الصفحات

الجمعة، 15 مارس 2013

دستورية قصر نظر طلبات رد القضاة على درجة واحدة

قضية رقم 272 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الرابع من يوليو سنة 2010م ، الموافق الثانى والعشرين من رجب سنة 1431 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ أنور رشاد العاصى وماهر سامى يوسف وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وتهانى محمد الجبالى ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 272 لسنة 24 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيد / إبراهيم إبراهيم عبده الطنطاوى
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الوزراء
3 السيد وزير العدل
4 السيد / أحمد إسماعيل دسوقى خليل ،
بصفته رئيس محكمة جنح مستأنف أول المنصورة
الإجراءات
بتاريخ الثالث والعشرين من شهر سبتمبر سنة 2002 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (153) والفقرة الأخيرة من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى بأنه أصدر شيكًا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب ، وقدمته للمحاكمة الجنائية بالجنحة رقم 26539 لسنة 2000 جنح قسم أول المنصورة ، وإذ صدر حكم بإدانته فقد استأنف ذلك الحكم بالاستئناف رقم 12712 لسنة 2001 جنح مستأنف المنصورة ، وأثناء تداول الاستئناف قام برد رئيس الدائرة عن نظره ، وقيد طلب الرد برقم 3450 لسنة 53 قضائية استئناف المنصورة ، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (153) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، وكذلك الفقرة الأخيرة من المادة (157) من القانون ذاته، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع ، وصرحت برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (153) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على ما يأتى : فقرة أولى " ……….. " ، فقرة ثانية " …………… " ، فقرة ثالثة " وتختص بنظر طلب رد أحد قضاة المحاكم الجزئية ، أو الابتدائية إحدى دوائر محاكم الاستئناف التى تقع فى دائرة اختصاصها المحكمة الابتدائية التى يتبعها القاضى المطلوب رده " .
………………………….
وتنص المادة (157) من القانون ذاته على ما يأتى :
……………………………………….
فقرة أخيرة " وفى جميع الأحوال لا يجوز الطعن فى الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأصلية " .
وحيث إن هذه المحكمة سبق أو تناولت نص الفقررة الأخيرة من المادة (157) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بحكمها الصادر فى السادس عشر من نوفمبر سنة 1996 فى القضية رقم 38 لسنة 16 قضائية "دستورية"، والذى قضى برفض ما أثير بشأنها من مطاعن ، وانتهت المحكمة إلى أن النص الآنف البيان غير مناقض لأحكام الدستور ، وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بالعدد رقم 47 بتاريخ 28/11/1996 . متى كان ما تقدم ، وكان قضاء هذه المحكمة فيما فصل فيه فى الدعوى المتقدمة إنما يحوز حجية مطلقة تعتبر بذاتها قولا فصلا لا يقبل تأويلا أو تعقيبًا من أية جهة ، فإن الخصومة الراهنة وهى عينية بطبيعتها تعتبر بالنسبة لهذا الشق من الدعوى غير مقبولة .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . وكان النزاع الموضوعى يدور حول طلب رد أحد قضاة المحكمة الابتدائية ، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (153) من قانون المرافعات المدنية والتجارية قد أسند الفصل فى طلب رد أحد قضاة المحاكم الجزئية أو الابتدائية لإحدى دوائر محكمة الاستئناف التى تقع فى دائرة اختصاصها المحكمة الابتدائية التى يتبعها القاضى المطلوب رده . متى كان ذلك وكان النص المطعون فيه هو الذى يحول دون المدعى ، واستعمال حقه فى الطعن فى الحكم الصادر برفض طلب الرد ، فإن الفصل فى دستورية هذا النص ، يكون كافلا مصلحة المدعى الشخصية المباشرة .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته المواد ( 8 ، 40 ، 65 ، 68 ، 165 ) من الدستور ، وذلك بقصره نظر طلبات رد القضاة على درجة واحدة ، رغم أن التقاضى على درجتين يتوخى تحقيق العدالة وضمان الحرية الشخصية ، وتحقيق المساواة بين المتقاضين .
وحيث إن تنظيم المشرع لأحوال رد القضاة وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 23 لسنة 1992 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات قد توخى توكيد قاعدة أصولية قوامها أن كل متقاض يجب أن يطمئن إلى أن قضاء قاضيه لا يصدر إلا عن الحق وحده ، دون تأثير من دخائل النفس البشرية فى هواها وتحيزها ، وكانت ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها ، تتعلقان بإدارة العدالة ضمانًا لفعاليتها ، بما مؤداه بالضرورة تلازمهما .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازمًا لضمان الخضوع للقانون ، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التى يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم أو حرياتهم ، إلا أن حيدتها عنصر فاعل فى صون رسالتها لا يقل شأنًا عن استقلالها ، بما يؤكد تكاملهما .
وحيث إن الدستور قد كفل استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة ، فى المادتين ( 165 و166 ) توقيًا لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافًا عن ميزان الحق ، إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون ، وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضى ، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة ، ومن ثم تكون حيدة القاضى شرطًا لازمًا دستوريًا لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون.
وحيث إن الحق فى رد قاض بعينه عن نظر نزاع محدد ، وثيق الصلة بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة (68) من الدستور ، ذلك أن مرد النفاذ إلى القضاء لا يعتبر كافيًا لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية ، بل يتعين دومًا أن يقترن هذا النفاذ ، بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها ، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفًا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ، ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها .
وحيث إن المشرع تدخل بالنصوص التى نظم بها رد القضاة ، ليوازن بين أمرين أولهما : ألا يفصل فى الدعوى أيًا كان موضوعها قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالاة أحد أطرافها ، والتأثير تبعًا لذلك فى حيدتهم ، فلا يكون عملهم انصرافًا عن تطبيق حكم القانون فى شأنها ، بل تحريفًا لمحتواه ، ومن ثم أجاز المشرع ردهم بمناسبتها . ثانيهما : ألا يكون رد القضاة مدخلا إلى التشهير بهم دون حق ، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا ، أو التهوين من قدرهم عدوانًا ، أو لمنعهم من نظر قضايا بذاتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولددًا . وكان ضروريًا تبعًا لذلك ، أن يكفل المشرع فى إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين ، وبما يوازن بينهما تنظيمًا لحق الرد لا يجاوز الحدود التى ينبغى أن يباشر فى نطاقها ، ولا يكون موطئًا إلى تعطيل الفصل فى النزاع الأصلى .
وحيث إن الأهمية التى بلغتها خصومة الرد ، وانعكاسها على الخصومة الأصلية التى لا يجوز أن يكون الفصل فيها معلقًا أو متراخيًا إلى غير حد ، واتصالها المباشر بولاية الفصل فيها ، هى التى تمثلها المشرع حين عَدَلَ عما كان قائمًا من قبل من نظرها على درجتين ، ليعهد بولاية الفصل فيها على ما تنص عليه المادة (153) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بعد تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 ( النص محل الطعن ) إلى إحدى الدوائر بمحكمة الاستئناف ، سواء أكان القاضى المطلوب رده من مستشاريها ، أم كان قاضيًا بالمحاكم الجزئية أو الابتدائية ، ليكون اختصاصها بالفصل فى خصومة الرد مقصورًا عليها ، محيطًا بجوانبها وازنًا بالقسط المطاعن المثارة فيها .
وحيث إن سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى هى سلطة تقديرية ، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه ، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها ، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا ينبغى التزامها . وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها ، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها ، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها ، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها ، وبما لا يصل إلى حد إهداره ، ليظل هذا التنظيم مرنًا ، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها ، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها ، بل بين هذين الأمرين قوامًا ، التزامًا بمقاصدها ، باعبتارها شكلا للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالا .
وحيث إن المشرع قد قصر بالنص المطعون فيه نظر طلبات رد القضاة على درجة واحدة ، عدولا عن مسلكه السابق على صدور القانون رقم 23 لسنة 1992 السالف الذكر ، بنظرها على درجتين ، وذلك لمواجهة ظاهرة إساءة استعمال حق الرد بالإفراط فيه ، واستخدامه سبيلا للكيد فى الخصومة وإطالة أمد الفصل فيها ، دون تحسب لما يؤدى إليه ذلك الأمر من إيذاء للقضاة فى اعتبارهم ومكانتهم ومشاعرهم . وكان قصر التقاضى على درجة واحدة ، إنما يقع فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ، وفى الحدود التى يقتضيها الصالح العام ، فمن ثم يغدو ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه لا يخالف أحكام الدستور ، وهو ما تغدو معه الدعوى الماثلة جديرة بالرفض .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، ومصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق