الصفحات

الجمعة، 15 مارس 2013

حكم الورقة الصفراء (تصريح السفر)

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الأولى
***************
بالجلسة المنعقدة علنا فى يوم الثلاثاء الموافق 18/11/2008
برئاســـة السـيد الأستــاذ المستشار الدكتور / محمد أحمد عطيه نائب رئيس مـجلس الدولة
ورئيس محكمة القضاء الإدارى
وعضوية السيدين الأستاذين المستشارين /
فــــــــــوزى عــلى حــسين شلبى نائــــــــب رئيس مجلس الدولة
د. محمد صبح المتولى أبو المعاطى نائـــــــب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار / مـــــحمود إســـماعيل مـفــــــــــوض الدولـــــــــــــــة
وسـكرتارية الســيد / سامى عبد الله أمـــــــــــــــــين الســــــــر
******************************
فى الدعوى رقم 24734 لسنة 62 ق
المقامة من
القاضى / هشام محمد عثمان البسطويسى نائب رئيس محكمة النقض
ضــــــــــــــــــــــد
1- رئــــــــيس الوزراء بصفته
2- وزيــــــــر الـــداخلية بصفته
3- المستشار / وزير العدل بصفته
4- رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض بصفته
*******************************
الوقائــــــــــع
========
أقام المدعى القاضى / هشام محمد عثمان البسطويسى – نائب رئيس محكمة النقض هذه الدعوى بإيداع عريضتها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 17/3/2008 طالباً فى ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما فيما تضمنا من عدم إعفاء أعضاء السلطة القضائية من قيد الحصول على موافقة جهة العمل ( والمتعارف على على تسميتها بالورقة الصفراء ) عند السفر إلى خارج الدولة على أن ينفذ الحكم بمسودته الأصلية ودون الحاجة إلى إعلان .
وفى الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما ، مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية ، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . 
وذكر المدعى شرحا لدعواه أنه قاضى ونائب رئيس محكمة النقض ، وأن أداء رسالته كقاضى وواجبة كمواطن يفرض عليه واجبا هو الدفاع عن استقلال القضاء والقضاة وحماية حقوق الإنسان مما يستدعى سفره إلى الخارج للمشاركة فى المؤتمرات الدولية ، أو السفر للسياحة أو العلاج مما يضطره إلى طلب التصريح له بالسفر من جهة عمله فى محكمة النقض وهو التصريح الذى جرى العرف على تسميته " بالورقة الصفراء " المنصوص عليه فى قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 فيحصل عليه غالبا ويحرم منه أحيانا وهو ما حدث له بمناسبة تقدمه بالطلب المؤرخ 21/1/2008 للسفر إلى بروكسل تلبية لدعوة بالمشاركة فى محكمة الضمير الدولية ممثلا لقارة أفريقيا فى هيئة قضائية مكونة من خمسة قضاة يمثل كل منهم أحدى قارات العالم للنظر فى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى وقعت من الدولة المعتدية على الجمهورية اللبنانية فى صيف عام 2006 بيد أنه لم يتلق ردا من السيد الأستاذ القاضى رئيس محكمة النقض المنوطة إصدار تصريح السفر على الرغم من تصريحات بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى وأمانته فى الصحف بأن مجلس القضاء الأعلى رفض طلبه بقرار غير مسبب . 
وينعى المدعى على القرار المطعون فيه مخالفته أحكام الدستور وذلك لإنطوائه على تمييز بين المواطنين المتساوين فى المراكز القانونية وانتهاك حرية التنقل ومغادرة البلاد ولغضبه للسلطة المقررة للسلطة التشريعية ، وكذلك لمخالفته لأحكام القانون لانطوائه على إساءة لاستعمال السلطة .
وعليه خلص المدعى إلى طلب الحكم له بالطلبات السالف ذكرها فى صدر الوقائع . 
وقد حددت المحكمة جلسة 13/5/2008 لنظر الشق العاجل من الدعوى وفيها قدم الحاضر عن المدعى حافظة مستندات ، وتدوول بالجلسات على النحو وللأسباب المبينة بمحضر الجلسة ، حيث قدم الحاضر عن جهة الإدارة بجلسة 10/6/2008 حافظة مستندات ، ومذكرة دفاع طلب فيها الحكم : 
أصليا : بعدم إختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى ، واختصاص الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة بنظرها .
واحتياطيا : بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد .
وعلى سبيل الاحتياط : برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى ، مع إلزام المدعى بالمصروفات فى أى من الحالتين الثانية والثالثة .
وبجلسة 5/7/2008 قدم الحاضر عن المدعى مذكرة دفاع رد فيها على ما ورد بمذكرة جهة الإدارة وخلص فى ختامها إلى طلب الحكم بالطلبات الواردة فى عريضة الدعوى .
وبجلسة 21/10/2008 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الدعوى بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
المــــــحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات و إتمام المداولة .
من حيث إن حقيقة طلبات المدعى – وفقا للتكييف القانونى الصحيح – هى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن رفع تطلب حصولها على البطاقة الصفراء قبل سفره إلى الخارج مع ما يترتب على ذلك من آثار .
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم إختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى واختصاص الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة بنظرها بحسبانها الدائرة المختصة بالفصل فى الدعاوى التى يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم وفقا لأحكام قانون السلطة القضائية فلما كانت المادة (83) من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية معدلة بالقانون رقم 142 لسنة 2006 تنص على أن " تختص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة التى يرأسها الرؤساء بهذه المحكمة دون غيرها بالفصل فى الدعاوى التى يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم .
ويكون الطعن فى الأحكام التى تصدر فى الدعاوى المنصوص عليها فى الفقرات السابقة أمام دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها خلال ستين يوما من تاريخ صدور الحكم " .
ومن حيث إن المستفاد من النص المتقدم أن اختصاص الدوائر المدنية بمحكمة استئناف القاهرة بنظر الدعاوى التى يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم إنما ينصرف إلى الدعاوى المتعلقة بشأن عمل رجال القضاء والنيابة العامة والتى تكون بينهم وبين جهة عملهم ولا تنصرف إلى الدعاوى بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة من جهات إدارية أخرى غير جهة عملهم وتمسهم فى حقوقهم وحرياتهم وحياتهم الخاصة كمواطنين فى الدولة .
ومن حيث إنه لما كان المدعى يهدف بدعواه الماثلة إلى وقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبى بالامتناع عن رفع تطلب حصوله على البطاقة الصفراء قبل سفره إلى الخارج ، ولما كان هذا الطلب لايتعلق بشأن من شئون القضاء أو بعمل المدعى وانما يتعلق بشأن خاص به كمواطن ومن ثم فإن محكمة القضاء الإداري هى التى تختص بنظر الدعوى وليست الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة ، وترتيبا على ذلك يتعين الحكم برفض الدفع الماثل .
ومن حيث إنه عن الدفع الثانى المبدى من جهة الإدارة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فإن المنازعة الماثلة تمثل طعنا على قرار سلبى ومن ثم فلا يتقيد الطعن فيه بالمواعيد ، ويتعين لذلك رفض الدفع الماثل 0
ومن حيث إن الدعوى قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية والإجرائية ومن ثم يتعين الحكم بقبولها شكلا 0
ومن حيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، فإنه يلزم لوقف التنفيذ توافر ركنين مجتمعين أولهما ركن الجدية بأن يستند الطلب إلى أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار عند نظر موضوع الدعوى ، وثانيهما ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها .
ومن حيث أنه عن ركن الجدية فإن المادة (41) من الدستور تنص على أن " الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لاتمس وفيما عدا حالة التلبس لايجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد ومنعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع "
وتنص المادة (52) من الدستور على أن " للمواطن حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج ، وتنظيم القانون هذا الحق وشروط الهجرة ومغادرة البلاد " .
ومن حيث إن المادة (1) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 تنص على أنه " على العاملين بالجهات الآتية ( رئاسة الجمهورية ، وزارة الدفاع ، وزارة الإنتاج الحربى ، وزارة الإعلام ، وزارة العدل بالنسبة لرجال القضاء والنيابة العامة وسائر أعضاء الهيئات القضائية ، وزارة الداخلية بالنسبة لأعضاء هيئة الشرطة ، تقديم ما يفيد موافقة جهة العمل عند السفر للخارج وذلك وفقا للضوابط التى تحددها الوزارة المعنية ، ويجب تقديم ما يفيد الموافقة على السفر إلى الخارج إلى جهة الجوازات بمكان الخروج 0 "
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع الدستورى قد أفرد بابا مستقلا للحقوق والحريات والواجبات العامة الأساسية للمواطنين ، وترتكز تلك الحقوق فى مجملها من حيث تقريرها وحدودها والضمانات المقررة لها إلى مبادئ سامية وردت ضمن أحكام الشريعة الاسلامية والإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، وقد تضمن هذا التنظيم نوعان من الحقوق العامة من حيث قدر وحدود التمتع بها :-
أولهما : مطلقة من غير قيد
وثانيهما : حقوق وحريات عامة أخضعها المشرع الدستورى لضوابط ترد على تقريرها أو ممارستها تستهدف المحافظة على النظام العام والآداب العامة ، ولاريب أن حق المواطن فى التنقل داخل البلاد أو السفر خارج حدودها من الحريات التى ارتقى بها المشرع إلى مصاف الحقوق والحريات الواجب ضمانها بما يكفل حمايتها ويحقق الغرض من تقريرها شريطة أن يترتب على هذا التنظيم الحرمان منها أو العهد بممارستها إلى جهة أو قواعد لائحية – دون التشريع – يقيد من منحها أو تضع شروطا لممارستها ، وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذا الفهم بحكمها الصادر بجلسة 4/11/2000 فى الدعوى الدستورية رقم 243 لسنة 21 ق حيث قررت أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شئ ما يمس الحقوق التى كفلها الدستور فيما تقدم ، وأن هذا الدستور يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين ، وأنه إذا ما اسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتسلب من اختصاصها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية .
ومن ومن حيث إنه ولما كان مجلس الوزراء قد قرر بجلسته المعقودة فى 22/5/1996 والذى صدر قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 مستندا إلى ماورد به قد استثنى بعض العاملين فى جهات سماها ( ذات طابع خاص ) من إلغاء تصريح السفر – وهو ما يمثل افتئاتا على المبادئ الدستورية السالف ذكرها – باستلاب السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء ووزارة الداخلية اختصاصا موسدا إلى السلطة التشريعية دون سواها بحـــسبان أن لـــــزومية اســــتخراج تصريح السفر ( البطاقة الصفراء ) يمثل قيدا على حرية السفر إلى خارج البلاد وتمييزا سلبيا لبعض العاملين عن أقرانهم فى جهات إدارية أخرى لاتقل مسئولية الوظيفة المسندة لهم .
ومن حيث أنه ولئن كانت هذه المحكمة وفقا لاختصاصها الدستورى والقانونى لاتفصل فى دستورية إدارة قانونية حاكمة إلا أن ذلك لايمنعها من أن تنزل رقابة المشروعية وإعلائها على ما تصدره الجهة الإدارية من قرارات إيجابية أو سلبية تمس بطريق مباشر أو غير مباشر حقوق الأفراد وحرياتهم ولا تثريب عليها أن أنزلت رقابة الإلغاء أو القضاء الكامل على هذه القرارات حتى وإن لم يكن القرار مستندا إلى نص تشريعى صادر عن السلطة التشريعية المختصة بإصداره .
ومن حيث أن حصول العامل على أجازاته الوجوبية أو الجوازية من الحقوق الوظيفية التى حرص المشرع على تقريرها وأن منح الأجازة يعنى من باب اللزوم استغناء الجهة الإدارية عن جهود العامل خلالها وإلا كان قرار منح الأجازة ذاته مخالفا للمصلحة العامة وعليه يضحى إلزامه بعد منحه الأجازة الرجوع لها للحصول على إذن بالسفر إلى خارج البلاد وتدخل فى أموره الشخصية وقيدا على حريته ، ويكون تدخل السلطة التنفيذية ممثلة فى الجهة مصدره القرار باستلزام موافقة بعض الجهات تبعيض لحقوق الأفراد الدستورية فى السفر والتنقل داخل البلاد أو خارجها اعتداء عليها ويصم مسلك هذه الجهات بعدم المشروعية .
ومن حيث إن البين من ظاهر الأوراق – وفى حدود الفصل فى الشق العاجل من الدعوى – أن المدعى يعمل بوظيفة قاض ( نائب رئيس محكمة النقض ) وأنه يحصل على اجازات يرغب فى السفر خلالها إلى خارج البلاد أما لحضور المؤتمرات أو العلاج أو لأسباب شخصية ، ولما كانت وزارة العدل ( بالنسبة لرجال القضاء والنيابة العامة وسائر أعضاء الهيئات القضائية ) من الجهات التى حددها قرار وزير الداخلية رقم 3739 لسنة 1996 وأوجب على العاملين بها ضرورة الحصول على البطاقة الصفراء قبل السفر خارج البلاد وهو ما يمثل قيدا على حقوقهم وحرياتهم .
ومن حيث أن الجهة الإدارية لم تنكر – فى مذكرة دفاعها – أن وزارة العدل تمارس فرض قيد الموافقة على السفر للمدعى وسائر رجال القضاء والنيابة العامة وأعضاء الهيئات القضائية ومن ثم فإن مسلكها يكون – بحسب الظاهر – مخالفا للقانون ويضحى طلب المدعى قائما على سبب جدى يبرره بما يتوافر معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه .
ومن حيث إنه عن ركن الاستعجال فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على توافره فى كل ما يتصل بحقوق الأفراد وحرياتهم الدستورية ، خاصة إذا استوى ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ على عمد من المشروعية تؤيده .
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات .
"فلـــــــــــــهذه الأسبـــــــــاب"
حكمت المحكمة :
برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وبعدم قبولها شكلا ، وبقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار ، وألزمت الجهة الإدارية مصروفات الطلب العاجل ، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق