الصفحات

الثلاثاء، 24 مايو 2016

دستورية تعديل مصلحة الضرائب الإقرارات خلال 3 سنوات

الطعن  66لسنة 35 قضائية "دستورية". جلسة 6/2/2016 
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من فبراير سنة 2016م، الموافق السابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1437ه
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعي عمرو ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمي اسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدکتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 66 لسنة 35 قضائية "دستورية".

الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد أقام الدعوي 5751 لسنة 2008 مدني کلي أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية طالباً الحكم ببراءة ذمته من المبالغ المطالب بها خلاف المسددة بإقراراته الضريبية الشهرية عن الفترة من يناير سنة 2004، وحتى ديسمبر سنة 2006، وقال في بيان ذلك: إن مصلحة الضرائب قامت بتعديل إقراراته بموجب النموذج (15) ض. ع. م، فتظلم من هذا التعديل، وبتاريخ 1/9/2008، رفض تظلمه، فأقام تلك الدعوي علي سند من أن تلك الإقرارات قد تحصنت بمرور ستين يوما من تاريخ تقديمها، ولخلو تلك النماذج من الأسس التي استندت إليها المصلحة، فأحالت تلك المحكمة الدعوى إلى خبير انتهى إلى تخفيض المبالغ المقدرة بموجبه نماذج التعديل، وعلى هدي من ذلك قضت المحكمة بجلسة 2/1/2011، بتعديل المبلغ المطالب به بالنموذج (15) ض. ع. م كفروق ضريبية عن فترة الفحص إلي مبلغ (31141.44) جنيها وبراءة ذمة المدعي مما زاد على ذلك. وإذ لم يرتض المدعى عليهما الثالث والرابع هذا القضاء فقد طعنا عليه أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 1386 لسنة 67 قضائية؛ طلباً للحكم بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها، وأثناء تداول الاستئناف أقام المدعي استئنافا فرعيا طالباً الحكم ببراءة ذمته من دين الضريبة المترتب على تعديل إقراراته الضريبية، ودفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، معدلاً بالقانون رقم 9 لسنة 2005، فصرحت له المحكمة بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إن نص الفقرة الأولى من المادة (17) من قانون الضريبة العامة علي المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، مستبدلا بالقانون رقم 9 لسنة 2005 يجرى على أن: "للمصلحة تعديل الإقرار المنصوص عليه في المادة السابقة ويخطر المسجل بذلك بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول خلال ثلاث سنوات من تاريخ تسليمه الإقرار للمصلحة". 
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكان المدعي يرمي من دعواه الموضوعية القضاء ببراءة ذمته من دين الضريبة على المبيعات التي تقررت نتيجة تعديل المصلحة للإقرارات المقدمة منه، وكان الأساس الذي استندت إليه المصلحة في إجراء هذا التعديل هو النص المطعون عليه، الذي خول جهة الإدارة الضريبية المنوط بها تطبيق أحكام هذا القانون إجراء هذا التعديل خلال ثلاث سنوات من تاريخ تسليم الإقرار للمصلحة، وكان المدعي ينعي على هذا النص طول المدة التي خولها للمصلحة لتعديل الإقرارات المقدمة من المسجل، ومن ثم تكون مصلحته الشخصية المباشرة متحققة في الطعن على ما تضمنه النص المطعون فيه من عبارة (خلال ثلاث سنوات من تاريخ تسلمه الإقرار) دون سائر الأحكام التي تضمنها ذلك النص
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، وتعبر عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، بحسبان أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام في المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات – أيا كان تاريخ العمل بها – لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. ومن ثم، تباشر هذه المحكمة رقابتها على النص المطعون فيه في ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه إخلاله بالحق في المساواة، وذلك على سند من أنه أقام تمييزا غير مبرر في المواعيد المقررة لصالح المسجل عن مثيلتها المقررة لصالح مصلحة الضرائب، حيث ألزم المسجل بالإقرار خلال الثلاثين يوما التالية لانتهاء شهر المحاسبة، حال أفسح المجال للمصلحة بتعديل هذا الإقرار في غضون ثلاث سنوات من تاريخ تسليمه لها، وقصر المدة التي للمسجل التظلم خلالها من هذا التعديل على ثلاثين يوما من تاريخ إخطاره، والمدة التي له فيها طلب إحالة النزاع إلى لجان التوفيق على الستين يوما التالية لإخطاره برفض تظلمه، كما حدد ميعاد طعنه على تقدير المصلحة أمام المحكمة بثلاثين يوماً من تاريخ صيرورته نهائيا، ومن جهة أخرى فإن طول المدة التي يحق فيها للمصلحة تعديل الإقرار يقيم تمييزا بين المسجلين الذين تم تعديل إقراراتهم في أول هذه المدة عن أولئك الذين تم تعديل إقراراتهم في آخرها، كما تهدد بانقطاع الرابطة بين المدين بالضريبة والمكلف بتحصيلها، الأمر الذي ينتهي إلى نقل عبء الضريبة إلى الأخير بما ينال من الحق في الملكية الخاصة والحق في الحرية الشخصية، ويمس مبدأ العدالة الضريبية
وحيث إن المشرع عرف المسجل في المادة الأولى من قانون الضريبة العامة على المبيعات بأنه المكلف من الأشخاص الطبيعية أو المعنوية بتحصيل وتوريد الضريبة للمصلحة سواء كان منتجاً صناعيا أو تاجرا أو مؤديا لخدمة خاضعة للضريبة متى بلغت مبيعاته حد التسجيل، أو كان مستوردا لسلعة أو خدمة خاضعة للضريبة بغرض الاتجار، متى تم تسجيله لدى المصلحة وفقا لأحكام هذا القانون، وجعل مناط استحقاق الضريبة على المبيعات في المادة (6) منه واقعة بيع السلعة أو أداء الخدمة بمعرفة المكلفين، وألزم المكلفين في المادتين (5، 16) بتحصيل الضريبة، والإقرار عنها شهرياً، وتوريدها للمصلحة، ورتب على عدم تقديم الإقرار في الميعاد أن يكون للمصلحة الحق في تقدير الضريبة مع بيان الأسس التي تستند إليها، وألزم المكلف في المادة (15) بإمساك سجلات ودفاتر محاسبية منتظمة يسجل فيها العمليات التي يقوم بها، وبالاحتفاظ بها، وبصور الفواتير لمدة ثلاث سنوات تالية لانتهاء الستة المالية التي أجرى فيها القيد بالسجل، وأجاز المشرع في الفقرة الأولى من المادة (17) – المطعون عليها - للمصلحة تعديل الإقرار المقدم من المسجل المنصوص عليه في المادة (16) خلال ثلاث سنوات من تاريخ تسليمه لها مشترطا لذلك أن يتم إخطار المسجل بهذا التعديل بخطاب موصى عليه مصحوباً بعلم الوصول حتى يضمن علمه بهذا التعديل. وأجاز للمسجل التظلم من هذا التعديل خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه الإخطار بالتعديل، وفي حال رفض تظلمه أو عدم البت فيه خلال ستين يوما أجاز للمسجل أن يطلب إحالة النزاع إلى لجان التوفيق المنصوص عليها في هذا القانون خلال الستين يوما التالية لإخطاره بالرفض بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، فإذا لم يرتض قرار اللجنة المذكورة أجاز له أن يطعن على هذا القرار أمام المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صيرورته نهائياً
وحيث إن الأصل في الضريبة العامة على المبيعات – بحسبانها من الضرائب غير المباشرة – أن يتحمل المستهلك عبأها، ومن ثم يتعين تحصيلها منه مباشرة، باعتبار أنها في حقيقتها ضريبة على الاستهلاك. غير أن هذا الأصل يتعذر تطبيقه من الناحية العملية، لكثرة المستهلكين، وضخامة عددهم، وصعوبة تحصيل هذه الضريبة منهم، وزيادة نفقات تحصيلها. لذلك كان منطقياً، أن يتجه المشرع إلى إلزام المسجل بتحصيلها من المكلف بها عند أدائها، متخذاً واقعة محددة ومنضبطة، هي واقعة بيع السلعة أو الحصول على الخدمة، مناطا لاستحقاقها، وأن يلزم المسجل الذي قام بتحصيلها بالإقرار بما اشتغلت به ذمته المالية على نحو شهري توطئة لاسترداد مصلحة الضرائب المنوط بها تحصيل هذه الضريبة ما سبق وحصله المسجل لصالحها
وحيث إن نص المادة (101) من الدستور يجرى على أن "يتولى مجلس النواب سلطة التشريع ...."، كما تنص المادة (38) منه على أن ".... لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا في حدود القانون." ومؤدى ذلك – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة؛ إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها؛ إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. لما كان ذلك، وكان المشرع قد نظم المدة التي يجوز فيها للمصلحة القائمة على تحصيل الضريبة على المبيعات تعديل الإقرارات الضريبية بموجب النص المطعون عليه، ومن ثم يكون قد استوفى الأوضاع الإجرائية لفرض الضريبة
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه إخلاله بالحق في المساواة على سند من استطالة المدة المقررة لجهة الإدارة الضريبية في تعديل الإقرارات إلى ثلاث سنوات في حين أن مدة تقديم الإقرار هي الثلاثون يوماً التالية لشهر المحاسبة، كما أن مدد الطعن على هذه القرارات تتراوح بين الثلاثين يوماً إلى الستين يوماً، بما يقطع الرابطة بين المسجل والمكلف ويحول دون استرداد المسجل لما فاته من ضرائب لم يحصلها من المكلف
وحيث إن هذا النعي مردود؛ ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة، أمام القانون، ليس مبدأ تلقينياً جامداً منافياً للضرورة العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة الحسابية التي توجب أن يعامل الناس بكافة فئاتهم – على ما بينها من تباين في مراكزها القانونية – معاملة قانونية متكافئة، كما لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، تسوغ المخالفة في الحكم دون الولوج في مخالفة تصر المادة (53) من الدستور، وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائما من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، أو توقيا لشر تقدر ضرورة رده، إلا أن تطبيقها مبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدوانا معبرا عن بأس سلطانها، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً في مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاء أو عسفا. ومن الجائز بالتالي أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحد معطياتها، أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه، هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيما تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها، بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، كان التمييز انفلاتا لا تبصر فيه، كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيا؛ إذ يعتبر التمييز عندئذ مستنداً إلى وقائع يتعذر أن يُحمل عليها، فلا يكون مشروعا دستوريا
متى كان ذلك، وكان المشرع في سبيل تنظيمه سلطة مصلحة الضرائب القائمة على تحصيل ضريبة المبيعات قد راعى ثقل العبء الملقى عليها بشأن مراجعة الإقرارات الضريبية الشهرية المقدمة من المسجلين، على نحو تنوء بحمله وتعجز عن الوفاء به، ما لم يبسط لها من الوقت ما يسمح لها بإجراء هذه المراجعة، وكان المشرع عند صدور القانون رقم 11 لسنة 1991، قد حدد في نص المادة (17) منه المدة التي لمصلحة الضرائب أن تعدل الإقرارات المقدمة من المسجل خلالها بستين يوماً، وأعطى للوزير المختص الحق في مد هذه المدة، إلا أن الواقع العملي كشف عن تعذر إنجاز هذه المهمة خلال هذا الأجل الأمر الذي اضطر الوزير إلى إصدار قرارات متعددة بزيادة مدة المراجعة إلى أن بلغت ثلاث سنوات، وهو ما دفع المشرع للتدخل بتعديل نص المادة (17) المشار إليها بموجب القانون رقم 9 لسنة 2005، لضبط هذه المدة على أسس تشريعية موحدة، وبما يتفق وأحكام الدستور، وكان البين من مناقشات مجلس الشعب أن طاقة الجهات الضريبية القائمة على تحصيل الضريبة على المبيعات على فحص الإقرارات لا تزيد على فحص 20% من الإقرارات المقدمة من المسجلين، الأمر الذي حتم عليها العمل بنظام العينة، وأنها تطلب زيادة هذه المدة إلى ثلاث سنوات حتى يتاح لها فحص عينة تتألف من 60% من الإقرارات المقدمة من الممولين كل ثلاث سنوات، فتتمكن من ذلك من تحقيق رقابة أوسع بما يحقق مبدأ الشفافية والإحكام، ومن ثم قدّر المشرع هذا الأمر تمكينا لجهة الإدارة من فحص ومراجعة الإقرارات الضريبية المقدمة من المسجلين، حتى تستوفي الدولة مستحقاتها من الضريبة على المبيعات وفق معايير الشفافية، وبما يزيد من مكناتها في إحكام قواعد تحصيل هذه الضريبة والحيلولة دون التهرب منها، وهو أمر لا يقوم لدى المسجل الذي يقدم إقرارا ضريبيا واحدا كل شهر يتضمن ما قام بتحصيله من ضرائب على المبيعات لصالح المصلحة، فرأى المشرع أن الأوفق في تنظيم مركزه مراعاة تقريب المدد التي يقدم خلالها الإقرار حتى يتاح له الوقوف بدقة وإحكام على ما قام بتحصيله، تجنيباً له من السقوط في حمأة السهو والنسيان، إذا ما طالت المدة الزمنية بين التحصيل والإقرار، وهو ما يكشف بجلاء عن اختلاف المركز القانوني للمسجل عن المركز القانوني لمصلحة الضرائب القائمة على الضريبة على المبيعات، بما يسوغ للمشرع تنظيم مدد فحص وتعديل الإقرارات الضريبية المقدمة من المسجلين على نحو يغاير المدد المقررة للمسجل لتقديم إقراره، وللتظلم، والطعن على قرارات جهة الإدارة الضريبية. متى كان ذلك، وكان تحديد المشرع لمدة السنوات الثلاث لفحص وتعديل الإقرار المقدم من المسجل قد قام على أسس موضوعية تبرره، فإن نعي المدعى عليه بالإخلال بالحق في المساواة يكون قد قام على غير أساس
وحيث إنه لا وجه للقول بأن طول هذه المدة يؤدي إلى الإخلال بمراكز من يتم تعديل إقراره في أول المدة، ومن يتم تعديل إقراره آخرها بما يخل بالحق في المساواة وينال من الحرية الشخصية، ذلك أن التزام المخاطبين بأحكام القانون بالوقوف على حقيقة الالتزام الضريبي، هو التزام مصدره المادة (38) من الدستور التي تنص على أن "أداء الضرائب واجب، والتهرب الضريبي جريمة." وهو ما يوجب على المخاطبين بأحكام القانون أن يقفوا على حقيقة الالتزام الضريبي، وأن يؤدوه كاملاً غير منقوص، وإذ كان المشرع قد كلف المسجل بتحصيل الضريبة على المبيعات والإقرار بما حصله وفقا لنصوص صريحة وجلية واضحة لا لبس فيها تشمل الأوعية الخاضعة للالتزام الضريبي، والنسبة المتعين تحصيلها منها، وكلفهم أن يقروا بما حصلوه منها على نحو شهري، وألزم المكلف في المادة (15) من القانون ذاته، بإمساك سجلات ودفاتر محاسبية منتظمة يسجل فيها العمليات التي يقوم بها، وبالاحتفاظ بها، وبصور الفواتير الدالة على ذلك لمدة ثلاث سنوات تالية لانتهاء السنة المالية التي أجرى فيها القيد بالسجل، حتى يتمكن من تدقيق إقراراته وتصحيحها خلال المدة التي يجوز فيها التعديل، وحتى تتمكن جهة الإدارة الضريبية المختصة من مراجعتها للوقوف على مصداقيتها التزاما بالشفافية وإحكام تحصيل الضريبة، ومن ثم فإن التمحل بعد ذلك بخفاء الالتزام الضريبي على سند من أن طول المدة التي للمصلحة تعديل الإقرار الضريبي فيها تحول دون مراجعة جهات الإدارة الضريبية في وقت قريب من موعد التحصيل للوقوف على صحيح المستحق منها، وأن ذلك يعد اعتداء على الحرية الشخصية، لا يعدو أن يكون حججاً واهية لا تقوى على حمل الادعاء بالإخلال بالحق في المساواة والحق في الحرية الشخصية، مما يتعين الالتفات عنه
وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون عليه بمبدأي العدالة الاجتماعية والعدالة الضريبية، لإطالته المدة التي للمصلحة أن تعدل فيها الإقرار الضريبي المقدم من المسجل، بما يشكل مساسا بهما، مردود بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها، باعتبار أن ذلك يعد شرطا لازماً لعدالة الضريبة، ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، إذ كان ذلك، وكان الثابت أن وعاء الضريبة على المبيعات التي كلف المسجل بتحصيلها قد عينه قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه تعيينا مُحققاً ومحدداً على أسس واقعية يمكن المسجل معها من الوقوف على حقيقة هذا الالتزام على أكمل وجه، دون أن يشوبه شبهة الاحتمال أو الترخص، فإن القول بعد ذلك بإخلال النص المطعون فيه بالعدالة الاجتماعية والعدالة الضريبية يضحى نعيا لا سند له، ويتعين تبعاً لذلك رفضه
وحيث إنه عما نعي به المدعي من أن طول هذه المدة، يحول دون رجوع المكلف على الملتزم بما فاته من ضرائب لم يحصلها منه، الأمر الذي يخل بالحق في الملكية، ومبدأ العدالة الضريبية، فإنه غير سديد، ذلك أن الإخلال بالحماية المقررة للحق في الملكية لا يتحقق – في الأعم من الأحوال – إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون لها من أساس عادل ولا سند مبرر لتقريرها، ولا كذلك النصوص القانونية التي تقوم على ترتيب تبعات مالية على الإخلال بالالتزامات القانونية. لما كان ذلك، وكان الأصل في الضريبة أنها فريضة مالية تجبى جبرا، وكان المشرع قد كلف المسجل بتقديم إقرارات ضريبية عما قام بتحصيله من ضرائب على المبيعات من الملتزمين بها بموجب نصوص قانونية واضحة جلية، فإن قعود المسجل عن تحصيل ما كلف بتحصيله، وتفويت حق الدولة فيه، يصلح من زاوية دستورية لأن يكون سبباً لإلزامه بأداء هذه الفريضة المالية فيما قصر في تحصيله، ولو تعذر عليه الرجوع على الملتزم بها بما سدده منها، وتحمله من ماله الخاص، إذ تقوم الرابطة المنطقية والمبررة بين تقصيره في التحصيل – وهو واجب عليه – وبين التزامه بالأداء – وهو حق للدولة – ومن ثم فلا يشكل النص المطعون عليه اعتداء على الحق في الملكية الخاصة التي يحميها الدستور بموجب نص المادة (35) منه، ولا بمبدأ العدالة الضريبية المقرر بنص المادة (38) من الدستور
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفا لأحكام المواد (8، 27، 35، 38، 53، 54) من الدستور، کما لا يخالف أي أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة

برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق