الصفحات

الأحد، 31 ديسمبر 2017

التنازع الظاهري للنصوص في جريمة التهرب الضريبي (عدم تقديم الاقرار)

الطعن 19 لسنة 18 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 12/11/ 2017 ص 31
باسم الشعب 

المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م، الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 18 قضائية "دستورية".

--------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة قدمت المدعي – شريك متضامن في شركة لتشغيل الذهب مسجلة بمصلحة الضرائب على المبيعات - إلى المحاكمة الجنائية في الجنحة رقم 10379 لسنة 1994، أمام محكمة جنح الجمالية، بوصف أنه خلال الفترة من شهر أغسطس سنة 1992 حتى شهر نوفمبر 1992، بصفته ممولا خاضعا للضريبة العامة على المبيعات، تهرب من أداء الضريبة المقررة قانونا والمستحقة على مبيعاته المبينة قدرا بالأوراق، وذلك بعدم تقديمه الإقرارات المبينة لحجم مبيعاته وعدم سداد الضريبة المستحقة عنها في المواعيد المحددة قانونا، وطلبت معاقبته بالمواد أرقام (1، 2، 3، 4، 5، 6، 16، 32، 43، 44/ 2 - 10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وبجلسة 21/ 1/ 1996 دفع المدعي بعدم دستورية البندين رقمي (1، 10) من المادة (44) من القانون المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعي باتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، أقام الدعوى المعروضة

بتاريخ العاشر من مارس سنة 1996، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم: بعدم دستورية الفقرتين الأولى والعاشرة من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

------------------
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة

وحيث إن المادة (44) من القانون المار ذكره تنص على أن يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتي
1- عدم التقدم للمصلحة للتسجيل في المواعيد المقررة
2- بيع السلعة أو استيرادها أو تقديم الخدمة دون الإقرار عنها وسداد الضريبة المستحقة ......... 10- انقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها". 
وحيث إن المدعي وإن كان قد طعن على نص البند رقم (1) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، إلا أن صحيفة دعواه قد خلت من بيان أوجه مخالفة ذلك النص لأحكام الدستور، وفق ما يوجبه نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة ????، ومن ثم فإن هذا الطعن يصم دعواه بالتجهيل، وتضحى غير مقبولة، في هذا الشق منها، مما يتعين معه الالتفات عنه
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند رقم (10) من المادة (44) سالف البيان مخالفته مبدأ أصل البراءة، إذ افترض، بمقتضى قرينة قانونية، قوامها أن انقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة المستحقة على مبيعاته دون الإقرار عنها وسدادها يعد تهربا من الضريبة، يعاقب فاعله بالعقوبة المقررة بنص المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، كما أن النص المطعون فيه يهدر مبدأ العدالة الاجتماعية، الأمر الذي ارتأى معه المدعي أن عبارة "يعد تهربا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة" الواردة بصدر المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، ويكملها نص البند (10) من المادة ذاتها - قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996 - يخالفان أحكام المادتين (??، 6?) من دستور سنة 1971
وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. وأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة الذي يحدد للخصومة الدستورية نطاقها، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، فلا يمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، بالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤدى ذلك أن يقيم المدعي الدليل على أن ضررا واقعيا قد لحق به، وأن يكون هذا الضرر عائدا إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من أدعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق 
التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تعدد مواد الاتهام لا يعني أن من وجهت إليه مدان بأيها، إذ تفترض براءته من التهم التي أسندتها النيابة العامة إليه، إلى أن يقوم الدليل أمام القضاء جليا قاطعا على ثبوتها في حقه. كذلك فإن تعدد مواد الاتهام، لا يدل بداهة على أن جميعها مخالف للدستور حتى يحمل المتهم على اختصامها بتمامها أمام المحكمة الدستورية العليا، بل تقوم مصلحته الشخصية والمباشرة في الطعن على ما يكون منها كذلك في تقديره، توصلا لإبطالها وإلغاء قوة نفاذها، كي لا تطبقها محكمة الموضوع بالنسبة إليه
وحيث إن المقرر أن تنازع النصوص العقابية هو تزاحم ظاهري لنصوص تجريم متعددة إزاء فعل واحد، على نحو يتبين به - بعد تفسير صحيح لهذه النصوص - أن أحدها فحسب هو الواجب التطبيق، وأن سائرها متعين عدم إعماله. ويتضح بذلك الفرق الجوهري بين تنازع النصوص العقابية والتعدد المعنوي للجرائم، فعلى الرغم من وجهي الشبه بينهما في أن فعلا واحدا قد ارتكب، وأن نصوصا متعددة تبدو واجبة التطبيق عليه، فإن تنازع النصوص يفترض أن نصا واحدا منها في النهاية هو الذي يطبق، ومن ثم لا تتعدد الأوصاف الإجرامية للفعل ولا تتعدد الجرائم. أما التعدد المعنوي للجرائم فيفترض أن هذه النصوص جميعا واجبة التطبيق، ومن ثم تطبق جميعا، وتتعدد الأوصاف الصادرة عن كل منها وتتعدد بذلك الجرائم. ويأتي على رأس القواعد التي تحسم التنازع بين النصوص الجنائية قاعدة "النص الخاص يرجح على النص العام"، ذلك أن النص الخاص يتضمن جميع العناصر التي يحتويها النص العام، ويتضمن بالإضافة إليها عناصر تعطيه مزيدا من التحديد، وصلة أوثق بالوضع الواقعي الذي يتنازع مع النص العام التطبيق عليه
وحيث إن المادة (16) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم ?? لسنة 1991 تنص في فقرتيها الأولى والثانية على أن "على كل مسجل أن يقدم للمصلحة إقرارا شهريا عن الضريبة المستحقة على النموذج المعد لهذا الغرض خلال الثلاثين يوما التالية لانتهاء شهر المحاسبة، ويجوز بقرار من الوزير مد فترة الثلاثين يوما بحسب الاقتضاء
كما يلتزم المسجل بتقديم هذا الإقرار ولو لم يكن قد حقق بيوعا أو أدى خدمات خاضعة للضريبة في خلال شهر المحاسبة". 
وتنص المادة (32) من ذلك القانون في فقرتها الأولى على أن "على المسجل أداء الضريبة دوريا للمصلحة رفق إقراره الشهري وفي ذات الموعد المنصوص عليه في المادة (16) من هذا القانون، وذلك طبقا للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية". 
وتنص المادة (41) من القانون المشار إليه على أن "يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألفي جنيه، فضلا عن الضريبة والضريبة الإضافية المستحقتين، كل من خالف أحكام الإجراءات أو النظم المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية دون أن يكون عملا من أعمال التهرب المنصوص عليها فيه
وتعد مخالفة لأحكام هذا القانون الحالات الآتية
1- التأخر في تقديم الإقرار وأداء الضريبة عن المدة المحددة في المادة (16) من هذا القانون بما لا يجاوز ثلاثين يوما ........" 
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة جميعا، أن المسجل يلتزم بتقديم إقرار عن مبيعاته أو الخدمات الخاضعة للضريبة مصحوبا بأداء الضريبة المستحقة عنها - بحسب الأصل - خلال ثلاثين يوما تالية لانتهاء شهر المحاسبة، وأن تأخره عن تقديم الإقرار وأداء الضريبة خلال هذا الميعاد، وبما لا يجاوز ثلاثين يوما، يعد مخالفة لأحكام هذا القانون، ولا يكون عملا من أعمال التهرب المنصوص عليها في القانون ذاته، أما إذا تجاوز المسجل مدة ثلاثين يوما تالية لانتهاء المواعيد المقررة لتقديم الإقرار وأداء الضريبة، فإنه يعد متهربا من الضريبة طبقا لنصي البندين (2، 10) من المادة (44) من القانون المشار إليه
وحيث إن امتناع المسجل وفقا لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها بانقضاء مدة ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد المقررة لذلك؛ يعد عنصرا مشتركا بين الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي في نموذجيها المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، وذلك على نحو يغاير ما قد تستقل به بعض حالات ارتكاب النموذج المنصوص عليه بالبند (10) من تلك المادة من القانون المار ذكره، قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996، والذي تتحقق بمقتضاه جريمة التهرب الضريبي في صورة تامة، وإن كان إقرار المسجل بالضريبة المستحقة على مبيعاته وتوريدها لمصلحة الضرائب، قد جاوز مدة ثلاثين يوما تالية لانتهاء المواعيد المحددة بالمادتين (16، 32) من القانون ذاته
وحيث كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد نسبت إلى المدعي ارتكاب جريمة التهرب من أداء الضريبة على المبيعات المؤثمة بنموذجي هذه الجريمة المنصوص عليهما بالبندين (2، 10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وقد تساندت في الجمع بين هذين النموذجين إلى استمرار امتناع المدعي عن تقديم الإقرار عن مبيعاته، وسداد الضريبة المستحقة عنها خلال المواعيد المقررة قانونا، حتى تاريخ الكشف عن الجريمة، الذي جاء تاليا لانقضاء ثلاثين يوما على انتهاء المواعيد السالف بيانها، بما تراءى معه للنيابة العامة الجمع بين نموذجي جريمة التهرب قيدا ووصفا، دون أن يشكل ذلك تعددا معنويا بينهما، وإنما تنازعا ظاهريا بين نصين عقابيين يشكل أولهما حكما خاصا على ثانيهما، بمراعاة انطوائه على صلة أوثق بالوضع الواقعي القائم في الدعوى الموضوعية. ومن ثم فإن المدعي لا يجديه مخاصمة النموذج المنصوص عليه بالبند (10) وحده، ما دام أن النموذج المنصوص عليه بالبند (2) يحمل ركنه المادي عناصر التأثيم ذاتها للجرم المنسوب للمدعي بمقتضى نص البند المطعون فيه، مع الأخذ في الاعتبار كذلك توافر القصد الجنائي الذي يجمع بين النموذجين الفائت بيانهما. وعلى ذلك، فإن إبطال نص البند (10) من المادة (44) من القانون المشار إليه، لن يحقق للمدعي أي فائدة عملية يتغير بها مركزه القانوني في الدعوى الموضوعية، بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها، إذ يظل – مخاطبا بنص البند (2) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، معرضا لإدانته عن جريمة التهرب الضريبي ذاتها، ومعاقبته بالعقوبة الموحدة المقررة لتلك الجريمة - أيا كان نموذجها – المنصوص عليها بالمادة (43) من ذلك القانون، ومن ثم تنتفي مصلحة المدعي في الطعن على دستورية نص البند (10) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 - قبل استبداله بالقانون رقم 91 لسنة 1996 - مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية سقوط الإعفاء عن الممول غير المنتظم في تقديم إقراراته الضريبية عن دخله (واعتباره متهرباً)

الطعن 92 لسنة 29 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 11/ 12/ 2017 ص 13
باسم الشعب 

المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م، الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 92 لسنة 29 قضائية "دستورية".

------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن نشاط المدعي في مجال بيع الوحدات العقارية مسجل لدى مأمورية ضرائب سيدي جابر اعتبارا من 16/ 10/ 1990، وقام المدعي بإخطار المصلحة بتاريخ 21/ 2/ 1991 ببدء مزاولة النشاط، إلا أنه بالفحص تبين مزاولته النشاط منذ عام 1990، وتهربه من الإقرار وأداء الضريبة المستحقة على نشاطه، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 3845 لسنة 2004 جنح سيدي جابر، وقدمته النيابة العامة إلى المحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح سيدي جابر، متهمة إياه أنه خلال الفترة من عام 1990 وحتى عام 1993، وهو ممن يزاولون نشاطا تجاريا خاضعا للضريبة الموحدة على دخل الأشخاص الطبيعيين

1- لم يقدم لمصلحة الضرائب إخطارا عند بدء نشاط بيع وحدات تمليك خلال الميعاد القانوني
2- تهرب من أداء الضريبة المقررة قانونا باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية بأن أخفى ذلك النشاط عن علم مصلحة الضرائب
3- لم يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقرارا صحيحا وشاملا مبينا به الإيرادات والتكاليف والأرباح والخسائر عن مختلف مصادر الدخل
وطلبت عقابه بالمواد (91/ 1، 2 و187 ثانيا/ 1) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 بشأن الضريبة الموحدة، والمواد (6/ 2، 19/ 7، 74/ 1، 133/ 1، والفقرة الثانية من البند 5، و135/ 1) من القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل، وأثناء نظر الدعوى بجلسة 5/ 5/ 2007، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005 المعدلة بالقانون رقم 181 لسنة 2005، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة، قاصرا طلبه على القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى من نص المادة المشار إليها
بتاريخ السابع عشر من شهر أبريل سنة 2007، أقام المدعي هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، المعدل بالقانون رقم 181 لسنة 2005، وسقوط الفقرة الثانية منها
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة

وحيث إن المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005 في شأن الضريبة على الدخل تنص على أن "يعفى كل شخص من أداء جميع مبالغ الضريبة المستحقة على دخله وجميع مبالغ الضريبة العامة على المبيعات، وذلك عن الفترات الضريبية السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون، وما يرتبط بتلك الضرائب من مقابل تأخير وغرامات وضريبة إضافية وغيرها، وذلك بالشرطين الآتيين
أولا - ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبي أو خضع لأي شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة الضرائب على المبيعات
ثانيا - أن يتقدم الممول بإقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، وأن يتقدم للتسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات إذا بلغ حد التسجيل، وذلك قبل مضي سنة من تاريخ العمل بهذا القانون
ويسقط الإعفاء إذا لم ينتظم الممول في تقديم إقراراته الضريبية عن دخله عن الفترات الضريبية الثلاث التالية". 
وحيث إن مفاد هذا النص أن القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، وهو في مقام التوطئة لتطبيق نظامه الضريبي الجديد، والتشجيع على توسعة قاعدة الخاضعين لأحكامه الضريبية، قد استحدث إعفاء عاما ينضوي تحته كل شخص كلف بأداء ضريبة من الضرائب العامة على الدخل، وكذا ضريبة المبيعات متى كانت تستحق عن فترة سابقة على العمل بأحكامه، كما شمل هذا الإعفاء ما يرتبط بأي من هذه الضرائب من مقابل تأخير وغرامات وضريبة إضافية وغيرها من الضرائب. وأوردت الفقرة الأولى من المادة الرابعة المطعون فيها للإفادة من هذا الإعفاء ثلاثة ضوابط، أولها: ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبي أو خضع لأي شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل مصلحة الضرائب العامة أو الضرائب على المبيعات، وثانيها: أن يتقدم بإقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا جميع البيانات ذات الصلة، وثالثها: أن يتقدم للتسجيل بمصلحة الضرائب على المبيعات متى بلغ حد التسجيل المقرر قانونا، وذلك كله قبل مضي سنة من تاريخ العمل بالقانون المشار إليه
متى كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة بدستورية ما اشترطه نص البند أولا من المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، من قيد للإفادة من الإعفاء من أداء جميع مبالغ الضريبة المستحقة عن نشاطه التجاري، حاصله ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبي أو خضع لأي شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة الضرائب على المبيعات، قبل العمل بأحكام هذا القانون، وذلك بحكمها الصادر بجلسة الثاني عشر من مايو سنة 2013 في القضية رقم 29 لسنة 31 قضائية "دستورية"، القاضي برفض الدعوى. وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بعددها الصادر بتاريخ 26 مايو سنة 2013، الرقيم 21 (مكرر). وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، ولها حجية مطلقة بالنسبة لهم، باعتبارها قولا فصلا في المسألة المقضي فيها، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعته، فإنه يتعين الحكم بعدم قبول هذا الشق من الدعوى
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية التأثير فيما أبدى من طلبات في دعوى الموضوع. متى كان ذلك، وكان مقتضى إعمال أحكام الشرط الثاني من شروط الإعفاء من جميع مبالغ الضريبة المقرر بالنص المطعون فيه، هو حرمان المدعي من ذلك الإعفاء، لكون نشاطه في بيع الوحدات العقارية - وعلى ما هو ثابت بأوراق الدعوى الموضوعية - مسجل لدى مصلحة الضرائب على الدخل بمأمورية سيدي جابر، فضلا عن قيامه بإخطار تلك المصلحة، بتاريخ 21/ 2/ 1991، عن بدء مزاولة النشاط، ومن ثم، تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على عجز نص البند ثانيا من الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، فيما اشترطه – للتمتع بالإعفاء الضريبي – أن يتقدم الممول، قبل مضي سنة من تاريخ العمل بهذا القانون، بإقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، وذلك في مجال انطباقه بالنسبة للضرائب على الدخل، دون الضرائب على المبيعات
وحيث إن المدعي ينعى على نص البند ثانيا من الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل المار ذكره، إخلاله بتكافؤ الفرص وبالحق في المساواة، والعدالة الاجتماعية، بالمخالفة لأحكام المواد (4، 8، 38، 40) من دستور سنة 1971 الذي أقيمت الدعوى الدستورية في ظل العمل بأحكامه
وحيث إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها - وأيا كان تاريخ العمل بها - لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي للنص المطعون عليه - في النطاق السالف تحديده - تندرج تحت المناعي الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها الدستورية على النص المطعون فيه، والذي ما زال ساريا ومعمولا بأحكامه، من خلال عرضه على الدستور القائم الصادر في سنة 2014
وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما في المادتين (8، 40) من دستور 1971، وتقابلها المواد (4، 9، 53) من دستور 2014، ومبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (38) من كلا الدستورين، فمن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مساواة المواطنين أمام القانون، التي يوجبها مبدأ تكافؤ الفرص، تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق، ولكنها ليست مساواة حسابية يتساوى بها المواطنون في الحريات والحقوق أيا كانت مراكزهم القانونية، بل هي مساواة قانونية رهينة بشروطها الموضوعية التي ترتد في أساسها إلى طبيعة الحق الذي يكون محلا لها وما تقتضيه ممارسته من متطلبات، ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، وإن اختلفت هذه المراكز بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر، انتفى مناط التسوية بينهم، وكان لمن توافرت فيهم الشروط، دون سواهم، أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم. ومن المقرر أيضا في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطويا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض، أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، ويتعين دوما لضمان اتفاق هذا التنظيم مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي أعتنقها المشرع في موضوع محدد وفاء بمصلحة عامة لها اعتبارها، والوسائل التي اتخذها طريقا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها هذا الموضوع، عن أهدافها، بل يجب أن تعد مدخلا إليها
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل باعتباره أساسا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة (27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي، وألزمت الدولة بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، كما اتخذت المادة (38) منه من العدالة الاجتماعية مضمونا وإطارا للنظام الضريبي، وغيره من التكاليف العامة، وتحقيقها هدفا لها، وليضحى العدل من منظور اجتماعي أساسا لها، وهو لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل، محددا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة، وفق ما تراه حقا وإنصافا
وحيث كان ذلك، وكان المشرع استكمالا منه لمنظومة الإصلاحات الضريبية التي يعد تطبيق العفو الضريبي أحد وسائلها - وسبق للمشرع أن لجأ إليها في العديد من القوانين الضريبية – قد حرص وهو في مقام استشراف تطبيق قانون ضريبي جديد على الدخل، يهدف إلى محاربة ظاهرة التهرب الضريبي، إلى الأخذ بنظام العفو الضريبي، بغية توسيع قاعدة الخاضعين لأحكامه، مستهدفا شريحة المتهربين الذين لم تقف مأموريات الضرائب على حقيقة أنشطتهم ومقدار أرباحهم قبل العمل بأحكامه، حتى تفرض عليها الضرائب المستحقة اعتبارا من نفاذها، فوسد لذلك بالتنظيم الذي أورده النص المطعون فيه، الذي قرن التمتع بالإعفاء الضريبي للمتهرب من هذا الواجب - متى كان لم يسجل نشاطه لدى مصلحة الضرائب أو يقدم إقرارا ضريبيا قبل العمل بأحكام هذا القانون – بالتزامه بأن يقدم إقراره الضريبي عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، قبل مضي سنة من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، وذلك بهدف التحقق من جدية الممول، وتوفير المعلومات اللازمة لبسط مصلحة الضرائب رقابتها على أنشطة الممولين المتهربين من أداء الضرائب، لتمكينها من تكليفهم بعد العمل بأحكام هذا القانون بما يستجد في ذمتهم من ضرائب، ليكون هذا الإقرار بالدين الضريبي، رغم الإعفاء منه، هو المعين الذي تستقى منه مصلحة الضرائب المعلومات اللازمة لمباشرة رقابتها المستقبلية، على الأنشطة التي كانت مستترة بعيدا عن أعين مأموريها، بهدف تمكين الدولة من بسط سلطانها على سائر المكلفين بالضريبة، تحقيقا للعدالة الاجتماعية في مجال تحصيل الضريبة
وهو ما أوضحه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في شأن نص المادة الرابعة المطعون عليها، والذي أكدت فيه اللجنة على ما تبناه ذلك النص من فكر حديث يستهدف توسيع قاعدة المجتمع الضريبي، وتشجيع أفراد المجتمع غير المسجلين لدى الإدارات الضريبية، على التقدم للتسجيل، والانتظام في أداء الضريبة الخاضعين لها، والانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، هذا بالإضافة إلى تبديد مخاوف هؤلاء الأفراد من تحمل تبعات الفترات السابقة على تاريخ العمل بالقانون، من عقوبات وجزاءات وأعباء مالية قد لا يستطيعون تحملها دفعة واحدة. لما كان ذلك جميعه، فإن التنظيم الذي تبناه المشرع في سن هذا الشرط لاستحقاق الإعفاء من الضرائب المستحقة قبل العمل بأحكام هذا القانون، باعتباره الوسيلة التي اتخذها المشرع طريقا لبلوغ الأهداف المتقدمة، متسقا مع تلك الغايات، ومحققا لها، ومرتبطا بها ارتباطا منطقيا وعقليا، بقصره التمتع بهذا الإعفاء - إذا توافرت شروطه - على من لم تكن تتوافر لمصلحة الضرائب معلومات عن النشاط الذي يزاوله، وأرباحه منه، لكونه صاحب مركز قانوني يختلف عن المركز القانوني لمن سبق تسجيل نشاطه لدى مصلحة الضرائب، أو محاسبته ضريبيا، الأمر الذي يضحى ما تضمنه النص المطعون فيه من أحكام يتساند إلى أسس موضوعية تبرره، ويكون النعي عليه الإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المكفولين بالمواد (4، 9، 53) من الدستور، والعدالة الاجتماعية التي كفلتها المادتان (27، 38) من الدستور، على غير سند، وغير قائم على أساس سليم
وحيث إنه عما نعاه المدعي من مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (13، 52، 199) من دستور سنة 1971، المقابلة لأحكام المواد (12، 62، 117) من الدستور القائم، فلا محل لإعمالها في الدعوى المعروضة، لتعلقها بالحق في العمل، وحق الهجرة، وانتخاب رئيس ووكيلي مجلس النواب، والأمر ذاته بشأن ما ارتآه المدعي من مخالفة النص المطعون فيه لحكم المادة (120) من دستور سنة 1971 - ولا يوجد لها مقابل في الدستور الحالي - لتعلقه بعدم جواز الجمع بين عضوية مجلس الشورى ومجلس الشعب
وحيث إنه عن طلب المدعي القضاء بسقوط الفقرة الثانية من المادة الرابعة المطعون عليها، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السقوط لا يعد طلبا مستقلا بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التي ترتبط بها ارتباطا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى في حدود نطاقها المتقدم، فإن هذا الطلب يكون حقيقا بالالتفات عنه
وحيث إن النص المطعون فيه - في حدود النطاق المتقدم - لا يخالف أي حكم آخر في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية تحصيل الرسوم في قضايا الاسرة من غير الملزم بها بمقتضى حكم نهائي (مستأنفة)

الطعن 56 لسنة 34 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 / 12 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 49 مكرر هـ في 11 /12/ 2017 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من ديسمبر سنة 2017م، الموافق الثالث عشر من ربيع الأول سنة 1439هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعي عمرو وبولس فهمي إسكندر وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 34 قضائية "دستورية".

------------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن مطلقة المدعي أقامت ضده الدعوى رقم 752 لسنة 2011 أسرة العجوزة، طالبة الحكم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ عشرة آلاف جنيه، قيمة مؤخر صداقها، الثابت بعقد زواجهما الشرعي المؤرخ 31/ 5/ 2003، وذلك على سند من القول بأنها كانت زوجته، وطلقت منه طلاقا بائنا، بموجب حكم محكمة الأسرة الصادر بجلسة 24/ 11/ 2009، والمؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 245 لسنة 127ق بجلسة 9/ 2/ 2011، وإذ لم يقم المدعي، رغم طلاق المذكورة منه، بأداء مبلغ مؤخر الصداق سالف التحديد، أقامت دعواها الموضوعية بطلباتها سالفة البيان، وبجلسة 24/ 9/ 2011 قضت محكمة العجوزة لشئون الأسرة بإلزام المدعي بأن يؤدي لمطلقته مبلغ عشرة آلاف جنيه، قيمة مؤخر صداقها، وألزمته بالمصاريف ومبلغ 75 جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وإذ لم يرتض المدعي هذا الحكم، وأراد الطعن عليه بالاستئناف، إلا أن قلم الكتاب رفض تسليمه صورة رسمية من الحكم الابتدائي، إلا بعد سداد الرسوم القضائية المستحقة عن ذلك الحكم، والمقدرة بمبلغ 675 جنيها، الصادرة بالمطالبة رقم 8 لسنة 2011/ 2012

وخشية فوات مواعيد الطعن، أضطر المدعي لسداد مبلغ المطالبة بموجب القسيمة رقم 865787 في 31/ 10/ 2011. وعلى أثر ذلك، تمكن من الطعن على الحكم الصادر ضده بالاستئناف رقم 14229 لسنة 128ق، وفي الوقت ذاته، عارض في أمر تقدير الرسوم المشار إليه، وقيدت الأوراق برقم 1274 لسنة 2011 أسرة العجوزة، وطلب في ختام صحيفة المعارضة الحكم بإلغاء أمر تقدير الرسوم رقم 8 لسنة 2011/ 2012 لعدم صيرورة الحكم الصادر ضده، والمقدرة الرسوم على أساس ما قضى به، نهائيا، مع رد ما تم سداده من رسوم. وأثناء نظر المعارضة دفع الحاضر عن المدعي بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية، وإذ قدرت المحكمة - التي تنظر المعارضة في أمر التقدير - جدية دفعه، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، أقام دعواه المعروضة
بتاريخ السادس والعشرين من أبريل سنة 2012، أقام المدعي هذه الدعوى بإيداع صحيفتها، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، فيما تضمنته من أن الطعن في الحكم، بطريق الاستئناف، لا يحول دون تحصيل الرسوم القضائية ممن حكم ابتدائيا بإلزامه بها
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلا بالقانون رقم 7 لسنة 1995، تنص على ما يأتي
فقرة أولى: "يلزم المدعي بأداء الرسوم المستحقة، عند تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب، كما يلزم بأداء ما يستحق عنها من رسوم أثناء نظرها، وحتى تاريخ قفل باب المرافعة فيها
فقرة ثانية: وتصبح الرسوم التزاما على الطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى، وتتم تسويتها على هذا الأساس، ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم
فقرة ثالثة: وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقي الرسوم الملتزم بها الغير". 
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ارتباطها عقلا بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية، التي تطرح على هذه المحكمة، لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته، يتعلق بما إذا كان يجوز لقلم كتاب محكمة أسرة العجوزة أن يستصدر ضد المدعي أمرا قضائيا بتقدير الرسوم النسبية، محسوبة على أساس ما حكم به عليه ابتدائيا، ثم تنفيذ هذا الأمر جبرا، ودون تربص لقضاء المحكمة الاستئنافية التي يعتبر حكمها في النزاع الموضوعي شرطا لجواز هذا التنفيذ، فإن نطاق الدعوى والمصلحة فيها ينحصران فيما ورد بعجز الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 41 لسنة 1944 المشار إليه المطعون فيها، من أن الاستئناف لا يحول دون تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر الدعوى في مرحلتها الابتدائية
وحيث إن المدعي ينعى على الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 41 لسنة 1944 بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية المطعون عليها، تخويلها قلم كتاب المحكمة تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر دعواه ابتدائيا، رغم أن استئنافها لا زال ماثلا أمام جهة الطعن، مما يمثل إخلالا بحق الملكية، وبمبدأي الحماية القانونية المتكافئة والخضوع للقانون، وكذلك إهدارا للحق في الدفاع، تأسيسا على أن من خسر دعواه في مرحلتها الابتدائية، قد يكسبها استئنافيا، فلا تكون الرسوم التي حصلها قلم كتاب المحكمة مستندة إلى حق، بل إن تحصيلها على هذا النحو يعني جواز اقتضائها قسرا، ووقوع صراع بين خصوم الدعوى، إذا طلبها من حكم لمصلحته استئنافيا من قلم كتاب المحكمة. كما أن إعمال تلك الفقرة يعتبر قيدا، كذلك، على حق التقاضي، فلا يكون ولوج الطريق إليه معبدا، بالنظر إلى الأعباء المالية التي يتحملها المواطن دون ضرورة، حال أن وظيفة القضاء من أولى المهام التي قامت الدولة عليها، وحسبها أن تغطي نفقاتها من الخزانة العامة، مما يصم الفقرة المطعون عليها بمخالفتها لأحكام المواد (34، 40، 64، 65، 68، 69) من دستور 1971
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة، إنما تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور، تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي وجهها المدعي للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفه نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – الذي ما زال قائما ومعمولا بأحكامه – من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طالبها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها. كذلك لا يجوز أن يكون النفاذ إلى القضاء محملا بأعباء مالية أو إجرائية تقيد أو تعطل أصل الحق فيه، ولا أن يكون منظما بنصوص قانونية ترهق الطريق إليه، وتجعل من التداعي مخاطرة لا تؤمن عواقبها، متضمنا تكلفة تفتقر إلى سببها، نائيا عما يعتبر إنصافا في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها، أو مفتقر إلى الضوابط المنطقية التي يحاط اقتضاء الحق بها
وحيث إن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئا إلا على من صار ملزما بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقا قبل الفصل نهائيا في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم الصادر بشأنها نهائيا، غدا حائزا لقوة الأمر المقضي، مؤكدا للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز المماراة فيها، منطويا على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازما تنفيذه إعمالا لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما دام هذا الحكم قائما. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقبا عليها وفقا لأحكام الدستور
وحيث إن مساواة المواطنين أمام القانون، ويندرج تحتها تساويهم أمام القضاء، مؤداها أن الحقوق عينها ينبغي أن تنتظمها قواعد موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها أو استئدائها. وكلما كان التمييز في مجال طلبها من خلال الخصومة القضائية؛ أو اقتضائها بعد الفصل فيها غير مبرر؛ كان هذا التمييز منهيا عنه دستوريا. وكان من المقرر أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبرا كلما كان الطعن فيها استئنافيا جائزا، ما لم يكن الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل في الأحوال التي حددها المشرع حصرا. متى كان ذلك، وكان ما تقرر بالفقرة المطعون عليها في شأن الخصومة القضائية من جواز اقتضاء مصروفاتها جبرا قبل الفصل استئنافيا في الحق المتنازع عليه، مؤداه: أن تعتبر مصروفاتها هذه - في مجال استيفائها قسرا - واقعة في منطقة النفاذ المعجل، ملحقة على خلاف أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، بالأحوال التي حددها لوجوب النفاذ المعجل أو لجوازه، مشبهة حكما بها. وكانت الفقرة المطعون عليها تغاير – بنصها – بين حقوق آحاد الناس، التي يعتبر ثبوتها بحكم نهائي لازما للحمل على أدائها؛ وتلك التي لا يكون صدور هذا الحكم شرطا لاقتضائها جبرا إذا طلبتها الجهة الإدارية لنفسها؛ فإن نص هذه الفقرة يكون مؤكدا لأفضلية كفلتها دون مسوغ لهذه الجهة، فلا يستقيم حكمها ومبدأ المساواة الذي كفلته المادتان (4، 53) من الدستور
وحيث إن حق الدفاع الذي كفلته المادة (98) من الدستور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها؛ وتقويم مسارها؛ ومتابعة إجراءاتها؛ وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها؛ وإدارة دفاع مقتدر بيانا لوجه الحق فيما يكون مهما من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحا لأكثرها اتصالا بها، وأقواها احتمالا في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجا من الأوراق. وكان التقاضي على درجتين – وكلما كان مقررا بنصوص قانونية آمرة – يعني أن للخصومة القضائية مرحلتين لا تبلغان نهايتهما إلا بعد الفصل استئنافيا فيها؛ ومن ثم، فإن حق الدفاع ينبسط بالضرورة على هاتين المرحلتين باعتبارهما متكاملتين ومحددتين للخصومة القضائية محصلتها الختامية في شأن الحقوق المتنازع عليها؛ بما لازمه إن مصروفاتها لا يجوز أن يتحملها غير من خسر نهائيا هذه الحقوق
وحيث إن إرساء دعائم الحق والعدل، وإن كان هدفا نهائيا ووحيدا للوظيفة القضائية، إلا أن المشرع وازن بين دورها الأصيل في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها دون نقصان، وبين أن يتخذها البعض مدخلا الإرهاق من يطلبون هذه الحقوق وإعناتهم، انحرافا بالخصومة القضائية عن مسارها، بما يؤكد مجاوزتها الأغراض التي شرع من أجلها حق التقاضي، الذي كفلته المادة (97) من الدستور للكافة، وكان لازما بالتالي ألا تكون مصروفاتها عبئا على من أقامها، كلما كان محقا فيها. فإذا خسر دعواه ابتدائيا، ظل النضال من أجل الحقوق التي طلبها ممتدا إلى المرحلة التي تليها، باعتبار أن التقاضي على درجتين، يعتبر أصلا ينتظم التداعي في أعم الأحوال وأغلبها. وبغير استنفادهما معا، يظل مصير الحقوق المدعي بها مترددا بين ثبوتها وانتفائها؛ ولا يكون مسار الخصومة القضائية مكتملا ولا محددا مراكز أطرافها، ومن يكون منهم متحملا بمصروفاتها
وحيث إن ذلك مؤداه: أن للخصومة القضائية خاتمتها الطبيعية التي تبلغها عند الفصل نهائيا في الحقوق المتنازع عليها. واقتضاء مصروفاتها قبل استقرار الحق فيها - وذلك في غير الأحوال التي يلزم فيها القانون استثناء من سعى بالخصومة القضائية إلى غير وجهتها، منحرفا بها عن أهدافها بمصروفاتها، ولو صار كاسبا لدعواه - إنما يعرض الملاحقين بها لمخاطر لا يستهان بها، يندرج تحتها تحصيلها قبل أوانها جبرا وإداريا باعتبارها دينا يجرد ذممهم المالية - التي لا تتناول إلا مجموع الحقوق التي يملكونها والديون التي يتحملون بها - من بعض عناصرها الإيجابية، فلا يكون اقتطاعها منها بحق، بل عبئا سلبيا واقعا عليها دون سند، مما يخل بالأحكام التي تضمنتها المادتان (33، 35) من الدستور اللتان تمدان الحماية المقررة بهما إلى الأموال جميعها، لا تمييز في ذلك بين ما يكون منها من قبيل الحقوق الشخصية أو الحقوق العينية أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار - بما في ذلك حق الملكية - تعتبر مالا عقاريا. أما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أيا كان محلها – فإنها تعد مالا منقولا، فلا يكون اغتيالها أو تقويض أسسها، إلا عدوانا عليها ينحل بهتانا، وينبغي أن يكون عصفا مأكولا
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على التوكيد على العدل باعتباره أساسا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعلت المادة (27) منه العدالة الاجتماعية أحد أهداف النظام الاقتصادي للدولة، وألزمت الدولة بمراعاة إقامة نظام ضريبي عادل، وفي هذا الإطار حرصت المادة (38) من الدستور على كفالة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهداف النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة، ليضحى العدل محددا من منظور اجتماعي أساسا لها، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محددا على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقا وإنصافا؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائيا في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها، إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمنا طويلا، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارما لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقا، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته
وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزما بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافا في مجال تطبيق نص المادة (38) من الدستور
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية، فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كما نهج المشرع بالنص المطعون فيه، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده، ويمس أصله وجوهره، بما يقع بالمخالفة لنص المادة (92) من الدستور
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها - في الحدود المتقدم بيانها - تكون مخالفة لأحكام المواد (4، 33، 35، 38، 53، 92، 97، 98) من الدستور
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة (15) من القانون رقم 91 لسنة 1944 بالرسوم أمام المحاكم الشرعية، معدلا بالقانون رقم 7 لسنة 1995، فيما نص عليه من أنه "ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم"، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.