الصفحات

الخميس، 18 فبراير 2016

الطعن 17413 لسنة 64 ق جلسة 26 / 9 / 1996 مكتب فني 47 ق 128 ص 892

جلسة 26 من سبتمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجي ومجدي الجندي وحسين الشافعي نواب رئيس المحكمة ومحمود مسعود شرف.

-----------------

(128)
الطعن رقم 17413 لسنة 64 القضائية

(1) رشوة. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". استدلالات.
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش. موضوعي. مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات.
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". دفوع "الدفع ببطلان القبض والتفتيش". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان القبض والتفتيش من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع. شرط إثارته لأول مرة أمام النقض وعلته؟
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي. عدم جواز مطالبته بالأخذ بدليل معين. حد ذلك؟
(4) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(5) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون ثبوتها عن طريق الاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(6) إثبات "خبرة" "قرائن". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". رشوة. تسجيل المحادثات.
استناد الحكم المطعون فيه إلى ما جاء بتقرير خبير تفريغ الشرائط المسجلة كقرينة معززة للأدلة الأخرى التي بني عليها قضاءه. لا يعيبه. ما دام لم يتخذ من نتيجة هذه التسجيلات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم.
(7) إثبات "شهود" "خبرة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي بتعارض أقوال الشهود مع ما أسفر عنه تفريغ الشريط المسجل. غير جائز.
(8) دفوع "الدفع بتلفيق التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. الرد عليه صراحة. غير لازم. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم.
(9) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها استقلالاً.
(10) رشوة. قصد جنائي. جريمة "أركانها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائي في جريمة الرشوة. مناط توافره؟
تدليل الحكم المطعون فيه على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه. كفايته لتوفر القصد الجنائي.
(11) نقض "أسباب الطعن. تحديدها. ما لا يقبل منها".
قبول وجه الطعن. شرطه؟
(12) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". رشوة.
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
مثال.
(13) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم. حق لمحكمة الموضوع. لها أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
الجدل الموضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها. غير جائز إثارته أمام النقض.
(14) إثبات "بوجه عام". حكم "حجيته". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
أحكام البراءة عنواناً للحقيقة سواء للمتهمين فيها أو غيرهم ممن يتهمون في ذات الواقعة. شرط ذلك؟
(15) نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها" "المصلحة في الطعن".
قبول وجه الطعن. شرطه: اتصاله بالطاعن وأن تكون له مصلحة فيه.
مثال.
(16) رشوة. عقوبة. مصادرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب تفسير نص المادة 110 عقوبات على هدي نص المادة 30/ 1 من ذات القانون.
مقتضى تفسير نص المادة 110 عقوبات. يوجب لصحة الحكم بالمصادرة وأن يكون موضوعها ممن يصدق عليه أنه راش أو وسيط.
استقطاع مبلغ الرشوة من مال شخص بعد إبلاغه الجهات المختصة في حق الموظف المرتشي. لا يصح القضاء بمصادرته. علة ذلك؟

-------------------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الإذن بتسجيل المحادثات وضبط تفتيش المتهم لعدم جدية التحريات وأطرحه بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة ومن بعده إذن رئيس المحكمة الصادر باتخاذ إجراءات التسجيل لانعدام التحريات فمردود عليه بأن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكان القانون لا يشترط شكلاً معيناً للإذن بالتفتيش فيكفي في عقيدة هذه المحكمة أن التحريات قد توصلت إلى صحة ما أبلغ به الشاهد الأول وضبط مبلغ الرشوة بحوزة المتهم مما يكون معه ذلك الدفع على غير سند من الواقع والقانون متعين الالتفات عنه". لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون - وما استطردت إليه المحكمة من قولها "وضبط مبلغ الرشوة بحوزة المتهم" إنما كان بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها لجدية التحريات التي انبنى عليها الإذن ولا يتأدى منه ما يذهب إليه الطاعن من أنه سبب اقتناع المحكمة بجديتها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
2 - من المقرر أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأن يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة - محكمة النقض - ولما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع ببطلان إذن رئيس المحكمة بضبطه وتفتيشه وتسجيل المحادثات لعدم اختصاص مصدره ولخلوه من تاريخ إصداره وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه.
4 - من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهى إليه.
5 - من المقرر أنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه في إدانته عن الجريمة المسندة إليه ومنها الإقرار المنسوب له لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض.
6 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل الناتج من تفريغ الأشرطة وإنما استندت إلى هذه التسجيلات كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة هذه التسجيلات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
7 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن إلى شهادة كل من..... و..... و..... و...... وأقوال الطاعن وضبط المبلغ النقدي معه وما أسفر عنه تقرير تفريغ الشريط الذي سجلت عليه واقعة الدعوى من مطابقة صورة الطاعن وإقراره ولم يشر إلى ما أثبته وكيل النيابة بالتحقيقات بشأن ملاحظاته على فحوى الشريط ومن ثم يكون ما أثاره الطاعن من تعارض بينه وبين ما أورده الحكم من شريط التسجيل على غير سند.
8 - من المقرر أن الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفوع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً لأن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم.
9 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال.
10 - من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة. وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون فإن ما يثيره الطاعن من أنه أخذ المبلغ بقصد إبلاغ رئيسه لا يكون مقبولاً ويضحى النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله.
11 - من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً وكان الطاعن لم يفصح عن مضمون المستندات التي قدمها وأغفل الحكم التعرض لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
12 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. وكان البين من الحكم أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة فإن دعوى التناقض التي يثيرها الطاعن لا تصادف محلاً من الحكم المطعون فيه.
13 - من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وأخذت بتصويرهم للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين اللذين قضت ببراءتهما وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى وكان الحكم قد حصل أقوال شهود الإثبات بما لا شبهة فيه ولا تناقض، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض صورة الواقعة التي تناولتها أقوال الشهود وما أخذ به الحكم وما أخذ به الحكم وما أطرح من أقوالهم واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن وحده دون المتهمين الآخرين لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
14 - من المقرر أن أحكام البراءة لا تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة إلى المتهمين فيها أو لغيرها ممن يتهمون في ذات الواقعة إلا إذا كانت البراءة مبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة إلى المحكوم لهم بحيث تنفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً وهو الأمر الذي لا يتوافر في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً.
15 - لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، وكان منعى الطاعن على الحكم في شأن إغفال الحكم القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه فلا يقبل منه ما يثيره في هذا الصدد.
16 - من المقرر أن المادة 110 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة". وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 وجاء في مذكرته الإيضاحية تعليقاً عليها ما نصه "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على عقوبة مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة" والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً، ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها. وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب، بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. وبذلك فإن حكم المادة 110 من قانون العقوبات يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية. ويندرج تحت معنى الغير كل من كان أجنبياً عن الجريمة. هذا بالإضافة إلى أن نص المادة 110 من قانون العقوبات قد استوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفع ممن يصدق عليه أنه راشي أو وسيط فإذا كان مبلغ الرشوة قد استقطع من مال شخص بعد أن أبلغ الجهات المختصة في حق الموظف المرتشي - كما هو الحال في واقعة الدعوى - فهو في حقيقة الأمر مجني عليه وليس راشياً وبالتالي فلا يصح القضاء عليه بمصادرة المبلغ الذي اقتطع منه، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط حماية لحقوق المجني عليه حسن النية يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين "قضى ببراءتهما" بأنهم بصفتهم موظفين عموميين "مهندسون بمديرية الطرق والنقل بـ......" طلبوا وأخذوا رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفتهم بأن طلبوا وأخذوا من...... مبلغ ثمانمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل سرعة إنهاء إجراءات المستحقات المالية له لدى مديرية الطرق والنقل بـ...... على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بـ...... لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 103 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه ألف جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الارتشاء قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان إذن السيد رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيل المحادثات وكافة ما ترتب على الإذن من آثار لابتنائه على تحريات غير جدية لعدم اختصاصه نوعياً بإصداره وكذا الإذن الصادر منه بندب النيابة العامة لضبط وتفتيش الطاعن فضلاً عن خلو الإذن من تاريخ إصداره بيد أن الحكم أطرح الدفع الأول بما لا يسوغه والتفت عن باقي دفاعه ولم يعرض له إيراداً ورداً. وأقام الحكم قضاءه بالإدانة على ما حصله من إقرار الطاعن بما لا يصلح دليلاً لإدانته كما عول على ما ورد بشريط التسجيل دون بيان نص العبارات التي استخلصت منها المحكمة حصول الاتفاق الذي تم بمقتضاه استلام الطاعن للمبلغ من الشاكي فضلاً عن أن ما أورده الحكم من شريط التسجيل يناقض ما أثبته وكيل النيابة بالتحقيقات من أن الشريط تضمن أحاديث لم يتبين كنهها ولم يتمكن من سماع بعض كلماتها، هذا وقد قام دفاع الطاعن على تلفيق التهمة وكيديتها وعدم توافر القصد الجنائي لديه مدللاً على ذلك بما قدمه من مستندات بيد أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع وتلك المستندات والتفت عنها إيراداً ورداً. فضلاً عن أن المحكمة اعتنقت صورتين للواقعة حصلت إحداها حين قضت بإدانة الطاعن وحصلت الأخرى حين قضت ببراءة المتهمين الآخرين رغم وحدة مصدر التحصيل كما أخذت بأقوال المبلغ في حق الطاعن وحده دون المتهمين الآخرين المقضي ببراءتهما وأغفل الحكم القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة إعمالاً بالمادة 110 من قانون العقوبات. كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لا يجادل الطاعن في أن لها معينها الصحيح من الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الإذن بتسجيل المحادثات وضبط وتفتيش المتهم لعدم جدية التحريات وأطرحه بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة ومن بعده إذن رئيس المحكمة الصادر باتخاذ إجراءات بتسجيل المحادثات لانعدام التحريات فمردود بأن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكان القانون لا يشترط شكلاً معيناً للإذن بالتفتيش فيكفي في عقيدة هذه المحكمة أن التحريات قد توصلت إلى صحة ما أبلغ به الشاهد الأول وضبط مبلغ الرشوة بحوزة المتهم مما يكون معه ذلك الدفع على غير سند من الواقع والقانون متعين الالتفات عنه". لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون - وما استطردت إليه المحكمة من قولها "وضبط مبلغ الرشوة بحوزة المتهم" إنما كان بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها لجدية التحريات التي انبنى عليها الإذن ولا يتأدى منه ما يذهب إليه الطاعن من أنه سبب اقتناع المحكمة بجديتها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأن يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة - محكمة النقض - ولما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع ببطلان إذن رئيس المحكمة بضبطه وتفتيشه وتسجيل المحادثات لعدم اختصاص مصدره ولخلوه من تاريخ إصداره وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجه في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهى إليه، كما لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات فإن ما يثيره الطاعن بشأن الأدلة التي عول عليها الحكم المطعون فيه في إدانته عن الجريمة المسندة إليه ومنها الإقرار المنسوب له لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل الناتج من تفريغ الأشرطة وإنما استندت إلى هذه التسجيلات كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة هذه التسجيلات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل المتهم. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن إلى شهادة كل من..... و..... و...... و...... وأقوال الطاعن وضبط المبلغ النقدي معه وما أسفر عنه تقرير تفريغ الشريط الذي سجلت عليه واقعة الدعوى من مطابقة صورة الطاعن وإقراره ولم يشر إلى ما أثبته وكيل النيابة بالتحقيقات بشأن ملاحظاته على فحوى الشريط ومن ثم يكون ما أثاره الطاعن من تعارض بينه وبين ما أورده الحكم من شريط التسجيل على غير سند. لما كان ذلك، وكان الدفع بتلفيق التهمة على المتهم هو من أوجه الدفوع الموضوعية التي تستوجب رداً صريحاً لأن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي يوردها الحكم ولا تلتزم المحكمة في هذا الصدد بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، ومن ثم فإن نعى الطاعن على الحكم بالقصور في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من أن المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة. وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون فإن ما يثيره الطاعن من أنه أخذ المبلغ بقصد إبلاغ رئيسه لا يكون مقبولاً ويضحى النعي على الحكم في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً وكان الطاعن لم يفصح عن مضمون المستندات التي قدمها وأغفل الحكم التعرض لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. وكان البين من الحكم أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة فإن دعوى التناقض التي يثيرها الطاعن لا تصادف محلاً من الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وأخذت بتصويرهم للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المتهمين الآخرين اللذين قضت ببراءتهما وكان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى وكان الحكم قد حصل أقوال شهود الإثبات بما لا شبهة فيه ولا تناقض، فإن ما يثيره الطاعن في صدد تعارض صورة الواقعة التي تناولتها أقوال الشهود وما أخذ به الحكم وما أطرح من أقوالهم واعتماده على الدليل المستمد منها في حق الطاعن وحده دون المتهمين الآخرين لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن أحكام البراءة لا تعتبر عنواناً للحقيقة سواء بالنسبة إلى المتهمين فيها أو لغيرها ممن يتهمون في ذات الواقعة إلا إذا كانت البراءة مبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة إلى المحكوم لهم بحيث تنفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياً وهو الأمر الذي لا يتوافر في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن وكان له مصلحة فيه، وكان منعى الطاعن على الحكم في شأن إغفال الحكم بمصادرة مبلغ الرشوة لا يتصل بشخصه ولا مصلحة له فيه فلا يقبل منه ما يثيره في هذا الصدد، فضلاً عن أن المادة 110 من قانون العقوبات قد نصت على أنه "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقاً للمواد السابقة". وقد أضيفت هذه المادة إلى قانون العقوبات بمقتضى القانون رقم 69 لسنة 1953 وجاء في مذكرته الإيضاحية تعليقاً عليها ما نصه "ونصت المادة 110 من المشروع صراحة على عقوبة مصادرة ما دفعه الراشي على سبيل الرشوة وقد كانت المحاكم تطبق من قبل نص الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي تجيز بصفة عامة الحكم بمصادرة الأشياء التي تحصلت من الجريمة" والبين من النص في صريح لفظه وواضح دلالته، ومن عبارة المذكرة الإيضاحية أن جزاء المصادرة المنصوص عليه فيه عقوبة، وهي بهذه المثابة لا توقع إلا في حق من يثبت عليه أنه قارف الجريمة فاعلاً كان أو شريكاً، ولا تتعدى إلى غيره ممن لا شأن له بها. وأن الشارع افترض توقيع هذه العقوبة على سبيل الوجوب، بعد أن كان الأمر فيها موكولاً إلى ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات من جواز الحكم بها اعتباراً بأن الأشياء التي ضبطت على سبيل الرشوة تحصلت من الجريمة مع ملاحظة التحفظ الوارد في ذات الفقرة من عدم المساس بحقوق الغير حسن النية. وبذلك فإن حكم المادة 110 من قانون العقوبات يجب أن يفهم في ضوء ما هو مقرر في الفقرة الأولى من المادة 30 من قانون العقوبات التي توجب كأصل عام حماية حقوق الغير حسن النية. ويندرج تحت معنى الغير كل من كان أجنبياً عن الجريمة. هذا بالإضافة إلى أن نص المادة 110 من قانون العقوبات قد استوجب لصحة الحكم بالمصادرة أن يكون موضوعها شيئاً دفع ممن يصدق عليه أنه راشي أو وسيط، فإذا كان مبلغ الرشوة قد استقطع من مال شخص بعد أن أبلغ الجهات المختصة في حق الموظف المرتشي - كما هو الحال في واقعة الدعوى - فهو في حقيقة الأمر مجني عليه وليس راشياً وبالتالي فلا يصح القضاء عليه بمصادرة المبلغ الذي اقتطع منه، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة مبلغ الرشوة المضبوط حماية لحقوق المجني عليه حسن النية يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق