جلسة 4 ديسمبر سنة 2004
برئاسة
السيد المستشار / إبراهيم
عبد المطلب نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين / عاطف
عبد السميع ، وجيه أديب وحمدي أبو الخير نواب رئيس المحكمة ورفعت طلبة .
----------
(118)
الطعن 24012 لسنة 74 ق
(1) إثبات " شهود ". اتفاق . اشتراك . فاعل أصلي . مسئولية
جنائية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . ضرب " ضرب أفضي إلي
موت ". محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوي
" .
كفاية تقابل
إرادة المساهمين في الجريمة للقول بتوافر الاتفاق علي ارتكابها . مضي وقت معين .
غير لازم .
متي يعتبر
الجاني فاعلاً أصلياً في جريمة ضرب أفضي إلي الموت؟
استخلاص
المحكمة من ظروف الدعوي وملابساتها ثبوت الاتفاق بين المتهمين بما يسوغ الاعتقاد
بوقوعه . كفايته . النعي علي ذلك لا يقدح في سلامة الحكم .
حق محكمة الموضوع في استخلاص الحقائق القانونية من كل دليل يقدم إليها .
شرطه ؟
استخلاص
الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود التي لا ينازع الطاعنون فيها اتفاقهم علي ضرب
المجني عليه . الجدل في ذلك. موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(2) حكم " بيانات التسبيب " " ما
لا يعيبه في نطاق التدليل " .
البيان
المعول عليه في الحكم . ماهيته ؟
تزيد الحكم
فيما لا أثر له في منطقه أو النتيجة التي خلص إليها . لا يعيبه .
(3) ضرب " ضرب أفضي إلي موت
". رابطة السببية . مسئولية جنائية .
مسئولية
المتهم في جريمة الضرب وإحداث الجرح عمداً . عن جميع النتائج المألوفة لفعله . ولو
كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم تكن وليدة تعمد
من جانب المجني عليه .
مرض المجني عليهم . من الأمور
الثانوية التي لا تقطع رابطة السببية.
رابطة
السببية في جريمة الضرب المفضي إلي الموت . الفصل فيها . موضوعي .
(4) ضرب " ضرب أفضي إلي موت
". إثبات " بوجه عام " . دفاع
" الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
عدم التزام
المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي . شرط ذلك ؟
عدم التزام
المحكمة بالرد صراحة علي الدفاع الموضوعي . مادام ذلك يستفاد من أدلة الثبوت التي عولت عليها .
مثال لتسبيب
سائغ في جريمة ضرب أفضي إلي موت .
(5) عقوبة " العقوبة المبررة
" . ضرب " ضرب أفضي إلي موت " " ضرب بسيط " . ظروف مخففة
. وصف التهمة .
عدم جدوي النعي علي الحكم في شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضي إلي الموت .
اعتباراً بأن القدر المتيقن في حق المتهم هو جنحة الضرب البسيط . ما دامت العقوبة
المقضي بها تدخل في نطاق عقوبة جنحة الضرب بأداة المنطبق عليها نص الفقرة الأخيرة
من المادة 242 من قانون العقوبات .
تقدير ظروف الرأفة . العبرة فيه . بذات الواقعة والظروف التي حدثت فيها .
لا بالوصف المسبغ
عليها .
(6) ضرب " ضرب أفضي إلي موت
". محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة
الدعوي" . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
النعي بأن
الواقعة مجرد جنحة قتل خطأ . منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة
وجدلاً موضوعياً في سلطتها في استخلاص صورة الواقعة . غير جائز.
(7) ضرب " ضرب أفضي إلي موت
". قصد جنائي .
القصد
الجنائي في جريمة إحداث الجرح عمداً . قوامه : ارتكاب الفعل عن علم وإرادة . كفاية
أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوي . كما أوردها الحكم .
(8) حكم " تسبيبه . تسبيب غير
معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
إثبات الحكم
بمدوناته مؤدي شهادة الطبيب الشرعي أن وفاة المجني عليه جائز حصولها وفق ما أشار
إليه تقرير طبيبة الاستقبال وأقوال شهود الإثبات . النعي عليه بخلاف الثابت
بالأوراق . غير مقبول .
(9) إثبات " خبرة " .
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق
الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير القوة
التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات . موضوعي .
عدم التزام محكمة الموضوع باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين
لمناقشته . ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر حاجه لاتخاذ هذا الإجراء . أو
أنه غير منتج .
استناد
المحكمة إلي تقرير الخبير بما لا يجافي المنطق والقانون . المجادلة في ذلك . غير
مقبولة .
(10) إثبات " بوجه عام "
" شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل ". ضرب
" ضرب أفضي إلي موت ".
حق محكمة
الموضوع في التعويل علي تقرير طبي يتسق وشهادة شهود الإثبات في تقرير شهادتهم
واطراح تقرير آخر لا يتفق معها .
التقارير
الطبية لا تدل بذاتها علي نسبة إحداث الإصابات إلي المتهمين . جواز الاستناد إليها
كدليل مؤيد لأقوال الشهود .
لمحكمة
الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير .
(11) إثبات " بوجه عام "
" شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم
" تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل
منها " .
وزن أقوال
الشهود و تقديرها . موضوعي .
مفاد أخذ
المحكمة بأقوال الشهود ؟
عدم التزام
الحكم بأن يورد من أقوال الشهود إلا ما يقيم عليه قضاءه .
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة . حسبها أن تورد منها ما
تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها التعويل علي أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل
الدعوى متي أطمأنت إليها .
تناقض الشهود
وتضاربهم في أقوالهم . لا يعيب الحكم . مادام استخلاصه سائغاً .
تساند الأدلة
في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل
الموضوعي في تقدير الأدلة أمام محكمة النقض . غير مقبول .
(12) أمر بألا وجه " حجيته " . إجراءات " إجراءات التحقيق "
. دعوي جنائية " قيود تحريكها ". قوة الأمر المقضي . دفوع " الدفع بعدم جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل
فيها " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
الأمر الصادر
من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوي الجنائية . له حجيته التي تمنع من
العودة إلي الدعوي الجنائية مادام قائماً لم يلغ . علة ذلك ؟
الدفع بعدم
جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل فيها . تعلقه بالنظام العام . جواز إثارته لأول مرة
أمام محكمة النقض . شرطه ؟
النعي علي
المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها . غير جائز.
(13) مسئولية جنائية .أسباب الإباحة وموانع العقاب " حالة الضرورة "
. حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
حالة الضرورة
التي تسقط المسئولية . هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلي الجريمة وقاية لنفسه أو
غيره من خطر جسيم علي النفس وشيك الوقوع . وجوب أن تكون الجريمة هي الوسيلة
الوحيدة لدفع ذلك الخطر .
مثال لتسبيب
سائغ في إطراح دفاع الطاعنين بأنهم كانوا مكرهين علي تنفيذ أوامر رؤسائهم وارتكاب
الواقعة .
(14) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب
الطعن . ما لا يقبل منها ".
الجدل
الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال .
-----------------------
1 - من المقرر أن الاتفاق على
ارتكاب الجريمة لا يقتضى في الواقع أكثر من تقابل إرادة المساهمين ولا يشترط
لتوفره مضى وقت معين ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها
مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين هو الغاية النهائية من
الجريمة أي أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً
بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة وكان من المقرر أن
الجاني يسأل بصفته فاعلاً فى جريمة الضرب المفضي إلى الموت إذا كان هو الذى أحدث
الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في ذلك أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب
المجنى عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم
يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو
الذي أحدثها وكان ما أورده الحكم بمدوناته لدى بيانه لواقعة الدعوى وفي مقام
التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على
الضرب من معيتهم في الزمان والمكان وقوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد
واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها وقارف
أفعالاً من الأفعال المكونة لها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ويصح من ثم
طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الضرب المفضي
إلى الموت ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث
الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف ولا يقدح في سلامة الحكم دعوى الطاعنين
باعتماد الحكم في إثبات الاتفاق على وقائع لا وجود لها بالأوراق ذلك بأنه يكفى أن
تستخلص المحكمة الاتفاق من ظروف الدعوى وملابساتها ما دام في وقائع الدعوى ما يسوغ
الاعتقاد بوقوعه ، وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها
أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى
كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وإذ استخلص
الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود التي لا ينازع الطاعنون في أنها ترتد إلى أصل
صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقاً قد تم بين
الطاعنين على ضرب المجني عليه فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون من قبيل
الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها
من محكمة النقض .
2 – من المقرر
أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه تزيده فيما استطرد إليه حينما أورد عبارة " من
قيام فكرة الإجرام عند كل من المتهمين وتواردت خواطرهم على الإجرام واتجه خاطر كل
منهم اتجاهاً ذاتياً إلى ما اتجه إليه خواطر سائر أهل فريقه " . ذلك أنه من
المقرر أن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضي
دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد
إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها وأنه
لم يورده إلا بعد أن كان قد وخلص في منطق سائغ إلى التدليل على اتفاق الطاعنين على
ضرب المجنى عليه ويصح اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الضرب المفضي إلى الموت
ويرتب بينهم فى صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية.
3 - لما كان الحكم قد حصل دفاع الطاعنين في شأن انقطاع
رابطة السببية بين فعلهم والنتيجة التي حدثت واطرحه بما يسوغه وكان الأصل أن
المتهم يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو
كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه متعمداً
ذلك لتجسيم المسئولية كما أن مرض المجنى عليه هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع
هذه الرابطة بين الفعل المسند إلى المتهم والنتيجة التي انتهى إليها أمر المجنى
عليه بسبب إصابته وأن قيام رابطة السببية بين الإصابات والوفاة في جريمة الضرب
المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية البحتة التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع ومتى
فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه
في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه كما هو الشأن في الدعوى المطروحة .
4 – من المقرر أن المحكمة تلتزم بمتابعة
المتهم في مناحي دفاعه المختلفة ما دامت قد أوردت في حكمها ما يدل على أنها واجهت
عناصر الدعوى وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأنها لا
تلتزم بالرد على الدفاع الموضوعي ردا صريحا بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفاداً من
أدلة الثبوت التي عولت عليها لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد
مؤدى أقوال شهود الإثبات زملاء المجنى عليه والطبيب الشرعي من أن وفاة المجنى عليه
كانت نتيجة مباشرة لأفعال الضرب والإيذاء التي مارسها الطاعنون تجاه المجنى عليه وأضاف
الطبيب الشرعي أنه لا يوجد فنياً ما ينفى حدوث الإصابات التي أشار إليها التقرير
الطبي الصادر عن طبيبة استقبال مستشفى ..... نتيجة تلك الأفعال وأنها إصابات ذات
طبيعة رضية احتكاكية يجوز حدوثها من أفعال الضرب بالأيدي والعصي الخشبية والركل كما
أن دفن المجني عليه في الرمال في درجات حرارة عالية والجري لفترات طويلة من شأنه
أن يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم بصورة شديدة مما يؤدي بدوره إلى تلف خلايا
المخ و تؤدي للوفاة كما أن تعرض المجني عليه للضرب
بمنطقة الرأس والعنق وركله من الخلف واصطدام رأسه بإطارات الكاوتشوك الموضوعة
أمامه من شأنه أن يؤدى إلى ارتجاج في المخ ينتهى بفشل المراكز العليا في المخ التي
تتحكم في التنفس والدورة الدموية مما يؤدي إلى توقفها ويؤدى بدوره للوفاة وأن موت
المجني عليه جائز الحدوث نتيجة أي من السببين المشار إليهما وذلك تمشياً مع شهادة
زملاء المجنى عليه والتي مفادها تعرض الأخير لأفعال الضرب والإيذاء من جانب
الطاعنين فإن في ذلك ما ينفى أي احتمال لتداخل عامل خارجي آخر في
إحداث الوفاة مثل مرض المجني عليه كما يدعي الطاعنين ويكفي بالتالي لحمل قضاء
الحكم بغير حاجة لتحقيق ذلك الدفاع إذ أن ما أورده الحكم على تلك الصورة قاطع
الدلالة على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى وألمت بها إلماماً تاماً ثم جاء قضاؤها
بالإدانة متضمناً اطراح ذلك الدفاع مما أوردته من أدلة الثبوت ولا ينال من ذلك أن
يكون تقرير الطبيب الشرعي قد خلا من بيان إصابات المجني عليه ما دام الحكم قد أفصح
عن اطمئنانه لأقوال الشهود التي أثبتت حصول اعتداء الطاعنين على المجني عليه
بالصورة التي رووها ولم ينف الطبيب الشرعي إمكان حدوثها على هذا النحو ومن ثم يضحى
كافة ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد غير قويم
5 – من المقرر أنه لا جدوى من
النعي على الحكم في شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضي إلى الموت في حق الطاعنين أو
قصور الحكم في استظهار الاتفاق والتدليل عليه باعتبار أن القدر المتيقن في حقهم هو
جنحة الضرب البسيط ما دامت العقوبة المقضي بها عليهم وهي الحبس لمدة سنتين مقررة
في القانون لجريمة الضرب بأداة المنطبق عليها نص الفقرة الأخيرة من المادة 242 من
قانون العقوبات ، ولا يغير من ذلك كون المحكمة قد عاملتهم بالمادة 17 من القانون
ذاته ذلك بأنها قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية بصرف النظر عن وصفها
القانوني ، ولو أنها قد رأت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها كانت تقتضي منها
النزول بالعقوبة إلى ما دون الحد الذى ارتأته لما منعها من ذلك الوصف الذى أسبغته
عليها .
6 - لما كان
ما أورده الحكم في مدوناته تتوافر به جناية الضرب المفضي إلى الموت كما هي معرفة
به في القانون وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة قتل خطأ لا يعدو أن يكون منازعة
في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع
في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب
ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير مقبول
7 – من المقرر أن
جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب
الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني
عليه أو صحته ويكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم
.
8 - لما كان البين
من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم ينسب إلى الطبيب الشرعي أقوالاً مما يثيره
الطاعن الأول بأسباب طعنه وإنما حصل شهادته بما مؤداه أن وفاة المجني عليه من
الجائز حدوثها من أفعال الاعتداء والإيذاء التي تعرض لها وفقاً لما أشار إليه
تقرير طبيبة استقبال مستشفى ..... وأقوال شهود الإثبات وذلك خلافا لما يدعيه فإن
رمى الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له وجه .
9 - من
المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير
المقدم إليها والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب
الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر
هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء وكان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في
الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا
يجافى المنطق والقانون فلا يجوز مجادلتها في ذلك .
10 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع - في حدود سلطتها
التقديرية - أن تعول على تقرير طبى يتسق مع شهادة شهود الإثبات في تقرير شهادتهم
وأن تطرح تقريراً آخر لا يتفق معها باعتبار كل ذلك من أدلة الدعوى وكان من المقرر
كذلك أن التقارير الطبية وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى
المتهمين إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود فى هذا الخصوص فلا يعيب الحكم
استناده إليها ومن ثم فإن مجادلة الطاعنين في أن المحكمة لم تأخذ بما تضمنه تقرير
مفتشة صحة ..... أو أنها عولت على تقرير طبيبة استقبال مستشفى ... في نسبة
إحداث إصابات المجنى عليه إليهم لا يكون له محل وفضلاً عن ذلك فإنه من المقرر أن
من حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت
ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه فى تقريره .
11 - من
المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء
على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى
محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه ، وهي متى
أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على
عدم الأخذ بها . وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا
ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه
أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ،
وإذ كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت
المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو
الحال في الطعن الراهن وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث
ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية
ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى
دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة
بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في
اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون
في شأن كل ما تقدم لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة
الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها التي لا يجوز مصادرتها فيها
لدى محكمة النقض
12 – من المقرر أن الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة
الدعوى الجنائية له حجيته التي تمنع العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائماً لم
يلغ فلا يجوز مع بقائه قائماً إقامة الدعوى الجنائية عن ذات الواقعة التي صدر فيها
الأمر لأن له في نطاق حجيته المؤقتة مما للأحكام من قوة الأمر المقضي وهو بهذه
المثابة دفع وإن كان متعلقا بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض
إلا أنه يشترط لقبوله أن تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو تكون عناصر الحكم
مؤدية إلى قبوله بغير تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق خارج عن وظيفة محكمة النقض وإذ
كان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعنين لم يثر أن سلطة
التحقيق قد سبق لها أن أصدرت أمراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في
الوقائع المشار إليها بأسباب الطعن وأنه ما زال قائماً لم يلغ وكانت مدونات الحكم
قد خلت من مقومات صحة هذا الدفع التي تكشف عن مخالفة الحكم للقانون وخطئه في
تطبيقه فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة ويكون النعي على
الحكم في هذا الشأن غير سديد . كما أنه من المقرر أنه لا يقبل النعي على المحكمة
قعودها عن إجراء لم يطلب منها ومتى كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن
الطاعنين لم يطلبوا وقف الدعوى الراهنة لحين الفصل في دعوى أخرى فليس لهم النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع
13 - من
المقرر أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص وتدفعه إلى الجريمة
ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم
يكن لإرادته دخل فى حلوله ، ويشترط في حالة الضرورة التي تسقط المسئولية الجنائية
أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به كما
أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وأنه ليس على
المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب
عليه وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته رداً على دفاع الطاعنين في هذا
الشأن يسوغ به اطراحه لدفعهم
بارتكاب الواقعة صدوعاً لتلك الأوامر فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم بقالة
القصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون غير سديد
14 - لما كان باقي ما يثيره الطاعنون من
مجادلة في التصوير الذى اعتنقه الحكم لواقعة الدعوى وفى خصوص عدم اعتداده بأقوال
مديرة مكتب صحة ..... واطراح تقريرها الطبي ينحل في مجموعه إلى جدل حول سلطة
المحكمة فى تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به قاضى الموضوع ولا يجوز مجادلته فيه أو
مصادرة عقيدته فى شأنه أمام محكمة النقض
-------------------
الوقائع
اتهمت النيابة
العامة الطاعنين بأنهم : تعدوا بالضرب عمداً على المجني عليه ..... وأحدثوا به
الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة وكان ذلك بأن قام المتهم الأول بركله
في رقبته وصفعه عدة مرات والمتهم الثاني تعدى عليه بالصفع على وجهه والمتهمان
الثالث والرابع قاما بتقييده من قدميه لأعلى ورأسه لأسفل والتعدي عليه بالضرب على
قدمه بواسطة " عصا خشبية " ودفنه بالرمال وأمره بالرقود على وجهه ووضع
إطارات الجرارات فوق ظهره وكان ذلك بناء على تعليمات صادرة من المتهمين الأول
والثاني مخالفة لأصول المنهج التدريبي المتبع ولم يقصدا من ذلك قتلاً ولكنه أفضى
إلى وفاة المجني عليه على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى
محكمة جنايات ...... لمحاكمتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
وادعى كل من ...... و ...... قبل
المتهمين مدنياً بمبلغ ...... جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريا
للمتهمين جميعاً : أولا : بمعاقبة المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند
إليهم . ثانياً : بإلزام المحكوم عليهم متضامنين بأن يؤدوا للمدعين بالحقوق
المدنية مبلغ ...... جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
فطعن الأستاذ / ...... المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليهما الأول
والثاني في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن المحامي المذكور بصفته وكيلاً عن
المحكوم عليه الثالث في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن المحكوم عليه الرابع في هذا
الحكم بطريق النقض ...... إلخ .
----------------------
المحكمة
ينعى الطاعنون على الحكم المطعون
فيه أنه إذ دانهم بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال والخطأ في القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والإخلال بحقهم
في الدفاع ذلك أن الحكم أسند إليهم جميعاً المسئولية عن النتيجة التي حدثت وهي موت
المجني عليه رغم عدم توافر سبق الإصرار أو الاتفاق المسبق في حقهم مما كان يتعين
معه أخذ الطاعنين بالقدر المتيقن في حقهم وإيقاع عقوبة الضرب البسيط عليهم باعتبار
أن كلاً منهم مسئول عن فعل الاعتداء الذي باشره تجاه المجني عليه وخاصة أن ما
أورده الحكم وإن كان يدل على التوافق بين الطاعنين لا يفيد الاتفاق كطريق من طرق
الاشتراك لأنه لا يكفي لقيامه مجرد توارد الخواطر ، بل يشترط أن تتحد النية على
ارتكاب الفعل المتفق عليه وأن المستفاد من أقوال شهود الإثبات من زملاء المجني
عليه المجندين أن أفعال الاعتداء والإيذاء لم يكن محلها المجني عليه وحده بل كانت
تقع عليهم جميعا داخل المعسكر أثناء التدريبات ورغم ذلك لم تحرك النيابة العامة
الدعوى الراهنة إلا بخصوص المجني عليه وحده دون باقي زملائه المجندين وهو ما يفيد
عقلاً صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل الطاعنين بالنسبة لوقائع
الاعتداء الأخرى والتي تعرض لها زملاء المجني عليه وهو أمر يشمل بالضرورة واقعة
وفاة المجني عليه لارتباط تلك الوقائع جميعها ومن ثم فلا يجوز العدول عنه وخاصة أن
ذلك الأمر مبني على أسباب عينية وليست شخصية وهو ما يمتنع معه العودة إلى الدعوى
الجنائية المطروحة كما أنه كان يتعين على محكمة الموضوع إذا ما تبين لها أن
الوقائع المشار إليها قد أحيلت للمحاكمة أمام محكمة الجنح أن توقف هذه الدعوى لحين
الفصل في الوقائع الأخرى منعاً لتضارب الأحكام ولأن الفصل فيها يتوقف على نتيجة
الفصل في تلك الوقائع الأخرى وعول الحكم على شهادة الطبيب الشرعي رغم أنها استندت
إلى حقائق علمية وليست إلى ماديات شاهدها بنفسه من التشريح الذي أجراه ومن ثم لا
تصلح سنداً للإدانة وخاصة أن شهادته خلت من مشاهدته لثمة إصابات بجثة المجني عليه
وهو ما حال بينه وبين معرفة سبب الوفاة والتي أقامها الحكم على مجرد فروض
واحتمالات وليست أدلة قاطعة ولم تفطن المحكمة لشهادة الدكتورة / ..... مديرة مكتب
..... والتي صرحت بدفن الجثة وقدمت تقريرها والذي أشار خلو الجثة من ثمة إصابات
وأن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية نتيجة جلطة رئوية وهي وفاة
طبيعية واطرحت شهادتها والتقرير الطبي المقدم منها
وأخذت بتقرير آخر رغم تناقض التقريرين في مسألة فنية مما كان يوجب على المحكمة أن
تستعين بخبير آخر لرفع هذا التناقض ونازع دفاعهم بشأن انقطاع رابطة السببية بين
إصابات المجني عليه ووفاته وأنه لولا مرض المجني عليه المستفاد من شهادة زملائه
والمجهول بالنسبة لهم لما حدثت الوفاة بدلالة أن زملائه تلقوا نفس التدريبات دون
أن يلحق بهم أذى وهو ما يقطع بأن العمل الذي قام به الطاعنون تم في حدود الأصول
والقواعد المتبعة والمقبولة دون تجاوزات ، وهو ما كان يقتضي من المحكمة تحقيق هذا
الدفاع بمعرفة الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين حتى ولو لم يطلب الدفاع ذلك
إلا أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع برد غير سائغ واعتمدت في اطراحه على أقوال الشهود
وتقرير الطبيب الشرعي رغم ما شاب الدليلين من نقص كما نازع الدفاع في توافر القصد
الجنائي لدى الطاعنين إذ أنهم لم يتعمدوا إلحاق الأذى بالمجني عليه وإحداث إصاباته
بل كان هدفهم القيام بأعمال التدريب المسندة إليهم وتنفيذها طبقاً للأوامر
والتعليمات الصادرة إليهم من رؤسائهم والمتعين عليهم إتباعها وأنهم وعلى فرض أنهم
قد تجاوزوا القدر المسموح به في التدريب فذلك لا يدل على اتجاه قصدهم إلى إيذاء
المجني عليه والمساس بسلامة جسمه ، بل هو مجرد إهمال تقوم به جريمة القتل الخطأ
دون جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دانهم الحكم بها بيد أن المحكمة لم تقسط
هذا الدفاع حقه إيراداً ورداً كما أن أعمال التدريب التي قام بها الطاعنون كانت
تنفيذاً لأوامر رؤسائهم وهو ما يوفر في حقهم حسن النية ، وخاصة أن الطاعنين الثالث
والرابع يعملان تحت رئاسة الأول والثاني ولا يمكنهما سوى الانصياع للأوامر
والتوجيهات الصادرة منهما وأخذ الحكم بشهادة الشاهدين ..... ، ..... دون أن يرفع
التناقض الذى شابها وأسند الحكم على خلاف الثابت بالأوراق للطبيب الشرعي أنه قطع
بأن الإصابات الثابتة بتقرير مستشفى ...... من المتصور حدوثها من أفعال الاعتداء
والإيذاء وهو ما يقطع بتوافر علاقة السببية بين ما لحق المجني عليه من ضرب وتعذيب
ووفاته كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم
المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه (أنه وعقب تجنيد المجنى عليه وتوزيعه على معسكر قطاع ....
للأمن المركزي بناحية " .... " التابعة لقسم ... مع مجموعة من زملائه المجندين يوم ... من .... عام ....
تسلم خال المجني عليه إشارة من مركز شرطة ..... بتاريخ السابع من ذات
الشهر تفيد وفاة المجني عليه و أن جثته بمستشفى .... فأسرع إلى هناك ومعه أهلية
المجني عليه حيث كانت الجثة مجهزة للدفن وبكشف غطاء الرأس شاهد وجود دماء تسيل من
الفم وجرح بالرقبة من الناحية اليمنى يبلغ طوله ما بين ثلاثة إلى خمسة سنتيمترات
وفي اليوم التالي لإتمام إجراءات الدفن حضر إليهم زميل المجني عليه المجند .... وأخبرهم أن المجني عليه توفى نتيجة التعذيب الذي وقع عليه من جانب المتهمين
القائمين على تدريبهم بالمعسكر " الطاعنين " فأبلغ والد المجني عليه
النيابة العامة بالحادث والتي باشرت تحقيقه بسماع شهادة المجندين زملاء المجني
عليه حيث أجمعوا في شهادتهم على أن المتهمين أوقعوا بهم صنوفاً من ألوان الضرب
والإيذاء والتعذيب بدءاً من طوابير الجري والزحف على الرمال المحرقة نتيجة شدة
حرارة الجو والتي تراوحت درجاتها بين 38° إلى 39° في الظل مع نسبة رطوبة تصل إلى 70 ٪ وضربهم بالعروق الخشبية ثم
أمرهم بالنوم على ظهورهم ونثر الرمال والأتربة على وجوههم وأجسادهم ثم إدخالهم
غرفة التعذيب حيث يقف المجندون أمام إطارات الكاوتش الكبيرة الخاصة بالجرارات ويقوم المتهمون بركلهم في أي موضع من جسدهم حتى تصطدم رؤوسهم بشدة بتلك الإطارات ثم
يفرضون عليهم تناول طعامهم وأفواههم مليئة بالأتربة والرمال دون السماح لهم
بالاستحمام حتى استحال عليهم ابتلاع الطعام مما اعتبره المتهمون امتناعاً عن تناول
الطعام حيث أوقعوا عليهم العقاب بأن أمروهم بالنهوض والزحف على بطونهم بأرض
الطابور مسافة ثلاثين مترا في الجو الملتهب حتى سقط المجني عليه مغشياً عليه من
شدة التعب والإجهاد فأصدر المتهم الأول ..... أوامره للمتهم الثالث ..... باصطحاب
المجني عليه لغرفة التعذيب وضربه حتى عاد به بعد حوالى ربع ساعة بادياً على المجني
عليه الإعياء الشديد حيث تكرر سقوطه على الأرض أثناء السير فصدر الأمر إليه من
المتهمين الأول والثاني بالنوم على ظهره بأرض الطابور وأمر المتهمان الثالث
والرابع فنثرا عليه الرمال والتراب حتى غطت جسده عدا رأسه ثم وضعوا الأتربة على
وجهه وفمه وظل على هذا الحال إلى أن أزاحوا عنه غطاءه من الأتربة ثم قام المتهمان
الثالث والرابع تنفيذاً لتعليمات الضابطين المتهمين الأول والثاني بأن ينام المجنى
عليه على بطنه ووضعوا على ظهره إطارين من كاوتش الجرارات في الوقت الذي ظل فيه
المتهمان الأول والثاني يركلونه بأحذيتهم في مواضع مختلفة من جسده ورأسه حتى تبول
لا إرادياً طالباً منهم الرحمة لأن نهايته قد اقتربت ثم نطق بالشهادتين وجحظت
عيناه وظل ملقى على الرمال الملتهبة بفعل الحرارة حوالى الساعة ونصف حتى سكن جسده
وتعطلت لغة الكلام لديه ونقل إلى مستشفى ...... حيث استقبلت طبيبة الاستقبال
الدكتورة ...... الجسد المسجى وأثبتت وفاة صاحبه ودونت مناظرتها للجثة بأن الشعر
والأنف والأذنين ملئ بالرمال ووجد خدوش طولية بالجبهة والرقبة وأن الجسد متسخ
تماما بالطين مع وجود بلل بمنطقة الحوض والملابس الداخلية والبنطال وبخلع حذاء
المجنى عليه سقطت كمية كبيرة من الرمال والزلط وعللت ذلك بقيام شخص ما يسكب هذه
الرمال والأتربة على عموم جسد المجني عليه وفروة الرأس وأن بلل الملابس ناتج عن
تبول لا إرادي قبل الوفاة وقطع الضباط قادة المعسكر الذي وقع به الحادث أن ما لحق
بالمجني عليه على يد المتهمين وفقاً لتصوير شهود الإثبات غير مسموح به ويتجاوز
حدود التدريب كما أثبت مناظرة النيابة العسكرية الشرطية للجثة وجود خدوش وسحجات
بالوجه والرقبة ونزيف من الأنف وكدمة شديدة بالرقبة وبسؤالهم أوضحوا أن هذه
الإصابات غير طبيعية ولا تحدث نتيجة التدريب وباستخراج الجثة للتشريح أفاد الطبيب
الشرعي أن ما لحق بها من تعفن رمي متقدم وتحلل الأنسجة وانفصال العظام أدى إلى طمس
معالم ما قد يكون بها من إصابات وذلك لا ينفي أن الإصابات الثابتة بالتقرير
المبدئي الصادر عن مستشفى ..... من المتصور حدوثها من أفعال الاعتداء والإيذاء
الواردة بتصوير الشهود كما قطع بتوافر علاقة السببية بين ما لحق المجنى عليه من
ضرب وتعذيب حسب رواية شهود الإثبات وأنه كفيل بأن يؤدي إلى النتيجة التي تحققت
وهي الموت ذلك أن الدفن داخل الرمال في درجات الحرارة العالية والوقوف في الشمس
لفترات طويلة يؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم الداخلية و تلف خلايا المخ مما
يؤدى للوفاة فضلاً عن أمر المجني عليه بالرقود
على بطنه ووضع إطارات الكاوتش على ظهره كما أضاف الطبيب الشرعي بالتحقيقات
أن ما تعرض له المجنى عليه من الضرب والركل بمنطقتي الرأس والعنق من شأنه أن يؤدي
إلى حدوث ارتجاج بالمخ وتوقف المراكز العليا بالمخ التي تتحكم في النبض والتنفس
الأمر الذي يؤدي إلى وفاته) ودلل الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو في حق
الطاعنين بأدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات بتحقيقات النيابة العامة وهي أدلة
سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها لما كان ذلك وكان من
المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة
المساهمين ولا يشترط لتوفره مضي وقت معين ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع
الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين
المساهمين هو الغاية النهائية من الجريمة أى أن يكون كل منهم قصد قصد الآخر في
إيقاع الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت
لديهم فجأة وكان من المقرر أن الجاني يسأل بصفته فاعلا في جريمة الضرب المفضي إلى
الموت إذا كان هو الذي أحدث الضربة أو الضربات التي أفضت إلى الوفاة أو ساهمت في
ذلك أو أن يكون هو قد اتفق مع غيره على ضرب المجني عليه ثم باشر معه الضرب تنفيذاً
للغرض الإجرامي الذي اتفق معه عليه ولو لم يكن هو محدث الضربة أو الضربات التي
سببت الوفاة بل كان غيره ممن اتفق معهم هو الذي أحدثها وكان ما أورده الحكم
بمدوناته لدى بيانه لواقعة الدعوى وفي مقام التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين
كاف بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على الضرب من معيتهم في الزمان والمكان
ووقوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهه واحدة في تنفيذها وأن
كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها وقارف أفعالا من الأفعال المكونة لها بالإضافة
إلى وحدة الحق المعتدى عليه ويصح من ثم طبقا للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم
فاعلين أصليين فى جناية الضرب المفضي إلى الموت ويرتب بينهم في صحيح القانون
تضامناً في المسئولية الجنائية عرف محدث الضربات التي ساهمت في الوفاة أو لم يعرف ولا
يقدح في سلامة الحكم دعوى الطاعنين باعتماد الحكم في إثبات الاتفاق على وقائع لا وجود لها بالأوراق ذلك بأنه يكفي أن تستخلص
المحكمة الاتفاق من ظروف الدعوى وملابساتها ما دام في وقائع الدعوى ما
يسوغ الاعتقاد بوقوعه وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل
لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة و لو كانت غير
مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وإذ
استخلص الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود التي لا ينازع الطاعنون في أنها ترتد
إلى أصل صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقاً قد تم
بين الطاعنين على ضرب المجنى عليه فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون من
قبيل الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب
عليها من محكمة النقض كما لا يعيب الحكم المطعون فيه تزيده فيما استطرد إليه حينما أورد عبارة " من قيام فكرة الإجرام عند
كل من المتهمين وتواردت خواطرهم على الإجرام واتجه خاطر كل منهم اتجاهاً ذاتياً
إلى ما اتجه إليه خواطر سائر أهل فريقه " . ذلك أنه من المقرر أن البيان
المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من
الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه
طالما أنه غير مؤثر في منطقه أو في النتيجة التي انتهى إليها وأنه لم يورده إلا
بعد أن كان قد خلص في منطق سائغ إلى التدليل على اتفاق الطاعنين على ضرب المجنى
عليه ويصح اعتبارهم فاعلين أصليين في جناية الضرب المفضي إلى الموت ويرتب بينهم في
صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية لما كان ما تقدم وكان الحكم قد حصل
دفاع الطاعنين في شأن انقطاع رابطة السببية بين فعلهم والنتيجة التي حدثت واطرحه
بما يسوغه وكان الأصل أن المتهم يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن
الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال
فيه ما لم يثبت أنه متعمداً ذلك لتجسيم المسئولية كما أن مرض المجنى عليه هو من
الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة بين الفعل المسند إلى المتهم والنتيجة
التي انتهى إليها أمر المجنى عليه بسبب إصابته وأن قيام رابطة السببية بين
الإصابات والوفاة في جريمة الضرب المفضي إلى الموت من الأمور الموضوعية البحتة
التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة
لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه
كما هو الشأن في الدعوى المطروحة هذا ولا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي
دفاعه المختلفة ما دامت قد أوردت فى حكمها ما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى
وألمت بها على وجه يفصح عن أنها فطنت إليها ووازنت بينها وأنها لا تلتزم بالرد على
الدفاع الموضوعي ردا صريحا بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت
التي عولت عليها لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد مؤدى أقوال
شهود الإثبات زملاء المجنى عليه والطبيب الشرعي من أن وفاة المجنى عليه كانت نتيجة
مباشرة لأفعال الضرب والإيذاء التي مارسها الطاعنون تجاه المجنى عليه وأضاف الطبيب
الشرعي أنه لا يوجد فنياً ما ينفى حدوث الإصابات التي أشار إليها التقرير الطبي
الصادر عن طبيبة استقبال مستشفى ...... نتيجة تلك الأفعال وأنها إصابات ذات طبيعة
رضية احتكاكية يجوز حدوثها من أفعال الضرب بالأيدي والعصى الخشبية والركل كما أن
دفن المجنى عليه في الرمال في
درجات حرارة عالية والجري لفترات طويلة من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة
الجسم بصورة شديدة مما يؤدي بدوره إلى تلف خلايا المخ وتؤدى للوفاة كما أن تعرض
المجنى عليه للضرب بمنطقة الرأس والعنق وركله من الخلف واصطدام رأسه بإطارات
الكاوتشوك الموضوعة أمامه من شأنه أن يؤدى إلى ارتجاج في المخ ينتهى بفشل المراكز العليا
في المخ التي تتحكم في التنفس والدورة الدموية مما يؤدى إلى توقفها ويؤدي بدوره
للوفاة وأن موت المجنى عليه جائز الحدوث نتيجة أي من السببين المشار إليهما وذلك
تمشياً مع شهادة زملاء المجنى عليه والتي مفادها تعرض الأخير لأفعال الضرب
والإيذاء من جانب الطاعنين فإن فى ذلك ما ينفي أي احتمال لتداخل عامل خارجي آخر في
إحداث الوفاة مثل مرض المجني عليه كما يدعى الطاعنون ويكفي بالتالي لحمل قضاء
الحكم بغير حاجة لتحقيق ذلك الدفاع إذ أن ما أورده الحكم على تلك الصورة قاطع
الدلالة على أن المحكمة واجهت عناصر الدعوى وألمت بها إلماماً تاماً ثم جاء قضاؤها
بالإدانة متضمناً إطراح ذلك الدفاع مما أوردته من أدلة الثبوت ولا ينال من ذلك أن
يكون تقرير الطبيب الشرعي قد خلا من بيان إصابات المجني عليه ما دام الحكم قد أفصح
عن اطمئنانه لأقوال الشهود التي أثبتت حصول اعتداء الطاعنين على المجنى عليه
بالصورة التي رووها ولم ينف الطبيب الشرعي إمكان حدوثها على هذا النحو ومن ثم يضحى
كافة ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد غير قويم فضلاً عن أنه لا جدوى من النعي على
الحكم في شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضي إلى الموت في حق الطاعنين أو قصور الحكم
في استظهار الاتفاق والتدليل عليه باعتبار أن القدر المتيقن في حقهم هو جنحة الضرب
البسيط ما دامت العقوبة المقضي بها عليهم وهي الحبس لمدة سنتين مقررة في القانون
لجريمة الضرب بأداة المنطبق عليها نص الفقرة الأخيرة من المادة 242 من قانون
العقوبات ولا يغير من ذلك كون المحكمة قد عاملتهم بالمادة 17 من القانون ذاته ذلك
بأنها قدرت مبررات الرأفة بالنسبة للواقعة الجنائية بصرف النظر عن وصفها القانوني
، ولو أنها قد رأت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها كانت تقتضي منها النزول
بالعقوبة إلى ما دون الحد الذي ارتأته لما منعها من ذلك الوصف الذى أسبغته عليها لما
كان ذلك وكان ما أورده الحكم فى مدوناته تتوافر به جناية الضرب المفضي إلى الموت
كما هي معرفة به في القانون وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة قتل خطأ لا يعدو أن
يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في
وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ويضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير
مقبول لما كان ذلك وكانت جريمة إحداث الجروح عمداً لا تتطلب غير القصد الجنائي
العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب
عليه المساس بسلامة جسم المجنى عليه أو صحته ويكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من
وقائع الدعوى كما أوردها الحكم وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم
ينسب إلى الطبيب الشرعي أقوالاً مما يثيره الطاعن الأول بأسباب طعنه وإنما حصل
شهادته بما مؤداه أن وفاة المجنى عليه من الجائز حدوثها من أفعال الاعتداء
والإيذاء التي تعرض لها وفقاً لما أشار إليه تقرير طبيبة استقبال مستشفى .... وأقوال
شهود الإثبات وذلك خلافاً لما يدعيه فإن رمى الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق لا
يكون له وجه لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير
القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما وجه إليه من اعتراضات
وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام
أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء و كان
الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذى انتهى
إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون فلا يجوز مجادلتها في ذلك وكان
لمحكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية أن تعول على تقرير طبى يتسق مع شهادة
شهود الإثبات في تقرير شهادتهم وأن تطرح تقريراً آخر لا يتفق معها باعتبار كل ذلك
من أدلة الدعوى وكان من المقرر كذلك أن التقارير الطبية وإن كانت لا تدل بذاتها
على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهمين إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود فى
هذا الخصوص فلا يعيب الحكم استناده إليها ومن ثم فإن مجادلة الطاعنين في أن
المحكمة لم تأخذ بما تضمنه تقرير مفتشة صحة ..... أو أنها عولت على تقرير طبية
استقبال مستشفى ..... في نسبة إحداث إصابات المجني عليه إليهم لا يكون له محل وفضلاً
عن ذلك فإنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى
كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون
فيه في تقريره لما كان ذلك وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها
شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات
كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وهي متى أخذت
بشهادتهم فإن ذلك يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم
الأخذ بها وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما
تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت وبيان وجه
أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ، وإذ
كان تناقض الشهود وتضاربهم في أقوالهم مع أقوال غيرهم لا يعيب الحكم ما دامت
المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو
الحال في الطعن الراهن وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث
ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية
ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى
دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها
كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها
إلى ما انتهت إليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في شأن كل ما تقدم لا يعدو في
حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة في الدعوى
وهو من إطلاقاتها التي لا يجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض لما كان ذلك وكان
الأمر الصادر من سلطة التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية له حجيته التي
تمنع العودة إلى الدعوى الجنائية ما دام قائماً لم يلغ فلا يجوز مع بقائه قائماً
إقامة الدعوى الجنائية عن ذات الواقعة التي صدر فيها الأمر لأن له في نطاق حجيته
المؤقتة مما للأحكام من قوة الأمر المقضي وهو بهذه المثابة دفع وإن كان متعلقاً
بالنظام العام ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض إلا أنه يشترط لقبوله أن
تكون مقوماته واضحة من مدونات الحكم أو تكون عناصر الحكم مؤدية إلى قبوله بغير
تحقيق موضوعي لأن هذا التحقيق خارج عن وظيفة محكمة النقض وإذ كان البين من مطالعة
محضر جلسة المحاكمة أن أياً من الطاعنين لم يثر أن سلطة التحقيق قد سبق لها أن
أصدرت أمراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الوقائع المشار إليها بأسباب
الطعن وأنه ما زال قائماً لم يلغ وكانت مدونات الحكم قد خلت من مقومات صحة هذا
الدفع التي تكشف عن مخالفة الحكم للقانون وخطئه في تطبيقه فإن إثارته لأول مرة
أمام محكمة النقض لا تكون مقبولة ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد كما
أنه من المقرر أنه لا يقبل النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها ومتى
كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يطلبوا وقف الدعوى
الراهنة لحين الفصل في دعوى أخرى فليس لهم النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع لما
كان ذلك وكان من المقرر أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بشخص
وتدفعه إلى الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك
الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ، ويشترط في حالة الضرورة التي
تسقط المسئولية الجنائية أن تكون الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة
لدفع الخطر الحال به كما أنه من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب
الجرائم وأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل
يعلم هو أن القانون يعاقب عليه وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته رداً
على دفاع الطاعنين في هذا الشأن يسوغ به اطراحه لدفعهم بارتكاب الواقعة صدوعاً
لتلك الأوامر فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم بقالة القصور في التسبيب في هذا
الخصوص يكون غير سديد ومتى كان باقي ما يثيره الطاعنون من مجادلة في التصوير الذى
اعتنقه الحكم لواقعة الدعوى وفى خصوص عدم اعتداده بأقوال مديرة مكتب صحة .....
واطراح تقريرها الطبي ينحل في مجموعه إلى جدل حول سلطة المحكمة في تقدير أدلة
الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع ولا يجوز مجادلته فيه أو مصادرة عقيدته في شأنه
أمام محكمة النقض فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق