الصفحات

الأحد، 27 مارس 2016

دستورية قيد المسافة بين الصيدليات

قضية رقم 101 لسنة 28 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، الثالث من مايو سنـة 2009 م، الموافـق الثامن من جمادى الأولى سنة 1430 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر عبد الواحد  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ ماهر البحيرى وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو          نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمى     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن                        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 101 لسنة 28 قضائية " دستورية " .
والمحالة من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بحكمها الصادر بجلستها المنعقدة فى 21/3/2002 فى القضية رقم 2104 لسنة 55 قضائية .
المقامة من السيد / يحيى عبد الله عبد الجواد
ضــــد
1.     السيد محافظ الإسكندرية
2.     السيد وكيل وزارة الصحة ـ مدير عام الشئون الصحية بالإسكندرية 3.     ورثة المرحوم الصيدلى / إبراهيم إبراهيم فياض ، وهم : ـ الصيدلـى / ياسر إبراهيم إبراهيم فياض الطبيبــة / أميرة إبراهيم إبراهيم فياض الصيدلانية / نجلاء إبراهيم إبراهيم فياض
4.     السيدين / عبد الرحمن إبراهيم إبراهيم أبو حادى وعرفة على أحمد (خصمين منضمين للإدارة ) 
الإجــــراءات          
بتاريخ الحادى عشر من شهر يونيه سنة 2006 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف القضية رقم 2104 لسنة 55 قضائية ، تنفيذاً لحكم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية ( الدائرة الأولى ) الصادر بجلسة 21/3/2002 بإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية نص المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة .          
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى ، واحتياطياً برفضها .          
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .          
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم ، مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوعين ، وخلال الأجل قدم نقيب الصيادلة بوصفه خصماً منضماً إلى المدعى حافظة مستندات ومذكرتين بدفاعه. 
المحكمـــة           
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .          
حيث إن الوقائـع ـ على ما يتبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق ـ تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدعوى رقم 2104 لسنة 55 قضائية ، طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالموافقة على نقل الصيدلية الخاصة بورثة المرحوم الصيدلى إبراهيم إبراهيم فياض إلى العقار الكائن بدائرة قسم العامرية ، والذى يقع على مسافة أقل من مائة متر من صيدلية المدعى ، بالمخالفة لحكم المادة (30) من قانون تنظيم مهنة الصيدلة . وقد تدخل فى تلك الدعوى كل من عبد الرحمن إبراهيم إبراهيم أبو حادى ، وعرفة على أحمد على منضمين إلى جهة الإدارة ، بعد أن تنازل لهما ورثة المرحوم إبراهيم فياض عن الصيدلية موضوع الدعوى ، وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن قيد المسافة الوارد بالمادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 غير مبرر وتثور بشأنه شبهة عدم الدستورية ، فقد أحالت الدعوى إلى هذه المحكمة للفصل فى دستوريته .
وحيث إن ما دفعت به هيئة قضايا الدولة من عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة بقالة أن حكم الإحالة قد أضر بمركز المدعى فى دعواه الموضوعية ، ولن يحقق له فائدة عملية من الدعوى الدستورية ، إذ لا يعود الإخلال بالحقوق التى يدعيها إلى النص المطعون عليه ، مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أنه يكفى لتوافر شرط المصلحة فى الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثراً فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعية دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى ، أو مدى أحقية المدعى فى الدعوى الدستورية فى طلباته أمام محكمة الموضوع والتى تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها . وإذ كان الفصل فى دستورية النص المطعون فيه يشكل مسألة أولية مطروحة على محكمة الموضوع يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الموضوعية ، فإن شرط المصلحة يعد متوافراً فى هذه الدعوى .
وحيث إنه بالنسبة لطلب نقيب الصيادلة التدخل انضمامياً إلى المدعى فى الدعوى الدستورية ، فإن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل تدخل من لم يكن خصماً فى الدعوى الموضوعية ، وإذ لم يتدخل نقيب الصيادلة أمام محكمة القضاء الإدارى ، فإن القضاء بعدم قبول تدخله فى هذه الدعوى يكون لازماً . ولا ينال من ذلك قبول تدخله أمام المحكمة الإدارية العليا فى الطعنين رقمى 7542 ، 8393 لسنة 48 ق " عليا " المقامين طعناً على حكم الإحالة ، ما دام أن هذا الأمر قد تم بعد أن دخلت الدعوى فى حوزة المحكمة الدستورية العليا واتصلت بها اتصالاً صحيحاً مطابقاً للقانون . وحيث إن النص فى المادة (30) المطعون عليها على أنه " لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلى مرخص له فى مزاولة مهنته يكون مضى على تخرجه سنة على الأقل قضاها فى مزاولة المهنة فى مؤسسة حكومية أو أهلية ، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلى الذى تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية ، ولا يجوز للصيدلى أن يكون مالكاً أو شريكاً فى أكثر من صيدليتين أو موظفاً حكومياً . ويراعى ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص لها على مائة متر " .
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على قيد المسافة المحدد بالنص المطعون عليه أنه لم يحقق الغاية التى هدف إليها المشرع من إصدار قانون مزاولة مهنة الصيدلة بالتوفيق بين الاعتبارين الإنسانى والتجارى ، فضلاً عن إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص ، وبالحق فى العمل ، وبالحماية المقررة للملكية الخاصة ، وحرية التعاقد ، ومبدأ المساواة بالمخالفة لنصوص المواد 8 و13 و32 و34 و40 من الدستور . وحيث إن النعى فى وجهه الأول مردود ، ذلك أن المشرع قد راعى بقيد المسافة طبيعة عمل الصيدليات وكونها مراكز للخدمة العامة تؤدى خدمات متنوعة فى إسعاف المرضى وتوفير الدواء اللازم لهم فعمل على انتشارها انتشاراً يتناسب وتوزيع الكثافة ، السكانية ، على تقدير أن انتشارها فى أماكن متقاربة ، على النحو الذى أوجبه يكفل تأدية هذه الخدمات الضرورية ويقربها من طالبيها دون عنت أو إرهاق ، ويحول دون تجمعها كلها أو بعضها فى مكان واحد ـ فيما لو لم يشترط هذا القيد ـ مما يؤدى إلى خلو بعض الأماكن من وجود صيدلية توفر مثل هذه الخدمات الضرورية ، ويكبد المواطنين مشاق الانتقال إلى مسافات قد تطول لأكثر من مائة متر . وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون 127 لسنة 1955 عن هدف المشرع من تنظيم مهنة الصيدلة بوصفها مهنة وليست تجارة تستهدف المضاربة والسعى للحصول على الربح ، كما نظر إلى الصيدليات بوصفها مراكز للخدمة العامة ، فأفسح مجال إنشائها وزيادة عددها ، بعد أن كان القانون السابق يخصص لكل إثنى عشر ألفاً من السكان صيدلية واحدة ، فجعل حق فتح الصيدليات مباحاً مع مراعاة ألا تقل المسافة بين كل صيدلية وأخرى عن مائة متر لضمان انتشارها وتوزيعها توزيعاً مناسباً لأداء الخدمات التى تقوم بها فى توفير الأدوية وإجراء الإسعافات الأولية للمرضى . إذ كان ذلك ، وكان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة ، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، وكان النص المطعون فيه قد رجح المصلحة التى وجدها المشرع أولى بالرعاية وأجدر بالحماية ، وهى مصلحة جمهور المرضى المحتاجين للدواء بتقريب الصيدليات العامة إليهم عن طريق قيد المسافة ، وبما يبعد المزاولين لمهنة الصيدلة عن المنافسة غير المشروعة حفاظاً على الطابع الإنسانى لهذه المهنة التى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة وحياة المرضى ، ومن ثم فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه للدستور من هذه الناحية يكون فى غير محله . وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص ، يتصل بالفرص التى تتعهـد الدولة بتقديمها ، وإعما له يقع عند التزاحم عليها ، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية فى مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وفقاً لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام ، وإذ كان النص المطعون عليه لا شأن له بفرص يجرى التزاحم عليها ، فإن قالة مخالفته لنص المادة الثامنة من الدستور لا يقوم على أساس سليم . وحيث إن النعى على النص المطعون عليه إخلاله بحق العمل بتقييد حرية المواطنين فى مباشرة نشاطهم المشروع ، مردود بأن المشرع يهدف بقيد المسافة إلى إفساح المجال لإنشاء الصيدليات العامة وتقريبها من المواطنين بدلاً من تقييد إنشائها بخدمة عدد معين منهم ، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا ينطوى على مصادرة للحق فى العمل وإنما يعد تنظيماً له وهو أمر يملكه المشرع بمقتضى سلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام .
وحيث إن النعى بأن النص المطعون عليه يخل بالحماية المقررة لحق الملكية وحرية التعاقد ، مردود بما يجرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً ، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها ، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية ، وأن ذلك يدخل فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق . كما أن حرية التعاقد ـ أياً كان الأصل الذى تتفرع عنه أو ترد إليه ـ لا تعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كامل ونهائى ... بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدوداً لا يجوز أن يتخطاها سلطانها ، ليظل دورها واقعاً فى دائرة منطقية ، تتوازن الإرادة فى نطاقها بدواعى العدل وتحقيق الصالح العام . وهو ما هدف المشرع إلى تحقيقه بالنص المطعون عليه .
وحيث إن ما نعاه حكم الإحالة على النص المطعون فيه من مخالفته لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور ، إذ قصر قيد المسافة على مهنة الصيدلة وحدها دون سائر المهن ، مردود بأن تنظيم المشرع لأوضاع مهنة الصيدلة ، أمر يختلف عن تنظيم المهن الأخرى الطبية منها وغير الطبية ، وأن طبيعة مهنة الصيدلة وما تتطلبه من توزيع الصيدليات على نحو يقربها من طالبى خدماتها ولا يؤدى إلى تجمعها كلها أو بعضها فى مكان واحد ، هى التى دعت إلى هذا القيد ، وهو أمر يملكه المشرع بمقتضى سلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام ، إذ له أن يضع شروطاً موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون من أبناء المهنة الواحدة . إذ كان ذلك ، وكان مبدأ المساواة أمام القانون ـ وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ـ لا يعنى أن تعامل فئاتهم ـ على تباين مراكزهم القانونية ـ معاملة قانونية متكافئة ، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها ، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التى تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين ، والنتائج التى رتبها عليها ليكون التمييز بالتالى موافقاً لأحكام الدستور . وإذ جاء النص المطعون فيه بصورة عامة مجردة تسرى على جميع الصيدليات العامة دون تمييز بينها ، فإن قالة مخالفته لنص المادة (40) من الدستور ، يكون غير صحيح . وحيث إن النص المطعون عليه لا يخالف حكماً آخر فى الدستور فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى .
فلهـــذه الأسبـــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق