الصفحات

الثلاثاء، 24 مارس 2015

عدم دستورية لجان تقدير الاتعاب للمحامين 2

القضية رقم 5 لسنة 31 ق " دستورية " جلسة 2 / 1 / 2011
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثانى من يناير سنة 2011م ، الموافق السابع والعشرين من المحرم سنة 1432 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور حسن عبد المنعم البدراوى                      نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 31 قضائية " دستورية " ، المحالة من محكمة رشيد الجزئية ، بحكمها الصادر بجلسة 30/11/2008 فى الدعوى رقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد .
المقامة من
السيد / منشاوى غانم جابر
ضد
1- السيد / محمد عبد النبى رمضان إبراهيم     
2- السيد / رمضان محمد عبدالنبى رمضان
3- السيد / محمد عبدالنبى رمضان
4- السيدة / علا محمد عبدالنبى رمضان
5- السيد / شريف محمد عبدالنبى رمضان
6- السيدة / إيمان محمد محمد السكرى
7- السيدة / حنان محمد محمد السكرى
8- السيد / أحمد أحمد حمزه السكرى
9- السيد / ذكى أحمد حمزة السكرى
10- السيدة / حنان أحمد حمزة السكرى
الإجراءات
    بتاريخ السادس من شهر يناير سنة 2009 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، ملف الدعوى رقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد ، تنفيذًا لحكم محكمة رشيد الجزئية الصادر بجلسة 30/11/2008 ، بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 197 لسنة 2008 .
         وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين ، طلبت فى الأولى الحكم برفض الدعوى ، وفى الثانية الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيًا برفضها .
    وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل فى أن السيد / منشاوى غانم جابر كان قد أقام الدعوى الموضوعية بداية فى 14/12/2004 ، أمام محكمة رشيد الكلية ، وقيدت برقم 478 لسنة 2004 مدنى كلى رشيد ، بطلب إلزام المدعى عليهم أن يؤدوا له مبلغاً مقداره خمسة عشر ألف جنيه ، مقابل أتعابه عن الأعمال القانونية التى باشرها لصالحهم كمحام ، ووكيل عنهم أمام جهات القضاء المختلفة بموجب توكيلات عامة رسمية ، وذلك بعد أن رفضوا سداد هذا المبلغ إليه . وبجلسة 4/11/2007 ، أحيلت الدعوى إلى محكمة رشيد الجزئية للاختصاص ، وأعيد قيدها برقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد . وعند نظرها ارتأت المحكمة أن المادة (84) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه ، فيما تضمنته فقرتاها الأولى والثانية من أحكام تتعلق بتشكيل لجنة لتحديد أتعاب المحامى عند الخلاف مع الموكل حول تقديرها ، ومباشرتها لاختصاصها ، فيه شبهة مخالفة الدستور . ومن ثم ، فقد أوقفت الدعوى ، وأحالت أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية هذا النص .
وحيث إن البين من استعراض تاريخ النص المحال أن المشرع كان قد أورد فى المواد من ( 83 ) إلى ( 87 ) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنظيمًا لأتعاب المحامى وأوضاع حسم الخلاف بشأنها عند حدوثه ، وعهد بمقتضاه فى المادة (84) مهمة فض النزاع إلى لجنة نقابية يشكلها مجلس النقابة الفرعية التى يتبعها المحامى المتضرر ، وبناء على طلب منه ، على أن تتولى اللجنة مهمة الوساطة بين المحامى وموكله ، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما من تسوية ، فصلت اللجنة فى موضوع الطلب خلال ستين يومًا على الأكثر بقرار مسبب ، وإلا جاز لكل من الطرفين أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة المختصة . كما وضع المشرع فى المادة (85) من القانون ذاته تنظيمًا للطعن فى قرارات تلك اللجان ، مقتضاه عدم جواز الطعن فيها إلا بطريق الاستئناف أمام المحكمة الابتدائية التى يقع بدائرتها مكتب المحامى إذا كانت قيمة الطلب خمسمائة جنيه فأقل ، وإلى محكمة الاستئناف إذا جاوزت هذه القيمة ، على أن يتم ذلك خلال عشرة أيام ، ولا يكون التقدير نافذًا إلا بانتهاء ميعاد الاستئناف ، أو صدور حكم فيه . وكان قد طعن بعدم دستورية هذه الأحكام أمام المحكمة الدستورية العليا ، فى القضية الدستورية رقم 153 لسنة 19 القضائية ، وقضت فيها المحكمة بجلسة 5/6/1999 ، بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) السالف الإشارة إليها ، وبسقوط كل من فقرتها الثالثة ، والمادة (85) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه . وقد استندت المحكمة فى ذلك إلى أن اللجنة التى خولها المشرع الفصل فى النزاع يخلو تشكيلها من العنصر القضائى ، وتنتمى إلى التنظيم النقابى كلية ، بما يثير الشكوك حول حيدتها واستقلالها ؛ فضلا عن أن المشرع لم يكفل لطرح النزاع أمامها الضمانات الجوهرية للتقاضى ، بل قصر اللجوء إليها على المحامى دون موكله ، مرهقًا بذلك مباشرة الحق فى التقاضى ؛ ممايزًا فى مجال ممارسة هذا الحق بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية ، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تبرره ؛ ومعتديًا على استقلال السلطة القضائية . وفى توجه للمشرع لعلاج الأوضاع بعد صدور هذا الحكم ، فقد أصدر القانون رقم 197 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماه ، متضمنًا تعديل المادتين (84) و (85) منه على النحو الآتى :
المادة (84) :
للمحامى أو للموكل إذا وقع خلاف بينهما بشأن تحديد الأتعاب أن يتقدم بطلبه إلى لجنة مكونة من رئيس محكمة ابتدائية رئيسًا وأحد قضاتها عضوًا ينتدبهما رئيس المحكمة الابتدائية التى يوجد بها مقر النقابة الفرعية ، وعضوية أحد أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعيينه قرار من مجلس النقابة الفرعية المختصة لمدة سنة قابلة للتجديد .
وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامى وموكله ، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما ، فصلت فى الطلب بقرار مسبب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ تقديمه ، وتسرى أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على ما يتبع أمامها من إجراءات .
وإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما اللجنة ، حرر ذلك بمحضر يوقع منهما مع رئيس اللجنة ، وتوضع الصيغة التنفيذية على محضر الصلح بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص بدون رسوم .
المادة (85) :
         لا يجوز الطعن فى قرارات التقدير التى تصدرها اللجان المشار إليها فى المادة (84) إلا بالاستئناف الذى يخضع للقواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات من حيث الاختصاص والإجراءات والمواعيد .
         وحيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية – قائمة أو محتملة وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع . وهذا الشرط الذى يحدد للخصومة الدستورية نطاقها ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، فلا يمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيه . ومؤدى ذلك أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به ، وأن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون فيه ، فإذا كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه أو كان من غير المخاطبين بأحكامه دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الحالة ، لن يُحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها . وإذ كان ذلك ، وكان المدعى يهدف من دعواه الموضوعية أن تفصل محكمة الموضوع مباشرة فى طلبه إلزام المدعى عليهم بدفع الأتعاب المطلوبة ؛ الأمر الذى تتوافر معه مصلحته الشخصية المباشرة فى القضاء بعدم دستورية النص المحال ، فيما أوردته فقرتاه الأولى والثانية اللتين شملهما قرار الإحالة ، من إلزام المحامى وموكله باللجوء إلى اللجنة المشكلة طبقًا لأحكامه عند إثارة النزاع حول الأتعاب ، بحسبان أن القضاء فى مدى دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية ، والطلبات المطروحة فيها ، وولاية محكمة الموضوع بنظرها والفصل فيها .
         وحيث إن النص المحال قد عقد الاختصاص للجنة المشكلة طبقًا لأحكامه بحسم الخلاف بين المحامى وموكله حول تحديد الأتعاب ، جاعلا من تلك اللجنة درجة ابتدائية فى التقاضى ، يطعن فى قراراتها أمام محكمة الاستئناف المختصة، بصريح نص المادة (85) من قانون المحاماه السالف الإشارة إليها . وبذلك ، فقد أصبح تحريك المنازعة أمام تلك اللجنة هو الطريق الواجب ولوجه بداية فى مثل هذه المنازعات ، ووفقًا للإجراءات التى رسمها النص المحال ، باعتبار أن هذه اللجنة وحدها هى جهة الاختصاص التى أسند إليها النص المحال دون غيرها الاختصاص بنظر تلك المنازعات والفصل فيها ، وأن اللجوء إلى القضاء إنما يكون للطعن فى القرار الصادر عنها فى هذه المنازعات . ومن ثم ، فإن الدفع المقدم من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لعدم إنغلاق الحق فى اللجوء مباشرة إلى المحاكم العادية ، يكون غير صحيح ، ويتعين – تبعًا لذلك – طرحه .
         وحيث إن حكم الإحالة نعى على النص المحال إفراده الخلاف بشأن تحديد أتعاب المحامى بنظام قضائى خاص دون مبرر منطقى ؛ وإشراكه فى عضوية اللجنة المختصة أحد أعضاء النقابة الفرعية الذى ينتخبه زملاؤه المحامون فى الأصل لرعاية مصالحهم ، دون أن يشرك على التوازى ممثلا للمدعى فى عضوية هذه اللجنة ؛ وتخويله هذه اللجنة أمر الفصل فى النزاع بعد توليها الوساطة فيه ، بما يكشف بالضرورة عن رأيها المسبق بشأنه ؛ وإلزامه باختيار العضوين القضائيين فى تشكيل اللجنة بالمخالفة للقواعد المقرة فى قانون السلطة القضائية ؛ الأمر الذى ينطوى فى مجموعه على إخلال بالحق فى التقاضى ، ومبدأ القاضى الطبيعى ، وينال من استقلال القضاء وحيدته ، ويخل بمبدأ المساواة أمام القانون الواجب توافره بين المحامى وخصمه فى إطار المنازعة بينهما حول تحديد الأتعاب ؛ ويتعارض تبعًا لذلك وأحكام المواد ( 40 و65 و68 و165) من الدستور .
         وحيث إن هذه المناعى سديدة فى جوهرها ، ذلك أن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة –أنها سلطة تقديرية ، وذلك ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط محددة تحد من إطلاقها ، وتعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها ؛ وأن الحق فى التقاضى هو أحد الحقوق الدستورية التى يجوز للمشرع أن يتدخل ، وفى دائرة سلطته التقديرية ، بتنظيمها على نحو يكفل بلوغ الغاية منه ، وهى تحقيق العدالة ، ورد الحقوق إلى أصحابها ، دون أن يتجاوز هذا التنظيم حدود غايته ، فينقلب إلى قيد يصيب الحق الدستورى فى أصل مضمونه ، أو جوهر وجوده .
وحيث إنه من المقرر كذلك فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور ، فى إطار تنظيمه للولاية القضائية ، وبعد أن قرر فى المادة (68) منه حق كل مواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى ، عهد فى المادة (167) منه إلى القانون بتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها ، فدل بذلك على أن الحق فى التقاضى – فى أصل شرعته – هو حق للناس كافة ، تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم الذاتية ، وبحيث لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى ، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ، ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها . إذ إنه ينبغى دومًا أن تكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها، أو الدفاع عنها ، أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها . ومقتضى ذلك ، أنه يمتنع على المشرع إيلاء سلطة الفصل فى منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعى إلا فى أحوال استثنائية تكون الضرورة فى صورتها الملجئة هى مدخلها ، وصلتها بالمصلحة العامة ، فى أوثق روابطها ، مقطوعًا بها ، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها ، وهو ما يتم تحت رقابة هذه المحكمة ، والتزامًا بأحكام الدستور ، وضمانًا لعدم الالتفاف حولها . ذلك أن ما قرره الدستور فى المادة (167) منه من أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها ، لا يجوز اتخاذه موطئًا لاستنزاف اختصاص المحاكم ، أو التهوين من اختصاص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعى ، وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها . إذ إن الاختصاص المقرر دستوريًا لأية جهة من جهات القضاء ، ليس محض حق لهذه الجهة أو تلك ، وإنما هو ولاية خولها إياها الدستور باعتبارها الجهة القضائية التى ارتأى أنها الأجدر بنظر نوع معين من المنازعات ، والأصلح فى التدقيق فى الحقوق المتنازع عليها أمامها .
وحيث إن الدستور وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة حين كفل مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون فى المادة (40) منه ، فقد فرض على سلطة التشريع قيدًا مؤداه أن لا تقر هذه السلطة تشريعًا من شأنه أن يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها ، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور ، أو التى كفلها المشرع . ومن ثم ، جاء هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التى يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتوافق عناصرها ، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلا لوحدة تنظيمها ، بل تكون القاعدة التى تحكمها ، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها . فتكافؤ المتماثلين فى الحماية القانونية مؤداه أن هذه الحماية ينبغى أن تسعهم جميعًا ، فلا يقصر مداها عن بعضهم ، ولا يمتد لغير فئاتهم ، ولا يجوز تبعًا لذلك أن تكون هذه الحماية تعميمًا مجاوزًا نطاقها الطبيعى ، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها .
         وحيث إن استقلال القضاء وحيدته – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – هما ضمانتان متلازمتان لا ينفصلان فى مجال العدالة ، كفلهما الدستور فى المادتين (165) و (166) منه ، توقيًا لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق . ونص الدستور كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون . وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القضاء ، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة . ومن ثم ، تكون حيدة القاضى شرطًا لازمًا لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون .
وحيث إن المشرع قد استهدف من استحداثه للنص المحال تلافى العيوب التى اعتورت النص قبل تعديله ، وأدت إلى القضاء بعدم دستوريته بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 5/6/1999 ، فى القضية الدستورية رقم 153 لسنة 19 القضائية السالف الإشارة إليها ، فاستبدل باللجنة النقابية لجنة ثلاثية يغلب على تشكيلها العنصر القضائى ، وفتح باب اللجوء إليها للمحامى والموكل على حد سواء ، وألزمها فى عملها بمراعاة الإجراءات والضمانات القضائية المقررة ، مخضعًا القرار الصادر عنها للطعن القضائى طبقًا للقواعد العامة . وعلى الرغم من أهمية الإصلاحات التى أتى بها المشرع فى هذا الشأن ، فقد بقى تدخله قاصرًا عن تحقيق شرط الحماية القانونية المتكافئة بين المتماثلين فى مراكزهم القانونية . فقد ميز المحامى عن موكله بوجود ممثل للأول دون الثانى فى عضوية اللجنة الثلاثية ؛ كما خص الخلاف بينهما حول تحديد الأتعاب وهو خلاف بين أصيل ووكيل فى إطار عقد الوكالة بتنظيم خاص قائم بذاته ، ومختلف فى مضمونه عما تخضع له غير ذلك من المنازعات فيما بين الأصيل والوكيل بأجر ، خاصة فى النقابات المهنية الأخرى ، من قواعد حاكمة ، وذلك على الرغم من اتحاد هذه المنازعات جميعها فى جوهرها ، وتماثلها فى طبيعتها ؛ وهو ما يعد افتئاتًا على ولاية المحاكم العادية فى نظر هذه المنازعات ، وانتهاكًا لاستقلالها تبعًا لذلك. وقد جاء ذلك ، وفى غيبة من أية مبررات منطقية ، أو ضرورة ملجئة ، من شأن اجتماعها أن تسمح للمشرع بإحداث هذا التمييز غير المبرر فى أصله .
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم ، فإن النص المحال قد عهد إلى اللجنة الثلاثية بمباشرة الوساطة بين أطراف النزاع المعروض عليها ، وألزمها بعرض تصوراتها لفض النزاع عليهم ، فإن لم يقبلوا بها ، قامت اللجنة بالفصل فى النزاع . وإذ كان ذلك ، فإن قرار اللجنة يأتى بالضرورة متأثرًا بالرأى الذى سبق أن أبداه أعضاؤها فى مرحلة الوساطة ؛ الأمر الذى يتناقض وأسس مباشرة العمل القضائى وضوابطه ، وينال بالضرورة من حيدة القضاء واستقلاله ، بالمخالفة لأحكام الدستور .
وحيث إنه لا يقيل النص المحال من عثرته التذرع بالوضعية الخاصة للرابطة التى تجمع المحامى بموكله فى إطار قدسية مهنة المحاماه ، ودورها فى تحقيق العدالة فى المجتمع . ذلك أن هذه الخصوصية أيًا ما كانت أهميتها ، لا ينبغى أن تؤدى الآثار التى ترتبها إلى تعطيل أحكام الدستور ، ولا المساس بالحقوق التى كفلها .
وترتيبًا على ما تقدم ، ومتى كان النص المحال قد تجاوز الضوابط الدستورية المقررة على ما سبق بيانه ؛ وأخل بالحق فى التقاضى ، وحق المواطن فى أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى ، والحق فى مساواة المواطنين أمام القانون ، ومبدأ استقلال القضاء ، وذلك بالخروج على أحكام المواد ( 40 و 65 و 68 و 165 ) من الدستور ؛ فإنه يتعين القضاء بعدم دستوريته ، مع القضاء بسقوط نصى الفقرة الثالثة من المادة (84) ، والمادة (85) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه ، معدلاً بالقانون رقم 197 لسنة 2008 ، وذلك لارتباطهما بالنص المقضى بعدم دستوريته ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة .
فلهذه الأسباب
   حكمت المحكمة بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 معدلاً بالقانون رقم 197 لسنة 2008 ، وسقوط نص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها ، والمادة (85) منه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق