الصفحات

الأربعاء، 15 مارس 2017

الطعن 18645 لسنة 72 ق جلسة 8 / 11 / 2009 مكتب فني 60 ق 57 ص 420

جلسة 8 من نوفمبر سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ أحمد علي عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ مجدي أبو العلا، أحمد عمر محمدين، محمد عبد العال وعابد راشد نواب رئيس المحكمة.
------------
(57)
الطعن 18645 لسنة 72 ق
إثبات "بوجه عام". دستور. تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس. مأمورو الضبط القضائي "اختصاصاتهم" "سلطاتهم". دفوع "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة التلبس". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
المادة 1/41 من الدستور. مؤداها. 
الدستور هو القانون الوضعي الأسمى. له الصدارة على ما دونه من التشريعات. تعارضها معه. يوجب التزام أحكامه. سواء كان التعارض سابقاً أو لاحقاً على العمل به. 
سلطة مأموري الضبط القضائي في أحوال التلبس؟ المادتان 34، 35 إجراءات. 
المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية. مفادها. 
حالة التلبس بالجريمة. وجوب تحقق مأمور الضبط القضائي من قيامها بإحدى حواسه. تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل عن شاهد أو إقرار المتهم. لا يغني عن ذلك. ما دام لم يشهدها أو يشهد أثراً ينبئ بذاته عن وقوعها. 
تقدير قيام حالة التلبس. موضوعي. شرطه؟ 
لمأمور الضبط القضائي التحقق من عدم مخالفة السيارات بالطرق العامة أحكام قانون المرور. شرط ذلك؟ 
اقتصار الحكم في اطراح الدفع ببطلان القبض والتفتيش بإقرار الطاعنين بمحضر الضبط وتحقيقات النيابة بحيازتهما للمخدر المضبوط. لا يصلح رداً على الدفع. علة وأثر ذلك؟ 
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟ 
مثال .
---------------
لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه وحال قيام الملازم أول .... رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بمركز .... بتفقد الحالة الأمنية بدائرة المركز أبصر وقوف سيارة ملاكي تحمل رقم .... ملاكي .... ماركة بيجو وبها المتهمان ....، .... وبسؤالهما عن تحقيق شخصيتيهما وتراخيص السيارة أجابا نفياً فاتصل بالملازم أول/ .... معاون مباحث مركز ..... لمعاونته وبفحص السيارة بمعرفة الأخير اشتبه في صحة أرقامها وتم تفتيش السيارة بمعرفته أيضاً عثر بها على جوال من البلاستيك أسفل الإطار الاحتياطي بفضه تبين به خمس لفافات كبيرة الحجم بكل منها نبات أخضر يشبه نبات البانجو المخدر وقد ثبت أن المضبوطات من المواد المخدرة هي لنبات الحشيش المخدر وأنهم يحتفظون بها على نحو مؤثم" وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة استمدها من أقوال شاهدي الإثبات وما أوراه تقرير المعمل الكيماوي كما أورد مؤدى إقراري الطاعنين بالواقعة في تحقيقات النيابة العامة، ثم عرض للدفع ببطلان القبض على المتهمين وتفتيشهما وتفتيش السيارة والدليل المستمد منها لكونها وليدة إجراءات باطلة بقوله بعد أن سرد سابقة قضائية "وكان الثابت من وقائع الدعوى أن المتهمين كانا يقفان في وقت متأخر من الليل على جانب الطريق بالسيارة المضبوطة وإذ قام شاهد الإثبات الأول بالاتجاه نحوهما لاستكناه أمرهما إلا أنهما لم يقدما ما يفيد شخصيتيهما أو يقدما تراخيص السيارة المضبوطة وإذ استعان بشاهد الإثبات الثاني وحضر الأخير وإذ اشتبه في أرقام لوحتها المعدنية وقام بتفتيشها وتفتيش المتهمين وأقر المتهمان على نحو ما سلف تبيانه - بحيازتهما للمضبوطات من المواد المخدرة وذلك بمحضر الضبط وتحقيق النيابة فإن الإجراءات التي اتخذت حيالهما وحيال السيارة تكون قد جاءت متفقة مع صحيح الواقع والقانون متعيناً رفض هذا الدفع والالتفات عنه". لما كان ذلك، وكانت المادة 1/41 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل، إلا بأمر يستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة. وذلك وفقاً لأحكام القانون، وكان مؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضاً أو تفتيشاً أو حبساً أو منعاً من التنقل أو كان دون ذلك من القيود، لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانوناً، أو بإذن من السلطات القضائية المختصة، وكان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى، صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها يستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقاً أم لاحقاً على العمل بالدستور، وكانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه بالجريمة، فإن لم يكن حاضراً، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يُصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، فإذا جاز القبض على الشخص، جاز تفتيشه، وإن لم يجز القبض عليه لم يجز تفتيشه وبطل ما أسفر عنه القبض والتفتيش الباطلين، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه ولا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير شاهداً كان أم متهماً يقر على نفسه، ما دام هو لم يشهدها أو يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، ولئن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها أو بعد ارتكابها، وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس، أمراً موكولاً إلى تقدير محكمة الموضوع دون معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها المحكمة هذا التقدير، صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان يبين مما أورده الحكم فيما سلف سرده أن شاهد الإثبات الثاني بادر إلى تفتيش سيارة الطاعنين بعد أن اشتبه في صحة أرقام لوحاتها المعدنية، فعثر على جوال أسفل الإطار الاحتياطي للسيارة، ولم يتبين ما احتواه من مخدر إلا بعد فضه له، ومن ثم فإنه لم يكن أمام جريمة متلبس بها، وبالتالي فلم يكن له أن يتعرض للطاعنين بالقبض أو التفتيش ولا تفتيش السيارة التي كانا يستقلانها دون مبرر، أما وأنه قد فعل، فإن إجراءه يتسم بعدم المشروعية وينطوي على انحراف بالسلطة، ذلك أنه ولئن كان من حق مأمور الضبط القضائي التحقق من عدم مخالفة السيارات في الطرق العامة أحكام قانون المرور، وهو في مباشرته لهذا الإجراء إنما يقوم بدوره الإداري الذي خوله إياه القانون، إلا أن ذلك مشروط بمراعاة ضوابط الشرعية المقررة للعمل الإداري، فلابد له أن يستهدف مصلحة عامة وأن يكون له سند من القانون وأن يلتزم بالحدود اللازمة لتحقيق غاية المشرع من منحه هذه الصلاحية وأن يلتزم في مباشرتها بالقواعد الدستورية والقانونية وإلا وصف عمله بعدم المشروعية والانحراف بالسلطة، إضافة إلى أن الحكم لم يستظهر الصلة بين ما قال به شاهد الإثبات الأول من مشاهدته الطاعنين يقفان بسيارتهما على جانب الطريق في وقت متأخر من الليل وعدم تقديمهما له ما يثبت شخصيتهما وترخيص السيارة وبين ما أجراه شاهد الإثبات الثاني من تفتيش، ولم يبين كذلك ما إذا كانت الوقائع المتقدمة تشكل جريمة من الجنح التي يجوز فيها القبض على الطاعنين ومن ثم تفتيشهما وتفتيش سيارتهما تبعاً لذلك من عدمه. وكان ما تساند إليه الحكم في نطاق اطراحه الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش بأن الطاعنين أقرا في محضر الضبط وتحقيق النيابة العامة بحيازتهما للمواد المخدرة المضبوطة، لا يصلح رداً على الدفع، لأن ذلك الإقرار هو عنصر جديد في الدعوى لاحق على الإجراءات المدفوع ببطلانها، فلا يصح أن يتخذ منه دليلاً على صحتها. لما كان ذلك، فإن القبض الذي وقع على الطاعنين وتفتيشهما وسيارتهما - دون استصدار أمر قضائي - يكون وبحسب صورة الواقعة التي حصلها الحكم المطعون فيه في مدوناته في غير حالة تلبس بالجريمة التي دانهما بها أو توافر الدلائل الكافية على اتهامهما بها، ودون أن يوضح ما إذا كان الطاعنان قد قارفا ثمة جنحة مما تجيز القبض والتفتيش، وكان ما أورده الحكم تبريراً لاطراح الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش - فضلاً عن قصوره - لا يتفق وصحيح القانون ولا يؤدي إلى ما رتبه عليه، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون، خطأ حجبه عن الأنظار فيما قد يكون في الدعوى من أدلة أخرى مستقلة عن الإجراء الباطل الذي عول عليه، آخذاً بشهادة من أجراه، ولا يغني عن ذلك ما ذكره الحكم من أدلة أخرى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا بطل أحدها تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإعادة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: حازا بقصد الاتجار نبات الحشيش المخدر في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وأحالتهما إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً وعملاً بالمواد 29، 1/38، 1/42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم "1" من الجدول رقم "5" الملحق بالقانون الأول والمواد 112/ 1، 2 من القانون رقم 12 سنة 1999 أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه. ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة عشر سنوات وبتغريمه خمسين ألف جنيه عما أسند إليه وبمصادرة المخدر المضبوط
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
---------------
المحكمة
من حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة حيازة نبات الحشيش المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه فساد في الاستدلال واعتوره خطأ في القانون، ذلك بأن الطاعنين دفعا ببطلان القبض عليهما وتفتيشهما والسيارة التي كانا يستقلانها لمباشرة هذه الإجراءات في غير الحالات التي يجيزها القانون، بيد أن الحكم رد على الدفع بما لا يصلح لاطراحه
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنه وحال قيام الملازم أول ...... رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بمركز ...... بتفقد الحالة الأمنية بدائرة المركز أبصر وقوف سيارة ملاكي تحمل رقم .... ملاكي .... ماركة بيجو وبها المتهمان ......، ...... وبسؤالهما عن تحقيق شخصيتيهما وتراخيص السيارة أجابا نفياً فاتصل بالملازم أول/ ..... معاون مباحث مركز ..... لمعاونته وبفحص السيارة بمعرفة الأخير اشتبه في صحة أرقامها وتم تفتيش السيارة بمعرفته أيضاً عثر بها على جوال من البلاستيك أسفل الإطار الاحتياطي بفضه تبين به خمس لفافات كبيرة الحجم بكل منها نبات أخضر يشبه نبات البانجو المخدر وقد ثبت أن المضبوطات من المواد المخدرة هي لنبات الحشيش المخدر وأنهم يحتفظون بها على نحو مؤثم" وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة استمدها من أقوال شاهدي الإثبات وما أوراه تقرير المعمل الكيماوي كما أورد مؤدى إقراري الطاعنين بالواقعة في تحقيقات النيابة العامة، ثم عرض للدفع ببطلان القبض على المتهمين وتفتيشهما وتفتيش السيارة والدليل المستمد منها لكونها وليدة إجراءات باطلة بقوله. بعد أن سرد سابقة قضائية "وكان الثابت من وقائع الدعوى أن المتهمين كانا يقفان في وقت متأخر من الليل على جانب الطريق بالسيارة المضبوطة وإذ قام شاهد الإثبات الأول بالاتجاه نحوهما لاستكناه أمرهما إلا أنهما لم يقدما ما يفيد شخصيتيهما أو يقدما تراخيص السيارة المضبوطة وإذ استعان بشاهد الإثبات الثاني وحضر الأخير وإذ اشتبه في أرقام لوحتها المعدنية وقام بتفتيشها وتفتيش المتهمين وأقر المتهمان - على نحو ما سلف تبيانه - بحيازتهما للمضبوطات من المواد المخدرة وذلك بمحضر الضبط وتحقيق النيابة فإن الإجراءات التي اتخذت حيالهما وحيال السيارة تكون قد جاءت متفقة مع صحيح الواقع والقانون متعيناً رفض هذا الدفع والالتفات عنه". لما كان ذلك، وكانت المادة 1/41 من الدستور قد نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل، إلا بأمر يستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة. وذلك وفقاً لأحكام القانون، وكان مؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضاً أو تفتيشاً أو حبساً أو منعاً من التنقل أو كان دون ذلك من القيود، لا يجوز إجراؤه إلا في حالة من حالات التلبس كما هو معرف قانوناً، أو بإذن من السلطات القضائية المختصة، وكان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى، صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات يجب أن تنزل عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها يستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقاً أم لاحقاً على العمل بالدستور، وكانت المادتان 34، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه بالجريمة، فإن لم يكن حاضراً، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يُصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وكانت المادة 46 من القانون ذاته تجيز تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً، فإذا جاز القبض على الشخص، جاز تفتيشه، وإن لم يجز القبض عليه لم يجز تفتيشه وبطل ما أسفر عنه القبض والتفتيش الباطلين، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه ولا يغنيه عن ذلك تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير شاهداً كان أم متهماً يقر على نفسه، ما دام هو لم يشهدها أو يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، ولئن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها أو بعد ارتكابها، وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس، أمراً موكولاً إلى تقدير محكمة الموضوع دون معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها المحكمة هذا التقدير، صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان يبين مما أورده الحكم - فيما سلف سرده - أن شاهد الإثبات الثاني بادر إلى تفتيش سيارة الطاعنين بعد أن اشتبه في صحة أرقام لوحاتها المعدنية، فعثر على جوال أسفل الإطار الاحتياطي للسيارة، ولم يتبين ما احتواه من مخدر إلا بعد فضه له، ومن ثم فإنه لم يكن أمام جريمة متلبس بها، وبالتالي فلم يكن له أن يتعرض للطاعنين بالقبض أو التفتيش ولا تفتيش السيارة التي كانا يستقلانها دون مبرر، أما وأنه قد فعل، فإن إجراءه يتسم بعدم المشروعية وينطوي على انحراف بالسلطة، ذلك أنه ولئن كان من حق مأمور الضبط القضائي التحقق من عدم مخالفة السيارات في الطرق العامة أحكام قانون المرور، وهو في مباشرته لهذا الإجراء إنما يقوم بدوره الإداري الذي خوله إياه القانون، إلا أن ذلك مشروط بمراعاة ضوابط الشرعية المقررة للعمل الإداري، فلابد له أن يستهدف مصلحة عامة وأن يكون له سند من القانون وأن يلتزم بالحدود اللازمة لتحقيق غاية المشرع من منحه هذه الصلاحية وأن يلتزم في مباشرتها بالقواعد الدستورية والقانونية وإلا وصف عمله بعدم المشروعية والانحراف بالسلطة، إضافة إلى أن الحكم لم يستظهر الصلة بين ما قال به شاهد الإثبات الأول من مشاهدته الطاعنين يقفان بسيارتهما على جانب الطريق في وقت متأخر من الليل وعدم تقديمهما له ما يثبت شخصيتهما وترخيص السيارة وبين ما أجراه شاهد الإثبات الثاني من تفتيش، ولم يبين كذلك ما إذا كانت الوقائع المتقدمة تشكل جريمة من الجنح التي يجوز فيها القبض على الطاعنين ومن ثم تفتيشهما وتفتيش سيارتهما تبعاً لذلك من عدمه. وكان ما تساند إليه الحكم في نطاق اطراحه الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش بأن الطاعنين أقرا في محضر الضبط وتحقيق النيابة العامة بحيازتهما للمواد المخدرة المضبوطة، لا يصلح رداً على الدفع، لأن ذلك الإقرار هو عنصر جديد في الدعوى لاحق على الإجراءات المدفوع ببطلانها، فلا يصح أن يتخذ منه دليلاً على صحتها. لما كان ذلك، فإن القبض الذي وقع على الطاعنين وتفتيشهما وسيارتهما دون استصدار أمر قضائي يكون وبحسب صورة الواقعة التي حصلها الحكم المطعون فيه في مدوناته في غير حالة تلبس بالجريمة التي دانهما بها أو توافر الدلائل الكافية على اتهامهما بها، ودون أن يوضح ما إذا كان الطاعنان قد قارفا ثمة جنحة مما تجيز القبض والتفتيش، وكان ما أورده الحكم تبريراً لاطراح الدفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش - فضلاً عن قصوره - لا يتفق وصحيح القانون ولا يؤدي إلى ما رتبه عليه، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون، خطأ حجبه عن الأنظار فيما قد يكون في الدعوى من أدلة أخرى مستقلة عن الإجراء الباطل الذي عوّل عليه، آخذاً بشهادة من أجراه، ولا يغني عن ذلك ما ذكره الحكم من أدلة أخرى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا بطل أحدها تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإعادة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق