سنة 1971 المقابلتين للمواد (23 و53 و66) من دستور سنة 2014.
وحيث إن هذا النعى فى جملته مردود، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأً تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صمّاء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية - وفقًا لمقاييس منطقية - بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تحايل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتًا لا تبصر فيه، كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستندًا إلى وقائع يتعذر أن يُحمل عليها فلا يكون مشروعًا دستوريًّا.
كذلك فإن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن عمل القاضي لا يقاس بعمل الموظف العام، لأن المغايرة في هذا الخصوص تقوم على أساس موضوعي مرده إلى اختلاف المركز القانوني للقاضي عن المركز القانوني لسواه.
متى كان ما تقدم، وكان تطبيق العلاوة التشجيعية المنصوص عليها في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 898 لسنة 1982 سالف الذكر - قبل إلغائهما - على أعضاء السلطة القضائية الذين حصلوا أثناء خدمتهم على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى يحول دونه - كما سلف البيان - تنظيم المعاملة المالية لأعضاء هذه السلطة على نحو يغاير تنظيمها في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة؛ الأمر الذى يبرره اختلاف المركز القانوني لعضو السلطة القضائية، في شأن معاملته المالية، عن المركز القانوني لسواه من المعاملين بنظم الوظيفة العامة، ومن ثم فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون تكون فاقدة لأساسها حَرِيّة بالرفض.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن حرية التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل، إنما تمثل الإطار العام لحرية الإبداع التى بلورها الدستور ذاته بما يحول دون عرقلتها، بل إنها توفر لإنفاذ محتواها وسائل تشجيعها ليكون ضمانها التزامًا على الدولة بكل أجهزتها.
وحيث إن كفالة حرية البحث العلمي، والتزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها، هي من نسيج حرية الفكر والرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة (65) من الدستور، وتُكَوّن جميعها إطارًا من أطر الدولة القانونية، كما تسعى النظم الديمقراطية إلى كفالتها، بما يحقق تقدم مواطنيها، ويضمن إسهامهم في دعم الحضارة الإنسانية، ومن ثم فإنه ولئن كان إثابة الباحثين والمخترعين ماليًّا أحد مظاهر رعاية الدولة لهم، إلا أن قصر مدلول هذه الرعاية على العلاوة التشجيعية رغم كونها أحد وسائلها لتحقيق ذلك، وليس جلها، واعتبار التنظيم التشريعي الذى يخلو من تقريرها للباحثين والمخترعين متضمنًا إهدارًا لنص المادة (66) من الدستور، إنما ينطوي على فهم غير سديد لمقاصد المشرع الدستوري من النص على التزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين، التي تهدف على ما سلف بيانه كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير من ناحية، وحماية ابتكارات الباحثين والمخترعين والعمل على تطبيقها من ناحية أخرى، فوق كون أن إعمال هذه الوسيلة فى شأن إثابة فئة من الباحثين إنما يُعد رهنًا باتفاق ذلك مع عناصر ومكونات مركزهم القانوني، وطبيعة عملهم، والقواعد الحاكمة لهما، ليضحى اللجوء إليها في حالة تصادمها معهما، وعدم اتساقها مع متطلباتهما، انتهاجًا لوسيلة لا تتسق والأهداف المبتغاة من تقريرها، يصير معها التنظيم المقرر لها مصادمًا لأحكام الدستور.
متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لم يجترئ على أى من الغايات التي تغياها نص المادة (66) من الدستور، وأعمل المشرع سلطته التقديرية فى قصر منح العلاوة التشجيعية على العاملين المخاطبين بقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى، دون المخاطبين بقانون السلطة القضائية، ولم يكن فى هذا التنظيم ما يخل بجوهر حرية البحث العلمي والتزام الدولة برعاية الباحثين، ومن ثم فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بهذا المبدأ تكون منتفية.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أى حكم آخر من أحكام الدستور.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة،  وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق