الصفحات

السبت، 6 يناير 2018

الطعن 29343 لسنة 59 ق جلسة 23 / 5 / 1996 مكتب فني 47 ق 96 ص 677

جلسة 23 من مايو سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجي ومجدي الجندي ووفيق الدهشان ومحمود شريف فهمي نواب رئيس المحكمة.

-------------------

(96)
الطعن رقم 29343 لسنة 59 القضائية

(1) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". ضرب "ضرب أفضى إلى موت". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقديم المتهم لظروف الاعتداء الذي استوجب عنده حق الدفاع الشرعي. أمر اعتباري. يجب أن يكون مبنياً على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التي تصل إلى يد المدافع.
مثال.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي".
تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء في حالة الدفاع الشرعي. موضوعي.
(3) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحدث الحكم استقلالاً عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي. غير لازم. كفاية أن يكون مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم.
(4) ضرب "ضرب أفضى إلى موت". دعوى مدنية. اختصاص "الاختصاص الولائي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تعويض. أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي".
متى تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية؟
القضاء بالبراءة لتوافر الدفاع الشرعي عن النفس في جريمة ضرب أفضى إلى موت. لازمه. رفض الدعوى المدنية المرفوعة عنها. علة ذلك؟.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. المجادلة في ذلك. غير جائزة.
(6) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
(7) إثبات "اعتراف" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال. لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات. فلها الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق. متى اطمأنت إليه وتجزئته والأخذ منه ما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشهود والأخذ منها ما تطمئن إليه وإطراح ما عداه. ولا تناقض في ذلك. ما دام يصح عقلاً أن يكون الشاهد صادقاً في جزء من أقواله وغير صادق في شطر منها.
(9) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لمحكمة الموضوع الجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره. شرط ذلك؟
الجدل الموضوعي في استخلاص صورة الواقعة وتقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
مثال.
(10) دعوى جنائية. دعوى مدنية "نظرها". نقض "الصفة في الطعن".
انتفاء صفة المدعي بالحقوق المدنية في الطعن على الحكم بأوجه متعلقة بالدعوى الجنائية إلا إذا انطوى العيب الذي شاب الحكم على مساس بالدعوى المدنية.
مثال.
(11) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "بوجه عام". ضرب "أفضى إلى موت". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع في حالة القضاء ببراءة المتهم بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت. إغفال التحدث عنها. مفاده ضمناً إطراحها.

------------------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس في حق المطعون ضده، بما مؤداه أن المطعون ضده فوجئ بأخيه المجني عليه ينهال عليه بسكين في مقاتل من جسمه، مما ألحق به جرحاً بالغة، بررت للمذكور رد الاعتداء ومنعه من الاستمرار فيه، فضرب المجني عليه بعصا على رأسه فأحدث إصاباته التي أودت بحياته. لما كان ذلك، وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه إذ فوجئ بشقيقه يبدأ بالاعتداء عليه بسكين وهو فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة وهذا التخوف مبنى على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التي تصل إلى يد المدافع وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعي فيه مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات ولذلك فإن تخوف المطعون ضده في هذه الحالة يكون مبنياً على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التي استخدمها مما يتعين معه اعتباره في حالة دفاع شرعي عن نفسه.
2 - من المقرر أن تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء وما إذا كان يدخل في حدود الدفاع الشرعي أو يتعداه هو من شأن محكمة الموضوع، وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم تدل بغير شك على أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي.
3 - لما كان لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي في عبارة مستقلة بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي عن النفس يتفق وصحيح القانون، وتكون منازعة الطاعنة في قيام هذه الحالة ونعيها على الحكم أنه لم يستظهر شروط الدفاع الشرعي والقيود الواردة عليها وما إذا كان المطعون ضده قد تجاوز هذا الحق، هي أمور في جملتها على غير أساس.
4 - لما كان من المقرر أن الدعوى المدنية التي ترفع للمحاكم الجنائية هي دعوى تابعة للدعوى الجنائية أمامها فلا تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، وكانت المحكمة قد برأت المطعون ضده من تهمة الضرب المفضي إلى موت مورث الطاعنة لتوافر الدفاع الشرعي عن النفس وهو من الأعذار القانونية المبيحة للفعل والمسقطة للعقوبة، فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض عن التهمة المشار إليها لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل مباح صدر من المطعون ضده، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعنة المدنية قد اقترن بالصواب.
5 - من المقرر إن لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها فإنه ليس للطاعنة من بعد المجادلة في ذلك.
6 - من المقرر إن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
7 - من المقرر إن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصراً من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى كما أن لها أن تجزئ الاعتراف فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وتقدير قيمة الاعتراف من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى.
8 - من المقرر إن لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما لا تطمئن إليه منها دون أن يكون ذلك تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في جزء من أقواله وغير صادق في شطر منها ما دام تقدير الدليل موكلاً إلى اقتناعها.
9 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، ومن ثم فإن المحكمة وقد استخلصت من اعتراف المطعون ضده أمامها وأمام سلطة التحقيق - الذي اطمأنت إليه - أن إصابة المجني عليه حدثت من ضربه بعصا، فلا تثريب عليها إذا هي لم تعول على أقوال المطعون ضده في محضر الاستدلالات وعلى أقوال الشهود وما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المذكور حدثت من ضربه بفأس، ومن ثم يكون ما تثيره الطاعنة بشأن ما تقدم جدلاً موضوعياً في حق المحكمة في استخلاص صورة الواقعة من مصادرها المتاحة في الأوراق وتقدير الأدلة القائمة في الدعوى وفقاً لما تراه وهي أمور لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض.
10 - من المقرر أنه ليس للطاعنة - المدعية بالحقوق المدنية - صفة في الطعن على الحكم بأوجه متعلقة بالدعوى الجنائية إلا إذا انطوى العيب الذي شاب الحكم على مساس بالدعوى المدنية وهو ما لا يتوافر بالنسبة للنعي بالتناقض بين الأدلة القائمة في الدعوى وتعويل المحكمة عليها واستخلاصها لصورة الواقعة وبأنها حدثت من جراء استخدام عصا وليس فأساً، لتعلق ذلك كله بالدعوى الجنائية وحدها دون الدعوى المدنية.
11 - لما كان ما تثيره الطاعنة من أن الحكم لم يمحص الأدلة والمستندات وأوجه الدفاع التي تدين المطعون ضده بارتكاب الجريمة ولم يرد عليها، مردوداً، بأن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده، ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه وهو يقضي بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض الدعوى المدنية وعدم تصديه لما قد تكون المدعية بالحقوق المدنية قد ساقته من قرائن تشير إلى ثبوت الاتهام.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه ضرب....... عمداً بجسم صلب راض ثقيل (رأس فأس) فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى موته على النحو المبين بالتحقيقات - وأحالته إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت ....... مدنياً قبل المتهم بأن يدفع لها مبلغ 170450 جنيه (مائة وسبعين ألفاً وأربعمائة وخمسين جنيهاً مصرياً) تعويضاً نهائياً. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً أولاً: ببراءة المتهم مما أسند إليه - ثانياً: رفض الدعوى المدنية.
فطعن الأستاذ/..... المحامي نيابة عن المدعية بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض ........ إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنة - المدعية بالحقوق المدنية - تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمة الضرب المفضي إلى الموت ورفض الدعوى المدنية قد شابه الخطأ في تطبيق القانون والبطلان والقصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه قضى ببراءة المطعون ضده استناداً إلى قيام حالة الدفاع الشرعي، دون أن يستظهر توافر شروط هذه الحالة والقيود الواردة عليها، وما إذا كان المذكور قد تجاوز هذا الحق من عدمه، ولم يلزمه بالتعويض رغم أن استناده إلى الحالة المشار إليها لا يمنعه من القضاء به، وعول على اعتراف المطعون ضده رغم تعارض واختلاف رواياته في أدوار التحقيق وأخذ الحكم بتصويره الوارد في رواية منها بأنه استخدم في الحادث عصا رغم أن ذلك يتناقض وما ذهب إليه الشهود وتقرير الطب الشرعي من أنه استخدم فأساً ولم يمحص الأدلة والمستندات وأوجه الدفاع التي تدين المطعون ضده بارتكاب الجريمة ولم يرد عليها بما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس في حق المطعون ضده، بما مؤداه أن المطعون ضده فوجئ بأخيه المجني عليه ينهال عليه بسكين في مقاتل من جسمه، مما ألحق به جراحاً بالغة، بررت للمذكور رد الاعتداء ومنعه من الاستمرار فيه، فضرب المجني عليه بعصا على رأسه فأحدث إصاباته التي أودت بحياته. لما كان ذلك، وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه إذ فوجئ بشقيقه يبدأ بالاعتداء عليه بسكين وهو فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة وهذا التخوف مبنى على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التي تصل إلى يد المدافع، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعي فيه مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات ولذلك فإن تخوف المطعون ضده في هذه الحالة يكون مبنياً على أسباب معقولة تبرر رد الاعتداء بالوسيلة التي استخدمها مما يتعين معه اعتباره في حالة دفاع شرعي عن نفسه. ولما كان تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء وما إذا كان يدخل في حدود الدفاع الشرعي أو يتعداه هو من شأن محكمة الموضوع، وكانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم تدل بغير شك على أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي، وكان لا يشترط في القانون أن يتحدث الحكم عن كل ركن من أركان الدفاع الشرعي في عبارة مستقلة بل يكفي أن يكون ذلك مستفاداً من الظروف والملابسات طبقاً للواقعة التي أثبتها الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده كان في حالة دفاع شرعي عن النفس يتفق وصحيح القانون، وتكون منازعة الطاعنة في قيام هذه الحالة ونعيها على الحكم أنه لم يستظهر شروط الدفاع الشرعي والقيود الواردة عليها وما إذا كان المطعون ضده قد تجاوز هذا الحق، هي أمور في جملتها على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر إن الدعوى المدنية التي ترفع للمحاكم الجنائية هي دعوى تابعة للدعوى الجنائية أمامها فلا تختص المحكمة الجنائية بالتعويضات المدنية إلا إذا كانت متعلقة بالفعل الجنائي المسند إلى المتهم، وكانت المحكمة قد برأت المطعون ضده من تهمة الضرب المفضي إلى موت مورث الطاعنة لتوافر الدفاع الشرعي عن النفس وهو من الأعذار القانونية المبيحة للفعل والمسقطة للعقوبة، فإن ذلك يستلزم حتماً رفض طلب التعويض عن التهمة المشار إليها لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل مباح صدر من المطعون ضده، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعنة المدنية قد اقترن بالصواب. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها فإنه ليس للطاعنة من بعد المجادلة في ذلك، وإذ كان التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وكان الاعتراف في المسائل الجنائية عنصراً من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها في سبيل ذلك أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع وإن عدل عنه في مراحل أخرى كما أن لها أن تجزئ الاعتراف فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وتقدير قيمة الاعتراف من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى، وكان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشهود فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما لا تطمئن إليه منها دون أن يكون ذلك تناقضاً يعيب حكمها ما دام يصح في العقل أن يكون الشاهد صادقاً في جزء من أقواله وغير صادق في شطر منها ما دام تقدير الدليل موكلاً إلى اقتناعها، كما أن لها أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، ومن ثم فإن المحكمة وقد استخلصت من اعتراف المطعون ضده أمامها وأمام سلطة التحقيق - الذي اطمأنت إليه - أن إصابة المجني عليه حدثت من ضربه بعصا، فلا تثريب عليها إذا هي لم تعول على أقوال المطعون ضده في محضر الاستدلالات وعلى أقوال الشهود وما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المذكور حدثت من ضربه بفأس، ومن ثم يكون ما تثيره الطاعنة بشأن ما تقدم جدلاً موضوعياً في حق المحكمة في استخلاص صورة الواقعة من مصادرها المتاحة في الأوراق وتقدير الأدلة القائمة في الدعوى وفقاً لما تراه وهي أمور لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض، هذا إلى أن من المقرر أنه ليس للطاعنة - المدعية بالحقوق المدنية - صفة في الطعن على الحكم بأوجه متعلقة بالدعوى الجنائية إلا إذا انطوى العيب الذي شاب الحكم على مساس بالدعوى المدنية وهو ما لا يتوافر بالنسبة للنعي بالتناقض بين الأدلة القائمة في الدعوى وتعويل المحكمة عليها واستخلاصها لصورة الواقعة وبأنها حدثت من جراء استخدام عصا وليس فأساً، لتعلق ذلك كله بالدعوى الجنائية وحدها دون الدعوى المدنية. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة من أن الحكم لم يمحص الأدلة والمستندات وأوجه الدفاع التي تدين المطعون ضده بارتكاب الجريمة ولم يرد عليها، مردوداً، بأن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المطعون ضده، ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه وهو يقضى بالبراءة وما يترتب على ذلك من رفض الدعوى المدنية عدم تصديه لما قد تكون المدعية بالحقوق المدنية قد ساقته من قرائن تشير إلى ثبوت الاتهام. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق