الصفحات

الاثنين، 3 يوليو 2017

مناط ولاية المحكمة الدستورية العليا تفسير النصوص التشريعية

الطعن 1 لسنة 38 ق " تفسير تشريعي " المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 110
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مايو سنة 2017م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1438هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمي ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت القرار الآتي 
في طلب التفسير رقم 1 لسنة 38 قضائية "تفسير تشريعي" المقدم من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس النواب

------------
الوقائع
بتاريخ 24 أكتوبر 2016، ورد إلى المحكمة خطاب وزير العدل بطلب تفسير نص الفقرة الثانية من المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1997
وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها التقرير بأن الفقرة الثانية من المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه، تعني أن موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على التحكيم في العقود الإدارية يقتصر على مبدأ اللجوء إلى التحكيم في تلك العقود، دون حاجة إلى توقيع الوزير أو موافقته بعد ذلك على عقد مشارطة التحكيم
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم.

-----------
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن وزير العدل - بناء على طلب رئيس مجلس النواب - قدم إلى هذه المحكمة طلبا بتفسير نص الفقرة الثانية من المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1992، والتي تنص على أنه "وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك"، أشار فيه إلى أن النائب/ ...... عضو مجلس النواب طلب إلى رئيس المجلس مخاطبة وزير العدل لطلب تفسير هذا النص، والذي بناء عليه أعدت الأمانة العامة للمجلس مذكرة ضمنتها، أن النص المذكور أثار خلافا في التطبيق بين دوائر المحكمة الإدارية العليا؛ إذ ذهبت الدائرة الثالثة بها بحكمها الصادر بجلسة 2005/5/17 في الطعن رقم 3603 لسنة 48 قضائية عليا، إلى أن موافقة المحافظ - باعتباره من يتولى اختصاصات الوزير قانونا - على اللجوء إلى طريق التحكيم يكفي لتحقيق قصد المشرع من الإجراء الجوهري الذي تطلبه النص المشار إليه، وأنه ليس بلازم أن يوقع أو يوافق بعد ذلك على مشارطة التحكيم، باعتبارها تستمد شرعيتها أصلا من الموافقة السابقة، وتتضمن عادة الاتفاق على أسماء المحكمين والإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم أثناء نظر النزاع، والموضوعات محل الخلاف بين الطرفين والتي سيتم الفصل فيها، وهي لا شك تزيد أو تنقص حتى حجز دعوى التحكيم للحكم، وذلك تبعا لما اتفق عليه الطرفان في هذا الشأن، على حين تراءي للدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا أثناء نظرها للطعن رقم 8256 لسنة 56 قضائية عليا، خلافا لذلك، أنه يتعين لقيام وصحة مشارطة التحكيم في منازعات العقود الإدارية موافقة الوزير المختص - أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة - عليها، دون الاكتفاء بموافقته على اختيار ولوج طريق التحكيم، ما لم يتضمن المحرر الذي تمت على أساسه الموافقة على اللجوء إلى التحكيم، تحديدا لموضوع التحكيم وجميع المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كانت المشارطة باطلة، وبطل تبعا لذلك حكم التحكيم، لتوافر حالة من حالات بطلانه المنصوص عليها في المادة (53) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المار ذكره. وفي ضوء ذلك قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقا لنص المادة (54 مكررا) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984. وعرض الأمر على تلك الدائرة التي انتهت بجلسة 2016/3/5 إلى وجوب توقيع الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على اتفاق (مشارطة) التحكيم دون غناء عن ذلك بموافقتهم المبدئية على الالتجاء إلى التحكيم لفض النزاع المثار، وببطلان اتفاق التحكيم بطلانا مطلقا عند توقيعه من غير من وسد إليهم المشرع اختصاص الموافقة عليه، وإعادة الطعن للدائرة المختصة للفصل فيه، وذلك تأسيسا على أن مؤدى نصوص قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المشار إليه أنه يجب أن يكون الطرف المعبر عن إرادة الجهة الإدارية في اتفاق التحكيم هو من أولاه المشرع الاختصاص بالتعبير عن إرادة تلك الجهة وفقا للفقرة الثانية من المادة (1) من هذا القانون، والتي قصرت ذلك على الوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولم تجز لهم التفويض فيه، بحيث يباشر كل منهم إبرام العقد دون غيره بحسبانه الأقدر على مراعاة الصالح العام وتقدير متطلباته، بما يستوي معه في ذلك الموافقة من حيث المبدأ أو الموافقة على اتفاق (مشارطة) التحكيم، وذلك بالنظر لخطورة هذا الاتفاق واتصاله بالعقود الإدارية، وما يترتب عليه من نقل الاختصاص بنظر النزاع من ولاية القاضي الطبيعي إلى هيئة التحكيم لتفصل فيه بحكم حائز لحجية الأمر المقضي، ومن ثم فقد غدا مباشرة تلك الصلاحيات بواسطة من عينهم القانون لمباشرتها من القواعد المتعلقة بالنظام العام، يؤدي مخالفتها إلى بطلان الاتفاق. وتأسيسا على ما تقدم خلصت الأمانة العامة لمجلس النواب إلى طلب تفسير النص المشار إليه، من المحكمة الدستورية العليا، طبقا لنص المادة (192) من الدستور، والمادتين (26، 33) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وفي ضوء ذلك طلب رئيس مجلس النواب من وزير العدل التقدم بطلب لتفسير ذلك النص، وبناء عليه قدم الطلب المعروض
وحيث إن البين من نص المادة (192) من الدستور الحالي أنه قد وسد إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الاختصاص بتفسير النصوص التشريعية، ويعتبر قرارها بالتفسير على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير منشئ لحكم جديد بل مندمجا في النص موضوعه، وجزءا لا يتجزأ منه، وساريا بالتالي منذ نفاذه، وكأنه صدر ابتداء بالمعنى الذي تضمنه قرار التفسير، بوصفه إرادة المشرع التي حمل النص القانوني عليها منذ صدوره، بعد تجلية المحكمة لدلالتها ضمانا لوحدة تطبيقها، ومن أجل ذلك جعل نص المادة (195) من الدستور، والمادة (26) من قانون هذه المحكمة المشار إليه، قرارها بالتفسير ملزما للكافة وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء المختلفة، وتكون له الحجية المطلقة بالنسبة لهم، وذلك رغبة من المشرعين الدستوري والعادي في توحيد التفسير بالنسبة للنصوص التشريعية، وضبط تأويلها، بما يحول دون تشتتها وتعدد مشاريها، وتباين تطبيقاتها، وما يؤدي إليه ذلك من إهدار لمبدأي العدالة والمساواة بين المخاطبين بأحكامها المتماثلة مراكزهم القانونية، التي حرص الدستور على كفالتهما في المادتين (4، 53) منه، باعتبارهما أساسا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، كما يصادم مبدأي سيادة القانون وخضوع الدولة للقانون، التي حرص الدستور على توكيدهما في المادة (94) منه، وغني عن الذكر أن اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالتفسير لا يحول دون مباشرة السلطة التشريعية حقها في إصدار التشريعات التفسيرية، كما لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى في تفسير القوانين، وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها، وكل ذلك ما دام لم يصدر بشأن النص تفسير ملزم من المحكمة الدستورية العليا
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استعمال السلطة المخولة لها في مجال اختصاصها بتفسير النصوص التشريعية، مشروط بأن يكون للنصوص المراد تفسيرها أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي تنظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن تكون هذه النصوص - فوق أهميتها - قد أثار تطبيقها فيما بين القائمين على إنفاذ أحكامها، خلافا حادا يتعلق بمضمونها أو أثارها، ويقتضي ذلك أن يكون خلافهم مستعصيا على التوفيق، متصلا بتلك النصوص عند إعمالها، مؤديا إلى تعدد تأويلاتها، لتختل وحدة المعايير اللازمة لضبطها، مما يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء قصد المشرع منها عند إقرارها، ضمانا لتطبيقها تطبيقا متكافئا بين المخاطبين بها
وحاصل ذلك أن الدستور الحالي وقد ناط بالمحكمة الدستورية العليا دون غيرها ولاية تفسير النصوص التشريعية، فإن مؤدى ذلك ولازمه أن استنهاض ولايتها تلك لا يتأتى إلا إذا صار الخلاف حول تطبيقها - كما سلف البيان - حادا مستعصيا على التوفيق، ليكون اللجوء إليها ملاذا أخيرا ونهائيا. متى كان ذلك، وكان الخلاف في الحالة المعروضة قد اقتصر نطاقه على ما تردد بين الدائرتين الأولى والثالثة بالمحكمة الإدارية العليا، بشأن أحوال تطبيق النص محل طلب التفسير المعروض وفروضه، وقد عرض على الدائرة المشكلة بمقتضى نص المادة (54) مكررا من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984، التي أستهدف المشرع بإنشائها - على ما أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 136 لسنة 1984 المشار إليه - علاج حالات اختلاف الأحكام الصادرة من دوائر المحكمة الإدارية العليا أو تلك التي ترى فيها تلك المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته في أحكام سابقة صادرة منها، وقد أصدرت تلك الدائرة قرارها المتقدم في خصوص هذا الخلاف بجلسة 2016/3/5، لينتفي بذلك مناط قيام الخلاف الذي يستنهض ولاية هذه المحكمة في التفسير، الأمر الذي يصير معه الطلب المعروض غير مقبول
فلهذه الأسباب 
قررت المحكمة عدم قبول الطلب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق