الصفحات

الخميس، 4 يناير 2018

التجريم ليس عملا قضائياً، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع

الطعن 173 لسنة 31 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 11/ 12/ 2017 ص 48
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م، الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 173 لسنة 31 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنح النزهة بقرارها الصادر بجلسة 17/ 6/ 2009 ملف الدعوى رقم 3602 لسنة 2009 جنح النزهة.

----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعي كان متزوجا من المدعى عليها الثالثة، وإثر خلافات نشبت بينهما، طرحت على ساحات المحاكم، قام المدعي بتطليقها، على الإبراء، بعد أن سلمها منقولات الزوجية. وكان من بين تلك الخلافات ما تم بشأنه تحرير المحضر رقم 4661 لسنة 2006 إداري النزهة بتاريخ 13/ 5/ 2006، وفيه شهد المدعى عليهما الأول والثاني، أن شقة الزوجية مملوكة للمدعي، ثم عادا وقررا أنها مملوكة للمدعي والمدعى عليها الثالثة، واختلفا بشأنها في أقوالهما بتاريخ 22/ 1/ 2008 في الدعوى رقم 57 لسنة 2008 أسرة، وأيضا في إقرارات الشهادة بتاريخ 3/ 3/ 2008 في محضر التصديق رقم 626/ ب لسنة 2008 مدينة نصر أول، وكذلك محضر التصديق رقم 41287/ ع لسنة 2008، وفي المحضر رقم 1082 لسنة 2007 جنح النزهة، والذي قضت فيه محكمة جناح النزهة بالبراءة، لعدم الاطمئنان لشهادة الشهود. وإذ ارتأى المدعي أن ما تقدم ألحق به أضرارا، أقام بطريق الادعاء المباشر الدعوى رقم 3602 لسنة 2009 جنح قسم النزهة، ضد المدعى عليهم، طالبا الحكم بتوقيع أقصى العقوبة المنصوص عليها في المادتين (296، 297) من قانون العقوبات، على المدعى عليهما الأول والثاني، والمنصوص عليها في المادتين (298، 103) منه على المدعى عليهما الثالثة والرابعة. مع إلزامهم، ضامنين متضامنين، بأن يؤدوا إليه مبلغا قدره 100001 جنيه على سبيل التعويض المؤقت، عما لحقه من أضرار مادية وأدبية
وذلك على سند من أن المدعى عليهما الأول والثاني في يوم 22/ 1/ 2008 أدليا بشهادة زور في القضية رقم 57 لسنة 2008 أمام محكمة مصر الجديدة لشئون الأسرة، لصالح المدعى عليهما الثالثة والرابعة، بناء على الوعد والعطية الصادر منهما، فدفع المدعى عليهم بانتفاء أركان جريمة الشهادة الزور، لأن المحاضر غير قضائية
وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن نصوص المواد (296، 297، 298) من قانون العقوبات، المنطبقة على الواقعة، تخالف أحكام الدستور، قررت بجلسة 17/ 6/ 2009 وقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية تلك النصوص
بتاريخ الثاني عشر من أغسطس سنة 2009، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 3602 لسنة 2009 جنح النزهة، بعد أن قررت محكمة جنح النزهة بجلسة 17/ 6/ 2009، قبل الفصل في الموضوع، وقف الدعوى، وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المواد (296، 297، 298) من قانون العقوبات
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن قرار الإحالة آنف البيان ينعى على النصوص المشار إليها إهدارها مبادئ الشريعة الإسلامية، وقواعد المحاكمة المنصفة، وإخلالها بمبدأ المساواة، وذلك بتطبيق تلك النصوص على شهادة الزور، التي يدلى بها أمام المحاكم فقط، وإغفالها شهادة الزور التي تثبت في محاضر الشرطة، وتحقيقات النيابة ومحاضر التصديقات في الشهر العقاري، ومذكرات الدفاع، وغيرها من المحاضر الإدارية، ومن ثم جاءت تلك النصوص مخالفة للمواد (1، 2، 40، 64، 65، 67، 68، 86، 165، 169) من دستور سنة 1971
وحيث إن المادة (296) من قانون العقوبات تنص على أن "كل من شهد زورا على متهم بجنحة أو مخالفة أو شهد له زورا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين". 
وتنص المادة (297) من هذا القانون على أن "كل من شهد زورا في دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين". 
كما تنص المادة (298) من ذلك القانون على أن "إذا قبل من شهد زورا في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشيء ما يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة
وإذا كان الشاهد طبيبا أو جراحا أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء الشهادة زورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب شهادة الزور أيهما أشد
ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضا". 
وحيث إن الدستور - في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية - نص في المادة (95) منه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنا ماديا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسا في فعل أو امتناع، وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء في زواجره ونواهيه هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيا كان هذا الفعل أم سلبيا، ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون، في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها. بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن المحكمة لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام، التي قام الدليل عليها قاطعا واضحا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة، من خلال عناصرها، عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها، كما يتعين أن يكون لكل جريمة عقوبة محددة ينص القانون عليها في صلبه، أو تتقرر - على الأقل - وفقا للحدود التي يبينها، كذلك، فإن من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين، التي تنتظم أحكامها في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين منها في أي تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثرا، وهي قواعد لا ترخص فيها وتمثل إطارا لعملها لا يجوز تجاوزه، ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته، في إطار من الضوابط التي قيدها بها
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها لا تزن بنفسها - ومن خلال مناهجها الذاتية - ما إذا كان التنظيم التشريعي المعروض عليها لازما، وما إذا كان إقراره في مناسبة بعينها ملائما، إذ ليس لها إلا أن ترد النصوص التشريعية المطعون عليها لأحكام الدستور. ذلك إن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح غايتها التحقق من توافقها مع أحكام الدستور، وإحاطتها بحقوق وحريات المواطنين من كافة جوانبها على الوجه الأوفى، ودون قصور ينال من جوهرها أو في بعض عناصرها بما يعد عدوانا عليها وامتهانا لها، غير أن تلك الرقابة لا تمتد بحال إلى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها، كما لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع لتنظيم أوضاع معينة
وحيث إن مؤدى ذلك ولازمه، أن التجريم ليس عملا قضائيا، وإنما هو عمل تشريعي أصيل، يتولاه المشرع، طبقا لنص المادة (101) من الدستور، فيحدد ملاءمته، ونطاقه، ملتزما الضوابط الدستورية السالف ذكرها، ويبين - على نحو جلي، لا غموض فيه - النموذج القانوني، الذي يتلبس الفعل المادي، والركن المعنوي لهذا النموذج، وكافة شرائط هذا النموذج ومتطلباته، ثم يحدد العقوبة المقررة لذلك النموذج، وذلك كله إعمالا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، التي تقضي بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"؛ متى كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع قد أحالت النصوص التشريعية التي ارتأت مخالفتها للدستور، بغية أن يمتد العقاب، المقرر فيها، على شهادة الزور، التي يدلى بها أمام المحاكم، والتي تثبت في محاضرها، ليشمل تلك التي تثبت في غير هذه المحاضر، مثل محاضر الشرطة، ومحاضر التصديقات في الشهر العقاري، وغيرها، فإن ذلك لا يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا، ويظل تدخل المشرع لإجراء هذا التعديل حتما مقضيا، ليعمل سلطته التقديرية في هذا الشأن، بما يملكه من بدائل وملاءمات، مما يتعين معه عدم قبول الدعوى المعروضة
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق