الصفحات

الجمعة، 29 أغسطس 2014

الطعن 8569 لسنة 66 ق جلسة 8 / 7 / 1997 مكتب فني 48 ج 2 ق 205 ص 1089

جلسة 8 من يوليه سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ علي بدوى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ د. فتحي المصري نائب رئيس المحكمة، محمد برهام عجيز، عبد الله عمر وسيد الشيمي.

---------------

(205)
الطعن رقم 8569 لسنة 66 القضائية

(1 - 5) قضاة. "أسباب عدم الصلاحية". دعوى "دعوى المخاصمة". دفوع. نقض "أحكام محكمة النقض".
(1) عدم قيام سبب من أسباب رد القضاة أو تنحيتهم. أثره. المضي في نظر الدعوى.
(2) دعوى المخاصمة. فصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها. أساسه. ما يرد في تقرير المخاصمة والمستندات المودعة معه والأدلة التي يرتكن إليها المخاصم. عدم جواز إبداء أسباب جديدة أو تقديم مستندات أخرى. م 495, 496 مرافعات.
(3) إقامة الدفع بعدم قبول دعوى المخاصمة على واقعة لا سند لها في الأوراق. أثره.
(4) أحكام محكمة النقض. عدم جواز تعييبها بأي وجه من الوجوه. وجوب احترامها فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت. علة ذلك.
(5) الأصل عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرفات أثناء عمله. علة ذلك. الاستثناء. حالاته. م 494 مرافعات. الخطأ المهني الجسيم. ماهيته. تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره للأدلة والمستندات فيها واستنباطه الحلول القانونية للمسألة المطروحة عليه ولو بالمخالفة لأحكام القضاء أو إجماع الفقهاء. خروجه عن دائرة الخطأ.
(6) نقض "أسباب الطعن: السبب الجديد".
التمسك بدلالة مستند لم يعرض على محكمة الموضوع. اعتباره من الأسباب الجديدة. عدم جواز إبدائه لأول مرة أمام محكمة النقض.
(7 - 9) قضاة "مخاصمة". مسئولية. محكمة المخاصمة.
(7) الأصل عدم خضوع القاضي قي نطاق عمله للمساءلة القانونية. الاستثناء. وروده على سبيل الحصر. م 494 مرافعات. مناطه.
(8) الغش والتدليس كسبب من أسباب المخاصمة. ماهيتهما.
(9) تقدير جسامة الخطأ واستظهار قصد الانحراف. من سلطة محكمة المخاصمة ما دامت أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(10 - 12) دعوى "تكييف الدعوى". حكم "تسبيبه". نقض "سلطة محكمة النقض".
(10) تكييف الدعوى وإعطائها وصفها الحق. العبرة فيه بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها وليس بالألفاظ التي تصاغ فيها هذه الطلبات.
(11) تسبيب الحكم. الغاية منه.
(12) لمحكمة النقض سلطة تحصيل الواقع في الدعوى وتكييفه على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها. عدم تقيدها في ذلك بالترتيب الوارد في صحيفة طعن المخاصم أو الألفاظ التي تصاغ بها عبارات الطعن.
(13) تنفيذ "وقف التنفيذ". نقض.
وقف التنفيذ. جوازي لمحكمة النقض. لا وجه لإلزامها بالفصل في طلبه استقلالاً عن الموضوع. م 251 مرافعات.
(14) تعويض "التعويض عن دعوى المخاصمة". مخاصمة. مسئولية.
طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة. خضوعه للقاعدة العامة التي استنها المشرع لمساءلة من انحرف عن استعمال حق التقاضي.

-----------------
1 - لما كان ما أثاره وكيل المخاصم بشأن صلاحية الدائرة بتشكيلها الحالي لنظر الدعوى, لا يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 146 من قانون المرافعات والتي تجعل القاضي ممنوعاً من نظر الدعوى ولو لم يرده أحد الخصوم, إذ الجوهري أن يكون قد كشف عن اقتناعه برأي معين في الدعوى قبل الحكم فيها بما يتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى. لما كان ذلك وكان المخاصم لم يتخذ الإجراءات التي نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات في شأن رد القضاة وكان تنحي القاضي عن نظر الدعوى من تلقاء نفسة بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور مرده إلى ما يعتمل في ضميره وما يستشعره وجدانه دون رقيب عليه في ذلك. ومن ثم فلا جناح على المحكمة بتشكيلها الحالي إذا مضت في نظر الدعوى بعد, إذ لم يقم في حقها سبب من أسباب عدم الصلاحية ولو لم يتخذ المخاصم إجراءات الرد في مواجهة أحد أعضائها أو يستشعر أحدهم حرجاً في نظرها.
2 - لما كان النص في المادتين 495, 496 من قانون المرافعات مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفصل في دعوى المخاصمة وهي في مرحلتها الأولى - مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها - لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والمستندات المشفوعة به والأدلة التي يرتكن إليها المخاصم, وأنه لا يجوز للمخاصم في هذه المرحلة أن يبدي أسباباً جديدة أو أن يقدم أوراقاً ومستندات غير التي أودعها مع التقرير, فإن تقديم وكيل المخاصم شهادة برفع دعوى مخاصمة جديدة وطلب ضمها لهذه الدعوى يكون مخالفاً للقانون.
3 - النص في المادتين 495, 496/ 2 من قانون المرافعات مؤداه أن دعوى المخاصمة التي ترفع ضد أحد مستشاري محكمة النقض تكون بتقرير يودع قلم كتاب هذه المحكمة يوقعه المخاصم أو من يوكله في ذلك توكيلاً خاصاً وإذ كانت الدعوى قد رفعت بتقرير موقع من الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن المخاصم وقد خلت الأوراق مما يدحض حصول هذا التوقيع أمام الموظف المختص بقلم كتاب محكمة النقض, وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت فإن الدفع يكون على غير أساس.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 272 من قانون المرافعات يدل على أن أحكام محكمة النقض لا يجوز تعيبها بأي وجه من الوجوه وهي واجبة الاحترام فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت باعتبار أن محكمة النقض هي قمة السلطة القضائية في سلم ترتيب المحاكم ومرحلة النقض هي خاتمة المطاف في مراحل التقاضي وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها.
5 - الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرف أثناء عملة لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوّله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في المادة 494 من القانون سالف الذكر على أحوال معينه أوردها على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه خطأ مهني جسيم وهو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً مما وصفته المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بالخطأ الفاحش الذي ينبغي أن يتردى فيه بحيث لا يفرق هذا الخطأ في جسامته عن الغش سوى كونه أوتي بحسن نية فيخرج عن دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره للأدلة والمستندات فيها وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول القانونية للمسألة المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وإجماع الفقهاء.
6 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التمسك بدلالة مستند لم يعرض على محكمة الموضوع يعتبر من الأسباب الجديدة التي لا يجوز التحدي بها لأول مرة أمام محكمة النقض.
7 - الأصل في التشريع أن القاضي غير خاضع في نطاق عمله للمساءلة القانونية لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوّله له القانون وترك له سلطة التقديرية فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها وحصرها في نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها في المادة 494 من قانون المرافعات وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفد الجهد في الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين بها قضائه ويبطل أثره، وهذا كله يجد حده الطبيعي في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجوار والانحراف في القصد.
8 - الشارع عدّ من أسباب المخاصمة الغش والتدليس ويقصد به انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه واجب القانون قاصداً هذا الانحراف إيثاراً لأخذ الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للقاضي.
9 - لمحكمة المخاصمة السلطة التامة في تقدير جسامة الخطأ واستظهار قصد الانحراف طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله.
10 - العبرة في تكييف الدعوى وإنزال الوصف الصحيح في القانون على وقائعها بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها وليس بالألفاظ التي تصاغ فيها هذه الطلبات.
11 - النص في المادة 178 من قانون المرافعات المعدل بالقانون رقم 13 لسنة 1973 مؤداه أن الغاية الأساسية من تسبيب الحكم هي توفير الرقابة على عمل القاضي والتحقيق من حسن استيعابه لوقائع النزاع ودفاع طرفيه والوقوف على أسباب قضاء المحكمة فيه.
12 - لمحكمة النقض أن تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها غير في مقيدة في ذلك بالترتيب الوارد في صحيفة طعن المخاصم أو الألفاظ التي يصيغ بها عباراته.
13 - وقف التنفيذ طبقاً للمادة 251 من قانون المرافعات أمر جوازي لمحكمة النقض ولا وجه لإلزامها بالفصل في طلبه استقلالاً عن الموضوع.
14 - النص في المادة 499 من قانون المرافعات يدل على أن طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة يخضع للقاعدة العامة التي استنها المشرع لمسائلة من انحراف عن استعمال حق التقاضي.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الأستاذ/ ......... المحامي وآخرين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 591 لسنة 1993 كلي أحوال شخصية الجيزة ضد المخاصم وزوجته للحكم بالتفريق بينهما تأسيسا على أنه ولد لأسرة مسلمة ويشغل وظيفة أستاذ مساعد الدراسات الإسلامية والبلاغة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة وقد نشر كتباً وأبحاثاً ومقالات تتضمن كفراً صريحاً فيكون مرتداً مما يتعين معه التفريق بينه وبين زوجته وبتاريخ 27/ 1/ 1994 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى. استأنف المدعون هذا الحكم بالاستئناف رقم 287 لسنة 111 ق القاهرة وبتاريخ 14/ 6/ 1995 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والتفريق بين المخاصم وزوجته فطعنا في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقميّ 475 و481 لسنة 65 ق أحوال شخصية، وطعنت فيه النيابة العامة بالطعن رقم 478 لسنة 65 ق أحوال شخصية. وبتاريخ 5/ 8/ 1996 قضت محكمة النقض برفض الطعون الثلاثة. رفع المخاصم دعوى المخاصمة الماثلة مخاصماً فيها رئيس وأعضاء دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض التي أصدرت هذا الحكم طالباً الحكم بتعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وببطلان الحكم المذكور وإلزام السادة المستشارين المخاصمين بأن يؤدوا إليه مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض المؤقت. أودع المخاصمون مذكرتين بالرد دفعوا في إحداهما بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني وطلبوا إلزام المخاصم بأن يؤدي لكل منهم جنيهاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت، وإذ عرضت الدعوى على هذه الدائرة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرها. وبجلسة 27/ 5/ 1997 قرر الحاضر عن المخاصم أن انسحاب رئيس الدائرة وعضو اليمين غير كاف لصلاحية الدائرة بنظر الدعوى لاحتمال سبق المداولة وتبادل الرأي فيها، وقدم شهادة من قلم كتاب هذه المحكمة مؤرخة 26/ 5/ 1997 برفع المخاصم دعوى المخاصمة رقم 2718 لسنة 67 ق ضد المخاصمين عن ذات الحكم محل المخاصمة الماثلة وطلب ضمها لهذه الدعوى. قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم جواز المخاصمة.
وحيث إنه فيما أثاره وكيل المخاصم بشأن صلاحية الدائرة بتشكيلها الحالي لنظر الدعوى فإنه لا يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 146 من قانون المرافعات والتي تجعل القاضي ممنوعاً من نظر الدعوى ولو لم يرده أحد الخصوم, إذ الجوهري أن يكون قد كشف عن اقتناعه برأي معين في الدعوى قبل الحكم فيها بما يتعارض مع ما يشترط فيه من خلو الذهن عن موضوع الدعوى. لما كان ذلك، وكان المخاصم لم يتخذ الإجراءات التي نصت عليها المادة 153 من قانون المرافعات في شأن رد القضاة وكان تنحى القاضي عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه بالتطبيق لنص المادة 150 من القانون المذكور مرده إلى ما يعتمل في ضميره وما يستشعره وجدانه دون رقيب عليه في ذلك. ومن ثم فلا جناح على المحكمة بتشكيلها الحالي إذا مضت في نظر الدعوى بعد, إذ لم يقم في حقها بسبب من أسباب عدم الصلاحية ولو لم يتخذ المخاصم إجراءات الرد في مواجهة أحد أعضائها أو يستشعر أحدهم حرجاً في نظرها. وفي خصوص تقديم وكيل المخاصم شهادة برفع دعوى مخاصمة جديدة وطلب ضمها لهذه الدعوى، فإنه لما كان مؤدى نص المادتين 495, 496 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الفصل في دعوى المخاصمة وهي في مرحلتها الأولى - مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها - لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والمستندات المشفوعة به والأدلة التي يرتكن إليها المخاصم, وأنه لا يجوز للمخاصم في هذه المرحلة أن يبدي أسباباً جديدة أو أن يقدم أوراقاً ومستندات غير التي أودعها مع التقرير, فإن تقديم الشهادة سالفة البيان وضم الدعوى المبينة بها لهذه الدعوى يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المخاصمين بعدم قبول الدعوى من أن تقرير المخاصمة لم يوقعه المخاصم أو وكيله أمام الموظف بقلم كتاب محكمة النقض.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأنه لما كان مؤدى نص المادتين 495, 496/ 2 من قانون المرافعات أن دعوى المخاصمة التي ترفع ضد أحد مستشاري محكمة النقض تكون بتقرير يودع قلم كتاب هذه المحكمة يوقعه المخاصم أو من يوكله في ذلك توكيلاً خاصاً وإذ كانت الدعوى قد رفعت بتقرير موقع من الأستاذ/ .... المحامي بصفته وكيلاً عن المخاصم وقد خلت الأوراق مما يدحض حصول هذا التوقيع أمام الموظف المختص بقلم كتاب محكمة النقض, وكان الأصل في الإجراءات أنها روعيت فإن الدفع يكون على غير أساس.
وحيث إن دعوى المخاصمة تقوم على سببين حاصل أولهما أن الحكم محل المخاصمة صدر من المخاصمين عن خطأ مهني جسيم من أربعة وجوه وفي بيان الأول والثالث والرابع منها يقول المخاصم أن الحكم محل المخاصمة عدل في قضائه عن ثلاثة مبادئ سبق أن قررتها محكمة النقض واستقر عليها قضاؤها دون إحالة الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمخالفة لنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية، وأن الحكم عابه التناقض إذ أيد حكم محكمة الاستئناف في قضائه بالتفريق بين المخاصم وزوجته بعد أن انتهى إلى ثبوت ردته دون استتابة باعتبار أن الاستتابة لا تؤثر في القضاء بالتفريق رغم أنها ضرورة لاستكمال توافر الردة فهي مسألة أولية للقضاء بالتفريق، وخرج الحكم عن ولايته عند نظر الطعن لأول مرة وخاض في الموضوع في غير الحالات التي يجيز فيها القانون ذلك وأورد أسباباً لقضائه لا تؤدي إلى ما انتهي إليه وتعرض لما أورده المخاصم بشأن تقسيم الأحاديث النبوية من ناحية ورودها وأورد بالنسبة لأحاديث الآحاد شروطاً غير صحيحة وخلط الحكم بين جريمة الردة وجريمة البغي ولم يرد على ما نعاه المخاصم من إغفال محكمة الاستئناف الرد على تقريريّ مجلسي كلية الآداب جامعة القاهرة وقسم اللغة العربية بها المتضمنين الإشادة بكتاباته التي عوّل عليها الحكم في قضائه بالردة بما يشكل خطأ مهنياً جسيماً.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 272 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز الطعن في أحكام محكمة النقض بأي طريق من طرق الطعن" يدل على أن أحكام النقض لا يجوز تعيبها بأي وجه من الوجوه وهي واجبة الاحترام فيما خلصت إليه أخطأت أم أصابت باعتبار أن محكمة النقض هي قمة السلطة القضائية في سلم ترتيب المحاكم ومرحلة النقض هي خاتمة المطاف في مراحل التقاضي وأحكامها باتة لا سبيل إلى الطعن فيها، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرف أثناء عمله لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذ انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في المادة 494 من القانون سالف الذكر على أحوال معينة أوردها على سبيل الحصر ومن بينها إذا وقع منه خطأ مهني جسيم وهو الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط فاضح ما كان ليساق غليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً مما وصفته المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات السابق بالخطأ الفاحش الذي ينبغي أن يتردى فيه بحيث لا يفرق هذا الخطأ في جسامته عن الغش سوى كونه أوتي بحسن نية فيخرج عن دائرة هذا الخطأ تحصيل القاضي لفهم الواقع في الدعوى وتقديره وللأدلة والمستندات فيها وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول القانونية للمسألة المطروحة عليه ولو خالف في ذلك أحكام القضاء أو إجماع الفقهاء. لما كان ذلك. وكان البيّن من الاطلاع على الحكم محل النعي أن المخاصمين لم يتعرضوا للفصل في موضوع المدعي ولم يتناولوا من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته أسباب الطعن في معرض قيامهم بإرساء حكم القانون حسبما ارتأوه صواباً على الوقائع كما أثبتتها محكمة الموضوع، فإن ما ينعاه المخاصم بهذه الأوجه من السبب الأول على حكم محكمة النقض الصادر بتاريخ 5/ 8/ 1966 لا يعتبر - أياً كان وجه الرأي فيه - خطأ مهنياً جسيماً مما يندرج ضمن أسباب المخاصمة المنصوص عليها تحديداً وحصراً في المادة 494 سالفة الذكر ومن ثم فإن النعي بهذه الوجوه يكون غير مقبول.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني من السبب الأول أن الحكم محل المخاصمة أغفل الرد على رأي مفتي الديار المصرية بوجوب استتابة المرتد قبل التفريق بينه بين زوجته، وإقرار المخاصم الموثق بالسفارة المصرية بهولندا بأنه مسلم وينطق بالشهادتين رغم أنه دفاع متعلق بالنظام العام.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التمسك بدلالة مستند لم يعرض على محكمة الموضوع يعتبر من الأسباب الجديدة التي لا يجوز التحدي بها لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على سبق عرض المخاصم على محكمة الموضوع كتاب دار الإفتاء المؤرخ 6/ 3/ 1996 وإقراره الموثق بالسفارة المصرية بهولندا المؤرخ 3/ 3/ 1996 وكان هذا الدفاع غير متعلق بالنظام العام فإن التمسك بالدلالة المستمدة من هذين المستندين يعتبر من الأسباب الجديدة التي لا يجوز التحدي بها لأول مرة أمام محكمة النقض ومن ثم يكون الحكم محل المخاصمة مبرأ من أي خطأ ويكون النعي بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن المخاصم ينعي بالسبب على الحكم محل المخاصمة قصد النكاية وسوء النية وفي بيان ذلك يقول إنه بالإضافة إلى الأخطاء المهنية الجسيمة المبيّنة بأوجه النعي السالف بيانها فإن المخاصمين قد ترسموا في قضائهم خطة المطعون ضدهم في مذكرة دفاعهم وأغفلوا الترتيب الذي أورده المخاصم في صحيفة طعنه بما يكشف عن ربط فكري بينهم وبين المطعون ضدهم أكده قرار ضم طلب وقف التنفيذ إلى الموضوع بالمخالفة لنص المادة 251 من قانون المرافعات، واستخدموا ألفاظاً غير التي استخدمها دفاع المخاصم في عرض أوجه طعنه وهو ما يستدل منه على أن النية والحكم كانا مبيتين ضد المخاصم منذ البداية وأن الأسباب سطرت للدفاع عن وجهة النظر المسبقة مما يحق معه مخاصمتهم.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن الأصل في التشريع أن القاضي غير خاضع في نطاق عمله للمساءلة القانونية لأنه يستعمل في ذلك حقاً خوّله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه ولكن المشرع رأى أن يقرر مسئوليته على سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها وحصرها في نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها في المادة 494 من قانون المرافعات وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفد الجهد في الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين بها قضائه ويبطل أثره. وهذا كله يجد حده الطبيعي في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجوار والانحراف في القصد. لما كان ذلك، وكان الشارع قد عدّ من أسباب المخاصمة الغش والتدليس ويقصد به انحراف القاضي في عمله عما يقتضيه واجب القانون قاصداًً هذا الانحراف إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقا لمصلحة خاصة للقاضي، وكان لمحكمة المخاصمة السلطة التامة في تقدير جسامة الخطأ واستظهار قصد الانحراف طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله، وكانت هذه المحكمة قد استعرضت في الرد على السبب الأول من سببيّ المخاصمة أوجه المخاصمة وأدلتها وانتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى أن ما نسبه المخاصم فيها إلى المخاصمين لا يعتبر خطأً مهنياً جسيماً ولا ينهض دليلاً على توافر إحدى حالات المخاصمة، وكان ما ينعاه المخاصم على المخاصمين إغفالهم في قضائهم الترتيب الذي أورده في طعنه واستخدم ألفاظاً غير التي استخدمها وضم طلب وقف التنفيذ إلى الموضوع بالمخالفة لنص المادة 251 من القانون سالف الذكر بما يتوافر به سوء النية وقصد النكاية بالمخاصم غير صحيح، ذلك أن العبرة في تكييف الدعوى وإنزال الوصف الصحيح في القانون على وقائعها بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها وليس بالألفاظ التي تصاغ فيها هذه الطلبات وأن مؤدى نص المادة 178 من قانون المرافعات المعدل بالقانون رقم 13 لسنة 1973 مؤداه أن الغاية الأساسية من تسبيب الحكم هي توفير الرقابة على عمل القاضي والتحقق من حسن استيعابه لوقائع النزاع ودفاع طرفيه والوقوف على أسباب قضاءه المحكمة فيه وأن لمحكمة النقض أن تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها غير مقيدة في ذلك بالترتيب الوارد في صحيفة طعن المخاصم أو الألفاظ التي يصيغ بها عباراته؛ لما كان ذلك، وكان وقف التنفيذ طبقاً للمادة 251 من قانون المرافعات أمر جوازياً لمحكمة النقض ولا وجه لإلزامها بالفصل في طلبه استقلالاً عن الموضوع وكانت الأوراق قد خلت من دليل أو مما يستظهر منه توافر الانحراف عن العدالة عن قصد وبسوء نية إيثاراً لأحد الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقاً لمصلحة خاصة للمخاصمين فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين القضاء بعدم جواز المخاصمة وبتغريم المخاصم ألف جنيه عملاً بنص المادة 499 من القانون المذكور.
وحيث إنه عن التعويض المؤقت بناء على طلب المخاصمين فإن النص في المادة 499 من قانون المرافعات على أنه "إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وبمصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان له وجه" يدل على أن طلب التعويض عن دعوى المخاصمة لدى محكمة المخاصمة يخضع للقاعدة العامة التي استنها المشرع لمساءلة من انحراف عن استعمال حق التقاضي؛ لما كان ذلك، وكان الثابت من تقرير المخاصمة أن المخاصم وهو يباشر حقه في المخاصمة قد انحرف عن السلوك المألوف للشخص العادي وحاد بهذا الحق عما وضع له بما رمى به المخاصمين بسوء نية وقصد النكاية وجسامة الخطأ مقترناً بسوء القصد وبأن أسباب الحكم سطرت للدفاع عن هذه النية وذلك الحكم المبيتين ضد المخاصم منذ البداية بما يتوافر به الخطأ التقصيري في حقه وإذ ترتب على هذا الخطأ ضرر أدبي لحق المتخاصمين يتمثل في الألم النفسي الذي أصابهم من جراء هذه الأمور التي نسبها إليهم المخاصم وهي أمور تجافي الحقيقة وتمس اعتبارهم وتنال من حيدتهم ومكانتهم في القضاء، فإنه يتعين القضاء لهم بالتعويض المطلوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق