الصفحات

الخميس، 17 أغسطس 2017

عمل القاضي لا يقاس بغيره من الموظفين العامين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها في شأن واجباتهم الوظيفية

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت أول فبراير سنة 1992 م الموافق 27 رجب سنة 1412 هــ .
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر                     رئيس المحكمة
و حضور السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم ومحمد على عبدالواحد والدكتور/ عبدالمجيد فياض وماهر البحيرى                      اعضاء
وحضور السيد المستشار/ السيد عبدالحميد عمارة                                المفوض
وحضور السيد/ رأفت محمد عبدالواحد                                             أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 3 لسنة 8 قضائية " دستورية ".
المرفوعه من
السيد / ..............
ضد
1 - رئيس الجمهوررية بصفته
2 - وزير العدل بصفته
3 - النائب العام بصفته
4 - رئيس مجلس تأديب القضاة واعضاء النيابة العامة
" الإجراءات "
بتاريخ 6 فبراير سنة 1986 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (111) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 فيما تضمنته من عدم جواز الطعن فى القرار الصادر من مجلس الصلاحية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن مجلس الصلاحية كان قد قضى فى الدعوى رقم 2 لسنة 1984 بنقل المدعى إلى وظيفة غير قضائية وذلك إعمالاً للمادة (111) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1984 . فطعن على هذا القرار أمام الدائرة المدنية بمحكمة النقض - دائرة طلبات رجال القضاء - حيث قيد طلبه برقم 43 لسنة 54 ق "رجال قضاء" وأثناء نظر هذه الدائرة لذلك الطلب بجلسة 5 نوفمبر سنة 1985 دفع بعدم دستورية المادة (111) من قانون السلطة القضائية المشار إليه . وإذ ارتآت الدائرة جدية الدفع، وقررت تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 11 فبراير سنة 1986 ليرفع المدعى الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المدعى ينعى على المادة (111) المطعون عليها مخالفتها للدستور من عدة أوجه أولها: أن ما يصدر عن مجلس الصلاحية فصلاً فى الطلب المقدم إليه بشأن زوال صلاحية القاضى لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية لا يعد حكماً إذ لا تتوافر فيه خصائص القرار القضائى بعد أن جرد قانون السلطة القضائية دعوى الصلاحية من عدد من الضمانات الأساسية التى كفلها فى مجال الدعوى التأديبية ، هى تلك المنصوص عليها فى المواد (99، 100، 102) منه. وإذ حظر النص المطعون فيه الطعن فى القرار الصادر عن مجلس الصلاحية - وهو لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً – فقد أخل بحكم الفقرة الثانية من المادة (68) من الدستور التى لا تجيز إسباغ الحصانة المانعة من الخضوع لرقابة القضاء على الأعمال والقرارات الإدارية على اختلافها. ثانيها: أن ضمانة الدفاع التى كفلتها الفقرة الأولى من المادة (69) من الدستور غير متحققة فى النص المطعون فيه إذ أخل بمقوماتها. ثالثها: أن تقرير صلاحية القضاة للاستمرار فى وظائفهم القضائية أو نفى هذه الصلاحية عنهم مسألة وثيقة الصلة بشئونهم التى كان ينبغى أن تقوم عليها الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض بوصفها قاضيهم الطبيعى وفقاً للفقرة الأولى من المادة (68) من الدستور. الأمر الذى ينطوى على التمييز - فى مجال اللجوء إليه - بينهم وبين غيرهم من المواطنين بالمخالفة لنص المادة (40) من الدستور .
وحيث إن من بين ما ينعاه المدعى فى الدعوى الماثلة على مجلس الصلاحية المنصوص عليه فى المادة (98) من قانون السلطة القضائية ، أن قراره بنقل القاضى إلى وظيفة غير قضائية أو بإحالته إلى المعاش لا يعتبر قراراً قضائياً ما لم يكن الإطار الذى يعمل فيه هذا المجلس مشتملاً على ضمانات الدعوى التأديبية المنصوص عليها فى المواد (99، 100، 102) من هذا القانون .
وحيث إن هذا النعى مردود بأن من ضمانات الدعوى التأديبية ما هو خاص بها لتعلقه بطبيعتها. وانصرافها إلى الدعوى التأديبية دون سواها يفيد بالضرورة عدم انسحابها إلى دعوى الصلاحية التى لا تختلط بالدعوى التأديبية ولا تُعد فرعاً منها، ذلك أن قانون السلطة القضائية قصد إلى المغايرة بين نظامين لكل منهما مجال يعمل فيه، هما المساءلة التأديبية التى فصل أحكامها فى المواد من (99 إلى 110) من هذا القانون، ونظام الصلاحية لولاية القضاء الذى أفرد له المادة (111) لينظم موضوعها، وإذ غاير المشرع بين هذين النظامين فى الخصائص والآثار، فإن تطابقهما من كل الوجوه يغدو أمراً مستحيلاً، وإلا فقد أحدهما مغزاه، ولكان متعيناً دمجهما معاً فى نظام واحد يكون بذاته نافياً لاستقلال كل منهما عن الآخر.
وحيث إن الأصل فى الدعوى التأديبية أنها لا تقام إلا عن تهمة محددة تظاهرها الأدلة المؤيدة لها، ومن ثم يتعين أن تكون إقامتها - وعلى ما تنص عليه المادة (99) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بناء على تحقيق جنائى أو إدارى ، يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة إلى المستشارين أو مستشار من إدارة التفتيش القضائى بالنسبة إلى الرؤساء بالمحاكم الإبتدائية وقضاتها، وبالتالى يكون التحقيق الجنائى أو الإدارى الذى يتم إجراؤه قبل إقامة الدعوى التأديبية وفقاً لنص المادة (99) المشار إليها ضمانة جوهرية غايتها الاستيثاق مما إذا كانت الوقائع المنسوبة إلى القاضى لها معينها من الأوراق، وترقى بما لها من خصائص إلى مرتبة التهمة المحددة التى يجوز أن تقام الدعوى التأديبية عنها .
وحيث إنه إستصحاباً لطبيعة الدعوى التأديبية ، نص قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 فى المادة (100) منه على أن تكون عريضتها مشتملة على بيان بالتهمة والأدلة المؤيدة لها باعتبار أن الدعوى التأديبية لايجوز رفعها إلا عن واقعة بذاتها أو وقائع محددة عناصرها تفصيلاً بوصفها محل المؤاخذة المسلكية ، ولأن إسنادها إلى شخص بذاته يتطلب أن يكون على بينة منها بما ينفى التجهيل بها، وتلك هى الغاية التى استهدفتها كذلك المادة (102) من القرار بقانون المشار إليه، وذلك بإيجابها أن تكون الدعوة الموجهة إلى القاضى للمثول أمام مجلس التأديب متضمنة بياناً كافياً لموضوع الدعوى ولأدلة الاتهام المؤيدة لوقوع الجريمة التأديبية ، وذلك إذا رأى هذا المجلس وجهاً للسير فى إجراءات المحاكمة عن جميع التهم أو بعضها، والأمر على نقيض ذلك فى مجال دعوى الصلاحية المغايرة فى الأساس الذى تقوم عليه الدعوى التأديبية ، ولا تعتبر بالتالى من طبيعتها أو تندرج تحت مفهومها، ذلك أن دعوى الصلاحية لا تقوم فى الأصل على تهمة محددة جرى إسنادها إلى القاضى ، وإن صح الارتكان إلى الحكم الصادر فى شأنها لتقييم حالته على ضوء الشروط التى يتطلبها المشرع فيمن يولى القضاء، ومن بينها أن يكون شاغل الوظيفة القضائية محمود السيرة حسن السمعة ، وهو شرط لا ينفك عنه بل يلازمه دوماً ما بقى قائماً بأعبائها بحيث إذا انتفت صلاحيته للاستمرار فيها، تعين بقرار من مجلس الصلاحية إحالته إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى بعيداً عن العمل القضائى ، وليس لازماً أن تكون عناصر الواقعة الواحدة مؤيدة فى كل جزئياتها بالأدلة المثبتة بها، وإنما يجوز أن يؤسس مجلس الصلاحية قراره على ما يتولد من الانطباع عن أفعال أتاها القاضى وتناقلتها ألسن الناس فى محيط اجتماعى معين، واستقر أمرها فى وجدانهم كحقيقة تزعزع الثقة فيه وتنال من اعتباره، وبالتالى لا يرتبط قرار مجلس الصلاحية لزوماً بواقعة معينة ، بل يقوم عمل المجلس فى جوهره على تقييم لحالة القاضى فى مجموعها من حيث صلاحيته للاستمرار فى وظيفته القضائية ، وتنحل دعوى الصلاحية بالتالى إلى دعوى أهلية يراعى عند الفصل فيها الاعتداد بالعناصر المختلفة التى تتصل بهذا التقييم حتى ما كان منها متعلقاً بحقبة ماضية ، ذلك أن الأمر المعتبر فى تقدير حالة القاضى هو النهج الذى احتذاه طريقاً ثابتاً فى مظاهر سلوكه المختلفة ، ومن ثم لا يتقيد تقدير مجلس الصلاحية للقيم التى إلتزمها بفترة معينة دون أخرى ، ولا بواقعة دون غيرها، وإنما يقلب البصر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته، وما استقر فى شأنها بطريق التواتر ماضياً وحاضراً، ذلك أن عمل القاضى لا يقاس بغيره من الموظفين العامين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية ، وإنما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزماً نأياً بالعمل القضائى عن أن تحيطه الشبهات أو تكتنفه مواطن الريب التى تلقى بذاتها ظلا لاً قاتمة على حيدته ونزاهته، وتتضاءل معها أو تنعدم الثقة فى القائمين عليه بما يستوجب الحكم بانتفاء صلاحية القاضى لولاية القضاء وإبعاده عن محيط العمل القضائى إذا ما انزلق إلى أفعال كان ينبغى عليه أن يتجنبها صوناً لهيبة الوظيفة القضائية ، وتوكيداً لسمو شأنها، وتوقياً للتعريض بها إذا لابستها عوامل تنتقص من كرامتها، أو داخلتها المآخذ التى لا يطمأن معها إلى الإلتزام بقيمها الرفيعة .
وحيث إن قانون السلطة القضائية نظم فى المادة (111) منه الأحكام المتعلقة بدعوى الصلاحية ، فنص فى فقرتها الأولى على أنه "إذا ظهر فى أى وقت أن القاضى فقد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية ، يرفع طلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب رئيس المحكمة إلى المجلس المشار إليه فى المادة (98) منه، ولهذا المجلس إذا رأى محلاً للسير فى الإجراءات أن يندب عند الاقتضاء أحد أعضائه لإجراء ما يلزم من التحقيقات، ويدعو المجلس القاضى للحضور أمامه بميعاد ثلاثة أيام"، كما تنص فقرتها الثانية على أنه "بعد سماع طلبات ممثل النيابة العامة ودفاع القاضى أو من ينوب عنه يصدر المجلس حكمه مشتملاً على الأسباب التى بنى عليها، إما بقبول الطلب وإحالة القاضى إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية ، وإما برفضه الطلب. وتسرى على هذا الطلب -وعملاً بالفقرة الثالثة من المادة (111) المشار إليها- أحكام المواد (104، 105، 106، 107) من هذا القانون.
وحيث إن البين مما تقدم، أن المشرع ناط بالمجلس المنصوص عليه فى المادة (98) من قانون السلطة القضائية ، الفصل فى دعوى الصلاحية بمراعاة الأحكام التى خصها بها بمقتضى المادة (111) المشار إليها وفى إطار الضمانات الجوهرية المنصوص عليها فى المواد (104، 105، 106، 107) من هذا القانون .
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة مجتمعة - أن الاختصاص بالفصل فى دعوى الصلاحية موكول إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائى ، وبالتالى أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وشئون القائمين عليها، وأعمق فهماً للمقاييس الصارمة التى يتعين أن يؤدى العمل القضائى فى إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة فى طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التى ترد عنها كل تحرض أو شبهة تنال منها، ومن ثم يكون مجلس الصلاحية - وعلى ضوء تلك الحقائق - مهيأ أكثر من غيره للفصل فى نزاع قد يؤول إلى إبعاد القاضى عن تولى مهام الوظيفة القضائية ، وهو نزاع يتصل مباشرة بالشروط التى يتطلبها القانون فيمن يتولى القضاء، والمعتبرة من الشئون المتصلة بجوهر الوظيفة القضائية لارتباطها بالقائمين عليها، وكيفية النهوض بمتطلباتها، إذ كان ذلك وكان المشرع _ إعمالاً للتفويض المخول له بمقتضى المادة (167) من الدستور فى شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها قد أسند الفصل فى دعوى الصلاحية إلى قضاة من بين رجال السلطة القضائية يكونون أكثر إحاطة بها، وأقدر على مواجهتها بحكم مواقعهم العليا فى التنظيم القضائى هم هؤلاء الذين يتكون منهم مجلس الصلاحية ، فإن إقامة هذا المجلس على شئون تلك الدعوى لا يتضمن خروجاً على نص المادة (68) من الدستور إذ هو قاضيها الطبيعى بالنسبة إلى من يحالون إليه من رجال السلطة القضائية لما أثير حولهم من أمور تمس السلطة القضائية فى صميمها وتعتبر من دخائلها.
وحيث إن المشرع أفرد مجلس الصلاحية بتنظيم خاص عهد إليه بمقتضاه ولاية الفصل " بصفة قضائية " فى الدعوى المتعلقة بها وتتحدد ملامح هذا التنظيم فى تشكيل مجلس الصلاحية بأكمله من عناصر قضائية ، وقيامه دون غيره على شئون دعوى الصلاحية ، وهيمنته على إجراءاتها إذ ما قرر السير فيها، فإذا بان له من الاطلاع على أوراقها أن موجبات رفعها إليه منتفية ، غض النظر غير مقيد فى ذلك بطلب الإحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة غير قضائية المرفوع إليه من وزير العدل، إذ لا ينال هذا الطلب – وبه تقام دعوى الصلاحية – من السلطة المطلقة التى يملكها المجلس بصددها بلا معقب عليه من أى جهة ، وكلما رأى مجلس الصلاحية محلاً للسير فى إجراءاتها، اعتبر ذلك افتتاحاً للخصومة يؤذن بالبدء فى تحقيق موضوعها . وفى سبيل ذلك اختص المشرع مجلس الصلاحية بالحق فى أن يعهد إلى أحد أعضائه بإجراء ما يراه لازماً من أعمال التحقيق التى يستظهر بها وجه الحقيقة أو تلقى ضوءاً على بعض جوانبها إنطلاقاً من أن التحقيق الذى تجريه المحكمة أو الهيئة القضائية التى خولها المشرع سلطة الحكم فى الدعوى هو الذى يكفل التوصل إلى الحقيقة الراجحة التى يقيم عليها الحكم قضاءه، وبلوغاً لهذه الغاية خول المشرع مجلس الصلاحية وكذلك من يندبه لأعمال التحقيق حق استدعاء الشهود لسماع أقوالهم إذا كان من شأنها إيضاح بعض الوقائع التى غمض أمرها، وتجليه وجه الخفاء فيها مزوداً فى ذلك بالسلطة المخولة لمحاكم الجنح . كذلك فإن الأصل فى الإجراءات التى يتخذها المجلس هو أنها تتم فى مواجهة القاضى المرفوعة عليه الدعوى فلا يجوز للمجلس أن يحكم فى غيبته إلا بعد التحقق من صحة إعلانه. ولئن نص القانون على أن يدعو مجلس الصلاحية العضو المحال إليه للحضور أمامه بميعاد ثلاثة أيام – وهو ميعاد قصير نسبياً – إلا أن ذلك لا يخل بحقه فى الدفاع عن وجهة نظره وإبدائها كاملة أمام المجلس سواء استجاب إلى الدعوة الموجهة إليه وحضر بشخصه لدحض الوقائع المنسوبة إليه أم فوض فى الدفاع عنه أحد رجال القضاء من غير مستشارى محكمة النقض بما مؤداه: ضمان حقه فى الدفاع بالأصالة أو الوكالة ، شفاهة أو كتابة وتوكيداً لهذه الضمانة ذاتها، حرص المشرع على أن يخول مجلس الصلاحية الحق فى ان يطلب من العضو المحال إليه الحضور بشخصه إذا قدر ضرورة ذلك لاستيضاح بعض النقاط المثارة فى الدعوى أو التى تتصل بها كى يكون الحكم فيها صادراً عن بصر وبصيرة دالاً على انه أحاط بجوانبها المختلفة ، وتعزيزاً لضمانة الدفاع، لا يجوز لمجلس الصلاحية أن يفصل فى الدعوى المتعلقة بها إلا بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع العضو المرفوعة عليه الدعوى ، على ان يكون هذا العضو آخر من يتكلم بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الرد تعقيباً على كل واقعه نسبتها إليه النيابة العامة أو كشفت عنها الأوراق، وتنفيذاً لأقوال الشهود توصلاً إلى إطراحها. كذلك فإن ما قرره المشرع من عدم جواز الحكم فى غيبته إلا بعد التحقق من صحة إعلانه يمثل ضمانة قصد بها – بالإضافة إلى مواجهته بكل ما قدم ضده من الأدلة – أن يقف مجلس الصلاحية على حقيقة الأمر فى شأن صلاحيته للعمل القضائى ، وهو ما يفيد لزوماً تقصيه لكل واقعة جرى إسنادها إليه كى ينزلها المنزلة التى يستحقها، ويكون عقيدته على ضوء ما ينتهى إليه بشأنها، ومن ثم فإن قالة الإخلال بحق المدعى فى الدفاع - الذى كفل الدستور أصله بالفقرة الأولى من المادة (69) منه - لا يكون لها محل .
وحيث إنه على ضوء الأحكام السالف بيانها تتمحض دعوى الصلاحية عن خصومة قضائية اسند المشرع الفصل فيها إلى مجلس الصلاحية المشكل من عناصر قضائية صرفة ، وذلك باعتباره جهة قضاء تباشر بصفة دائمة اختصاصاتها المنصوص عليها فى قانون السلطة القضائية طبقاً للمادة (111) منه، وضمن إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى كفلها المشرع للعضو المرفوعة عليه الدعوى ، وأخصها تكليفه الحضور أمام هذا المجلس لمواجهة ما اسند إليه، وتمكينه من إبداء دفاعه وسماع أقواله وتحقيقها ومقابلتها بطلبات النيابة العامة وأقوال الشهود ليتخذ مجلس الصلاحية على ضوء جماع العناصر المطروحة فى الدعوى قراراً قضائياً حاسماً للخصومة محدداً به وفقاً للقانون خاتمتها سواء برفض الدعوى أو بإبعاد العضو عن محيط العمل القضائى ، وفى كل ذلك يتعين أن يكون هذا القرار القضائى مشتملاً على الأسباب التى بنى عليها كى يكون له مأخذه من الأوراق وحكم القانون . وإذ حظر المشرع الطعن فى هذا القرار الذى لا يعدو أن يكون حكماً بمعنى الكلمة ، فقد دل بذلك على اتجاه إرادته إلى قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها هذا الحكم على درجة واحدة ، وهو ما يستقل المشرع بتقديره فى إطار سلطته فى مجال تنظيم الحقوق وبمراعاة ما يقتضيه الصالح العام .
وحيث إن ما ينعاه المدعى من خلال النص المطعون فيه بالمادة (40) من الدستور مردود بأن مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة (40) المشار إليها بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداً لذاته بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه - بما انطوى عليه من التمييز - مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ومجافياً لنص المادة (40) من الدستور. إذ كان ذلك، وكان قانون السلطة القضائية قد افرد دعوى الصلاحية بذلك التنظيم الخاص محدداً قواعده وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً من أى نوع بين المخاطبين بها من رجال السلطة القضائية المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، وكان قصر هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة صوناً للوظيفة القضائية ، وتوكيداً لما ينبغى أن يتوافر من الثقة فى القائمين عليها، وتلك جميعها مصالح مشروعة يعتبر هذا التنظيم مرتبطاً بها ومحققاً لها، فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض .
وحيث إن النص المطعون فيه، لا يتعارض مع أى حكم من أحكام الدستور من أوجه أخرى .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق