الصفحات

الخميس، 11 مايو 2017

الطعن 57101 لسنة 73 ق جلسة 22 / 4 / 2010 مكتب قني 61 ق 44 ص 328

جلسة 22 من إبريل سنة 2010
برئاسة السيد المستشـار / حسام عبد الرحيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / علي فرجاني ، محمد رضا، صبري شمس الدين ومحمد الخطيب نواب رئيس المحكمة.
------------
(44)
الطعن 57101 لسنة 73 ق
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
حكم الإدانة .  بياناته ؟ المادة 310 إجراءات.
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون مجموع ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
مثال .
(2) إثبات " بوجه عام" . جريمة " أركانها " .  قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب".
قصد القتل . أمر خفي . إدراكه من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص توافره . موضوعي .
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل في جريمة قتل عمد.
(3) قتل عمد . مسئولية جنائية . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب". نقض " المصلحة في الطعن ".
نعي الطاعن على الحكم بعدم بيانه نية القتل ومَن أخطأ في شخصه من المجني عليهما. غير مجد . علة ذلك : أن تحديد هذا القصد بأحدهما وانصراف أثره للآخر لا يؤثر في قيامه ولا يدل على انتفائه . مادامت الواقعة تعد صورة من حالات الخطأ في الشخص التي يؤخذ الجاني فيها بالجريمة حسب النتيجة التي انتهى إليها فعله وأن الخطأ في شخص المجني عليه لا يغير من قصد المتهم أو ماهية فعله .
(4) إثبات " شهود " " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم . كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق. النعي بتناقضهما لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز . علة ذلك ؟
(5) دفوع " الدفع بنفي التهمة " " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . إثبات " بوجه عام ".
الدفع بتلفيق الاتهام وبعدم ارتكاب الجريمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراده الأدلة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
(6) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . مادام سائغاً .
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض.
(7) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد تناقضاً في الحكم .
(8) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
إدانة المحكمة المتهم عن التهمة التي وجهتها إليه النيابة بأمر الإحالة  دون غيرها . نعيه بشأن ذلك . غير صحيح .
(9) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
نعي الطاعن على الحكم بإغفاله دفوعه والتي لم يفصح عن ماهيتها . غير مقبول . علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1– لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قولـه " ...... إن المتهـم .... في ..... من العمر ويعمل بمحل والده .... ويقيم وأسرته ... ، وقد عرف عنه استهتاره واستهزاؤه بجيرانه وأنه وأفراد أسرته من ذوي السطوة والنفوذ بمنطقة سكنه وأنه شب على الطوق معوجاً وقد غرته هذه السطوة وفتنه زهوه بشبابه وخيلائه بفتوته وقوته ، وكان يجاوره في منطقة السكن شاب من سكانها هو .... ويعمل ...... ويقيم .... ورغم هذه الجيرة والتي أوصى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على طيب علاقاتها وحسن الجوار فيها إلا أن المتهم .... لم يحفظ لها مشاعر أو يراع لهـا أصـولاً فداس بطيشه وجموحه الثوابت من قيمها والمتأصل من عاداتها وتقاليدها وحفت بنفسه نوازع الشر فدأب على التعرض لشقيقة جاره .... وهي فتاة تدعى ... والتحرش بها في طريق ذهابها وإيابها بالمنطقة واعتاد على مضايقتها بمعاكسته المستمـرة لها  وكان أن أثارت تصرفاته المعوجة استياء وغضب .... وأسرته وبدأت مؤشرات الخلاف بينهما أمراً حتمياً مردوداً طبيعياً لمثل هذه الأمور التي تتنافى وأخلاقيات تلك الجيرة فتوجه ... قبل وقوع الحادث بأيام قليلة إلى المتهم ..... لمعاتبته على تعرضه لشقيقته المذكورة ومعاكستها رغبة منه في إثنائه عن مثل هذه التصرفـات حفاظاً على علاقات حسن الجوار ، فقوبل المذكور من المتهم وأسرته بكيل من السباب والشتائم وحدثت مشادة عنيفة بينهما كادت أن تحتدم لتتحول إلى مشاجرة واعتداءات بين الطرفين لولا أن تداركها بعض العقلاء من أهالي المنطقة الذين تدخلوا بمجهودات محمودة لفض الشحناء بينهما ومحاولة إصلاح ذات البين  ففضوا المشاجرة وأجروا صلحاً - في ذلك الوقت - بينهما إلا أن المتهم .... وقد كثر فساده فظهر عناده وأبى أن يعيش في سكينة وسلام مع جيرانه ، فسولت له نفسه الأمارة بالسوء الكيد والانتقام من .... ولعب الشيطان برأسه فسقط بتفكيره الآثم الضال في براثن الغي ونزق التهور والانحدار وتوعد المتهم غريمه المذكور بالويل والثبور وعظائم الأمور وهدده بالنيـل والانتقام منه بقتله برغبة منه في تأكيد سطوته وإظهاره نفوذه وقوة أسرته ـ وإذ خفيت حمـرة الخجل من دمه ووضحت الشرور والجهل في تصرفه ، وقد أفرط في حماقاته مغتراً بعزوته وشبابه وقوته فاستمر في غيه سائراً وفي كيده ورغبته في الانتقام عازماً ومصمماً بعد أن بيت النية وعقد العزم على تنفيذ قراره الآثم بالخلاص من .... وقتله ليكون عبرة بين أوساط الناس بمنطقة .... والتي يقيم الجميع بها وأعد لذلـك سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته (فرد خرطوش) وذخائر وتوجه في حوالى الساعة الثالثة قبيل فجر يوم الحادث .... إلى مسكن ..... والذي يبعد عن مسكنه بنحو مائتي متر وقد ملأ الشر جوانبه متحفزاً للاعتداء والقتل ووقف أسفل المسكن ينادى عليه متوعداً ومهدداً وهو يكيل له أفظع الشتائم والسباب لحثه على النزول لينفذ فيه جريمته ، غير أن ... لم يكن قد رجع بعد من نوبة عمله الليلية بمدينة .... ولما لم يجده استشاط غضباً وألقى بوابل من السباب عليه وعلى أسرته ثم عاد أدراجه إلى حيث جاء متوعداً بالعودة مرة أخرى لتنفيذ جريمته التي كان يسعى سعياً حثيثاً على ارتكابها ، وهو لم يزل مستمراً في مكابرته وعناده مفرطاً في كيده ولدده وشروده وفي حوالى .... توجه المتهم المذكور مرة أخرى إلى مسكن ..... وكله تصميم وعزم على تنفيذ نواياه وتحقيق جرائره وقد سبق الغدر خطاه وتألفت مشاربه العليلة على تنفيذ ما هدد وتوعد به وأحاط به ومن حوله أهله وعشيرته ومناصروه ممن على شاكلته وقد اتحدت إرادتهم على الإثم والعدوان وفي ذلك الوقت كان ..... عائداً لتوه من نوبة عمله الليلية وبرفقته صديقه وزميله المجني عليه .... ويعمل ..... وما إن هبط المذكوران من السيارة الأجرة التي كانت تقلهما إلى مسكن أولهما ..... وفي تلك اللحظة بادرت .....  بالاعتداء على ...... فهم بالالتفات ناحيتها لمعرفة أسباب اعتدائها عليه فعاجله والدها ...... بعيار خرطوش من فرد كان يحمله أصابته رشاته في قدميه - وذلك حسبما ثبت من تقرير الكشف الموقع عليــه بمستشفى ... يومذاك - وفي تلك الأثناء توجه المجني عليه ..... ناحية صديقه المصاب في محاولة لإنقـاذه والذود عنه والحيلولة دون موالاة الاعتداء عليه وهو لا يدرى أن القدر قد حمله وجاء بـه إلى هذا المصير المشئوم وأن الموت بانتظاره فكأن المنية من يخشاها فسوف تصادفه فقد وقف المجني عليه المذكور أمام صديقه .... بخطوة وإلى جواره في المكان الذي دارت فيه رحى الحادث وفي تـلك اللحظـة اغتنم المتهم .... الموقـف حيث كان يقف في مواجهتهما مباشرة وإلى أعلى منهما بنحو ثلاثين سنتيمتر بسبب طبيعة المكان الذي وقف فيه ثم صوب السلاح الناري إلى صدر المجني عليه .... والمعبأ بمقذوفات متعددة - خرطوش - وهو على مسافة نحو مترين منه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات والجروح النارية الدائرية بالصدر والبطن والعضد الأيسر وما نتج عنهما من تهتك بالقلب والرئتين والقولون ومساريقا الأمعاء الغليظة والكبد وكسور بأضلاع القفص الصدري والموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته . " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى المحكوم عليه أدلة استقاها من أقوال شاهدي الإثبات وما أثبته تقرير الصفة التشريحية بمصلحة الطب الشرعي . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه ، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون . ومن ثم فإن النعي بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له .
2- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن في قوله " إن المحكمة تستخلص توافر نية القتل لدى المتهم من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث وتطمئن إلى توافرها في حقه وذلك من الأسباب والعناصر والمبررات الآتية :ـ 1- كوامن الشر المتأصلة لدى المتهم ونوازعه الموجودة في نفسه فكانت البداية في عدم مراعاة حسن الجوار ودأبه على التعرض لشقيقة ...... ومعاكستها واشتهاره وأسرته بالسطوة والنفوذ في منطقة .... محل الحادث . 2- قيامه بالتشاجر مع ..... عند معاتبته له على معاكسته لشقيقته .....  وقيامه بسب ......... وأسرته بأفظع الألفاظ وأحط الشتائم، وعلى الرغم من تدارك الموقف بتدخل الأفراد من أهالي المنطقة ومحاولات الصلح بينهما إلا أنه أضمر في نفسه كيد الانتقام من ... وانتواء التخلص منه وقتله ومن يصادفه في تنفيذ فعلته . 3- التوجه بعد الصلح بأيام قليلة إلى مسكن .... في .... وهو يهدده ويتـــوعده بالنيل منه وناداه للنزول إليه من مسكنه لينفذ فيه نواياه الخبيثة بقتله . 4- إن المتهم وقد بيت النية وعقد العزم على تنفيذ جريمته ولما لم يعثر على ضالته لتواجد ....... عمله الليلي عاد أدراجه وهو مصمم على العودة إليه مرة ثانية لتنفيذ جريمته والتأكيد على سوء نواياه ومرذول طويته . 5- توجه المتهم مرة ثانية وهو مصمم على تنفيذ جريمته وقد أحاط به أهله وعشيرته وحملوا معهم أسلحة نارية (فرد خرطوش) وذخائرها وأسلحة بيضاء وعصى غليظة للاعتداء بها على ...... وكل من يصادفهم في تنفيذ نواياهم وشرورهم . 6- مبادرة الاعتداء من المتهم وفريقه على المجني عليه .... بالعصا تارة من شقيقة المتهم وبطلق خرطوش في قدميه من والد ذات المتهم ثم قيام المتهم بالاقتراب من ... وإلى  جواره وأمامه المجني عليه .... وأطلق في أجزاء قاتلة من فرد خرطوش كان يحمله على صدر وبطن المجني عليه المذكور فأحدث الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ، وقد نتج عن مقذوفاته استقرارها بجسم المجني عليه فتهتك قلبه ورئتاه وأمعاؤه وكبده وكسرت أضلاعه ونزف نزفاً دموياً غزيراً أحدث به صدمة فلقى مصرعه في الحال. 7- إن الثابت من التحقيقات وأقوال الرائد...  من أن المتهـم .... كان يقصد قتل المجني عليه ..... ، وأنه أدرك هذا القصد لديـه من خلال تصويبه المباشر وعلى مسافة قريبة من المجني عليه وفي أجزاء قاتلة من صدره وبطنه سقط على أثرها جثة هامدة أمامه مما جعله يكف عن موالاة الإطلاق عليه لتأكده ووثوقه من أنه سقط مضرجاً في دمائه وقد فارق الحياة الأمر الذي تستخلص منه المحكمة توافر نية القتل وثبوتها لدى المتهم ..... وذلك من واقـع وظـروف الدعوى وملابساتها وعلى النحو الذي سلف بيانه." ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما تستنبطه المحكمة من الظــروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي قام بها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وأن استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية . وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في استظهار نية القتل لدى الطاعن فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير سديد .
3- من المقرر أنه لا يجدي الطاعن التحدي بأن الحكم لم يفصح عن بيان نية القتل لمن أخطأ في شخصه من المجني عليهمـا ، لأن تحديد هذا القصد بالمجنى عليه ...... أو تحديده وانصراف أثره إلى المجني عليه الآخر ...... لا يؤثر في قيامه ولا يدل على انتفائه مادامت الواقعة كما أثبتها الحكم لا تعدو أن تكون صورة من حالات الخطأ في الشخص التي يؤخذ الجاني فيها بالجريمة العمدية حسب النتيجة التي انتهى إليها فعله ، ولأن الخطأ في شخص المجني عليـه لا يغيـر من قصد المتهم ولا من ماهية الفعل الجنائي الذي ارتكبه تحقيقاً لهذا الغرض ، ومن ثـم فإن ما أورده الحكم بياناً لنية القتل وتوافرها لدى الطاعن بالنسبة لـ.... ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى قتل المجني عليه ، ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد في غير محله .
4- من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليـل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق وكان الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي ، هذا فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بشأن قالة التناقـض بين الدليلين القولي والفني ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض ، ذلك لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة إغفالها الرد عليه مـادام أنه لم يتمسك به أمامها فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس .
5- من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام وبعدم ارتكاب الجريمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنـه اطرحها ، فإن النعي على الحكم بأنـه لم يعرض لدفاع الطاعن القائم على نفي التهمة وتلفيقها يكون في غير محله .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكانت المحكمة بينت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ، فذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، أو بين أسبابه وما نص عليه في المنطـوق مما يستحيل معه الوقوف على ما انتهت إليه ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه لا يوجد أي تناقض في أسبابه ، كما لا يوجد أي خلاف بين ما أورده بتلك الأسباب وما جرى به منطوقه ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض يكون على غير أساس متعين الرفـض .
8- لما كان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قضت بإدانة المتهم عن التهم التي وجهتها إليه النيابة بأمر الإحالة وأحالته للمحاكمة بشأنها وهي القتل العمد وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بغير ترخيص ولم تدنه عن جرائم أخرى لم توجه إليه بأمر الإحالة ومن ثم فإن ما وقع فيه الطاعن من التباس يكون غير مبرر .
9- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن لم يفصـح عن ماهية الدفوع التي يقول أنه أثارها وأغفل الحكم التعرض لها حتى يتضح مدى أهميتهـا في الدعوى المطروحة ، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
1ـ  قتل ..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من سلاحه الناري قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته على النحو المبين بالتحقيقات .
2 ـ  أحرز بدون ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن " فرد خرطوش".
3 ـ أحرز ذخيرة عدد " طلقة واحدة " مما تستخدم على السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه .
وأحالته إلى محكمة .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمـادة 234/1 من قانون العقوبات والمواد 1/1 ، 6 ، 26/ 1 ، 5 ، 30 /1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 ، 97 لسنة 1992 والجدول رقم (2) الملحق بالقانون الأول المعدل مع إعمال المادة 32/2 من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عاماً عما أسند إليه وبمصادرة السلاح الناري المضبوط  .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
 حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بغير ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه قد شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وبأدلتها ، ولم يدلل على توافر نية القتل تدليلاً سائغاً، ودانه الحكم بجناية القتل العمد مع أن الواقعة في حقيقتها تشكل جريمة القتل الخطأ ، كما عول على الدليلين القولي والفني على الرغم مما بينهما من تعارض بشأن إصابة المجني عليه بسحجات  والتفت عن دفاعه القائم على تلفيق التهمة وعدم معقولية تصوير الواقعة واستحالة حدوثها كما وردت بالأوراق ، وأخيراً فقد تناقضت أسباب الحكم مع منطوقه وخالفت المحكمة قرار الإحالة وأدانت الطاعن بتهمة مغايرة لما أحيل به من النيابة العامة والتفتت عن دفوعه في هذا الشأن،  مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قولـه " ..... إن المتهم .... في .... من العمر ويعمل بمحل والده ..... ويقيم وأسرته ... ، وقد عرف عنه استهتاره واستهزاؤه بجيرانه وأنه وأفراد أسرته من ذوي السطوة والنفوذ بمنطقة سكنه وأنه شب على الطوق معوجاً وقد غرته هذه السطوة وفتنه زهوه بشبابه وخيلائه بفتوته وقوته ، وكان يجاوره في منطقة السكن شاب من سكانها هو .... ويعمل .... ويقيم .... ورغم هذه الجيرة والتي أوصى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على طيب علاقاتها وحسن الجوار فيها إلا أن المتهم .... لم يحفظ لها مشاعر أو يراع لهـا أصـولاً ، فداس بطيشه وجموحه الثوابت من قيمها والمتأصل من عاداتها وتقاليدها وحفت بنفسه نوازع الشر فدأب على التعرض لشقيقة جاره .... ، وهي فتاة تدعى .... والتحرش بها في طريق ذهابها وإيابها بالمنطقة واعتاد على مضايقتها بمعاكسته المستمرة لها ، وكان أن أثارت تصرفاته المعوجة استياء وغضب .... وأسرته وبدأت مؤشرات الخلاف بينهما أمراً حتمياً مردوداً طبيعياً لمثل هذه الأمور التي تتنافى وأخلاقيات تلك الجيرة فتوجه .... قبل وقوع الحادث بأيام قليلة إلى المتهم ..... لمعاتبته على تعرضه لشقيقته المذكورة ومعاكستها رغبة منه في إثنائه عن مثل هذه التصرفـات حفاظاً على علاقات حسن الجوار ، فقوبل المذكور من المتهم وأسرته بكيل من السباب والشتائم وحدثت مشادة عنيفة بينهما كادت أن تحتدم لتتحول إلى مشاجرة واعتداءات بين الطرفين لولا أن تداركها بعض العقلاء من أهالي المنطقة الذين تدخلوا بمجهودات محمودة لفض الشحناء بينهما ومحاولة إصلاح ذات البين ، ففضوا المشاجرة وأجروا صلحاً - في ذلك الوقت - بينهما إلا أن المتهم .... وقد كثر فساده فظهر عناده أبى أن يعيش في سكينة وسلام مع جيرانه ، فسولت له نفسه الأمارة بالسوء الكيد والانتقام من ..... ولعب الشيطان برأسه فسقط بتفكيره الآثم الضال في براثن الغي ونزق التهور والانحدار وتوعد المتهم غريمه المذكور بالويل والثبور وعظائم الأمور  وهدده بالنيـل والانتقام منه بقتله برغبة منه في تأكيد سطوته وإظهاره نفوذه وقوة أسرته ، وإذ خفيت حمـرة الخجل من دمه ووضحت الشرور والجهل في تصرفه وقد أفرط في حماقاته مغتراً بعزوته وشبابه وقوته فاستمر في غيه سائراً وفي كيده ورغبته في الانتقام عازماً ومصمماً بعد أن بيت النية وعقد العزم على تنفيذ قراره الآثم بالخلاص من .... وقتله ليكون عبرة بين أوساط الناس بمنطقة .... والتي يقيم الجميع بها وأعد لذلـك سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته (فرد خرطوش ) وذخائر ، وتوجه في حوالى الساعة الثالثة قبيل فجر يوم الحادث .... إلى مسكن .... والذي يبعد عن مسكنه بنحو مائتي متر وقد ملأ الشر جوانبه متحفزاً للاعتداء والقتل ووقف أسفل المسكن ينادى عليه متوعداً ومهدداً وهو يكيل له أفظع الشتائم والسباب لحثه على النزول لينفذ فيه جريمته ، غير أن .... لم يكن قد رجع بعد من نوبة عمله الليلية بمدينة ..... ، ولما لم يجده استشاط غضباً وألقى بوابل من السباب عليه وعلى أسرته ثم عاد أدراجه إلى حيث جاء متوعداً بالعودة مرة أخرى لتنفيذ جريمته التي كان يسعى سعياً حثيثاً على ارتكابها ، وهو لم يزل مستمراً في مكابرته وعناده مفرطاً في كيده ولدده وشروده وفي حوالى ..... وجه المتهم المذكور مرة أخرى إلى مسكن .... وكله تصميم وعزم على تنفيذ نواياه وتحقيق جرائره وقد سبق الغدر خطاه وتألفت مشاربه العليلة على تنفيذ ما هدد وتوعد به وأحاط به ومن حوله أهله وعشيرته ومناصروه ممن على شاكلته وقد اتحدت إرادتهم على الإثم والعدوان وفي ذلك الوقت كان .... عائداً لتوه من نوبة عمله الليلية وبرفقته صديقه وزميله المجني عليه .... ويعمل ..... وما إن هبط المذكوران من السيارة الأجرة التي كانت تقلهما إلى مسكن أولهما ..... وفي تلك اللحظة بادرت ..... بالاعتداء على ..... فهم بالالتفات ناحيتها لمعرفة أسباب اعتدائها عليه فعاجله والدها ..... بعيار خرطوش من فرد كان يحمله أصابته رشاته في قدميه - وذلك حسبما ثبت من تقرير الكشف الموقع عليه بمستشفى ... يومذاك - وفي تلك الأثناء توجه المجني عليه ..... ناحية صديقه المصاب في محاولة لإنقـاذه والزود عنه والحيلولة دون موالاة الاعتداء عليه ، وهو لا يدرى أن القدر قد حمله وجاء به إلى هذا المصير المشئوم ، وأن الموت بانتظاره فكأن المنية من يخشاها فسوف تصادفه فقد وقف المجني عليه المذكور أمام صديقه .... بخطوة وإلى جواره في المكان الذي دارت فيه رحى الحادث وفي تـلك اللحظة اغتـنم المتهم ..... الموقف حيث كـان يقف في مواجهتهما  مباشرة وإلى أعلى منهما بنحو ثلاثين سنتيمتر بسبب طبيعة المكان الذي وقف فيه ثم صوب السلاح الناري إلى صدر المجني عليه .... والمعبأ بمقذوفات متعددة - خرطوش - وهو على مسافة نحو مترين منه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات والجروح النارية الدائرية بالصدر والبطن والعضد الأيسر وما نتج عنهما من تهتك بالقلب والرئتين والقولون ومساريقا الأمعاء الغليظة والكبد وكسور بأضلاع القفص الصدري والموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته . " وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى المحكوم عليه أدلة استقاها من أقوال شاهدي الإثبات وما أثبته تقرير الصفة التشريحية بمصلحة الطب الشرعي . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منه  وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون . ومن ثم فإن النعي بأن الحكم شابه الغموض والإبهام وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتـل وأثبت توافرها في حق الطاعن في قوله " إن المحكمة تستخلص توافر نية القتل لدى المتهم من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث وتطمئن إلى توافرها في حقه وذلك من الأسباب والعناصر والمبررات الآتية : 1- كوامن الشر المتأصلة لدى المتهم ونوازعه الموجودة في نفسه فكانت البداية في عدم مراعاة حسن الجوار ودأبه على التعرض لشقيقة ...... ومعاكستها واشتهاره وأسرته بالسطوة والنفوذ في منطقة .... محل الحادث .2- قيامه بالتشاجر مع ..... عند معاتبته له على معاكسته لشقيقتـه .... وقيامه بسب ...... وأسرته بأفظع الألفاظ وأحط الشتائم وعلى الرغم من تدارك الموقف بتدخل الأفراد من أهالي المنطقة ومحاولات الصلح بينهما إلا أنه أضمر في نفسه كيد الانتقام من ..... وانتواء التخلص منه وقتله ومن يصادفه في تنفيذ فعلته . 3- التوجه بعد الصلح بأيام قليـلة إلى مسـكن .... في ... وهو يهدده ويتـــوعده بالنيل منه وناداه للنزول إليه من مسكنه لينفذ فيه نواياه الخبيثة بقتله . 4- إن المتهم قد بيت النية وعقد العزم على تنفيذ جريمته ولما لم يعثر على ضالته لتواجد .... في عمله الليلي عاد أدراجه وهو مصمم على العودة إليه مرة ثانية لتنفيذ جريمته والتأكيد على سوء نواياه ومرذول طويته . 5- توجه المتهم مرة ثانية وهو مصمم على تنفيذ جريمته وقد أحاط به أهله وعشيرته وحملوا معهم أسلحة نارية ( فرد خرطوش ) وذخائرها وأسلحة بيضاء وعصى غليظة للاعتداء بها على ... وكل من يصادفهم في تنفيذ نواياهم وشرورهم . 6- مبادرة الاعتداء من المتهم وفريقه على المجني عليه ... بالعصا تارة من شقيقة المتهم وبطلق خرطوش في قدميه من والد ذات المتهم ثم قيام المتهم بالاقتراب من .... وإلى جواره وأمامه المجني عليه .... وأطلق في أجزاء قاتلة من فرد خرطوش كان يحمله على صدر وبطن المجني عليه المذكور فأحدث الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ، وقد نتج عن مقذوفاته استقرارها بجسم المجني عليه فتهتك قلبه ورئتاه وأمعاؤه وكبده وكسرت أضلاعه ونزف نزفاً دموياً غزيراً أحدث به صدمة فلقى مصرعه في الحال . 7- إن الثابت من التحقيقات وأقوال الرائد .... من أن المتهـم ...... كان يقصد قتل المجني عليه ..... وأنه أدرك هذا القصد لديـه من خلال تصويبه المباشر وعلى مسافة قريبة من المجني عليه وفي أجزاء قاتلة من صدره وبطنه سقط على أثرها جثة هامدة أمامه ، مما جعله يكف عن موالاة الإطلاق عليه لتأكده ووثوقه من أنه سقـــط مضرجاً في دمائه وقد فارق الحياة الأمر الذي تستخلص منه المحكمة توافر نية القتل وثبوتها لدى المتهم ...... وذلك من واقـع وظـروف الدعوى وملابساتها وعلى النحو الذي سلف بيانه." ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما تستنبطه المحكمة من الظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي قام بها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، وأن استخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية . وكان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في استظهار نية القتل لدى الطاعن فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير سديد . هذا فضلاً عن أنه لا يجدي الطاعن التحدي بأن الحكم لم يفصح عن بيان نية القتل لمن أخطأ في شخصه من المجني عليهمـا لأن تحديد هذا القصد بالمجنى عليه ......أو تحديده وانصراف أثره إلى المجني عليه الآخر ...... لا يؤثر في قيامه ولا يدل على انتفائه مادامت الواقعة كما أثبتها الحكم لا تعدو أن تكون صـورة  من حالات الخطأ في الشخص التي يؤخذ الجاني فيها بالجريمة العمدية حسب النتيجة التي انتهى إليها فعله ولأن الخطأ في شخص المجني عليـه لا يغيـر من قصد المتهم ولا من ماهية الفعل الجنـائي الذي ارتكبه تحقـيقاً لهذا الغرض ، ومن ثـم فإن ما أورده الحـكم بياناً لنية القتل وتوافرها لدى الطاعن بالنسبة لــ.... ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى قتل المجني عليه ، ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليـل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ، وكان الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي ، هذا فضلاً عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بشأن قالة التناقـض بين الدليلين القولي والفني ، ومن ثم لا يسوغ له أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض ذلك لأنه دفاع موضوعي ولا يقبل منه النعي على المحكمة إغفالها الرد عليه مـادام أنه لم يتمسك به أمامها فإن ما ينعاه الطـاعن في هذا الخصوص يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام وبعدم ارتكاب الجريمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنـه اطرحها ، فإن النعي على الحكم بأنـه لم يعرض لدفاع الطاعن القائم على نفي التهمة وتلفيقها يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبمـا يؤدي إليه اقتناعها مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكانت المحكمة بينت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ، فذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، أو بين أسبابه وما نص عليه في المنطـوق مما يستحيل معه الوقوف على ما انتهت إليه ، وكان البين من الحـكم المطعـون فيه أنه لا يوجد أي تناقض في أسبابه ، كما لا يوجد أي خلاف بين ما أورده بتلك الأسباب وما جرى به منطوقه ، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض يكون على غير أساس متعين الرفـض . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قضت بإدانة المتهم عن التهم التي وجهتها إليه النيابة بأمر الإحالة وأحالته للمحاكمة بشأنها وهي القتل العمد وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بغير ترخيص ولم تدنه عن جرائم أخرى لم توجه إليه بأمر الإحالة ، ومن ثم فإن ما وقع فيه الطاعن من التباس يكون غير مبرر . لما كان ذلـك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن لم يفصـح عن ماهية الدفوع التي يقول أنه أثارها وأغفل الحكم التعرض لها حتى يتضح مدى أهميتهـا في الدعوى المطروحة، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق