الصفحات

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الطعون 475 و 478 و481 لسنة 65 ق جلسة 5 / 8 / 1996 مكتب فني 47 ج 2 أحوال شخصية ق 212 ص 1134

جلسة 5 من أغسطس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد مصباح شرابيه الجمهودي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فتحي محمود يوسف, سعيد غرياني, حسين السيد متولي وعبد الحميد الحلفاوي نواب رئيس المحكمة.

---------------

(212)
الطعون أرقام 475, 478, 481 لسنة 65 القضائية "أحوال شخصية"

(1) نقض. دفوع "الدفع بعدم الدستورية". أحوال شخصية.
قضاء المحكمة العليا بتاريخ سابق بدستورية نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. الدفع بعدم دستورية النص المذكور. في غير محله.
(2, 3) قانون "القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية". أحوال شخصية".
(2) الشريعة الإسلامية. القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وفقاً لأرجح الأقوال في مذهب أبي حنفية. الاستثناء. ما ورد بشأنه قوانين خاصة. م 280 لائحة شرعية، م 6 قانون رقم 462 لسنة 1955.
(3) سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم مسألة من مسائل الأحوال الشخصية. لا يعني أن المشرع أراد أن يخالف نصاً في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين. انطباق ذلك على الحق والدعوى به.
(4 - 14) دعوى "الصفة والمصلحة في الدعوى" "دعوى الحسبة". دفوع. قانون "سريان القانون من حيث الزمان". أحوال شخصية. حكم "الطعن فيه". نظام عام. نقض. نيابة عامة.
(4) عدم وجود قواعد خاصة تمنع أو تقيد إقامة دعوى الحسبة وقت رفعها حتى صدور حكم نهائي فيها من محكمة الموضوع. وجوب الرجوع في شأن قبولها إلى الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة.
(5) الحسبة. ماهيتها. عدم تقيدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر. ترك كل المسلمين لها باعتبارها واجباً كفائياً. أثره. تأثيمهم جميعاً. وجوبها كفرض عين على المسلم القادر عليها إذا لم يقمها غيره في شأن أمر لا يعلم به إلا هو. القول بانتفاء مصلحة رافعها رغم تحقق شروطها. غير مقبول. علة ذلك. لرافعها ما للخصوم من حق إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع ومتابعة السير فيها حتى ينحسم النزاع.
(6) تطبيق القانون الجديد بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أن تتم بعد نفاذه. عدم سريانه على الوقائع السابقة عليه بأثر رجعي. مساسه بما انقضى من مراكز قانونية في ظل القانون القديم. غير جائز.
(7) خضوع الدعوى من حيث شروط قبولها وإجراءاتها للقانون الساري وقت رفعها. انعقاد الدعوى صحيحة بين طرفيها. لا محل من بعد للتمسك بانتفاء صفة المدعي أو مصلحته في رفعها. يجوز لمن كان طرفاً في الخصومة الطعن في الحكم الصادر فيها. شرطه.
(8) المصلحة والصفة في الطعن. كفاية تحققهما وقت صدور الحكم. زوالهما من بعد. لا أثر له على قبول الطعن.
(9) قبول الدعوى. شرطه. أن يكون لرافعها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون. م 1 ق 81 لسنة 1966. عدم إيراد القانون المذكور شروطاً تغاير ما هو مقرر بنص المادة الثالثة من قانون المرافعات قبل تعديلها. أثره. إقرار دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
(10) الدفع بانتفاء المصلحة. من الدفوع الموضوعية التي تتعلق بأصل الحق لتعلقه بالشروط اللازمة لسماع الدعوى. اختلاقه عن الدفع المتعلق بشكل الإجراءات. الاستثناء. الأحوال التي تجيز فيها بعض القوانين رفع الدعوى من غير صاحب الحق تقريراً للمصالح التي تحميها تلك القوانين لمصلحة خاصة أو جماعية. م 2 ق 81 لسنة 1996 مرافعات.
(11) تنظيم القانون رقم 3 لسنة 1996 لإجراءات دعوى الحسبة. اعتباره إقراراً من المشرع بوجودها. لا يغير من ذلك اعتبار المصلحة من النظام العام وإلزام المحاكم بما فيها محكمة النقض أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا لم تتوافر شروط المصلحة فيمن أقامها. ق 81 لسنة 1996 مرافعات. علة ذلك.
(12) إقامة دعوى الحسبة وتوافر شروطها وصدور حكم نهائي فيها قبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1996. أثره. عدم انطباق القانون المذكور عليها. تقديم طلب بإحالة الطعون للمرافعة بعد حجزها للحكم لصدور هذا القانون. لا مبرر له.
(13) كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به. بقاؤه صحيحاً وأن صدر قانون لاحق لا يعتبره كذلك. م 2 مرافعات. الدعاوى التي فصل فيها وإجراءاتها التي تمت قبل العمل بالقانون الجديد ولو لم يكن الحكم نهائياً. عدم خضوعها لأحكامه. عدم خروج القانون رقم 3 لسنة 1996 بشأن دعوى الحسبة عن هذه القاعدة. علة ذلك.
(14) عدم جواز إحالة دعوى الحسبة التي تناظرها المحكمة إلى النيابة العامة. شرطه. صدور حكم في الدعوى ولو لم يكن باتاً أو نهائياً. علة ذلك. م 6 من قانون رقم 3 لسنة 1996.
(15) نقض "الطعن بالنقض".
الطعن بالنقض. لا ينقل الدعوى برمتها ولا الخصومة المرددة أمام محكمة الموضوع. اقتصاره على محاكمة الحكم النهائي الذي صدر فيها.
(16 - 19) دعوى "وقف الدعوى" "دعوى الحسبة" "الدعوى الجنائية". حكم "حجيته". قوة الأمر المقضي. قانون "تفسير القانون". أحوال شخصية.
(16) خلو القانونين رقمي 3 لسنة 1996 بشأن دعوى الحسبة, 81 لسنة 1996 مرافعات من النص صراحة على إسقاط الأحكام النهائية في شأن الحسبة. مؤداه. بقاء قوة هذه الأحكام وحصانتها لحين القضاء في الطعن بالنقض المرفوع عنها. لا عبرة في هذا الخصوص بالأعمال التحضيرية للقانونين المذكورين.
(17) النص القانوني. لا محل للخروج عليه أو تأويله استهداء بالمراحل التشريعية التي سبقته أو الحكمة التي أملته أو ما تضمنته المذكرة الإيضاحية. متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً الدلالة على المراد منه.
(18) وجوب وقف الفصل في الدعوى المدنية لحين صدور حكم نهائي في الدعوى الجنائية المرفوعة قبل أو أثناء السير فيها. شرطه. أن تكون الدعويان ناشئتين عن فعل واحد. علة ذلك. المادتان 102 إثبات, 456 أ. ج.
(19) اعتبار الدعوى الجنائية مقامة. شرطه. رفعها أمام القضاء. تحقيق النيابة للواقعة. غير كاف لوقف الدعوى المدنية. علة ذلك.
(20 - 23) أحوال شخصية "المسائل المتعلقة بالمسلمين: الاجتهاد, الردة".
(20) الاجتهاد شرعاً. ماهيته. نطاقه. فيما لم يرد فيه نص أو ما ورد فيه نص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة. لا اجتهاد مع وجود النصوص القطعية الثبوت والدلالة وما هو معلوم من الدين بالضرورة. علة ذلك. السنة النبوية عدم تعارضها مع القرآن الكريم. أحوالها.
(21) الردة شرعاً. ماهيتها. ركنها. التصريح بالكفر. من يستخف بالقرآن الكريم, أو السنة النبوية. أو استهزأ بها, أو جحدهما, أو كذبهما, أو أثبت أو نفي خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك أو تشكك في شيء من ذلك, أو عبد أحداً غير الله. أو أشرك معه غيره أو أنكر وجود الله, أو أياً من خلقه, أو جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو بعموم رسالته, أو شك في صدقه, أو أتى المحرمات مستحلاً لها دون شبهة, أو امتنع عن إتيان فعل يوجه الإسلام. اعتباره كافراً. شرطه. أن يجهل مثله الحكم الشرعي، انطباق ذلك على مباني الإسلام كلها. علة ذلك.
(22) الاعتقاد المجرد. عدم اعتباره ردة, إلا إذا تجسد في قول أو عمل. تعمد الشخص إتيان الفعل أو القول الكفري بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء كاف لاعتباره مرتداً عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية. ادعاء المرتد أنه مسلم. لا يدفع عنه حكم الردة. علة ذلك.
(23) تضمين مصنفات الطاعن الأول وفقاً لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل ما يدل على سيره على النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافياً عن مصادرة الرئيسية ما لها من قداسة مخالفاً الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها, رغم إدراكه لحقيقة منهجه وفحواه في ميزان الشريعة لنشأته مسلماً بمجتمع إسلامي ويقوم بتدريس علوم القرآن. أثره. اعتباره مرتداً. تذرعه بأن ما صدر عنه من قبيل التأويل, مرده. علة ذلك.
(24, 25) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة". نقض. أحوال شخصية.
(24) محكمة الموضوع. لها السلطة التامة في فهم الواقع وتقدير الأدلة ومنها المستندات المقدمة فيها وترجيح ما تطمئن إليه منها وتراه متفقاً مع واقع الحال في الدعوى.
(25) استخلاص الحكم المطعون فيه سائغاً إلى أن آراء الطاعن الأول التي ضمنتها مؤلفاته. من الكفر الصريح بما يعد معه مرتداً عن الإسلام ويوجب التفريق بينه وبين زوجه، النعي عليه بعدم أخذه بتقريري مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية, جدل موضوعي. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
(26 - 29) أحوال شخصية "ردة". إثبات.
(26) الردة. ثبوتها بالإقرار أو البينة الشرعية.
(27) الإقرار. ماهيته. اعتباره حجة على المقر. علة ذلك. اعتبار القرآن الكريم. الإقرار في إثبات الكفر.
(28) الإقرار يكون باللفظ الصريح. جواز أن يستفاد من دلالة التعبير.
(29) إقرار الطاعن الأول بأنه الذي صنف المؤلفات المنسوبة إليه دون جحدها. استخلاص الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام لدلالتها على الكفر الصريح ورتب على ذلك الإقرار قضاءه بالتفريق بينه وبين زوجه باعتباره من آثار الردة, التزاما ً من الحكم بالأحكام الشرعية. لا حاجة إلى إقامة البينة الشرعية على ردته.
(30) نقض "أسباب الطعن: السب الوارد على غير محل".
اقتصار الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين باعتباره من آثار الردة. إبداء الطاعنين نعيهما بشأن عقوبة حد الردة. نعي غير مقبول, لوروده على غير محل.
(31) أحوال شخصية "المسائل المتعلقة بالمسلمين: أحاديث".
الحديث المتواتر والحديث المشهور أو المستفيض وحديث الآحاد. ماهيتهم. القول بعدم العمل بأحاديث الآحاد. إهدار لمعظم السنة النبوية. علة ذلك.
(32 - 41) أحوال شخصية "المسائل المتعلقة بالمسلمين" "الاعتقاد الديني: ردة". دستور. نظام عام. دعوى. "الدفاع في الدعوى".
(32) الاعتقاد الديني. من الأمور التي تبني الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان. البحث في جديتها ودواعيها. غير جائز.
(33) النطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص مسلماً. صدور قول أو فعل عنه يخرجه عن الملة. أثره. اعتباره مرتداً وإن أدعى بأنه مسلم. علة ذلك.
(34) أحكام الردة لا تتنافى مع حرية العقيدة التي كفلها الإسلام. علة ذلك. انطباقها على المسلم الذي ارتد عن الإسلام. عدم انطباقها على غير المسلمين.
(35) الدولة عقيدتها الإسلام. م 2 دستور. تقرير النظم الوضعية عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التي تتعارض مع أسس قيامها. الارتداد عن الإسلام لاسيما إذا كان بالدعوة علناً بالنشر أو التدريس. عدم تسامح الإسلام والدولة فيه. حرية الرأي. م 47 دستور. مقيدة بالنظام الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها النظام وفي صدارتها أحكام الشريعة الإسلامية. الجهر بالسوء من القول طعناً في عقيدة المجتمع وإزدرائها. تصادمه بالنظام العام.
(36) أحكام الردة. معيار لاستمرار بقاء المسلم على إسلامه. حدوث ذلك في الشرائع الدينية الأخرى بالنسبة لأتباعها.
(37) دفاع الطاعن بأنه متمسك بدينه. رغم أنه لم يتبرأ من كتبه التي ثبتت ردته بما ورد فيها. غير مقبول.
(38) المرتد - في المذهب الحنفي - لا ملة ولا يقر على ردته ولا على ما اختاره ديناً له. استتابته على الراجح. مستحبة. كيفيتها.
(39) ردة الرجل. فرقة بغير طلاق "فسخ" في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. فرقة بطلاق عند محمد. حصولها بنفس الردة وتثبت في الحال وتقع بغير قضاء القاضي.
(40) توبة المرتد من الزوجين. أثرها. استمرار الحياة الزوجية بينهما. شرطه. وجوب أداء مهر وعقد جديدين.
(41) أثر الاستتابة. تعلقه بتأخير تطبيق الحد لا في حصول الفرقة بين المرتد وزوجه.

--------------------
1 - حيث إنه عن الدفع المبدي من الطاعنين بجلسة المرافعة بعدم دستورية نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية, فهو في غير محله, ذلك بأن المحكمة العليا قد قضت في الدعوى رقم 10 لسنة 5 دستورية المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/ 7/ 1976 بأن هذا النص دستوري.
2 - الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وفقاً لأرجح الأِقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قوانين خاصة وذلك عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية.
3 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم مسألة من مسائل الأحوال الشخصية لا يعني أن المشرع أراد أن يخالف نصاً في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين, وينطبق ذلك على الحق والدعوى به في هذا الصدد.
4 - وإذ لم تكن توجد قواعد قانونية خاصة تمنع أو تقيد من إقامة دعوى الحسبة في الوقت الذي رفعت فيه هذه الدعوى حتى صدور حكم نهائي فيها من محكمة الموضوع, فإنه يتعين الرجوع في شأن قبولها إلى الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة.
5 - الحسبة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وفي اصطلاح الفقهاء هي فعل ما يحتسب عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله, وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية - أو مستمدة - أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها, وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه أو باستعداء المحتسب أو والي المظالم "النيابة العامة", ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق لله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام, وجمهور الفقهاء على عدم تقيدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر, وإذا ترك كل المسلمين الحسبة باعتبارها واجباً كفائياً أثموا جميعاً, بل إنها تكون فرض عين على المسلم القادر عليها إذا لم يقمها غيره في شأن أمر لا يعلم به إلا هو, فلا يقبل القول بانتفاء مصلحة رافع هذه الدعوى طالما تحققت شروط الحسبة, لأنه مطلوب منه شرعاً الاحتساب, فيكون شاهداً فيها لإثباتها وقائما بالخصومة في آن واحد, وله ما للخصوم من حق إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع ومتابعة السير في الدعوى حتى ينحسم النزاع.
6 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن القانون الجديد يطبق بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع السابقة عليه. فلا يجوز أن يمس ما يكون قد انقضى من مراكز قانونية في ظل القانون القديم.
7 - تخضع الدعوى من حيث شروط قبولها وإجراءاتها للقانون الساري وقت رفعها, فإذا انعقدت الدعوى صحيحة بين طرفيها, فلا محل من بعد للتمسك بانتفاء صفة المدعي أو مصلحته في رفعها, وعندئذ يجوز لمن كان طرفاً في الخصومة الطعن في الحكم الصادر فيها, طالما لم يدخل عن منازعته حتى صدور هذا الحكم.
8 - يكفي لتحقق المصلحة والصفة في الطعن قيامهما وقت صدور الحكم المطعون فيه, ولا عبرة بزوالها من بعد.
9 - ولئن كان القانون رقم 81 لسنة 1996 المعدل لنص المادة الثالثة من قانون المرافعات قد اشترط في المادة الأولى منه لقبول الدعوى أن يكون لرافعها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون, إلا أن هذا القانون لم يأت بجديد يغاير ما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - في ظل النص المذكور قبل تعديله في صدد هذه الشروط, بيد أن ذلك لم يكن حائلاً بين ما جرى به قضاء هذه المحكمة من إقرار دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
10 - الدفع بانتفاء المصلحة لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات وإنما هو من الدفوع الموضوعية التي تتصل بأصل الحق إذ يتعلق بالشروط اللازمة لسماع الدعوى, وقد استثنت المادة الثانية من القانون رقم 81 لسنة 1996 من سريانه الأحوال التي تجيز فيها بعض القوانين رفع الدعوى من غير صاحب الحق تقريراً للمصالح التي تحميها تلك القوانين سواء كان ذلك لمصلحة خاصة أو جماعية.
11 - تنظيم القانون رقم 3 لسنة 1996 لإجراءات دعوى الحسبة يعد إقراراً من المشرع بوجودها, ولا يغير من هذا النظر أن القانون رقم 81 لسنة 1996 اعتبر المصلحة من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم بما في ذلك محكمة النقض أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا لم تتوافر شروط المصلحة فيمن أقامها, إذ أنه لا يتصور هذا القضاء إلا إذا تبين أن الدعوى أقيمت ابتداء من غير ذي مصلحة أو رفع الطعن بالاستئناف أو النقض ممن لا مصلحة له فيه وذلك وفقاً للقانون الذي رفعت الدعوى أو الطعن في ظله.
12 - لما كانت الدعوى الماثلة قد رفعت وصدر الحكم نهائي فيها وقبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1996 بطلب التفريق بين الطاعن الأول زوجه لارتداده عن الإسلام, وهو ما تتوافر به شروط دعوى الحسبة, فإن أحكام ذلك القانون لا تنطبق على الدعوى من حيث شروط قبولها إذ لم يكن قد صدر بعد عند رفعها ابتداء أو حين تقديم الطعن بالاستئناف, لما كان ذلك, وكان مبنى طلب إحالة الطعون لمرافعة صدور القانون المذكور بعد حجزها للحكم, فإنه لا مبرر للاستجابة له, ولا يغير مما سلف صدور القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية, إذ أن هذا القانون لا يسري على الدعوى بأثر رجعي لأنه صدر إبان نظر الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر فيها.
13 - عملا ًبنص المادة الثانية من قانون المرافعات, فإن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقي صحيحاً وإن صدر قانون لاحق لا يعتبره كذلك, فالدعاوى التي فصل فيها وإجراءاتها التي تمت قبل العمل بالقانون الجديد لا تخضع لأحكامه ولو لم يكن الحكم نهائياً, ولم يخرج القانون المذكور عن هذه القاعدة, إذ لم ينص على تطبيقه بأثر رجعي, بل نص في المادة الثامنة منه على العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره, وقد نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/ 1/ 1996.
14 - مفاد النص في المادة السادسة من القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية أنه متى صدر في دعوى الحسبة أي حكم ولو لم يكن باتاً أو نهائياً, فإن على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تستمر في نظرها ولا يجوز لها إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها وفقاً لأحكام ذلك القانون, إذ أن عبارة (أي حكم) الوارد بالنص المذكور تفيد العموم, فلا يشترط في الحكم أن يكون نهائياً أو باتاً, وإلا كان تخصيصاً بلا مخصص.
15 - الطعن بالنقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض, وما يعرض على هذه المحكمة ليست الخصومة التي كانت مرددة أمام محكمة الموضوع, بل ينصب هذا الطعن على محاكمة الحكم النهائي الذي صدر فيها.
16 - وما دام المشرع لم ينص صراحة في القانونين سالفي الذكر على إسقاط الأحكام النهائية الصادرة في شأن الحسبة فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة منها, بل تبقي لهذه الأحكام قوتها وحصانتها التي كفلها القانون حتى يقضي من محكمة النقض في أمر الطعن المرفوع عنها, ولا عبرة بما تضمنه الأعمال التحضيرية للقانونين المذكورين في هذا الخصوص.
17 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى كان النص واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه, فلا محل للخروج عليه أو تأويله استهداء بالمراحل التشريعية التي سبقته أو الحكمة التي أملته أو ما تضمنته المذكرة الإيضاحية من بيانات لا تتفق وصريح عبارة النص.
18 - يدل النص في المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية على أن المشرع ارتأى كنتيجة لازمة لمبدأ تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي في الموضوع المشترك بين الدعويين وهو موضوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وفق نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أنه يتعين على المحكمة المدنية وقف الدعوى أمامها انتظاراً للحكم النهائي الصادر في الدعوى الجنائية, طالما أنها أقيمت قبل أو أثناء السير في الدعوى المدنية وتوافرت وحدة السبب بينهما, بأن تكون الدعويان ناشئتين عن فعل واحد وأن يتحقق الارتباط بينهما, تفادياً لصدور حكمين مختلفين عن ذات الواقعة من محكمة جنائية وأخرى مدنية.
19 - الدعوى الجنائية لا تعتبر قد أقيمت بمجرد تقديم الشكاوي والتبليغات إلى سلطات التحقيق أو تحقيق هذه السلطات لها, وإنما تقام هذه الدعوى برفعها بالفعل إلى القضاء فإن لم تكن قد رفعت قبل الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها فلا محل لوقف الدعوى المدنية, ولا يكفي لوقفها مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة, الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً وقد لا تتبعه محاكمة تنتهي إلى حكم يتقيد به القاضي المدني, وهو ما يجاوز العلة التي هدف إليها نص المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية الذي اشترط لوجوب وقف الدعوى المدنية إقامة الدعوى الجنائية وليس مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة, لأن قراراتها لا حجية لها أمام القضاء المدني فلا يجب عليه وقف الدعوى أمامه ترقياً لها.
20 - الاجتهاد في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هو بذل الفقيه وسعه لاستنباط الحكم الشرعي العملي من الدليل الشرعي, وما كان من النصوص قطعي الثبوت والدلالة فلا محل للاجتهاد فيها, ولا مجال للاجتهاد في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وإنما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص أو ما ورد فيه نص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة والنصوص الشرعية هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع, ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى قاطعاً في دلالته على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو الانفلات منه بدعوى تأويله, فلا اجتهاد في مقابلة النص, وهذا هو مفاد النصوص الشرعية لقوله تعالي: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً", "إنما كال قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون", "وإنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً", "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء", "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله", وآيات القرآن العظيم في هذا المعنى كثيرة, وقد نقل ابن عبد البر عن أبي حنيفة قوله "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وهو ما نقله الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة, وقال الإمام الشافعي "إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط....... ولا قول لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم", وآيات الكتاب العزيز قاطعة في الأمر بإتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت طاعته من طاعة الله, قال تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما", "قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين", "من يطع الرسول فقد أطاع الله", "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيراً وأحسن تأويلا", "وأطيعوا الله ورسوله أن كنتم مؤمنين", "يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم", وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرنها بطاعة الله تعالى، ومن عارض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يقول الإمام أحمد - فذلك فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فإن لم يجدوا لفظاً متشابهاً يردونه به استخرجوا من المحكم وصفاً متشابهاً يردونه به, في حين أن المنهج القويم الذي سلكه الصاحبة والتابعون والأئمة أنهم يردون المتشابهة إلى المحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به المتشابه ويبينه فتتفق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأنها كلها من عند الله, وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض, يقول تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله", والسنة النبوية لا تعارض القرآن الكريم, فهي إما أن تأتي موافقة له من كل وجه, وإما أن تكون بياناً لما أجمله وتفسيراً له, وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عنه القرآن, وفي هذه الحالة الأخيرة تكون تشريعاً يجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه, لقوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه", ولو ردت السنة النبوية التي لم ترد في القرآن الكريم لأبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم, رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذي أمر بإتباعها, وعلى هذا إجماع علماء الأمة لم يشذ منهم في ذلك أحد, والقول بغير ذلك مخالفة لأصول الشريعة بما يتعارض مع كون السنة التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياً من عند الله والمصدر الثاني للتشريع, وهو ما يتنافى مع أصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة, لقوله تعالى "وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى", وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى.
21 - المقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية أن الردة هي الرجوع عن دين الإسلام وركنها التصريح بالكفر إما بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه ويعتبر كافراً من استخف بالقرآن الكريم أو السنة النبوية أو استهزأ بهما أو جحدهما أو كذبهما, أو أثبت أو نفي خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك عناداً أو مكابرة, أو تشكك في شيء من ذلك, أو عبد أحداً غير الله أو أشرك معه غيره, أو أنكر وجود الله أو أياً من خلقه مما أخبر عنه الله في القرآن الكريم, بأن أنكر الجنة أو النار أو القيامة أو الغيب والبعث والحساب أو الملائكة أو الجن والشياطين أو العرش والكرسي أو جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو بعموم رسالته للناس كافة, أو شك في صدقه, أو أتى المحرمات مستحلاً لها دون شبهة أو امتنع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام إذا أنكر هذا الفعل أو جحد أو استحل عدم إتيانه كأن يمتنع عن أداء الصلاة أو الزكاة أو الحج جاحداً منكراً, ويعتبر الممتنع أو الجاحد كافرا اًذا كان ممن لا يجهل مثله الحكم الشرعي, فإن كان ممن لا يعرف مثله ذلك كحديث العهد بالإسلام فإنه لا يعد كافراً, وكذلك الحكم في إنكار مباني الإسلام كلها, لأن أدلة وجودها لا تكاد تخفى والكتاب والسنة زاخران بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام ممتنع عن التزام أحكامه غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته, ويعتبر خروجاً عن الإسلام الجهر بأن القرآن من عند غير الله أو أنه من نظم البشر, أو أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق في هذا العصر أو أن في تطبيقها تأخر المسلمين وأنه لا ينصلح حالهم إلا بالتخلص من أحكامها.
22 - وإن كان الاعتقاد المجرد بما سلف لا يعتبر ردة, إلا أنه يعد كذلك إذا تجسد في قول أو عمل, ويكفي عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أو يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفري ما دام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء, ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم وإن ادعى المرتد أنه مسلم لاتخاذه موقفاً يتنافى مع الإسلام, لأن الزنديق يموه بكفره ويروج عقيدته الفاسدة ويبطن الكفر ويدعي الإسلام.
23 - ما أبداه الطاعن الأول في مصنفاته المبينة بالأوراق أنها تضمنت - وفقاً لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل - جحداً لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله, إذ وصفه بأنه "منتج ثقافي وأن الإيمان بوجود ميتافيزيقي يطمس هذه الحقيقة........ ويعكر الفهم العلمي للنصوص, وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ ويعتبره مجرد نص لغوي ويصفه بأنه ينتمي إلى ثقافة البشر وأنه تحول إلى نص إنساني "متأنس" منحياً عنه صفة القدسية استهزاء بقيمته, وينكر أن الله تعالى هو الذي سمى القرآن بهذا الاسم جاحداً للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها وذكر في أبحاثه أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا وهو قول هدف به إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى, ووصفه بأنه دين عربي لينفي عنه عالميته وأنه للناس كافة, ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي, وهاجم تطبيق الشريعة ونعت ذلك بالتخلف والرجعية زاعماً أن الشريعة في السبب في تخلف المسلمين وانحطاطهم, ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه غارق في الخرافة, وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة, ويتهم النهج الإلهي بتصادمه مع العقل بمقولة "معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها", وهذا من الكفر الصريح وكشف الله عنه بقوله تعالي "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا أن هذا إلا أساطير الأولين, والأساطير معناها الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها ومفردها أسطورة, وهو ما نعت به الطاعن الدين والنصوص الدينية زاعماً أنهما ينطويان على خرافة, ويقول إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كل لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها, وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش, ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله "موقف العصبية العربية القرشية التي كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهية تجعل منه مشرعاً"، وينكر حجية السنة النبوية وأن الإسلام دن الوسطية, ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله "لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها..... قبل أن يجرفنا الطوفان", وأبحاثه فيها اتهام للقرآن والسنة والصحابة والأئمة ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية, فحارب الإسلام في نصوصه ومبادئه ورموزه, واعترض على نصيب البنات في الميراث راداً بذلك ما ورد بالقرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد, وتمادى في غلوه بالدعوى إلى التحرر من النصوص الشرعية يزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة وأنها لا تعتبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولت, وهذا رمي لشرع الله بأنه غير صالح لكل الأزمنة, ويصف إتباع النصوص الشرعية بالعبودية, وينكر أن السنة وحي من عند الله ويدعى أنها ليست مصدراً للتشريع متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا على خلاف إجماع الأمة, وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين مصوراً الإسلام بالتسلط رغم تسامحه وحضه على عنق الرقاب, وأنكر أن الله ذو العرش العظيم وأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض وأن من خلقه الجنة النار والملائكة والجان رغم وردود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك, متجاهلاً هذا, وسخر من نصوص الكتاب العزيز مستخفاً به بقوله "إن النص القرآني حول الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر أحد أدواتها, بما معناه أن القرآن الكريم حوي كثيراً من الأباطيل, وسار على هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافياً عن مصادره الرئيسية ما لها من قداسة, ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها, وكان هذا هو منهجه, وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة, إذ أنه نشأ مسلماً في مجتمع إسلامي ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة ويقوم بتدريس علوم القرآن ومثله لا يخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده, بل أنه يدعي الفقه والعلم, وذلك حجة عليه, وإذ أنكر ما هو معلوم عن الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلم لم ينل حظاًً من التعليم أو الثقافة الدينية, فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام, لإظهاره الكفر بعد الإيمان, وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل, فهو مردود, ذلك بأن التأويل لا يخرج الباحث عن أصول الشريعة والعقيدة ومقاصدها وأركانها ومبانيها، والتأويل له ضوابط ومعايير أوردها علماء أصول الفقه, وإلا كان سبيلاً لأصحاب الهوى للمروق من شرع الله والانفلات من كل نص شرعي وتشريع بما لم يأذن به الله بما يفضي إلى الضلال وليس من التأويل مهاجمة النصوص الشرعية والاستهزاء بها وإهدارها بقصد النيل منها ووصف الالتزام بأحكامها بالتخلف والدعوة إلى ترك شرع الله إلى ما سواه وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
24 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع وتقدير الأدلة ومنها المستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وتراه متفقاً مع واقع الحال في الدعوى.
25 - وإذ خلص الحكم المطعون فيه على ما حصله مما ورد بأبحاث الطاعن الأول التي لم ينكر صدورها عنه أن ما عناه بمدلول النصوص على النحو الذي ذكره بها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأن آراءه التي ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضاً منها بمدوناته هي من الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتداً عن الدين الإسلامي ويوجب التفريق بينه وبين زوجه, وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله معينه من الأوراق وسنده من الأحكام الشرعية ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويكفي لحمل قضائه وفيه الرد الضمني المسقط لكل دليل أو حجة مخالفة, وحسبه أن يضمن مدوناته بعضاً مما صرح به الطاعن الأول ليستدل به على ثبوت ردته طالما أنه قد ألم بآرائه التي انطوت عليها مؤلفاته عن بصر وبصيرة, ولا على الحكم إذ لم يأخذ بتقريري مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها إذ لم يعرضا لما حوته مؤلفات الطاعن الأول من آراء تعد مساساً لأصول العقيدة الإسلامية, فضلاً عن أن هذين التقريرين - أياً كان وجه الرأي فيهما لا يلزمان محكمة الموضوع فيما جاء بهما, فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة, وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة.
26 - المقرر شرعاً أن الردة تثبت بالإقرار بالبينة الشرعية.
27 - الإقرار هو اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح في غير حاجة إلى الإثبات بدليل آخر وينحسم به النزاع فيما أقر به وهو حجة على المقر لأن فيه معنى الالتزام اختياراً, ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه لأنه لا يتهم في الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه, وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار في إثبات الكفر في قوله تعالي "وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين".
28 - الإقرار كما يكون باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد منه دلالة التعبير.
29 - وكان الطاعن الأول قد أقر بأنه هو الذي صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضاً منها, وإذ استقى الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف, إذ ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذي توافرت شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من الآثار التي توجبها أحكام الردة, فإنه يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة في هذا الشأن, بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته.
30 - إن ما أبداه الطاعنان بشأن عقوبة حد الردة غير مقبول, ذلك بأن حد الردة لم يكن معروضاً على محكمة الموضوع واقتصر الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة, ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنان في هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم, ومن ثم فإنه يكون غير مقبول.
31 - الحديث المتواترة وهو الذي رواه جماعة في جميع مراحل الرواية من مبدأ تلقي الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وصوله إلينا يمتنع توافقهم على الكذب, فهناك الحديث المشهور أو المستفيض, وهو ما كان أحاديا في الأصل ثم تواتر بعد ذلك بأن يرويه عدد يتحقق به التواتر في عصر التابعين أو تابعيهم وقد اعتبر جمهور الفقهاء هذا النوع من أحاديث الآحاد وهو عند الحنفية يفيد ظناً قريباً من اليقين ويجب العمل به, وهذا القسم من السنة كثير, أما خبر الآحاد فهو ما ليس بمتواتر ولا مشهور سواء رواه واحد أو أكثر, وجمهور الفقهاء على وجوب العمل به ويحصل له العلم إذا اقترنت به قرائن ينتفي معها احتمال كذب الراوي, واشترط الفقهاء في رواية العقل والبلوغ حين الأداء والإسلام والضبط والعدالة, وكان الصحابة رضوان الله عليهم لا يأخذون بخبر الواحد إلا إذا شهد اثنان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يستحلفون الراوي أنه سمعه بشرط ألا يعارض الحديث ما هو أقوى منه والاستيثاق من أنه لا ناسخ له واشترط الحنفية ألا يعمل الراوي بخلاف ما روي وألا يكون الحديث مخالفاً للقياس والقواعد المقررة إذا كان الراوي غير فقيه, ومن هذا تبين أن حديث الآحاد له ضوابط ومعايير واضحة المعالم, وذلك على التفصيل الوارد بعلم مصطلح الحديث, والقول بعدم العمل به يعد إهداراً لمعظم السنة النبوية لأنه قلما توجد سنة قولية متواترة بينما السنة الفعلية المتواترة كثيرة, ومنها كيفية أداء الصلوات والحج وغير ذلك، وقد وردت في كتب الحديث الصحيحة أحاديث نبوية في شأن الردة رواها بعض الصحابة منهم ابن عباس وابن مسعود وجابر ومعاذ بن جبل وأبو موسى وغيرهم, وهم تقاة لا يتصور تواطؤهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونقلت هذه الأحاديث عنهم وحقق صحتها علماء الحديث.
32- الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان, ولا يجوز البحث في جديتها ولا دواعيها أو بواعثها.
33- النطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص مسلماً, إلا أن الإسلام كل لا يتجرأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر, فإذا صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف, فإنه يكون مرتداً لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن أدعى بأنه مسلم, ومما يدل على ذلك أن أبا بكر الصديق جمع الصحابة ليشاورهم في أمر قتال مانعي الزكاة, فقال له عمر رضي الله عنه كيف تقاتل قوماً نطقوا الشهادتين؟ فقال له أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله ولو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه, وقد أقر الصحابة رضوان الله عليهم أبا بكر في ذلك فلا عبرة بالنطق بالشهادتين ما لم يراع الناطق بهما ما لهما من حق, وما يترتب عليهما من أثر إيماني عقدي, فالإيمان ما وقر بالقلب وصدقه العمل, لقول أبي بكر في السياق المتقدم "إلا بحقها", ويؤكد ذلك قول الله تعالى "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون, فليس هناك دليل أكبر من شهادة الله تعالى بكذب المنافقين وكفرهم, مع أنهم شهدوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله بما يتضمن شهادة بوجود الله الذي أرسله, مما مفاده نطقهم بالشهادتين, وكفى بالله شهيداً.
34- أحكام الردة لا تتنافي مع حرية العقيدة التي كلفها الإسلام, فليس لأحد أن يحمل إنسانا ًعلى ترك عقيدته أو اعتناق غيرها, لقوله تعالى "لا إكراه في الدين" وقوله تعالى" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين", ولا تطبق أحكام الردة إلا على المسلم الذي ارتد عن الإسلام ولا تنطبق على غير المسلمين بل يدعوهم الإسلام إليه بالحكمة والموعظة الحسنة, فإن لم يدخلوا فيه عن طواعية واختيار تركهم وما يدينون به مستظلين بحمايته في تسامح يحفظ لهم حريتهم وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم ودماءهم, ودخول الشخص في الإسلام مفاده التزامه بأحكامه ومنها أحكام الردة, إذ لا يمكن فصل المعتقد عن آثاره المحسوسة في السلوك.
35- الدولة عقيدتها الإسلام, وهذا ما ينص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, وكل النظم الوضعية تقرر عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التي تتعارض مع أسس قيامها, وارتداد المسلم عن الإسلام ليس أمراً فردياً يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق الأفراد لاسيما إذا كان هذه بالدعوة علناً بالنشر أو التدريس, إذ أن الخروج عن الإسلام ثورة عليه ولا بد أن ينعكس ذلك على ولاء الفرد للشريعة والدولة وعلى رابطة مع المجتمع, وهذا ما لا يتسامح فيه قانون أو دولة, ولذلك تبيح الشريعة وسائر الدساتير والقوانين حرية الرأي بالضوابط التي تمنع من العدوان وإساءة استعمال الحق, فليس من حق أي فرد أن يدعو إلى ما يخالف النظام العام أو الآداب أو يستخدم الرأي وسيلة للنيل من الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو امتهان المقدسات أو السخرية من الإسلام أو أي دين سماوي, ذلك بأن الدستور يكفل في المادة 47 منه حرية الرأي في حدود القانون, فحرية الرأي تكون وفقاً للضوابط والحدود التي يسمح بها النظام الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها هذا النظام وفي صدارتها أحكام الشريعة الإسلامية, ولو أنه احتفظ باعتقاده في سريرة نفسه دون الإعلان عنه تلقيناً لطلبته وطبعه ونشره, فإن الشريعة لا تفتش في مكنون النفس ولا تشق قلوب الناس ولا تنقب في سرائرهم, لأن ذلك متروك لله وحده, إلا أن الجهر بالسوء من القول طعناً في عقيدة المجتمع والدعوة إلى ازدرائها يتصادم مع النظام العام وهو ما لا يقره أي تشريع أو نظام.
36- لا تعدو أحكام الردة أن تكون معياراً لاستمرار بقاء المسلم على إسلامه يميزه عن غيره فيتعامل معه المجتمع المسلم على أساس هذه الصفة كعضو فيه, وذلك ما يحدث في الشرائع الدينية الأخرى بالنسبة لأتباعها إذ تشترط استمرار ولائهم لها, فإذا انضم إليها الفرد التزم بأنظمتها, فلها أن تخرجه منه أو تعزله عنها إذا خرج على مبادئها الأساسية التي انضم إليها وفقاً لها مع ما يترتب على ذلك من آثار, وتستلزم بعض الشرائع لصحة الزواج اتحاد الزوجين في الدين أو المذهب أو الطائفة أو تعميدها وفقاً لطقوسها, وتعتبر اختلاف الدين مبطلاً للزواج مانعاً لانعقاده وتوجب الفسخ أو التطليق في حال اعتناق أحد الزوجين لدين آخر, وهذا لا يتنافى مع حرية العقيدة أو حرية الرأي, وهو نفس الأمر بالنسبة للتفريق بسبب الردة.
37- ما أبداه دفاع الطاعن الأول من أنه لا يزال متمسكاً بدينه, فإنه لم يتبرأ من كتبه التي ثبتت ردته بما ورد فيها.
38- المقرر في مذهب الإمام أبي حنيفة أن المرتد لا ملة له ولا يقر على ردته ولا على ما اختاره ديناً له, واستتابته مستحبة على الراجح في هذا المذهب فيعرض عليه الإسلام فإن كان له شبهة كشفت له, إلا أن هذا العرض غير واجب, بل مستحب, لأن الدعوة قد بلغته, وإذا أبى الإسلام نظر القاضي في أمره فإن طمع في توبته أو طلب هو الإمهال أمهله ثلاثة أيام باعتبارها مدة تضرب لإيلاء الأعذار, وذلك قبل أن يقام عليه حد الردة.
39- ردة الرجل فرقة بغير طلاق "فسخ" في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد فرقة بطلاق, وهي بإجماع تحصل بنفس الردة وتثبت في الحال وتقع بغير قضاء القاضي.
40- إذا تاب المرتد من الزوجين وعاد إلى الإسلام فإنه لابد من عقد ومهر جديدين لاستئناف الحياة الزوجية بينهما.
41- أثر الاستتابة - سواء كانت مستحبة على الراجح في المذهب الحنفي أو واجبة في بعض المذاهب الأخرى - يتعلق بتأخير تطبيق الحد لا في حصول الفرقة بين المرتد وزوجه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعون الثلاثة استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم - في الطعنين رقمي 475 و481 لسنة 65 ق وآخرين أقاموا الدعوى رقم 591 لسنة 1993 كلي أحوال شخصية الجيزة على الطاعنين فيهما بطلب الحكم بالتفريق بينهما، وقالوا بياناً لدعواهم، إن الطاعن الأول ولد لأسرة مسلمة ويشغل وظيفة أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية والبلاغة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة ونشر كتباً أبحاثاً ومقالات تتضمن كفراً صريحاً فيكون مرتداً مما يتعين معه التفريق بينه وبين زوجه الطاعنة الثانية، ومن ثم أقاموا الدعوى، بتاريخ 27/ 1/ 1994 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 287 لسنة 111 ق القاهرة، وبتاريخ 14/ 6/ 1995 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والتفريق بين الطاعنين، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 475، 481 لسنة 65 ق أحوال شخصية، وطعنت فيه النيابة العامة بالطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها برفض الطعون الثلاثة، عرضت هذه الطعون على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرها وفيها استمعت إلى دفاع الخصوم والنيابة.

أولاً: الطعنان رقما 475، 481 لسنة 65 ق أحوال شخصية:

حيث إنه عن الدفع المبدي من الطاعنين بجلسة المرافعة بعدم دستورية نص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية, فهو في غير محله, ذلك بأن المحكمة العليا قد قضت في الدعوى رقم 10 لسنة 5 دستورية المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/ 7/ 1976 بأن هذا النص دستوري.
وحيث إن الطعنين أقيم كل منهما على أربعة أسباب، ينعي الطاعنان بالسبب الأول عدا الوجهين الثالث والخامس منه - على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ويقولان بياناً لذلك، إن النظام القضائي الإسلامي انتظم دعوى الحسبة إلا أن هذا النظام اندثر ولم يتضمن النظام القضائي الحديث تلك الدعوى فتكون غير قائمة، وقد ناط القانون بالنيابة العامة مباشر الدعوى العمومية، وعهد للمدعي العام الاشتراكي بصون وحماية قيم المجتمع، ويقتصر دور المدعي في دعوى الحسبة على إقامتها أو مجرد الإبلاغ وليس له حقوق وواجبات الخصم في الدعوى، والنيابة العامة بوصفها نائبة عن المجتمع هي التي تضطلع بمباشرتها، وإذ تولت النيابة العامة التحقيق فيما أسند إلى الطاعن الأول من اتهام بإنكار الدين الإسلامي والتعرض بمقدساته فيما أبداه من آراء عن ذات الوقائع المطروحة، بما كان يتعين معه القضاء بوقف الدعوى حتى الانتهاء من هذا التحقيق، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بالتفريق، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية وفقاً لأرجح الأِقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة فيما عدا الأحوال التي وردت بشأنها قوانين خاصة وذلك عملاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن سكوت القانون أو خلوه من النص على حكم مسألة من مسائل الأحوال الشخصية لا يعني أن المشرع أراد أن يخالف نصاً في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة أو حكماً اتفق عليه فقهاء المسلمين, وينطبق ذلك على الحق والدعوى به في هذا الصدد، وإذ لم تكن توجد قواعد قانونية خاصة تمنع أو تقيد من إقامة دعوى الحسبة في الوقت الذي رفعت فيه هذه الدعوى حتى صدور حكم نهائي فيها من محكمة الموضوع, فإنه يتعين الرجوع في شأن قبولها إلى الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة، والحسبة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وفي اصطلاح الفقهاء هي فعل ما يحتسب عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله, وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية - أو مستمدة - أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها, وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه أو باستعداء المحتسب أو والي المظالم "النيابة العامة", ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق لله أو فيما كان حق الله فيه غالباً كالدعوى بإثبات الطلاق البائن أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام, وجمهور الفقهاء على عدم تقيدها بشرط الإذن أو التفويض من ولي الأمر, وإذا ترك كل المسلمين الحسبة باعتبارها واجباً كفائياً أثموا جميعاً, بل إنها تكون فرض عين على المسلم القادر عليها إذا لم يقمها غيره في شأن أمر لا يعلم به إلا هو, فلا يقبل القول بانتفاء مصلحة رافع هذه الدعوى طالما تحققت شروط الحسبة, لأنه مطلوب منه شرعاً الاحتساب, فيكون شاهداً فيها لإثباتها وقائما بالخصومة في آن واحد, وله ما للخصوم من حق إبداء الطلبات والدفوع وأوجه الدفاع ومتابعة السير في الدعوى حتى ينحسم النزاع، لما كان ذلك، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن القانون الجديد يطبق بأثر مباشر على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع السابقة عليه، فلا يجوز أن يمس ما يكون قد انقضى من مراكز قانونية في ظل القانون القديم، وتخضع الدعوى من حيث شروط قبولها وإجراءاتها للقانون الساري وقت رفعها, فإذا انعقدت الدعوى صحيحة بين طرفيها, فلا محل من بعد للتمسك بانتفاء صفة المدعي أو مصلحته في رفعها, وعندئذ يجوز لمن كان طرفاً في الخصومة الطعن في الحكم الصادر فيها, طالما لم يدخل عن منازعته حتى صدور هذا الحكم، ويكفي لتحقق المصلحة والصفة في الطعن قيامها وقت صدور الحكم المطعون فيه, ولا عبرة بزوالها من بعد، ولئن كان القانون رقم 81 لسنة 1996 المعدل لنص المادة الثالثة من قانون المرافعات قد اشترط في المادة الأولى منه لقبول الدعوى أن يكون لرافعها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون, إلا أن هذا القانون لم يأت بجديد يغاير ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة في ظل النص المذكور قبل تعديله في صدد هذه الشروط, بيد أن ذلك لم يكن حائلاً بين ما جرى به قضاء هذه المحكمة من إقرار دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، باعتبار أن الدفع بانتفاء المصلحة لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات وإنما هو من الدفوع الموضوعية التي تتصل بأصل الحق إذ يتعلق بالشروط اللازمة لسماع الدعوى, وقد استثنت المادة الثانية من القانون رقم 81 لسنة 1996 من سريانه الأحوال التي تجيز فيها بعض القوانين رفع الدعوى من غير صاحب الحق تقريراً للمصالح التي تحميها تلك القوانين سواء كان ذلك لمصلحة خاصة أو جماعية، كما أن تنظيم القانون رقم 3 لسنة 1996 لإجراءات دعوى الحسبة يعد إقراراً من المشرع بوجودها, ولا يغير من هذا النظر أن القانون رقم 81 لسنة 1996 اعتبر المصلحة من النظام العام وأوجب على جميع المحاكم بما في ذلك محكمة النقض أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا لم تتوافر شروط المصلحة فيمن أقامها, إذ أنه لا يتصور هذا القضاء إلا إذا تبين أن الدعوى أقيمت ابتداء من غير ذي مصلحة أو رفع الطعن بالاستئناف أو النقض ممن لا مصلحة له فيه وذلك وفقاً للقانون الذي رفعت الدعوى أو الطعن في ظله، وكانت الدعوى الماثلة قد رفعت وصدر الحكم نهائي فيها وقبل صدور القانون رقم 81 لسنة 1996 بطلب التفريق بين الطاعن الأول زوجه لارتداده عن الإسلام, وهو ما تتوافر به شروط دعوى الحسبة, فإن أحكام ذلك القانون لا تنطبق على الدعوى من حيث شروط قبولها إذ لم يكن قد صدر بعد عند رفعها ابتداء أو حين تقديم الطعن بالاستئناف, لما كان ذلك, وكان مبنى طلب إحالة الطعون للمرافعة صدور القانون المذكور بعد حجزها للحكم, فإنه لا مبرر للاستجابة له, ولا يغير مما سلف صدور القانون رقم 3 لسنة 1996 في شأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية, إذ أن هذا القانون لا يسري على الدعوى بأثر رجعي لأنه صدر إبان نظر الطعن بالنقض في الحكم النهائي الصادر فيها، وعملا ًبنص المادة الثانية من قانون المرافعات, فإن كل إجراء تم صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقي صحيحاً وإن صدر قانون لاحق لا يعتبره كذلك, فالدعاوى التي فصل فيها وإجراءاتها التي تمت قبل العمل بالقانون الجديد لا تخضع لأحكامه ولو لم يكن الحكم نهائياً, ولم يخرج القانون المذكور عن هذه القاعدة, إذ لم ينص على تطبيقه بأثر رجعي, بل نص في المادة الثامنة منه على العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره, وقد نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29/ 1/ 1996، ونصت المادة السادسة منه على أنه (تحيل المحكمة من تلقاء نفسها ودون رسوم ما يكون لديها من دعاوى في مسائل الأحوال الشخصية على وجه الحسبة والتي يصدر فيها أي حكم إلى النيابة العامة المختصة وفقا لأحكام هذا القانون وذلك بالحالة التي تكون عليها الدعوى)، مما مفاده أنه متى صدر في دعوى الحسبة أي حكم ولو لم يكن باتاً أو نهائياً, فإن على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تستمر في نظرها ولا يجوز لها إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ شئونها وفقاً لأحكام ذلك القانون, إذ أن عبارة (أي حكم) الوارد بالنص المذكور تفيد العموم, فلا يشترط في الحكم أن يكون نهائياً أو باتاً, وإلا كان تخصيصاً بلا مخصص، وإذ كان الطعن بالنقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض, وما يعرض على هذه المحكمة ليست الخصومة التي كانت مرددة أمام محكمة الموضوع, بل ينصب هذا الطعن على محاكمة الحكم النهائي الذي صدر فيها، وما دام المشرع لم ينص صراحة في القانونين سالفي الذكر على إسقاط الأحكام النهائية الصادرة في شأن الحسبة فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة منها, بل تبقي لهذه الأحكام قوتها وحصانتها التي كفلها القانون حتى يقضي من محكمة النقض في أمر الطعن المرفوع عنها, ولا عبرة بما تضمنه الأعمال التحضيرية للقانونين المذكورين في هذا الخصوص، ذلك بأن من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه متى كان النص واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه, فلا محل للخروج عليه أو تأويله استهداء بالمراحل التشريعية التي سبقته أو الحكمة التي أملته أو ما تضمنته المذكرة الإيضاحية من بيانات لا تتفق وصريح عبارة النص. لما كان ما تقدم، وإذ انتهى الحكم المطعن فيه على قبول الدعوى ونظرها، فإنه يكون قد التزم القواعد القانونية المقررة، أما بصدد ما أثاره الطاعنان من أنه كان يتعين وقف الدعوى حتى تنتهي النيابة العامة من تحقيقات تباشرها فيما نسب إلى الطاعن الأول فهو مردود، ذلك بأن النص في المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "إذا رفعت الدعوى المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً في الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو أثناء السير فيها....." يدل على أن المشرع ارتأى كنتيجة لازمة لمبدأ تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي في الموضوع المشترك بين الدعويين وهو موضوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وفق نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أنه يتعين على المحكمة المدنية وقف الدعوى أمامها انتظاراً للحكم النهائي الصادر في الدعوى الجنائية, طالما أنها أقيمت قبل أو أثناء السير في الدعوى المدنية وتوافرت وحدة السبب بينهما, بأن تكون الدعويان ناشئتين عن فعل واحد وأن يتحقق الارتباط بينهما, تفادياً لصدور حكمين مختلفين عن ذات الواقعة من محكمة جنائية وأخرى مدنية، إلا أن الدعوى الجنائية لا تعتبر قد أقيمت بمجرد تقديم الشكاوي والتبليغات إلى سلطات التحقيق أو تحقيق هذه السلطات لها, وإنما تقام هذه الدعوى برفعها بالفعل إلى القضاء فإن لم تكن قد رفعت قبل الدعوى المدنية أو أثناء السير فيها فلا محل لوقف الدعوى المدنية, ولا يكفي لوقفها مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة, الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً وقد لا تتبعه محاكمة تنتهي إلى حكم يتقيد به القاضي المدني, وهو ما يجاوز العلة التي هدف إليها نص المادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية الذي اشترط لوجوب وقف الدعوى المدنية إقامة الدعوى الجنائية وليس مجرد تحقيق النيابة العامة للواقعة, لأن قراراتها لا حجية لها أمام القضاء المدني فلا يجب عليه وقف الدعوى أمامه ترقياً لها، لما كان ذلك، وكان الطاعن الأول لم يقدم ما يدل على أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضده عما أبلغت به بشأن ما نسب إليه في الدعوى المطروحة، فإن النعي في هذا الخصوص يكون بلا سند صحيح، ويغدو النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالأسباب الثاني والثالث والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، ويقولان في بيان ذلك، إن الردة تكون بقول أو فعل صريح الدلالة على الكفر من غير اجتهاد، والطاعن الأول مسلم وفقيه في علوم القرآن وله مؤلفات التزم فيها أصول البحث العلمي، وما ذكره عن الخطاب الديني من قبيل الاجتهاد، وأنه عنى بالتفرقة بين النصوص ودلالتها وصولها لمفاهيم متطورة منتهجاً في ذلك التفسير العقلاني المجازي إذ أن ما ورد بالقرآن عن العرش والكرسي والقلم والملائكة والجن والشياطين لا يدركه العقل إلا من خلال تصور وجودي ذهني بحسبانه الأقرب إلى التنزيه يتوافق مع الخطاب الديني المعاصر، وكشف النقاب في مؤلفه الإمام الشافعي عن أن ما عناه بالنصوص نصوص الإمام الشافعي التي سارت ذات سلطة وهي التي عمد إلى التحرر منها وليس من نصوص الأحكام الشرعية، ولم يرد في كتاباته ما يعد جحداً للقرآن أو رداً لشيء منه، وفي مؤلفه مفهوم النص البرهان على صدق إيمانه وكل نقده انصب على التصورات النابعة من الفهم الحرفي للنص القرآني باعتبار أنها نتاج ثقافي بشري، ولم تنطو مؤلفاته على ما يعد مروقاً من الدين وتمسك أمام محكمة الموضوع بهذا الدفاع الجوهري وقد سنداً له تقريرين صادرين من مجلس أستاذ كلية الآداب جامعة القاهرة وأستاذ قسم اللغة العربية بها تضمنا الإشادة بمؤلفاته، وإذا قضى الحكم المطعون فيه بالتفريق بينه وزوجه مؤسساً قضاءه على أن مؤلفاته قد حوت ما ينطوي على الكفر الصريح معتمداً على فقرات مجتزأة ومتقطعة من سياقها وغير مكتملة المعنى ولا تؤدي إلى ما استخلصه الحكم منها والتفت عما لمستنداته من دلالة قاطعة، فإنه يكن معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن الاجتهاد في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هو بذل الفقيه وسعه لاستنباط الحكم الشرعي العملي من الدليل الشرعي, وما كان من النصوص قطعي الثبوت والدلالة لا محل للاجتهاد فيها, ولا مجال للاجتهاد في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وإنما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص أو ما ورد فيه نص غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة. والنصوص الشرعية هي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع, ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى قاطعاً في دلالته على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو الانفلات منه بدعوى تأويله, فلا اجتهاد في مقابلة النص, وهذا هو مفاد النصوص الشرعية لقوله تعالي: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً", "إنما كال قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون", "وإنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً", "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء", "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله", وآيات القرآن العظيم في هذا المعنى كثيرة, وقد نقل ابن عبد البر عن أبي حنيفة قوله "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وهو ما نقله الإمام الشعراني عن الأئمة الأربعة, وقال الإمام الشافعي "إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط....... ولا قول لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم", وآيات الكتاب العزيز قاطعة في الأمر بإتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت طاعته من طاعة الله, قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما", "قل أطيعوا الله ورسوله فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين", "من يطع الرسول فقد أطاع الله", "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا", "وأطيعوا الله ورسوله أن كنتم مؤمنين", "يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم", وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرنها بطاعة الله تعالى، ومن عارض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يقول الإمام أحمد - فذلك فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فإن لم يجدوا لفظاً متشابهاً يردونه به استخرجوا من المحكم وصفاً متشابهاً يردونه به, في حين أن المنهج القويم الذي سلكه الصاحبة والتابعون والأئمة أنهم يردون المتشابهة إلى المحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به المتشابه ويبينه فتتفق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأنها كلها من عند الله, وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض, يقول تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله", والسنة النبوية لا تعارض القرآن الكريم, فهي إما أن تأتي موافقة له من كل وجه, وإما أن تكون بياناً لما أجمله وتفسيراً له, وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عنه القرآن, وفي هذه الحالة الأخيرة تكون تشريعاً يجب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه, لقوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه", ولو ردت السنة النبوية التي لم ترد في القرآن الكريم لأبطلت أكثر سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم, رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذي أمر بإتباعها, وعلى هذا إجماع علماء الأمة لم يشذ منهم في ذلك أحد, والقول بغير ذلك مخالفة لأصول الشريعة بما يتعارض مع كون السنة التي صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياً من عند الله والمصدر الثاني للتشريع, وهو ما يتنافى مع أصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة, لقوله تعالى "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى", وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى، ومن المقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية أن الردة هي الرجوع عن دين الإسلام وركنها التصريح بالكفر إما بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه ويعتبر كافراً من استخف بالقرآن الكريم أو السنة النبوية أو استهزأ بهما أو جحدهما أو كذبهما, أو أثبت أو نفي خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك عناداً أو مكابرة, أو تشكك في شيء من ذلك, أو عبد أحداً غير الله أو أشرك معه غيره, أو أنكر وجود الله أو أياً من خلقه مما أخبر عنه الله في القرآن الكريم, بأن أنكر الجنة أو النار أو القيامة أو الغيب والبعث والحساب أو الملائكة أو الجن والشياطين أو العرش والكرسي، أو جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو بعموم رسالته للناس كافة, أو شك في صدقه, أو أتى المحرمات مستحلاً لها دون شبهة أو امتنع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام إذا أنكر هذا الفعل أو جحد أو استحل عدم إتيانه كأن يمتنع عن أداء الصلاة أو الزكاة أو الحج جاحداً منكراً ويعتبر الممتنع أو الجاحد كافراً إذا كان ممن لا يجهل مثله الحكم الشرعي, فإن كان ممن لا يعرف مثله ذلك كحديث العهد بالإسلام فإنه لا يعد كافراً, وكذلك الحكم في إنكار مباني الإسلام كلها, لأن أدلة وجودها لا تكاد تخفى والكتاب والسنة زاخران بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام ممتنع عن التزام أحكامه غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته, ويعتبر خروجاً عن الإسلام الجهر بأن القرآن من عند غير الله أو أنه من نظم البشر, أو أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق في هذا العصر أو أن في تطبيقها تأخر المسلمين وأنه لا ينصلح حالهم إلا بالتخلص من أحكامها، وإن كان الاعتقاد المجرد بما سلف لا يعتبر ردة, إلا أنه يعد كذلك إذا تجسد في قول أو عمل, ويكفي عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أو يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفري ما دام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الاستهزاء, ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم وإن ادعى المرتد أنه مسلم لاتخاذه موقفاً يتنافى مع الإسلام, لأن الزنديق يموه بكفره ويروج عقيدته الفاسدة ويبطن الكفر ويدعي الإسلام، لما كان ذلك، وكان الثابت مما أبداه الطاعن الأول في مصنفاته المبينة بالأوراق أنها تضمنت - وفقاً لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأي تأويل - جحداً لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله, إذ وصفه بأنه "منتج ثقافي وأن الإيمان بوجود ميتافيزيقي يطمس هذه الحقيقة........ ويعكر الفهم العلمي للنصوص, وينكر سابقة وجوده في اللوح المحفوظ ويعتبره مجرد نص لغوي ويصفه بأنه ينتمي إلى ثقافة البشر وأنه تحول إلى نص إنساني "متأنس" منحياً عنه صفة القدسية استهزاء بقيمته, وينكر أن الله تعالى هو الذي سمى القرآن بهذا الاسم جاحداً للآيات القرآنية التي صرحت بذلك مع كثرتها وذكر في أبحاثه أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعي محدد منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا وهو قول هدف به إلى تجريد الإسلام من أي قيمة أو معنى, ووصفه بأنه دين عربي لينفي عنه عالميته وأنه للناس كافة, ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعي, وهاجم تطبيق الشريعة ونعت ذلك بالتخلف والرجعية زاعماً أن الشريعة في السبب في تخلف المسلمين وانحطاطهم, ويصف العقل الذي يؤمن بالغيب بأنه غارق في الخرافة, وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة, ويتهم النهج الإلهي بتصادمه مع العقل بمقولة "معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها", وهذا من الكفر الصريح، وكشف الله عنه بقوله تعالي "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا أن هذا إلا أساطير الأولين" والأساطير معناها الأباطيل أو الأحاديث التي لا نظام لها ومفردها أسطورة, وهو ما نعت به الطاعن الدين والنصوص الدينية زاعماً أنهما ينطويان على خرافة, ويقول إن تثبيت القرآن في قراءة قريش كل لتحقيق السيادة القرشية التي سعى الإسلام لتحقيقها, وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش, ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله "موقف العصبية العربية القرشية التي كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهية تجعل منه مشرعاً"، وينكر حجية السنة النبوية وأن الإسلام دن الوسطية, ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله "لقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها..... قبل أن يجرفنا الطوفان", وأبحاثه فيها اتهام للقرآن والسنة والصحابة والأئمة ومنهم الشافعي وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية, فحارب الإسلام في نصوصه ومبادئه ورموزه, واعترض على نصيب البنات في الميراث راداً بذلك ما ورد بالقرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة في هذا الصدد, وتمادى في غلوه بالدعوى إلى التحرر من النصوص الشرعية يزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة وأنها لا تعتبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولت, وهذا رمي لشرع الله بأنه غير صالح لكل الأزمنة, ويصف إتباع النصوص الشرعية بالعبودية, وينكر أن السنة وحي من عند الله ويدعى أنها ليست مصدراً للتشريع متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التي وردت في هذا على خلاف إجماع الأمة, وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين مصوراً الإسلام بالتسلط رغم تسامحه وحضه على عنق الرقاب, وأنكر أن الله ذو العرش العظيم وأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض وأن من خلقه الجنة النار والملائكة والجان رغم وردود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة في ذلك, متجاهلاً هذا, وسخر من نصوص الكتاب العزيز مستخفاً به بقوله "إن النص القرآني حول الشياطين إلى قوة معوقة وجعل السحر أحد أدواتها, بما معناه أن القرآن الكريم حوي كثيراً من الأباطيل, وسار على هذا النهج المضاد للإسلام في مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافياً عن مصادره الرئيسية ما لها من قداسة, ولم يتورع في سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها, وكان هذا هو منهجه, وهو مدرك لحقيقته وفحواه في ميزان الشريعة, إذ أنه نشأ مسلماً في مجتمع إسلامي ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة ويقوم بتدريس علوم القرآن ومثله لا يخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده, بل أنه يدعي الفقه والعلم, وذلك حجة عليه, وإذ أنكر ما هو معلوم عن الدين بالضرورة بالنسبة لأي مسلم لم ينل حظاًً من التعليم أو الثقافة الدينية, فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام, لإظهاره الكفر بعد الإيمان, وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل, فهو مردود, ذلك بأن التأويل لا يخرج الباحث عن أصول الشريعة والعقيدة ومقاصدها وأركانها ومبانيها، والتأويل له ضوابط ومعايير أوردها علماء أصول الفقه, وإلا كان سبيلاً لأصحاب الهوى للمروق من شرع الله والانفلات من كل نص شرعي وتشريع بما لم يأذن به الله بما يفضي إلى الضلال وليس من التأويل مهاجمة النصوص الشرعية والاستهزاء بها وإهدارها بقصد النيل منها ووصف الالتزام بأحكامها بالتخلف والدعوة إلى ترك شرع الله إلى ما سواه، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لما كان ما تقدم، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع وتقدير الأدلة ومنها المستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها وتراه متفقاً مع واقع الحال في الدعوى، وإذ خلص الحكم المطعون فيه على ما حصله مما ورد بأبحاث الطاعن الأول التي لم ينكر صدورها عنه أن ما عناه بمدلول النصوص على النحو الذي ذكره بها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأن آراءه التي ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضاً منها بمدوناته هي من الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتداً عن الدين الإسلامي ويوجب التفريق بينه وبين زوجه, وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله معينه من الأوراق وسنده من الأحكام الشرعية ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويكفي لحمل قضائه وفيه الرد الضمني المسقط لكل دليل أو حجة مخالفة, وحسبه أن يضمن مدوناته بعضاً مما صرح به الطاعن الأول ليستدل به على ثبوت ردته طالما أنه قد ألم بآرائه التي انطوت عليها مؤلفاته عن بصر وبصيرة, ولا على الحكم إذ لم يأخذ بتقريري مجلس أساتذة كلية الآداب جامعة القاهرة وأساتذة قسم اللغة العربية بها إذ لم يعرضا لما حوته مؤلفات الطاعن الأول من آراء تعد مساساً لأصول العقيدة الإسلامية, فضلاً عن أن هذين التقريرين - أياً كان وجه الرأي فيهما لا يلزمان محكمة الموضوع فيما جاء بهما, فإن النعي لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة، وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة، ومن ثم فإنه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقولان بياناً إن الردة لا تثبت شرعاً إلا بالبينة أو الإقرار، وأن الأوراق خلت من إقرار الطاعن الأول بالردة ولم تثبت ردته بالبينة الشرعية ولم تنبئ عنها دلالة ما ورد بمؤلفاته، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر شرعاً أن الردة تثبت بالإقرار أو البينة الشرعية، والإقرار هو اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح في غير حاجة إلى الإثبات بدليل آخر وينحسم به النزاع فيما أقر به، وهو حجة على المقر لأن فيه معنى الالتزام اختياراً, ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه لأنه لا يتهم في الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه, وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار في إثبات الكفر في قوله تعالي "وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"، والإقرار كما يكون باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد منه دلالة التعبير، لما كان ذلك، وكان الطاعن الأول قد أقر بأنه هو الذي صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضاً منها, وإذ استقى الحكم المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف, إذ ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذي يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذي توافرت شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من الآثار التي توجبها أحكام الردة, فإنه يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة في هذا الشأن, بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس. وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الخامس من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامي، ويقولان بياناً لذلك، إن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبني الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان ولا يسوغ للقاضي التطرق لبحث جدتها وبواعثها ودواعيها، ونطق الشخص بالشهادتين كاف لاعتباره مسلماً، والطاعن الأول يدين بالإسلام وأقر بإسلامه بما لا يجوز معه التعرض لحقيقة إسلامه أو الطعن في صحة إيمانه لأن ما أبداه من قبيل الرأي وتاريخ الإسلام حافل بالآراء الكثيرة ولم يكفر أحد برأي أبداه، كما أن تطبيق حدة الردة شرطه أن يثبت بدليل قطعي الثبوت، في حين أن القرآن الكريم لم يضع عقاباً دنيوياً على الردة، والأحاديث التي وردت في شأن الردة ظنية الثبوت لكونها أحاديث آحاد، كما طبق الحكم المطعون فيه أحكام الردة دون استتابته رغم أن الاستتابة واجبة شرعاً، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن ما أبداه الطاعنان بشأن عقوبة حد الردة غير مقبول, ذلك بأن حد الردة لم يكن معروضاً على محكمة الموضوع واقتصر الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة, ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنان في هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم, ومن ثم فإنه يكون غير مقبول، لما كان ذلك، فإن ما دفع به الطاعنان بجلسة المرافعة من أن محكمة الجنايات هي المختصة بنظر الدعوى، لا يقوم على سند صحيح، أما بصدد ما زعماه من عدم العمل بحديث الآحاد، فهو مردود، ذلك بأنه بالإضافة إلى الحديث المتواترة وهو الذي رواه جماعة في جميع مراحل الرواية من مبدأ تلقي الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وصوله إلينا يمتنع توافقهم على الكذب, فهناك الحديث المشهور أو المستفيض, وهو ما كان أحاديا في الأصل ثم تواتر بعد ذلك بأن يرويه عدد يتحقق به التواتر في عصر التابعين أو تابعيهم وقد اعتبر جمهور الفقهاء هذا النوع من أحاديث الآحاد وهو عند الحنفية يفيد ظناً قريباً من اليقين ويجب العمل به, وهذا القسم من السنة كثير, أما خبر الآحاد فهو ما ليس بمتواتر ولا مشهور سواء رواه واحد أو أكثر, وجمهور الفقهاء على وجوب العمل به ويحصل له العلم إذا اقترنت به قرائن ينتفي معها احتمال كذب الراوي, واشترط الفقهاء في رواية العقل والبلوغ حين الأداء والإسلام والضبط والعدالة, وكان الصحابة - رضوان الله عليهم لا يأخذون بخبر الواحد إلا إذا شهد اثنان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يستحلفون الراوي أنه سمعه منه بشرط ألا يعارض الحديث ما هو أقوى منه والاستيثاق من أنه لا ناسخ له اشترط الحنفية ألا يعمل الراوي بخلاف ما روي وألا يكون الحديث مخالفاً للقياس والقواعد المقررة إذا كان الراوي غير فقيه, ومن هذا تبين أن حديث الآحاد له ضوابط ومعايير واضحة المعالم, وذلك على التفصيل الوارد بعلم مصطلح الحديث, والقول بعدم العمل به يعد إهداراً لمعظم السنة النبوية لأنه قلما توجد سنة قولية متواترة بينما السنة الفعلية المتواترة كثيرة ومنها كيفية أداء الصلوات والحج وغير ذلك، وقد وردت في كتب الحديث الصحيحة أحاديث نبوية في شأن الردة رواها بعض الصحابة منهم ابن عباس وابن مسعود وجابر ومعاذ بن جبل وأبو موسى وغيرهم, وهم تقاة لا يتصور تواطؤهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونقلت هذه الأحاديث عنهم وحقق صحتها علماء الحديث، كما أنه ولئن كان الأصل أن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان, ولا يجوز البحث في جديتها ولا دواعيها أو بواعثها، والنطق بالشهادتين كاف لاعتبار الشخص مسلماً, إلا أن الإسلام كل لا يتجرأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر, فإذا صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف, فإنه يكون مرتداً لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن أدعى بأنه مسلم, ومما يدل على ذلك أن أبا بكر الصديق جمع الصحابة ليشاورهم في أمر قتال مانعي الزكاة, فقال له عمر رضي الله عنه كيف تقاتل قوماً نطقوا الشهادتين؟ فقال له أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله ولو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليه, وقد أقر الصحابة رضوان الله عليهم أبا بكر في ذلك، فلا عبرة بالنطق بالشهادتين ما لم يراع الناطق بهما ما لهما من حق وما يترتب عليهما من أثر إيماني عقدي, فالإيمان ما وقر بالقلب وصدقه العمل, لقول أبي بكر في السياق المتقدم "إلا بحقها", ويؤكد ذلك قول الله تعالى "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون" فليس هناك دليل أكبر من شهادة الله تعالى بكذب المنافقين وكفرهم, مع أنهم شهدوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله بما يتضمن شهادة بوجود الله الذي أرسله مما مفاده نطقهم بالشهادتين, كفر بالله شهيداً، وأحكام الردة لا تتنافي مع حرية العقيدة التي كلفها الإسلام, فليس لأحد أن يحمل إنساناً على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها, لقوله تعالى "لا إكراه في الدين" وقوله تعالى" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين", ولا تطبق أحكام الردة إلا على المسلم الذي ارتد عن الإسلام ولا تنطبق على غير المسلمين بل يدعوهم الإسلام إليه بالحكمة والموعظة الحسنة, فإن لم يدخلوا فيه عن طواعية واختيار تركهم وما يدينون به مستظلين بحمايته في تسامح يحفظ لهم حريتهم وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم ودماءهم, ودخول الشخص في الإسلام مفاده التزامه بأحكامه ومنها أحكام الردة, إذ لا يمكن فصل المعتقد عن آثاره المحسوسة في السلوك، والدولة عقيدتها الإسلام, وهذا ما ينص عليه الدستور في المادة الثانية منه من أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, وكل النظم الوضعية تقرر عقوبات وتدابير إزاء الأفعال التي تتعارض مع أسس قيامها, وارتداد المسلم عن الإسلام ليس أمراً فردياً - يمكن أن تتسامح فيه شريعة الإسلام ودولته كحق من حقوق الأفراد لاسيما إذا كان هذه بالدعوة علناً بالنشر أو التدريس, إذ أن الخروج عن الإسلام ثورة عليه، ولا بد أن ينعكس ذلك على ولاء الفرد للشريعة والدولة وعلى رابطة مع المجتمع, وهذا ما لا يتسامح فيه قانون أو دولة, ولذلك تبيح الشريعة وسائر الدساتير والقوانين حرية الرأي بالضوابط التي تمنع من العدوان وإساءة استعمال الحق, فليس من حق أي فرد أن يدعو إلى ما يخالف النظام العام أو الآداب أو يستخدم الرأي وسيلة للنيل من الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو امتهان المقدسات أو السخرية من الإسلام أو أي دين سماوي, ذلك بأن الدستور يكفل في المادة 47 منه حرية الرأي في حدود القانون, فحرية الرأي تكون وفقاً للضوابط والحدود التي يسمح بها النظام الأساسي للدولة والقواعد التي يقوم عليها هذا النظام وفي صدارتها أحكام الشريعة الإسلامية, ولو أنه احتفظ باعتقاده في سريرة نفسه دون الإعلان عنه تلقيناً لطلبته وطبعه ونشره, فإن الشريعة لا تفتش في مكنون النفس ولا تشق قلوب الناس ولا تنقب في سرائرهم, لأن ذلك متروك لله وحده, إلا أن الجهر بالسوء من القول طعناً في عقيدة المجتمع والدعوة إلى ازدرائها يتصادم مع النظام العام وهو ما لا يقره أي تشريع أو نظام، ولا تعدو أحكام الردة أن تكون معياراً لاستمرار بقاء المسلم على إسلامه يميزه عن غيره فيتعامل معه المجتمع المسلم على أساس هذه الصفة كعضو فيه, وذلك ما يحدث في الشرائع الدينية الأخرى بالنسبة لإتباعها إذ تشترط استمرار ولائهم لها, فإذا انضم إليها الفرد التزم بأنظمتها, ولها أن تخرجه منها أو تعزله عنها إذا خرج على مبادئها الأساسية التي انضم إليها وفقاً مع ما يترتب على ذلك من آثار, وتستلزم بعض الشرائع لصحة الزواج اتحاد الزوجين في الدين أو المذهب أو الطائفة أو تعميدها وفقاً لطقوسها, وتعتبر اختلاف الدين مبطلاً للزواج مانعاً لانعقاده وتوجب الفسخ أو التطليق في حال اعتناق أحد الزوجين لدين آخر, وهذا لا يتنافى مع حرية العقيدة أو حرية الرأي, وهو نفس الأمر بالنسبة للتفريق بسبب الردة، هذا فضلاً عن أنه رغم ما أبداه دفاع الطاعن الأول من أنه لا زال متمسكاً بدينه, فإنه لم يتبرأ من كتبه التي ثبتت ردته بما ورد فيها، وما يثيره بشأن استتابته فهو غير مقبول ذلك بأن من المقرر في مذهب الإمام أبي حنيفة أن المرتد لا ملة له ولا يقر على ردته ولا على ما اختاره ديناً له, واستتابته مستحبة على الراجح في هذا المذهب فيعرض عليه الإسلام فإن كان له شبهة كشفت له, إلا أن هذا العرض غير واجب, بل مستحب, لأن الدعوة قد بلغته, وإذا أبى الإسلام نظر القاضي في أمره فإن طمع في توبته أو طلب هو الإمهال أمهله ثلاثة أيام باعتبارها مدة تضرب لإيلاء الأعذار, وذلك قبل أن يقام عليه حد الردة، وردة الرجل فرقة بغير طلاق "فسخ" في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد فرقة بطلاق, وهي بإجماع تحصل بنفس الردة وتثبت في الحال وتقع بغير قضاء القاضي،
فإذا تاب المرتد من الزوجين وعاد إلى الإسلام فإنه لا بد من عقد ومهر جديدين لاستئناف الحياة الزوجية بينهما. لما كان ذلك، وكانت الفرقة تتم بين الزوجين بالردة على الفور، وأثر الاستتابة - سواء كانت مستحبة على الراجح في المذهب الحنفي أو واجبة في بعض المذاهب الأخرى - يتعلق بتأخير تطبيق الحد لا في حصول الفرقة بين المرتد وزوجه، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه بعد أن انتهى إلى الثبوت ردته، دون استتابته باعتبار أن الاستتابة لا تؤثر في القضاء بالتفريق، فانه يكون قد انتهى إلى قضاء سليم، لما كان ذلك، فإن النعي في هذا الصدد يكون غير منتج، ومن ثم غير مقبول، ويكون النعي برمته على غير أساس.
 
ثانياً: الطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية "المرفوع من النيابة العامة".
 
حيث إن الطعن أقيم على سببين تنعي بهما النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق الشريعة الإسلامية والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إن نطق الشخص بالشهادتين كاف شرعاً لاعتباره مسلماً وأن المسلم لا يعتبر مرتداً إلا إذ انشرح صدره بالكفر وأتي من الأقوال والأفعال ما يعد كفراً بما لا احتمال معه لتأويل، وما يحتمل الكفر والإيمان يحمل على الإيمان، فقد يكون الرجوع عن الإسلام مرده شكوك أو شبهات تساور النفس فيجب الإمهال لإزالة تلك الشكوك والشبهات، وما جاء بمؤلفات المطعون ضده الأول يمكن حمله على الإيمان فقد فرق بين الدين والفكر الديني وأورد أقوال الفقهاء في تقسيم مرويات السنة ولم يقر الربا بما لا يصح معه القضاء بردته، وإذ قضي الحكم المطعون فيه بتكفيره ولم يزل ما قد يكون قد عرض له من شبهة في دينه، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، بما سلف بيانه، من أن المطعون ضده الأول قد أفصح بمؤلفاته عما يعد من الكفر الصريح وأن استتابة المرتد مستحبة وغير واجبة على الراجح في المذهب الحنفي وأن أثر هذه الاستتابة يتعلق بتوقيع حده الردة ولا يؤثر في القضاء بالفرقة التي تقع على الفور بمجرد الردة بين المرتد وزوجه، وأن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى القضاء صحيح، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعون الثلاثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق