الصفحات

السبت، 2 أغسطس 2014

الطعنان 4345 و 4590 لسنة 69 ق جلسة 11 / 4 / 2001 مكتب فني 52 ج 1 ق 107 ص 510

جلسة 11 من إبريل سنة 2001

برئاسة السيد المستشار/ شكري العميري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد الرحمن فكري، محسن فضلي، د. طه عبد المولى نواب رئيس المحكمة وعبد العزيز فرحات.

--------------

(107)
الطعنان رقما 4345، 4590 لسنة 69 القضائية

 (4 - 1)تأمين. التزام "الاشتراط لمصلحة الغير". هبة "الرجوع في الهبة". عقد "فسخ العقد". نقض "سلطة محكمة النقض".
(1)
جعل المؤمن له قيمة التأمين لشخص آخر. اعتباره اشتراطاً لمصلحة الغير. قبول المنتفع له. أثره. عدم جواز نقض المشترط للمشارطة. الاستثناء. حقه في نقضها حتى بعد أن يقبلها المنتفع. مناطه. أن يكون الاشتراط تبرعاً منه للمنتفع وأن يرتكن في نقضه لعذر مقبول. علة ذلك. اعتبار الاشتراط في هذه الحالة هبة تسري عليه أحكامها الموضوعية. ليس لنقض الاشتراط شكل مخصوص. جواز وقوعه صراحة أو ضمناً.
 (2)
الرجوع في الهبة في حالة عدم قبول الموهوب له. شرطه. استناد الواهب في رجوعه إلى عذر يقبله القاضي وعدم وجود مانع من موانع الرجوع. م 500 مدني. القضاء بالرجوع فيها في هذه الحالة. اعتباره فسخاً قضائياً لها يرتب ما للأخير من آثار. مؤداه. لطالب التأمين لمصلحة غيره تبرعاً الحق في استرداد قيمة الأقساط التي أداها للمؤمن بحسبان هذا التأمين هبة.
 (3)
لمحكمة النقض سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتكييفه على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها. عدم تقيدها بتكييف الخصوم أو محكمة الموضوع له.
 (4)
إبرام الشركة المطعون ضدها الثانية لصالح الطاعن وثيقة تأمين بقسط وحيد سددته تبرعاً منها. أثره. اعتبار اشتراطها لصالحه هبة تسري عليه أحكامها الموضوعية. إنذار الشركة المؤمن عليها لها المؤمن بالامتناع عن صرف مبلغ التأمين إلى المستفيد. مؤداه. نقضها المشارطة والرجوع في الهبة. تقديمها أمام محكمة الموضوع أسباباً مقبولة لرجوعها. انتهاء الحكم المطعون فيه إلى أحقيتها في استرداد قيمة قسط التأمين استناداً لهذه الأسباب. اعتباره فسخاً قضائياً للهبة وترتيباً لأثر هذا الفسخ برد الموهوب للواهب
.
(5)
حكم "ما لا يعيب تسبيب الحكم: التقريرات القانونية الخاطئة". نقض "سلطة محكمة النقض".
انتهاء الحكم إلى النتيجة الصحيحة وإن حملها على غير تكييفها الصحيح. تعييبه فيما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة. غير منتج. لمحكمة النقض تصحيح ما شابها من خطأ دون أن تنقضه.
(6)
حكم "ما لا يعد قصوراً". دعوى "الدفاع في الدعوى".
دفاع لا يستند إلى أساس قانوني صحيح. التفات الحكم عنه. لا قصور.
 (7)
نقض "أسباب الطعن". دعوى "الدفاع في الدعوى". تعويض.
النعي على الحكم المطعون فيه بدفاع لا صفة للطاعن فيه. غير مقبول. مؤداه. قضاؤه بإلزام المطعون ضدها الأولى وحدها بالتعويض. أثره. ليس للطاعن صفة أو مصلحة في النعي عليه بقالة عدم تحديده عناصر التعويض.
 (8)
دعوى "مصروفات الدعوى". استئناف. حكم "عيوب التدليل: ما لا يعد خطأ".
خاسر الدعوى. هو من رفعها أو دفعها بغير حق. كفاية خسارة الخصم للدعوى للحكم عليه بالمصاريف دون إبداء أي سبب آخر. مؤداه. قضاء المحكمة الاستئنافية بإلزام الطاعن بالمصروفات عن الدرجتين باعتباره خاسراً دعواه. لا خطأ.
 (9)
حكم "عيوب التدليل: التناقض: ما لا يعد كذلك".
التناقض المبطل للحكم. ماهيته. صدور الحكم الاستئنافي على خلاف الحكم الابتدائي مقيماً قضاءه على ما يحمله. عدم اعتباره من قبيل التناقض في أسباب الحكم الواحد. علة ذلك.
 (10)
تعويض. مسئولية. محكمة الموضوع. نقض.
تكييف الفعل بأنه خطأ من عدمه. خضوع قضاء محكمة الموضوع فيه لرقابة محكمة النقض.
 (11)
تأمين "عقد التأمين". عقد.
عقد التأمين. التزام المؤمن بمقتضاه بأداء مبلغ من المال إلى المؤمن له أو المستفيد نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.
 (12)
تأمين. تعويض. مسئولية. حكم "عيوب التدليل: الفساد في الاستدلال، الخطأ في تطبيق القانون: ما يعد كذلك".
قبول شركة التأمين الطاعنة مبلغ من المال من الشركة المطعون ضدها الثانية كقسط وحيد لوثيقة تأمين أبرمتها الأخيرة لصالح المطعون ضده الأول. عدم اعتباره خطأ يرتب مسئوليتها عن التعويض. قضاء الحكم المطعون فيه بإلزامها بالتعويض بقالة إنه نظير اقتطاع قسط التأمين من ميزانية الشركة المؤمن لها. خطأ وفساد في الاستدلال.

---------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه إذا جعل شخص من شخص آخر مستحقاً لقيمة التأمين الذي تعاقد عليه مع شركة التأمين، فهذا اشتراط لمصلحة الغير، اشترطه المؤمن له على الشركة لمصلحة المستحق، ولئن كان يجوز للمشترط نقض المشارطة ما لم يصبح حق المنتفع لازماً غير قابل للنقض بمجرد إقراره بقبول الاشتراط، إلا أنه متى كان الاشتراط تبرعاً من المشترط للمنتفع، فيظل له حق نقض المشارطة حتى بعد أن يقبلها المنتفع، طالما ركن في نقضه لعذر مقبول، بحسبان أن الاشتراط في هذه الحالة يكون هبة، ونقضه رجوع في الهبة تسري عليه أحكامها الموضوعية، وفقاً للقواعد العامة، وليس للنقض شكل مخصوص، فيقع صريحاً، كما يقع ضمنياً.
2 - يشترط للرجوع في الهبة - على ما نصت عليه المادة (500) من القانون المدني - في حالة عدم قبول الموهوب له - أن يستند الواهب في رجوعه إلى عذر يقبله القاضي، وألا يوجد مانع من موانع الرجوع، ومن ثم يكون الرجوع في الهبة لعذر لا يعدو - إذا ما قضى به - أن يكون فسخاً قضائياً للهبة يرتب ما يرتبه الفسخ من آثار، ومن أخصها أن يكون لطالب التأمين لمصلحة غيره - تبرعاً - حق استرداد الموهوب، وهو قيمة الأقساط التي أداها للمؤمن.
3 - لمحكمة النقض أن تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات، ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها، غير متقيدة في ذلك بتكييف الخصوم أو محكمة الموضوع له.
4 - إذ كان الثابت بالأوراق أن شركة فيستيا قد أبرمت لصالح الطاعن - رئيس مجلس إدارتها آنذاك - وثيقة تأمين بقسط وحيد مقداره مائتا ألف جنيه، قامت بسداده تبرعاً منها، بما يكون اشتراطها لصالحه هبة تسري عليه أحكامها الموضوعية لصالحه - ولا يغير من هذا قول الطاعن إنها أبرمت حقاً له على حسن الأداء وبدلاً عن ميزة التأمين الاجتماعي - فهذا - إن صح - يعد من قبيل الباعث لا العوض المانع من الرجوع في الهبة - وكانت الشركة المطعون ضدها الثانية - المؤمن لها - قد أنذرت شركة مصر للتأمين - المؤمنة - بالامتناع عن صرف مبلغ التأمين إلى المستفيد بما يفيد نقضها المشارطة ورجوعها في الهبة، وقدمت بين يدي محكمة الموضوع أسباب رجوعها وهي مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات لقرار جمعيتها العمومية بسداد قسط التأمين من مال الشركة وإفتاء إدارة الفتوى بمجلس الدولة بعدم مشروعيته لمخالفته القانون 159 لسنة 1981 ونظامها الأساسي، وأن الطاعن قد استغل نفوذه الوظيفي في استصداره، فإن الحكم المطعون فيه إذا انتهى إلى أحقيتها في استرداد قيمة قسط التأمين مقداراً أن القرار المشار إليه قد جانب الصواب أخذاً بما أبدته الشركة المؤمن لها من أسباب، فإن قضاءه يكون - في حقيقته - فسخاً قضائياً للهبة للرجوع فيها من قبل الواهب لعذر مقبول، وترتيباً لأثر هذا الفسخ برد الموهوب للواهب.
5 - إذ خلص الحكم المطعون فيه إلى نتيجة صحيحة - وإن حملها على غير تكييفها الصحيح - فإن تعييبه فيما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة، يكون غير منتج، إذ لمحكمة النقض تصحيح ما شاب تلك الأسباب من خطأ دون أن تنقضه.
6 - إذ كان النعي لا يستند إلى أساس قانوني صحيح، فلا على الحكم المطعون فيه إن لم يعرض للدفاع الذي تضمنه، التفاتاً عنه، ولا يعد ذلك قصوراً مبطلاً له.
7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه لا يقبل النعي على الحكم بدفاع لا صفة للطاعن فيه، ولا مصلحة له في إبدائه، وكان الحكم المطعون فيه قد ألزم المطعون ضدها الأولى - دون الطاعن - بأداء التعويض المقضى به، فإنه لا يكون للطاعن صفة أو مصلحة في النعي على الحكم في هذا الخصوص.
8 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن خاسر الدعوى هو من رفعها أو دفعها بغير حق، وأنه تكفي خسارة الخصم للدعوى سبباً للحكم عليه بالمصاريف بغير حاجة لإبداء أي سبب آخر، ويعتبر الخصم قد خسر الدعوى إذا كان مدعياً وقضى برفض طلباته، أو مدعى عليه وقضى عليه بطلبات المدعي، وكان الطاعن قد خسر دعواه أمام محكمة الاستئناف ونازع المطعون ضدهما في طلباتهما، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزامه بمصروفات الاستئنافات الثلاثة عن الدرجتين، باعتباره خاسراً دعواه فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون النعي عليه على غير أساس.
9 - التناقض الذي يبطل الحكم ويؤدي إلى نقضه هو التناقض الذي يقع في الأسباب بحيث لا يتأتى معه فهم الأساس الذي أقيم عليه الحكم، أو ما يكون واقعاً بين الأسباب والمنطوق، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى على خلاف قضاء الحكم الابتدائي مقيماً قضاءه على ما يحمله، فإن هذا لا يعد من قبيل التناقض في أسباب الحكم الواحد وإنما هو إهدار لأسباب الحكم الابتدائي وإلغاء له. بما يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالتناقض والقصور على غير أساس.
10 - تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض.
11 - المقرر أن التأمين - طبقاً للمادة 747 من القانون المدني - عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال... نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.
12 - إذ كان قبول شركة التأمين الطاعنة لمبلغ مائتي ألف جنيه من المطعون ضدها الثانية، كقسط وحيد لوثيقة تأمين أبرمتها الأخيرة لصالح المطعون ضده الأول - الطاعن في الطعن الأول - لا يمثل خطأ في جانبها يرتب مسئوليتها عن التعويض، ولا يعدو كونه تنفيذاً لشروط العقد، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر، وقضى بإلزامها بالتعويض على قول إنه نظير اقتطاع قسط التأمين من ميزانية الشركة المؤمن لها، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعنين - تتحصل في أن الطاعن في الطعن رقم 4345 لسنة 69 ق، أقام على المطعون ضدها الأولى - شركة مصر للتأمين - الدعوى رقم.... لسنة.... مدني جنوب القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليه مبلغ وقدره ثلاثمائة وستة وسبعون ألف وسبعمائة وعشرة جنيهات مع فوائده القانونية من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد، وقال بياناً لذلك إنه إبان عمله رئيساً لمجلس إدارة شركة فيستيا قررت جمعيتها العمومية بتاريخ 1/ 4/ 1992 عمل وثيقة تأمين لصالحه لدى شركة مصر للتأمين بمبلغ مائتي ألف جنيه تتحمل عنه سداد قسطها، وتستحق حين وفاته أو إنهاء خدمته، وقد أنهيت خدمته في 1/ 1/ 1997، وتقدم إلى الشركة المؤمنة بطلب صرف مبلغ التأمين، فامتنعت رغم تحقق شروط استحقاقه، ومن ثم أقام الدعوى للحكم بالطلبات سالفة البيان. تدخلت المطعون ضدها الثانية - شركة فيستيا - هجومياً في الدعوى بطلب الحكم برفضها، وبإلزام المطعون ضدها الأولى أن تؤدي إليها قيمة الوثيقة ومائة ألف جنيه تعويضاً، وقالت بياناً لذلك إن قرار الجمعية العمومية بتحمل الشركة قيمة قسط التأمين وقدره مائتا ألف جنيه، باطل لمخالفته القانون 159/ 1981 في شأن الشركات المساهمة وهو ما انتهت إليه فتوى إدارة الفتوى بمجلس الدولة، كما اعترض عليه الجهاز المركزي للمحاسبات، بما أنذرت معه الشركة المؤمنة بعدم صرف مبلغ التأمين إلى الطاعن، وأقامت دعواها. بتاريخ 31/ 3/ 1999 حكمت المحكمة بقبول تدخل المطعون ضدها الثانية شكلاً وبرفضه موضوعاً، وبإلزام المطعون ضدها الأولى بأداء المبلغ المطالب به إلى الطاعن وإلزامها بالمناسب من المصروفات، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنفت المطعون ضدها الثانية هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 6815 لسنة 116 ق. القاهرة طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها، كما استأنفته المطعون ضدها الثانية لدى ذات المحكمة بالاستئناف 7646 لسنة 116 ق بطلب إلغائه فيما قضى به من إلزامها بالمصروفات، وكذلك استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 7785 لسنة 116 ق طالباً تعديله إلى القضاء له بالفوائد، مع تأييده فيما عدا ذلك. وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئنافات الثلاثة، حكمت بتاريخ 11/ 8/ 1999 في الاستئناف الأول بإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدي إلى المطعون ضدها الثانية ثلاثمائة ألف جنيه، وفي الاستئنافين الآخرين برفضهما. طعن الطاعن...... في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 4345 لسنة 69 ق، كما طعنت فيه شركة مصر للتأمين بالطعن رقم 4590 لسنة 69 ق. قدمت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأي بنقض الحكم المطعون فيه بالطعن الأول، وبنقضه - جزئياً - في الطعن الثاني.
وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة. حددت جلسة لنظرهما، وفيها قررت ضمهما، والتزمت النيابة رأيها.
أولاً - عن الطعن رقم 4345 لسنة 69 ق:
حيث إن هذا الطعن أقيم على تسعة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب من الأول إلى السادس والوجه الأول من السبب السابع منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيانها يقول إن الحكم أقام قضاءه على سند من أن الحكم الابتدائي أخطأ حين عول على حكم المادة 750 من القانون المدني، وأن إبرام الوثيقة قد تمخض لصالح الطاعن ولم يعد بنفع على الشركة التي تحملت قسط التأمين من ميزانيتها بالمخالفة للقوانين واللوائح ونظامها الأساسي والتي تحظر جميعها أن يتجاوز قسط التأمين الحد الأقصى لما حصَّل الطاعن من مكافآت، وأنه رغم مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات فقد استغل الطاعن نفوذه في الشركة للتربح من مالها بغير حق، وهذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه معيب، ذلك أنه لم يفصح عن ماهية القوانين واللوائح التي عاب على الجمعية العمومية لشركة فيستيا مخالفتها، كما لم يبين ماهية النص القانوني الذي ارتكن هو إليه، ولم يستقص الحد الأقصى من المكافآت التي حصل عليها الطاعن وقرر الحكم بمجاوزة قسط التأمين له، وهو ما يجهل بالأساس الذي بني عليه، ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيقه للقانون، وقد فات الحكم حقيقة أن القرار المذكور قد صدر صحيحاً ملزماً للشركة بقوة القانون، وقد تغيت به أن يكون حافزاً للطاعن على استمرار حسن أدائه، وبديلاً له عن حصتها في التأمينات الاجتماعية التي لم يستفد منها وأنه - على فرض مخالفته للقانون والنظام الأساسي للشركة - فإنه متى كان لا يشكل جناية أو جنحة عمدية، فلا تبطل به وثيقة التأمين عملاً بالمادة 750 من القانون المدني، كما أن الوثيقة قد أضحت غير قابلة للنقض إذ استبق الطاعن - وهو المنتفع بها - إعلان الشركة المؤمنة برغبته في الاستفادة منها، عملاً بالمادة 155/ 1 من القانون المدني، هذا إلى أن قرار الجمعية العمومية بإبرام الوثيقة قد تحصن من الإلغاء بعدم الطعن عليه في الميعاد عملاً بالمادة 76 من القانون رقم 159 لسنة 1981، وهو ما يرتب جميعه أحقية الطاعن في اقتضاء مبلغ التأمين، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، واعتد بمناقضته الجهاز المركزي للمحاسبات وفتوى مجلس الدولة رغم حجيتهما، وتصدى لمشروعية سداد قسط التأمين - وهو أمر غير مطروح في الدعوى - بينما لم يتصد لصحة عقد التأمين وأحقية الطاعن في قيمة الوثيقة، والتي قضى بردها دون أن يفسخ العقد، وأغفل دفاع الطاعن بشأن كل ما سلف، إذ لم يرد عليه بما يقتضيه، فإنه يكون معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا جعل شخص من شخص آخر مستحقاً لقيمة التأمين الذي تعاقد عليه مع شركة التأمين، فهذا اشتراط لمصلحة الغير، اشترطه المؤمن له على الشركة لمصلحة المستحق، ولئن كان يجوز للمشترط نقض المشارطة ما لم يصبح حق المنتفع لازماً غير قابل للنقض بمجرد إقراره بقبول الاشتراط، إلا أنه متى كان الاشتراط تبرعاً من المشترط للمنتفع، فيظل له حق نقض المشارطة حتى بعد أن يقبلها المنتفع، طالما ركن في نقضه لعذر مقبول، بحسبان أن الاشتراط في هذه الحالة يكون هبة، ونقضه رجوعاً في الهبة تسري عليه أحكامها الموضوعية، وفقاً للقواعد العامة، وليس للنقض شكل مخصوص، فيقع صريحاً، كما يقع ضمنياً، وكان يشترط للرجوع في الهبة - على ما نصت عليه المادة (500) من القانون المدني - في حالة عدم قبول الموهوب له - أن يستند الواهب في رجوعه إلى عذر يقبله القاضي، وألا يوجد مانع من موانع الرجوع، ومن ثم يكون الرجوع في الهبة لعذر لا يعدو - إذا ما قضى به - أن يكون فسخاً قضائياً للهبة يرتب ما يرتبه الفسخ من آثار، ومن أخصها أن يكون لطالب التأمين لمصلحة غيره - تبرعاً - حق استرداد الموهوب، وهو قيمة الأقساط التي أداها للمؤمن. لما كان ذلك، وكان لمحكمة النقض أن تحصل فهم الواقع في الدعوى من الأوراق والمستندات، ثم تكيف هذا الواقع على مقتضى القاعدة القانونية التي أخذت بها، غير متقيدة في ذلك بتكييف الخصوم أو محكمة الموضوع له، وكان الثابت بالأوراق أن شركة فيستيا قد أبرمت لصالح الطاعن - رئيس مجلس إدارتها آنذاك - وثيقة تأمين بقسط وحيد مقداره مائتا ألف جنيه، قامت بسداده تبرعاً منها، بما يكون اشتراطها لصالحه هبة تسري عليه أحكامها الموضوعية - ولا يغير من هذا قول الطاعن إنها أبرمت حقاً له على حسن الأداء وبدلاً عن ميزة التأمين الاجتماعي - فهذا - إن صح - يعد من قبيل الباعث لا العوض المانع من الرجوع في الهبة - وكانت الشركة المطعون ضدها الثانية - المؤمن لها - قد أنذرت شركة مصر للتأمين - المؤمنة - بالامتناع عن صرف مبلغ التأمين إلى المستفيد بما يفيد نقضها المشارطة ورجوعها في الهبة، وقدمت بين يدي محكمة الموضوع أسباب رجوعها وهي مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات لقرار جمعيتها العمومية بسداد قسط التأمين من مال الشركة وإفتاء إدارة الفتوى بمجلس الدولة بعدم مشروعيته لمخالفته القانون 159 لسنة 1981 ونظامها الأساسي، وأن الطاعن قد استغل نفوذه الوظيفي في استصداره، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أحقيتها في استرداد قيمة قسط التأمين مقداراً أن القرار المشار إليه قد جانب الصواب أخذاً بما أبدته الشركة المؤمن لها من أسباب، فإن قضاءه يكون - في حقيقته - فسخاً قضائياً للهبة للرجوع فيها من قبل الواهب لعذر مقبول، وترتيباً لأثر هذا الفسخ برد الموهوب للواهب، وإذ خلص الحكم - في هذا الخصوص - إلى نتيجة صحيحة - وإن حملها على غير تكييفها الصحيح - فإن تعييبه فيما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة، يكون غير منتج، إذ لمحكمة النقض تصحيح ما شاب تلك الأسباب من خطأ دون أن تنقضه، وكان النعي على النحو المتقدم لا يستند إلى أساس قانوني صحيح، فلا على الحكم المطعون فيه إن لم يعرض للدفاع الذي تضمنه، التفاتاً عنه، ولا يعد ذلك قصوراً مبطلاً له.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب السابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ لم يحدد عناصر التعويض المادي الذي قضى به، وماهية الأضرار التي لحقت بالشركة المطعون ضدها الثانية المقضي لها بالتعويض.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، لما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لا يقبل النعي على الحكم بدفاع لا صفة للطاعن فيه، ولا مصلحة له في إبدائه، وكان الحكم المطعون فيه قد ألزم المطعون ضدها الأولى - دون الطاعن - بأداء التعويض المقضى به، فإنه لا يكون للطاعن صفة أو مصلحة في النعي على الحكم في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثامن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه ألزمه بمصروفات الاستئنافات الثلاثة، رغم أنه لم يقض عليه بشيء قبل المطعون ضدهما، بما يعيبه، ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن خاسر الدعوى هو من رفعها أو دفعها بغير حق، وأنه تكفي خسارة الخصم للدعوى سبباً للحكم عليه بالمصاريف بغير حاجة لإبداء أي سبب آخر، ويعتبر الخصم قد خسر الدعوى إذا كان مدعياً وقضى برفض طلباته، أو مدعياً عليه وقضى عليه بطلبات المدعي، وكان الطاعن قد خسر دعواه أمام محكمة الاستئناف ونازع المطعون ضدهما في طلباتهما، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزامه بمصروفات الاستئنافات الثلاثة عن الدرجتين، باعتباره خاسراً دعواه فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويكون النعي عليه على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب التاسع على الحكم المطعون فيه التناقض والقصور في التسبيب، ذلك أنه لم يعرض في منطوقه أو أسبابه للحكم الابتدائي القاضي بإلزام المطعون ضدها الأولى أن تؤدي إليه مبلغ التأمين، ولم يقض برفض دعواه، بما يكون الحكم الابتدائي لا زال قائماً، غير أن الحكم المطعون فيه قضى رغم ذلك بإلزام المطعون ضدها الأولى أن ترد قسط التأمين للمطعون ضدها الثانية، وهو تناقض يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التناقض الذي يبطل الحكم ويؤدي إلى نقضه هو التناقض الذي يقع في الأسباب بحيث لا يتأتى معه فهم الأساس الذي أقيم عليه الحكم، أو ما يكون واقعاً بين الأسباب والمنطوق، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى على خلاف قضاء الحكم الابتدائي مقيماً قضاءه على ما يحمله، فإن هذا لا يعد من قبيل التناقض في أسباب الحكم الواحد وإنما هو إهدار لأسباب الحكم الابتدائي وإلغاء له. بما يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالتناقض والقصور على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ثانياً - عن الطعن رقم 4590 لسنة 69 ق:
وحيث إنه مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه قضى في الاستئناف رقم 6815/ 116 ق القاهرة بإلزامها بالتعويض عن الضرر المادي الذي لحق بالمطعون ضدها من جراء اقتطاع مائتي ألف جنيه من ميزانيتها، رغم أن هذا المبلغ يمثل قسط التأمين، وهو حق للطاعنة بموجب العقد، بما ينفي الخطأ في جانبها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، وكان من المقرر أن التأمين - طبقاً للمادة 747 من القانون المدني - عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال.... نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن، وكان قبول الطاعنة لمبلغ مائتي ألف جنيه من المطعون ضدها الثانية، كقسط وحيد لوثيقة تأمين أبرمتها الأخيرة لصالح المطعون ضده الأول - الطاعن في الطعن الأول - لا يمثل خطأ في جانبها يرتب مسئوليتها عن التعويض، ولا يعدو كونه تنفيذاً لشروط العقد، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر، وقضى بإلزامها بالتعويض على قول إنه نظير اقتطاع قسط التأمين من ميزانية الشركة المؤمن لها، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، بما يوجب نقضه - جزئياً - في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه - ولما تقدم - يتعين القضاء في الاستئناف رقم 6815/ 116 ق برفض طلب الشركة المستأنفة إلزام المستأنف عليها الثانية التعويض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق