الصفحات

السبت، 16 مارس 2013

عدم مشروعية تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحاكم

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 3/7/2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور / عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / محمد أحمد الحسيني عبد المجيد مسلم، جودة عبد المقصود فرحات، عادل محمود زكى فرغلي، إسماعيل صديق محمد راشد، كمال زكى عبد الرحمن اللمعي، على فكرى حسن صالح، السيد محمد السيد الطحان، غبريال جاد عبد الملاك، د. حمدي محمد أمين الوكيل، يحيى خضري نوبي محمد.نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / حتة محمود حتة مفـــــوض الدولــة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس سكرتير المحكـــمة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 7402 لسنة 44 القضائية عليا

المقـــام من
1- وزير العدل " بصفته "
2-رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية " بصفته "

ضــــــــــــــد
خــــالد عطيـــة الله محمـــود

في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية " الدائرة الأولى "
في الدعوى رقم 2635 لسنة 2 ق بجلسة 22/6/1998

الإجـــــــراءات :
—————
في يوم الأحد الموافق 2/8/1998 أودع الأستاذ/ عبد الرحيم على عثمان النائب بهيئة قضايا الدولة نائباً عن الطاعنين بصفتهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها العمومي تحت رقم 7402 لسنة 44ق.عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية " الدائرة الأولى " في الدعوى رقم 2635 لسنة 2ق بجلسة 22/6/1998 القاضي منطوقه: ( بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر من السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية فيما تضمنه من تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الأداة بمصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.

وطلب الطاعنان بصفتهما – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم: (بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والقضاء مجدداً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتي أتتقاضى.

وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم/ بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.

وحدد لنظر الطعن أمام الدائرة الأولى عليا فحص طعون جلسة 3/1/2000 وبجلسة 19/6/2000 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى – موضوع ) وحددت لنظره أمامها جلسة 27/8/2000 وتداولت على النحو المبين بمحاضر جلساتها إلى أن قررت بجلستها المعقودة بتاريخ 17/2/2001 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991 إلى تأييد قرار السيد الأستاذ المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بإدخال نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة.

وقد عين لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 5/4/2001 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حيث أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرتي دفاع صممت في ختامهما على الطلبات المبينة بتقرير الطعن تأسيساً على أنه قد تم الاتفاق بين الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم وبعض المراكز المتخصصة في مجال خدمة الميكروفيلم لإدخال نظام هذه الخدمة في حفظ وثائق ومستندات الدعاوى المنظورة أمام المحاكم والإشراف على تطبيقه فنياً وهندسياً وإدارياً بحيث يكون المركز مسئولاً عن كافة الأعمال التي يؤديها في مقر المحكمة وفقاً للنظم التي تم الاتفاق عليها بموجب العقود التي أبرمت بشأن إدخال هذه الخدمة لذلك فقد اصدر رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية مفوضاً من جمعيتها العمومية الأمر الإداري المطعون فيه بشأن قواعد وإجراءات التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر بجميع محاكم الإسماعيلية وعلى ذلك يكون القرار الطعين قد صدر طبقاً لأحكام السلطة القضائية وفى حدود الاختصاص المخول لرؤساء المحاكم الابتدائية تفويضاً من الجمعية العمومية بها، ولا يقدم في ذلك ما ذهب إليه حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق. عليا بجلسة 19/1/1991 الذي استند إليه الحكم المطعون فيه بشأن القرار المطعون فيه بأنه قد تضمن خطراً أو مانعاً على قيد الدعاوى وفرض رسم لم يقرره المشرع لأن الأخذ بهذا النظام العالمي المستحدث الذي يعد من أكفأ الأنظمة في حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من الفقد والضياع أو العبث بها أو التلاعب في محتواها لا يعد بحال من الأحوال خطراً على قبول وقيد الدعاوى وخاصة إنه ليس في قانون المرافعات أو قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ما يمنع من تنظيم العمل بالمحاكم تمشياً مع التكنولوجيا الحديثة المتطورة أو بإدخال الأنظمة الحديثة بالمحاكم، كما أن المقابل المالي اليسير المقرر مقابل هذه الخدمة المتطورة لا يعيد قيداً أو خطراً على قيد وقبول الدعاوى كما صوره الحكم المطعون فيه لأن القيد أو الخطر معناه غل يد صاحب الشأن ومنعه من قيد دعواه على أية صورة من الصور أي منعه مطلقاً من ذلك وهذا ما لا يرمى إليه نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحاكم فضلاً عن أن هذا المقابل – الذي وصف بطريق الخطأ رسماً – وهو ليس برسم وإنما هو مقابل من المال نظير أداء هذه الخدمة، ويؤكد ذلك أن حصيلته لا تؤول إلى خزانة الدولة وإنما تؤول على المركز أو المؤسسة التي تقوم على تنفيذ هذا النظام، كما لا يرتبط في تحديد قيمته بالقيمة المالية للدعوى وإنما يكون حسب عدد أوراقها ومستنداتها وعلى ذلك لا يعد تقرير هذا النظام والعمل به مخالفاً لأحكام الدستور أو القانون باعتبار انه خدمة هامة ترمى بالفعل إلى تحقيق مصلحة المتقاضى ذاته والمصلحة العامة في ذات الوقت بالحفاظ على أوراق ومستندات الدعاوى لدى دور المحاكم وسرعة الرجوع غليها والاطلاع عليها مما يكون له أكبر الأثر في تحقيق عدالة ناجزه وسريعة بين المتقاضين.

وبجلسة 6/3/2003 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 8/5/2003 مع التصريح بتقديم مذكرات لمن يشاء في شهر، حيث لم تقدم أية مذكرات من الطرفين وبالجلسة السالفة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 5/6/2003 لإتمام المداولة وبهذه الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم إدارياً لجلسة 3/7/2003 وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق بالحكم.

المحكمـــــــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً .

ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 2635 لسنة 2ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية بموجب عريضة مودعـــة قلم كتابها بتــاريخ 24/7/1997 بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 26 لسنة 1991 الصادر من رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية وفى الموضوع بإلغاء القرار المذكور، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات على سند من القول إنه بتاريخ 1/11/1991 صدر قرار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 بتطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية فرض هذا النظام في تعاملات المحامين والأفراد والمتقاضين أمام المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية، ناعياً على هذا القرار أنه فرض هذا النظام مقابل رسمي بالمخالفة للقانون، وانتهاكاً لحرمة الدستور بدعوى أن نصوص قانون المرافعات في المواد 63 حتى 71 حددت كيفية رفع الدعوى وقيدها أمام المحكمة بإجراءات واجبة التنفيذ وعلى سبيل الحصر ولا يجوز فيها التأويل أو التفسير وإن تقرير نظام الميكروفيلم يعتبر قيداً على حق التقاضي ويشكل مخالـفة لـنص الـمادة 68 مـن الدستـور، كـما إنه يخالـف نصوص الـقانـون رقـم 90 لسنة 1944 بشان الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية المتضمن قواعد تقرير رسوم الدعوى و أحوال تخفيضها وكيفية حسابها، وكذلك مخالفة المادة 119 من الدستور التي تنص على أن إنشاء الضرائب العامة إن تعديلها أو إلغاؤها لا يكون إلا بقانون، كما إنه يتضمن إخلالاً بسرية التقاضي والانحراف بالسلطة، كما إنه صدر معيباً بعيب غصب السلطة وهى سلطة المشرع المنوط به إصدار القوانين.

وبجلسة 22/6/1998 أصدرت محكمة القضاء الأدرى بالإسماعيلية " الدائرة الأولى " حكمها المطعون فيه.

وشيدت المحكمة قضاءها – بعد استعراض نصوص المواد 165،69،68 من الدستور و15 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية و63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية و37 و 51 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية في المواد المدنية – على أن البادي من ظاهر الأوراق أن رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية أصدر بتاريخ 1/11/1991 القرار رقم 26لسنة 1991 متضمناً تطبيق نظام التوثيق الميكروفيلمي للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى بمحكمة الإسماعيلية الابتدائية وجزئياتها وحدد خطوات قيد الدعاوى الجديدة وإلزام أصحاب الشأن بالتقدم إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية بالعريضة والمستندات ليقوم المركز بتقدير وتحصيل الرسوم المستحق لتوثيق تلك الأوراق وقرر عدم قبول عرائض الدعاوى أو مستنداتها أو أية أوراق متعلقة بها إلا بعد التحقق من توثيقها بالميكروفيلم وختمها بالخاتم الخاص بذلك، كما خطر تسليم صور الأحكام أو الشهادات أو المستندات أو الاطلاع عليها إلا بعد اتخاذ إجراءات التوثيق الميكروفيلمي وإلزام أمين السر بتكليف أصحاب الشأن بسداد قيمة توثيق جميع المستندات والأوراق كل فيما يخصه بخزينة الميكروفيلم وبذلك يكون رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية قد وضع قواعد تنظيمية عامة بقرار إداري يقيد به اطلاع الخصوم على أوراق ومستندات الدعاوى الأمر الذي يشكل قيداً على الاطلاع لم يرد به نص في قانون المرافعات، فضلاً عما ينطوي عليه تلك القيود من إخلال بحق الدفاع وتدخل في سير الدعاوى على نحو يتعارض مع اختصاص القاضي الذي ينظر الدعوى صاحب الحق الوحيد في الترخيص بالاطلاع من عدمه وفقاً لما يراه محققاً وكافلاً لحق الخصوم في إبداء دفاعهم في الدعوى، كما إنه يكون بذلك قد فرض رسوماً بالمخالفة لصريح أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية والتي نصت عليها المادتين 51،37 منه والمادة 35 من قانون الرسوم أمام المحاكم الشرعية الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1991 وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991 على حسب الظاهر من الأوراق قد صدر بالمخالفة الصارخة لأحكام الدستور والقانون لما قدره من وضع قيود وفرض رسوم على رفع الدعاوى وقيدها أمام المحاكم والاطلاع عليها يغير الطريق المقرر قانوناً وبأداة أدنى من التشريع اللازم لفرض الرسم في مثل هذه الحالة ومن ثم يكون ركن الجدية قد توافر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، كما يتوافر ركن الاستعجال فيه لما يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار الطعين إلحاق أضرار بالمدعى وجمهور المتقاضين يتعذر تداركها تتمثل في تعطيل وتأخير قيد الدعاوى وإفشاء أسرارهم.

ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها أن القرار المطعون فيه لا يحمل في مضمونه ومحتواه سوى تنظيم وتحديث إجراءات التقاضي بما في ذلك حفظ أوراق ومستندات الدعاوى من التلف أو الضياع بما لا شك فيه تحقق الفائدة القصوى للمتقاضين من هذا التطور الحديث. حيث إنه يحق للسلطة العامة أن تتدخل في أي وقت لتعديل سير المرافق العامة دون أن يؤثر في استعمالها لهذا الحق اعتبار غير المصلحة العامة وجهة الإدارة تتولى إدارة وتنظيم المرفق العام بما يتلاءم وطبيعة المرفق ونوع الخدمات التي يؤديها وكيفية انتفاع الجمهور به، فإذا ما ظهر في أي وقت من الأوقات أن هذا التنظيم لم يعد يتفق مع المنفعة المرجوة أو أن هناك تنظيماً يكفل أداؤها على وجه افضل كان لها أن تلجأ إلى تنظيم المرفق ولها أن تفرض رسوماً على الانتفاع أو تخفف الرسوم الموجودة أو تشدد من الرسوم المتطلبة وحق الإدارة في هذا الشأن لا يقيده إلا بمراعاة الصلح العام، ولا يمكن أن يقيدها في ذلك اعتبارات مستمدة من حق يدعى اكتسابه لموظف المرفق العام أو للمنتفعين، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ما تقدم، وخلط بين الرسوم التي فرضها القانون على إجراءات التقاضي، وبين تلك التي تحددها الإدارة بحسبانها القوامة على المرفق العام بما يكفل حفظ أوراقهم ومستنداتهم من العبث أو التلف بما يكفل بالتالي حسن أداء المرفق وتطوير خدماته التي تؤدى للجمهور المنتفع بما يكون معه الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.

ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول طبيعة الرسوم المقررة مقابل تأدية الخدمات الميكروفيلمية بمقتضى القرار المطعون فيه رقم 26 لسنة 1991 م الصادر من السيد المستشار / رئيس محكمة الإسماعيلية بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية والذي قصد به إنشاء نظام جديد ملزم للعاملين بالمحاكم وأصحاب الشأن من المتقاضين والسادة المحامين – والذي راعى في وضع تقدير تلك الرسوم أو المقابل المالي لتلك الخدمات الحديثة وزن الضوابط والاعتبارات التي رؤى استهدفها من وراء تزويد دور المحاكم بالوسائل العلمية الحديثة وما تحققه من مزايا عديدة في هذا الشأن ، حيث لم يقتصر النزاع الماثل بشأنها حول أساس الالتزام بأسعار الخدمة الميكروفيلمية ، وإنما امتد حول ما إذا كانت القواعد المقررة في هذا النظام مستقلة بما جاء بقوانين الرسوم القضائية باعتبار أن مجال كل منها مختلف عن الآخر ، وأنه لا حرج في اختلاف أسس التقرير الموضوعة لكل منهما وقواعد وإجراءات تحصيل تلك الرسوم لاختلاف الغاية التي يقصد إليها كل منهما مما يتطلب إجراء التناسق بين أحكامها وإعمال كل منهما في مجاله الخاص به ، مما يقتضي العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق.عليا بجلسة 19/1/1991 وتأييد القرار الطعين أم أن القواعد التي اشتمل عليها القرار المطعون فيه تشكل خروجاً على أحكام الدستور ومخالفة لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وقوانين الرسوم القضائية – وأخصها : 1- القانون رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية 2- القانون رقم 70 لسنة 1964 بشأن مرسوم التوثيق والشهر – في خصوص ما ورد في كل منها بشأن حقوق وقواعد التقاضي والإجراءات القضائية .

ومن حيث إن الثابت أن الطعن الماثل أحيل إلى هذه الهيئة لنظره في ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق.عليا بجلسة 19/1/1991 .

ومن حيث إنه يبين من استقراء هذا الحكم الصادر في الطعن رقم 2748 لسنة 32 ق.عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري " دائرة منازعات الأفراد والهيئات " بجلسة 6/5/1986 في الدعوى رقم 2596 لسنة 39ق – حيث إن هذه الدعوى كانت قد أقيمت بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الأمر الإداري الصادر من السيد الأستاذ المستشار / رئيس محكمة الجيزة الابتدائية بفرض نظام الميكروفيلم بكافة جزئياته ، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات .

وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 6/5/1986 بقبول تدخل السيد /عبد الراضي محمد عبد العزيز خصماً منضماً للمدعي (الطاعن) وبعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري وألزمت المدعي والمتدخل بالمصروفات، وأقامت قضاءها بعد قبول الدعوى على أن القرار المطعون فيه لا تتوافر في شأنه مقومات القرار الإداري لكونه مجرد أوامر أو تعليمات داخلية لتنظيم العمل بالمحكمة ، ملزمة للعاملين بها ، مستهدفة رعاية مصالح المتقاضين ومن ثم لا يدخل في عداد القرارات الإدارية التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطعون المقامة عليها .

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بجلسة 19/1/1991 في الطعن المشار إليه " بقبوله شكلاُ وبإلغاء الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء القرارات المطعون فيها على النحو المبين بالأسباب وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات "

وأسست المحكمة حكمها على أن الثابت من الأوراق أنه بناء على موافقة السيد / وزير العدل بتاريخ 31/1/1984 على ما اقترحته محكمة الجيزة الابتدائية بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمبنى الجديد للمحكمة ، فقد أبرم عقد بتاريخ 27 من سبتمبر سنة 1984 بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم التابعة لوزارة العدل ومركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات " أبروماك " وذلك لتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية في مبنى محكمة الجيزة الابتدائية ، وإنه إعمالاً لأحكام هذا العقد وبمناسبة ، بدء العمل بنظام الخدمة الميكروفيلمية بمحكمة الجيزة الابتدائية فقد أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة بتاريخ 5/1/1985 المنشور رقم (1) ونص في البند أولاً منه على أنه : ( يراعى عدم قبول أية مستندات أو أوراق في الدعاوى إلا بعد التحقق من تصويرها ميكروفيلمياً وختمها بالختم الخاص بذلك ، كما نص البند ثانياً من المنشور على أنه : ( على السادة الرؤساء والقضاة بالحكمة مراعاة ذلك والتنبيه على أمناء السر بالالتزام بذلك وكذا التنبيه عليهم بعدم تمكين أي من الاطلاع على ملفات القضايا ويكون الاطلاع من مركز الخدمة الميكروفيلمية فقط وبتاريخ 29/1/1985 أصدر السيد المستشار / رئيس المحكمة أمراً إدارياً نص البند الأول منه على أنه : ( عند تقديم طلب من ذوي الشأن للإطلاع على القضايا أو مستنداتها أو أي أوراق بها ينفذ الآتي : 1- يبين في هذا الطلب المستند والأوراق المطلوب الاطلاع عليها 2- …………

وبتاريخ 24/4/1985 صدر أمر إداري تال نص البند أولاً منه على أنه ينبه على جميع أمناء السر وكتبة الجلسات بالمحكمة بتسليم كافة القضايا المتداولة أو التي يكون قد صدر فيها أحكام فرعية أو قرارات شطب أو صلح أو وقف أو ترك الخصومة أو أي أحكام أخرى لمركز الميكروفيلم لاتخاذ اللازم نحوها ثم إصدار السيد المستشار / رئيس المحكمة أمراً إدارياً لاحقاً بتاريخ 17/7/1985 نص البند ثالثاً منه على تسليم العاملين بالميكروفيلم الصورة الأصلية للحكم متى طلب تصويره ثم تعاد فوراً وترفق بالدعوى .

وأخيراً وبتاريخ 10/8/1986 صدر قرار يقضي بالتنبيه على السادة المتقاضين والمحامين الراغبين في الإطلاع الاستعلام من مكتبة الميكروفيلم عن وجود الدعوى بالمركز أم لا وذلك قبل ملأ النموذج الخاص بالاطلاع .

وبعد استعراض المحكمة لنصوص المواد 167.165.69.68 من الدستور و 161.160.159.158.15 من القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية .

خلصت المحكمة إلى أن مؤدى قرار رئيس المحكمة المطعون عليه بتقريره الالتزام بعدم قبول أوراق الدعاوى ومستنداتها قبل تصويرها ميكروفيلماً وسداد المقابل المقرر لذلك يكون في حقيقته إنشاء لقيد جديد على رفع الدعوى لم يرد به نص في قانون، وعلى ذلك فلا يسوغ لقلم الكتاب أن يجحف الخصومة عن قاضيها المرفوعة أمامه أو أن يمتنع عن قبول الصحيفة ، كما لا يجوز لأية جهة قضائية أو غير قضائية أن تضع من القيود أو تضيف من الشروط ما يعطل ممارسة هذا الحق أو يعوقه تحت أي سبب من الأسباب ، كما أن القرار المذكور قد فرض رسوماً بالمخالفة لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 سالف الذكر في حين أن المتقاضين يكونون غير ملزمين منذ رفع الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وتنفيذه أو الطعن عليه والاستشكال في تنفيذه وغير ذلك من أمور تتعلق بالخصومة القضائية والسير فيها إلا بما قرره القانون المذكور من رسم من حيث حالات الاستحقاق ومقدار الرسوم والإعفاء منه، بحيث لا يسوغ تحت أي اعتبار تحميل المتقاضين برسوم أو نفقات لم يرد النص على تقريرها أو على أساس فرضها في القانون فضلاً عن أنه لا يسوغ أيضاً تحت أي سبب أو دافع إشراك غير أعوان القضاء سواء من العاملين أو ن غير العاملين في سير العملية القضائية حفاظاً على سرية الأوراق والمستندات ، ونظراً لما يقتضيه العمل القضائي من صفات قدر المشرع أنها تتوافر فيمن يختار لهذا العمل وألزمه بحلف اليمين ورسم له قواعد أداء العمل في حدود ما نص عليه قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية وذلك على الوارد تفصيلاً بأسباب الحكم .

اختتمت المحكمة بسبابها التي بنى عليها حكمها المشار إليه بان الأوامر والمنشورات التي صدرت عن السيد الأستاذ المستشار / رئيس محكمة الجزة الابتدائية سالفة الذكر تكون في حقيقتها قرارات إدارية انطوى على مخالفات جسيمة لأحكام الدستور و القانون رغم ما يبدو في ظاهرها من تنظيم اتباع أسلوب تكنولوجي متقدم وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى وذلك لما شابها من عيوب تمثلت في غصب سلطة التشريع بوضع قيود لم يرد بها نص في القانون على إقامة الدعوى مع الإخلال يحق الخصوم في الدفاع هذا فضلاً عن فرض رسوم بغير الطريق الذي رسمه القانون وإشراك غير أعوان القضاء في إدارة وتنفيذ العمليات الإدارية والقضائية المرتبطة بسير الخصومة منذ إقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها, وهو ما يجعلها مشوبة بعيوب جسيمة تجعلها منعدمة الأثر قانوناً الأمر الذي يستوجب القضاء بإلغائها نزولاً على الشرعية وسيادة الدستور والقانون هذه السيادة التي يتعين أن تعلو على إرادة كل فرد وكل جماعة وكل سلطة في الدولة وأنه يخضع لها كل تصرف أو قرار إداري, حتى ولو كانت غايته الظاهرة الأخذ بأساليب العلم والتكنولوجيا الحديثة, كما هو الأمر بشأن موضوع الطعن الماثل حيث لا نفع ولا قيمة لذلك ما لم يحقق الاحترام للنظام العام القضائي ويؤكد حق الدفاع أمام المحاكم ولا يمس أحاكم الدستور أو يهدر أحكام القانون.

ومن حيث إن الثابت من مطالعة قرار السيد المستشار / رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 الصادر بتاريخ 1/11/1991 – مثار النزاع الماثل – بشأن قواعد وإجراءات نظام التوثيق الميكروفيلمي للدعاوى والأوامر والعقود التجارية بمجمع محاكم الإسماعيلية بعد أن أشار في ديباجته إلى : العقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقاري ومؤسسة الأهرام بشأن تنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بمجمع محاكم الإسماعيلية.

والقرار الوزاري باعتماد قواعد وإجراءات التشغيل والمحاسبة المالية لنظام التوثيق الميكروفيلمي للمستندات والأوراق وملفات الدعاوى.

فقد نص في البند أولاً منه على أن : ( على ذوى الشأن التقدم إلى مركز الميكروفيلم بالمحكمة لتسجيل صحف الدعاوى والعرائض والطلبات والأوامر " ميكروفيلمياً " بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المبرم بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم والشهر العقاري ومؤسسة الأهرام والمعلن عنه بمركز الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة وختمها بخاتم المركز……………….)

كما نص في البند ثانياً منه على أنه : ( على ذوى الشأن تقديم مستنداتهم …….. إلى مركز الميكروفيلم لختمها بعد سداد المقابل المحدد بالعقد المشار إليه بالبند أولاً وقبل تقديمها إلى المحكمة أو القاضي الآمر…….)

ونص في البند الثالث منه على أن : ( على ذوى الشأن عند اتخاذهم أي إجراء من إجراءات التقاضي, بعد رفع الدعوى التقدم أولاً بأوراق ذلك الإجراء إلى مركز الخدمة الميكروفيلمية لتسجيله قبل تقديمه إلى قلم الكتاب المختص أو إيداعه به. )

ونص في البنـد الرابــع منـه على أن : ( وعلى قلم الكتاب تقديم الأوراق الخاصة بتنفيذ قرارات المحكمة وكذا ما يرد من تقارير خبراء أو غيرها إلى مركز الميكروفيلم لتسجيلها )

ونص في البند السادس منه على أنه : ( بالنسبة للدعاوى المجددة من الشطب أو المعجلة من الوقف أو الانقطاع , على طالب التجديد أو التعجيل تسجيل صحيفته بمركز الميكروفيلم قبل تقديمها إلى قسم الجدول, فإذا كانت الدعوى غير مسجلة ميكروفيلمياً, التزم صاحب الشأن بسداد مقابل التسجيل الميكروفيلمي كاملاً بالنسبة لجميع أوراق الدعوى ومستنداتها.

ونص في البند السابع منه على أن : ( يراعى عدم تسليم أصحاب الشأن أية صورة رسمية مما حوته الدعوى …. إلا من خلال مركز الخدمة الميكروفيلمية )

ونص في البند الثامن منه على أن : ( يلزم أمناء السر بتسليم ملف الدعوى إلى مركـز الميكروفيلــم خلال ثلاثة أيام فقط من تاريخ توقيع القاضي على نسخة الحكم الأصلية )

وأخيراً نص في لبند التاسع منه على أن : ( بالنسبة لتسجيل ملفات عقود الشركات وتعديلاتها يقوم مركز الميكروفيلمية بالمحكمة بتسجيل ملخصات عقود الشركات المراد شهرها وتعديلاتها بعد سداد مقابل الخدمة الميكروفيلمية, وذلك قبل قيدها بسجلات القسم التجاري.)

ومن حيث إنه يتضح بجلاء من مطالعة بنود القرار المطعون فيه أنه قد فرض مقابلاً مالياً نظير الخدمات الميكروفيلمية المشار إليها فيه, وأنه قد توافرت في شأن أسعار هذه الخدمة الميكروفيلمية خصائص الرسوم على أساس أنها مبلغ محدد من النقود, يسدد جبراً عن أصحاب الشأن من المتقاضين ويبدو عنصر الجبر واضحاً في استقلال مصدر هذا القرار بوضع نظامه القانوني من حيث تحديد مقداره وحالات استحقاقه وطريقة تحصيله, وأن هذا السعر يدفع مقابل انتفاع صاحب الشأن بالخدمة الميكروفيلمية وأنه يترتب على هذه الخدمة تحقيق نفع خاص إلى جانب النفع العام, ويبدو هذا واضحاً بين أسعار الخدمة الميكروفيلمية التي يدفعها المتقاضون نظير خدمة مرفق القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص للمتقاضى لا يشاركه فيه غيره من الأفراد يتمثل في تمكين صاحب الشأن من الرجوع إلى الأوراق والمستندات المودعة بملف الدعوى والاطلاع عليها في سهولة ويسر والحفاظ على صور مستنداته وأوراقه التي أودعها بملف الدعوى خشية فقدها أو التلاعب فيها وفى ذلك مراعاة لمصالحه الخاصة حتى يتم حصوله على حقه وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك وفى نفس الوقت تحقيق نفع عام يتمثل في تقديم أساليب متقدمة للحفاظ على المستندات والأوراق وتيسير إجراءات التقاضي وتحقيق سرعة الفصل في الدعاوى وبذلك يستفيد لمجتمع نتيجة استقرار الحقوق فيه وإقرار العدل وتوفير العدالة لأفراده.

ومن حيث إنه ليس صحيحاً التعلل بما ذهبت إليه جهة الإدارة الطاعنة من أن القرار الطعين قد استهدف استحداث نظام حديث لتيسير التقاضي وان المقابل المالي للخدمة الميكروفيلمية لا يعتبر رسماً بدعوى أن حصيلته تؤول إلى خزينة الشركة القائمة على هذه الخدمة وليس لخزانة الدولة ذلك لان تطوير نظام الخدمة التي يؤديها المرفق العام مسايرة للتقدم العلمي والتكنولوجي والاستفادة من منجزاته ،يلقى على عاتق المشرع التزاما بمواكبة هذا التقدم نزولا على مقتضيات المحافظة على الشرعية وسيادة القانون ، بما لا يجوز معه تطوير هذه الخدمة وتحديثها إلا من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما توجبه من أجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة ، كما انه لا وجه للتحدي بان مقابل الخدمة الميكروفيلمية لا تعتبر رسما تأسيسا على أن حصيلة هذا المقابل لا تذهب إلى الخزانة العامة ذلك أنة لما كان من المتفق علية أن الغرض الأساسي من اقتضاء الرسوم مقابل الخدمة التي يؤديها المرفق العام هو غرض مالي فجهة الإدارة تستهدف من فرض الرسم الحصول على إيرادات للخزانة العامة تواجه بها جزء من النفقات العامة التي تتحملها الخزانة العامة في سبيل توفير هذه الخدمة ، ولما كان الثابت أن مقابل هذه الخدمة الميكروفيلمية لا تتحمله وزارة العدل ، ولا تتحمل آية نفقات في هذا الشان طبقا للعقد المبرم بينها وبين الشركة القائمة على هذه الخدمة ومن ثم فان تحصيل هذه الرسوم والتي تؤول حصيلتها لخزانة الشركة ، تمثل نفقة الخدمة الميكروفيلمية وبالتالي فإنه وان كانت وزارة العدل لا تتحمل أية نفقة في مقابل هذه الخدمة فإن ذلك لا يغير من طبيعة هذا المقابل كرسم .

ومن حيث إنه من المقرر دستوراً وقانوناً أن الرسوم القضائية تعتبر مساهمة من جانب المتقاضين مع الدولة في تحمل نفقات مرفق القضاء ، والسبيل في ذلك فرض الرسوم القضائية بالأداة التشريعية المقررة دستوراً .

ومن حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور قد مايز بنص المادة 119 منه – بين الضريبة العامة وبين غيرها من الفرائض المالية سواء من حيث أداة إنشاء كل منها أو من حيث مناطها ، فالضريبة العامة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها ، إسهاماً من جهتهم في الأعباء المالية ، دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها ، في حين أن مناط استحقاق الرسم قانوناً أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها كمقابل لتكلفتها.وإن لم يكن بمقدارها ، ومن ثم فإن تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية بوجه عام – ومنها دعـاوى الـقسمة – عـوضاً عـما تتكبده الدولة من نفقة في سبيل تسيير مرفق العدالة – لا ينطوي على إخلال بحق الملكية أو بالحق في الميراث .
وحيث أن النص الطعين – بعدم الدستورية – نص المادة 75 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية في شأن تقدير الرسوم النسبية – لا يتضمن مساساً بحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة وإلزام الدولة بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في الدعاوى لأن ذلك لا يتعارض ومساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة على الوجه الذي لا يرهق وصول الحقوق لأصحابها ( حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 136 لسنة 21ق دستورية جلسة 5/5/2001 ) .
ومن حيث أنه – بالبناء على ما تقدم جميعه – فإنه لما كان من المقرر أن الدستور لم يستلزم لفرض الرسم صدور قانون بتقريره بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون ، ومن ثم فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض ، وأن يكون ذلك في حدود إجازاتها وإلا كان هذه القرارات باطلة دستورياً وافتقدت أساس الإلزام بها .
ومن حيث أن خلاصة القول في ذلك كله ، فإن السبيل الوحيد لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تسيير مرفق العدالة زيادة الرسوم القضائية المقررة في قوانين الرسوم القضائية و التوثيق والشهر أو صدور قانون بفرض الرسم ، وهذا ما أكده مسلك المشرع بإصدار القانون رقم 8 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 96لسنة 1980 بفرض رسم إضافي لدور المحاكم .
ومن حيث أنه متى ثبت ما تقدم ، فإن القرار المطعون فيه يشكل خروجاً على مبدأ المشروعية الدستورية غايتها أن تكون النصوص القانونية والقرارات الإدارية مطابقة لأحكام الدستور وتتبوأ هذه الشرعية قمة البنيان القانوني في الدولة وذلك لما شابه من عيب تمثل في غضب سلطة المشرع بفرض رسوم بالمخالفة لحكم المادة 119 من الدستور .
ومن حيث أنه لا يغير من ذلك القول بأن القرار الطعين كان يستهدف تنظيم مرفق القضاء بأساليب علمية حديثة عن طريق اتباع أسلوب تكنولوجي متقدم بإدخال نظام الميكروفيلم لتصوير القضايا و حفظها حتى يمكن الرجوع إليها بسهولة وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى , فإن مواجهة متطلبات العصر الحديث و الاستفادة من الثورة العلمية والتكنولوجية و استخدام أحدث الوسائل العلمية في تدعيم نظام المحاكم و تطوير عمل الهيئات القضائية كإدخال نظام الحاسب الإليكتروني لتخزين وضبط المعلومات والرجوع إليها بسهولة ، ونظام الخدمة الميكروفيلمية وغيرها من مخترعات العلم الحديث ومنجزات التقدم التكنولوجي ، فإن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع بزيادة الرسوم القضائية لتقرير مساهمة المتقاضين في نفقات تلك الخدمات إعمالاً لمبدأ الشرعية وسيادة القانون .
ومن حيث أنه من جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه قد تضمن قواعد تنظيمية عامة بقرار إداري بشأن نظام الخدمة الميكروفيلمية , فإنه للوصول إلى الرأي الراجح في المسألة المطروحة بشأن عما إذا كانت هذه القواعد تخالف نصوص قوانين أخرى من عدمه ، فإنه يتعين الرجوع إلى النصوص الحاكمة في هذا الشأن بداءة بالدستور الذى أفرد الباب الرابع منه لبيان المبادئ الدستورية التي يقـــوم عليها عنوان هذا الباب " سيادة القانون " ومنها خضوع الدولة للقانون ، واستقلال القضاء وحضانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق و الحريات وكذا حق التقاضي ، وحق الدفاع ، كما أفرد المشرع الدستوري الفصل الرابع من الباب الخامس لبيان الأحكام الدستورية المتعلقة "بالسلطة القضائية " وأناط المشرع العادي تنظيم السلطة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها .
ومن حيث أنه من المقرر أن الحقوق التي كفلها الدستور ومنها حق التقاضي ، وحق الدفاع ، فإنها ليست حقوقاً مطلقة ، وإنما يجوز تنظيمها تشريعياً بما لا ينال من محتواها إلا بالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور .
ومن حيث أن المشرع أصدر التشريعات المنظمة لحق التقاضي وحق الدفاع ، وتنظيم الوظيفة القضائية وتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وإجراءات الالتجاء إلى القضاء ومنها قانون المرافعات وقوانين الرسوم القضائية والتوثيق و الشهر وقانون السلطة القضائية رقم 46لسنة 1972 .
إذ ثبت من مطالعة الحكم المطعون فيه – والذي أستند في قضائه إلى حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه سلفاً – قد تناول في أسبابه العيوب الأخرى التي أعتورت القرار الطعين بتحميله المتقاضين رسوم أو نفقات بالمخالفة للقانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 يشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية فضلاً عن انطوائه على وضع قيود على حق التقاضي وحق الدفاع والاختصاص الولائي للدائرة التي تنظر الدعوى لم يرد بها نص في القانون بالمخالفة لأحكام قانون المرافعات ، كما يتضمن مشاركة العاملين بالشركة القائمة على نظام خدمة الميكروفيلم لأعوان القضاء في سير العمل الإداري و القضائي بالمحاكم بالمخالفة لأحكام قانون السلطة القضائية آنف الذكر .
ومن حيث أنه متى كان الأمر كذلك ، وكان الثابت أن قرار السيد المستشار رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية رقم 26 لسنة 1991 المطعون فيه فيما تضمنه من قواعد تنظيمية عامة بشأن تطبيق نظام الخدمة الميكروفيلمية بمحاكم الإسماعيلية قد شابه عيوب جسيمة طبقاً لما سلف بيانه ن مما يوصمه بعدم المشروعية ، مما يتعين معه عدم العدول عن المبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2748 لسنة 32ق.عليا بجلسة 19/1/1991 وإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك .
فلهــــــــذه الأسبـــــــــاب

حكمت المحكمة
بعدم مشروعية القرار المطعون فيه على النحو المبين بالأسباب وقررت إحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك .

رئيس المحكمة سكرتير المحكمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق