الصفحات

الخميس، 17 نوفمبر 2016

الطعن 3559 لسنة 81 ق جلسة 25 / 12 / 2012 مكتب فني 63 ق 160 ص 878

جلسة 25 من ديسمبر سنة 2012
برئاسة السيد المستشار/ أحمد عبد الباري سليمان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أسامة توفيق، عبد الحميد دياب، مجدي عبد الحليم وإبراهيم عبد الله نواب رئيس المحكمة.
-----------
(160)
الطعن 3559 لسنة 81 ق
(1) حكم "بيانات التسبيب".
القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده كافياً في تفهم الواقعة وظروفها.
(2) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه. استخلاص توافره. موضوعي.
(3) إثبات "شهود" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. جسم الإنسان متحرك لا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء. تقدير ذلك. لا يحتاج إلى خبرة خاصة. مثال.
(4) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات. موضوعي. عدم التزام محكمة الموضوع باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر حاجة لاتخاذ هذا الإجراء. أو أنه غير منتج. استناد المحكمة إلى تقرير الخبير بما لا يجافي المنطق والقانون. المجادلة في ذلك. غير مقبولة.
(5) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً. عدم التزام محكمة الموضوع بالأخذ بالأدلة المباشرة. حقها في استخلاص صورة الدعوى بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي. أخذ المحكمة بشهادة الشهود. مفاده؟
(7) إثبات "شهود".
 للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت سماعية. الشهادة. ماهيتها؟
(8) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
 تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. تجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. مثال.
(9) دفوع "الدفع باستحالة الرؤية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام. موضوعي. كفاية إيراد أدلة الثبوت التي تطمئن إليها المحكمة رداً عليه.
(10) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
النعي على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها. غير مقبول. المنازعة في مكان وقوع الحادث. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
(11) إثبات "بوجه عام" "معاينة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إغفال الحكم بعض تفصيلات محضر المعاينة. مفاده: اطراحها.
(12) إثبات "معاينة". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة الإعراض عن أوجه دفاع المتهم. متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. طلب إجراء المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعي. لا تلتزم المحكمة بإجابته. مثال.
(13) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
طلب الاستعلام عن مواعيد سير القطارات في تاريخ الحادث. مجهل. التفات المحكمة عنه. لا عيب.
(14) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية . للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وسلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام محكمة النقض.
(15) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات. لا بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة. الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
(16) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي والرد عليها. استفادة الرد ضمناً من القضاء بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم. مثال.
(17) إجراءات "إجراءات المحاكمة". 
الرغبة في الإدانة. مسألة داخلية تقوم في نفس القاضي. تقدير الإدانة. متروك له. النعي عليه. غير مقبول.
-------------------------
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون لا محل له.
2 - من المقرر أن قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد دلل على توافر هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له وجه.
3 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال شاهدة الإثبات الأولى كما رواها الحكم والتي لا ينازع الطاعنان في أن لها سندها في الأوراق، لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي في شأن إصابات المجني عليه وكيفية حدوثها، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، وكان الحكم قد رد على دعوى الخلاف بين الدليلين بما يكفي ويسوغ إطراحها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات، وما دامت اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، فضلاً عن أن محكمة الموضوع لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هي من جانبها حاجة إلى هذا الإجراء، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الخبير المقدم في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ولا تلتزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى؛ لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
7 - من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد لو كانت سماعية؛ ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان أي من الطاعنين لا يمارى في طعنه أن الشهود يتمتعون بسائر الحواس الطبيعية، فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادتهم.
8 - من المقرر أن التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكانت المحكمة - في الدعوى الماثلة - قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلتها بما لا تناقض فيه، كما اطمأنت إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أوردته، وكانت الأدلة التي استندت إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق، ولا يجادل الطاعنان أن لها معينها الصحيح في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أياً من شهود الإثبات لم ير واقعات الحادث ولم يعاصر أحدهم تعدي الطاعنين على المجني عليه، وأن صورة الدعوى التي اعتنقتها المحكمة جاءت على خلاف مادياتها، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
9 - من المقرر أن الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله.
10 - لما كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا دفاعهما القائم على المنازعة في مكان وقوع الحادث، فإنه ليس لهما من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يقبل منهما إثارته أمام محكمة النقض، هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة.
11 - لما كان ما يثيره الطاعنان من عدم إيراد الحكم لتفصيلات ما جاء بمحضر المعاينة، فإن الحكم المطعون فيه قد أورد منها ما يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة، وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى هذه المعاينة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها، فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً منها لهذه التفصيلات، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له محل.
12 - لما كان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين إجراء معاينة لمكان الحادث للوقوف على استحالة حدوث الواقعة كما صورها الشهود واطرحه في قوله:- "وحيث إنه عن طلب إجراء معاينة لمكان الحادث فإنه يرمي إلى التشكيك في صحة أقوال شاهدة الواقعة لعدم وجود أعمدة إنارة يمكنها معها الوقوف على كيفية ارتكاب الجريمة. لما كان ذلك، وكانت الشاهدة المذكورة قد قررت بتحقيقات النيابة العامة أن الواقعة حدثت في نحو الساعة السادسة مساء وأن المكان كان لم يزل مضيئا بنور الشمس، التي لم تكن قد غربت بعد، وكان من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، وإنما كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، يعد من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بإجابته، فمن ثم تعرض المحكمة عنه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله.
13 - لما كان الطاعن الثاني وإن طلب في ختام مرافعته بالجلسة الأخيرة الاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث، إلا أنه لم يوضح في مرافعته أمام محكمة الموضوع ما يرمي إليه من طلب الاستعلام المشار إليه، ومن ثم فإن هذا الطلب يغدو طلباً مجهلاً من سببه ومرماه فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم تجب الطاعن إليه.
14 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي تثبت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثار من أن الحكم التفت عن المستندات التي قدمها الطاعن الثاني للتدليل على استحالة الرؤية في مكان الحادث وزمانه بسبب الظلام لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
15 - لما كان ما يثيره الطاعنان في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على تحديد شخص من قام به مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة، وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
16 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عما أثاره الدفاع من خلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه؛ لأن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير مقبول.
17 - من المقرر أن حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر تقيد الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر قضي ببراءته بأنهم: أولاً:- المتهمين جميعاً قتلوا ..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد، بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحين ناريين (بندقيتين آليتين) حملها الأول والثاني، وسلاحاً أبيض حمله الثالث وتربصوا له في المكان الذي أيقنوا سلفاً مرقده فيه، وما إن ظفروا به حتى أطلق المتهمان الأول والثاني صوبه عدة أعيرة نارية من السلاحين الناريين سالفي الذكر ووقف الثالث على مسرح الحادث حاملاً سكيناً للشد من أزرهما قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهمين الأول والثاني أيضاً: أ- أحرز كل منهما سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية آلية" حال كونه مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه. ب- أحرز كل منهما ذخائر استعملها في السلاح الناري سالف الذكر حال كونه مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه. وأحالتهما إلى محكمة جنايات ..... لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت زوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بأن يؤديا لها مبلغ 10001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات، والمواد 1/1، 6، 26/3، 5، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل والبند (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق، بمعاقبة المتهمين بالسجن المشدد لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح الناري والذخائر المضبوطين وفي الدعوى المدنية بإلزامهما بأن يؤديا للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ 10001 جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
------------
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان بمذكرتي أسباب طعنهما على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإحراز أسلحة نارية مششخنة وذخائر بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب، وفساد في الاستدلال، وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه حرر بصيغة عامة معماة ولم يلم بوقائع الدعوى وأدلتها، ولم يدلل على توافر نية القتل في حق كل منهما تدليلاً سائغاً، وعول على الدليلين القولي والفني رغم وجود تعارض بينهما أثاره الدفاع في مرافعته، وأعرض عن طلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في شأن هذا التناقض، واعتنق صورة للواقعة لا تتفق والعقل والمنطق، سيما وأن الأوراق قد خلت من دليل يقيني على تلك الصورة التي اعتنقتها المحكمة أو شاهد رؤية خاصة، وأن شهادة شاهدتي الإثبات الأولى والثانية التي عول الحكم على أقوالهما جاءت سماعية وكاذبة تتناقض فيما بينهما وبين تحريات الشرطة في كثير من المواضع، كما أعرض الحكم عما تمسك به الدفاع من استحالة الرؤية في مكان الحادث عند وقوعه، وقام دفاع الطاعنين على أساس المنازعة في مكان الحادث لشواهد عددها إلا أن المحكمة أغفلت هذا الدفاع والتفتت عن طلب تحقيقه، فضلاً عن أن الحكم عول على معاينة النيابة العامة لمكان الحادث دون أن يورد مضمونها تفصيلاً، كما أن المدافع عن الطاعنين تمسك بطلب إجراء معاينة لمكان الحادث لإجراء تجربة رؤية بمعرفة المحكمة للوقوف على استحالة وقوع الحادث كما صوره الشهود، والاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث، بيد أن المحكمة ردت على هذا الدفاع برد غير سائغ، والتفتت عن دلالة ما قدمه الطاعنان من مستندات تأييداً لدفاعهما، كما التفتت عن دفاعهما القائم على أن بلاغ الحادث جاء خلواً من تحديد شخص من قام به وخلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه، فضلاً عن أنه تولدت في نفس قضاة المحكمة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً، يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال - في الدعوى الراهنة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وإذ كان الحكم قد دلل على توافر هذه النية تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنين فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، ولما كانت أقوال شاهدة الإثبات الأولى كما رواها الحكم والتي لا ينازع الطاعنان في أن لها سندها في الأوراق لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي في شأن إصابات المجني عليه وكيفية حدوثها، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء مما يجوز معه حدوث إصابة الأجزاء الأمامية منه والضارب له واقف خلفه أو أمامه حسب الوضع الذي يكون فيه الجسم وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، وكان الحكم قد رد على دعوى الخلاف بين الدليلين بما يكفي ويسوغ اطراحها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات، ومادامت اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، فضلاً عن أن محكمة الموضوع لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها، ولم تر هي من جانبها حاجة إلى هذا الإجراء، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الخبير المقدم في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ولا تلتزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن تقدير أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أنه من المقرر أن تأخذ المحكمة بأقوال الشاهد لو كانت سماعية، ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وكان أي من الطاعنين لا يمارى في طعنه أن الشهود يتمتعون بسائر الحواس الطبيعية، فلا على الحكم إن هو أخذ بشهادتهم، كما أن التناقض في أقوال الشهود أو تضاربهم في أقوالهم - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكانت المحكمة - في الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات التي حصلتها بما لا تناقض فيه كما اطمأنت إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أوردته، وكانت الأدلة التي استندت إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق، ولا يجادل الطاعنان أن لها معينها الصحيح في الأوراق، فإن ما يثيره الطاعنان بشأن أن أيا من شهود الإثبات لم ير واقعات الحادث ولم يعاصر أحدهم تعدي الطاعنين على المجني عليه، وأن صورة الدعوى التي اعتنقتها المحكمة جاءت على خلاف مادياتها، لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الدفع باستحالة الرؤية بسبب الظلام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد مستفاداً ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما ينعاه الطاعنان من ذلك يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين لم يثيرا دفاعهما القائم على المنازعة في مكان وقوع الحادث فإنه ليس لهما من بعد أن ينعيا على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يبد أمامها ولا يقبل منهما إثارته أمام محكمة النقض، هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من عدم إيراد الحكم لتفصيلات ما جاء بمحضر المعاينة فإن الحكم المطعون فيه قد أورد منها ما يكفي لتبرير اقتناعه بالإدانة وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى هذه المعاينة واعتمدت عليها في تكوين عقيدتها، فإن إغفالها إيراد بعض تفصيلات معينة يعتبر اطراحاً منها لهذه التفصيلات، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلب الطاعنين إجراء معاينة لمكان الحادث للوقوف على استحالة حدوث الواقعة كما صورها الشهود واطرحه في قوله:- "وحيث إنه عن طلب إجراء معاينة لمكان الحادث فإنه يرمي إلى التشكيك في صحة أقوال شاهدة الواقعة لعدم وجود أعمدة إنارة يمكنها معها الوقوف على كيفية ارتكاب الجريمة. لما كان ذلك، وكانت الشاهدة المذكورة قد قررت بتحقيقات النيابة العامة أن الواقعة حدثت في نحو الساعة السادسة مساء وأن المكان كان لم يزل مضيئا بنور الشمس، التي لم تكن قد غربت بعد، وكان من المقرر أن طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود - وإنما كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة - يعد من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا تلتزم المحكمة بإجابته، فمن ثم تعرض المحكمة عنه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ولئن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه، إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ كان ما أورده الحكم - فيما تقدم - كافياً وسائغاً ويستقيم به اطراح طلب إجراء المعاينة دون أن يوصم الحكم المطعون فيه بالقصور أو الإخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أن هذا الوجه من الدفاع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة، ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها شهود الإثبات، بل الهدف منه إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة، ويعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بإجابته، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن الثاني وإن طلب في ختام مرافعته بالجلسة الأخيرة الاستعلام عن مواعيد حركة سير القطارات في تاريخ الحادث إلا أنه لم يوضح في مرافعته أمام محكمة الموضوع ما يرمي إليه من طلب الاستعلام المشار إليه، ومن ثم فإن هذا الطلب يغدو طلباً مجهلاً من سببه ومرماه فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه ولم تجب الطاعن إليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل والمنطق أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي تثبت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن ما يثار من أن الحكم التفت عن المستندات التي قدمها الطاعن الثاني للتدليل على استحالة الرؤية في مكان الحادث وزمانه بسبب الظلام لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان في شأن عدم اشتمال التبليغ عن الحادث على تحديد شخص من قام به مردوداً بما هو مقرر من أنه لا عبرة بما اشتمل عليه بلاغ الواقعة وإنما العبرة بما اطمأنت إليه المحكمة مما استخلصته من التحقيقات، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها وبيان العلة فيما أعرضت عنه من شواهد النفي أو أخذت به من أدلة الثبوت ما دام لقضائها وجه مقبول، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي أعرضت عما أثاره الدفاع من خلو مكان الحادث من ثمة أشجار أو تضاريس تمكن المتهمين من التربص والاختباء للمجني عليه، لأن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت حالة الرغبة في إدانة المحكوم عليهما من المسائل الداخلية التي تقوم في نفس القاضي وتتعلق بشخصه وضميره، وترك المشرع أمر تقيد الإدانة لتقدير القاضي وما تطمئن إليه نفسه ويرتاح إليه وجدانه، ومن ثم فإن ما يثار في هذا الشأن لا يصح أن ينبني عليه وجه الطعن. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق