الصفحات

السبت، 16 فبراير 2013

نص الحكم ببطلان قرار وزير العدل بمنح رجال الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية الضبطية القضائية


باسم الشعب

مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم الثلاثاء الموافق 26/6/2012 م
برئاســة السيد الأستاذ المستشار / علي فكري حسن صالح      نائب رئيس مجلس الدولة
ورئيس محكمة القضاء الإداري
وعضوية السيد الأستاذ المستشار  / عبد السلام عبد المجيد النجار      نائب رئيس مجلس الدولة
 والسيد الأستاذ المستشار   / سامي رمضان درويش                  نائب رئيس مجلس الدولة
وحضــور السيد الأستاذ المستشار / أحمد خليفة                       مفوض الدولة
وسكرتاريــة السيـــــد        / سامي عبد الله خليفة                     أمين السر

أصدرت الحكم الآتي في الدعاوى:
1 - رقم 46266 لسنة 66ق
المقامة من/
محمد حامد سالم السيد
ضد/
وزير العدل بصفته

2 - رقم 46269 لسنة 66ق
المقامة من/
ناصر محمد أمين
ضد/
وزير العدل بصفته

3-  رقم 46272 لسنة 66ق
المقامة من /
شحاتة محمد شحاتة
ضــد/
وزير العدل  بصفته

4- رقم 46282  لسنة 66ق
المقامة من/
1- خالد علي عمر 2- حسام الدين محمد علي بهجت
3- بهي الدين محمد حسن 4- أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد
5 – نديم عبد الله منصور
ضـد/
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته  2 - وزير العدل بصفته
3 - وزير الدفاع بصفته 4 - النائب العام بصفته
5 - رئيس هيئة القضاء العسكري بصفته 6 - المدعي العام العسكري بصفته

5- رقم 46337 لسنة 66ق
المقامة من/
1- عبد المنعم عبد المقصود متولي 2- محمد السعيد طوسون
محمد الماطي 4- كامل مندور  5- ناصر سالم الحافي
6- سيد حسين جاد الله 7- أسامه الحلو 8 – جمال الدين تاج الدين حسن
9 – علي جمال 10 – حاتم عبد الوهاب 11 – جمال حنفي جمال
12 - مختار العشري 13 - محمد علي السيد 14 - بسام العريان
15 - حسن صالح أحمد 16 - مصطفى الدميري 17 - عزت عيد غنيم
ضـد/
وزير العدل بصفته

6 - رقم 46435 لسنة 66ق
المقامة من/ حامد صديق سيد مكي
ضـد/
1- وزير العدل بصفته  2 - وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته

7- رقم 46447 لسنة 66ق
المقامة من/ محمد سعيد محمد عبد الرحيم
ضـد/
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته
2- رئيس مجلس الوزراء بصفته  3- وزير العدل بصفته

8- الدعوى رقم 46503 لسنة 66ق
المقامة من:
1- طاهر عطية أبو النصر 2- مها محمود يوسف 3 – روضة أحمد سيد
ضـد/
1- رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته  2 - وزير العدل بصفته
9 – رقم 46509 لسنة 66ق
المقامة من/ عادل محمد شرف الدين
ضـد/ وزير العدل بصفته

10 - رقم 46510 لسنة 66ق
المقامة من:/
محمد عبد العال محمد
ضـد/
وزير العدل بصفته

11-  رقم 46554 لسنة 66ق
المقامة من/
عاصم عمر محمد قنديل
ضـد/
وزير العدل بصفته

( الوقائــع )

تخلص عناصر هذه الدعاوى في أنه عقد لواء الخصومة فيها بموجب صحف أودعت قلم كتاب المحكمة في يوم الخميس الموافق 14/6/2012 – عدا الدعوى رقم 46554 /66ق فأودعت في يوم الأثنين الموافق 18/6/2012 – ويطلب المدعون في هذه الدعاوى الحكم بقبولها شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير العدل رقم 4991 /2012 ، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلانه، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد شيد المدعون طلباتهم على القول بأنه بتاريخ 4/6/2012 أصدر وزير العدل القرار رقم 4991/2012 – والذي نشر بجريدة الوقائع المصرية في 13/6/2012 – منح بموجبه ضباط ، وضباط صف المخابرات الحربية ، وضباط ، وضباط صف الشرطة العسكرية – الذين يمنحون سلطة الضبط القضائي من وزير الدفاع أو من يفوضه – صفة مأموري الضبط القضائي في الجرائم التي تقع من غير العسكريين والمنصوص عليها في الأبواب : ( الأول والثاني والثاني مكرر والسابع والثاني عشر والثالث عشر) من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وفي الباب الخامس عشر والباب السادس عشر من الكتاب الثالث من ذات القانون، وأن يسري على مأموري الضبط القضائي المذكورين الأحكام المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية . ويرى المدعون أن وزير العدل بإصداره لهذا القرار قد خالف صحيح القواعد الدستورية والقانونية، إذ خالف الإعلان الدستوري في مواده من المادة 8 حتى المادة 17 والتي حصنت الحقوق والحريات العامة والخاصة وحظرت المساس بها، كما خالف المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية فيما قررته من ضوابط يجب أن يلتزم بها وزير العدل عند تخويل صفة مأمور الضبط القضائي. وانتهى المدعون إلي أن القرار المطعون فيه يمثل اعتداءً صارخاً على الحريات العامة وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعلى نحو يوجب الحكم بإلغائه.
واستطرد المدعون أن في استمرار تنفيذ هذا القرار ما يشكل خطورة على حريات المواطنين يتوافر بها حالة الاستعجال الموجبة لوقف تنفيذه.
وانتهى المدعون إلي طلباتهم المتقدم بيانها.
وقد نظرت هذه الدعاوى جميعاً بجلسة 19/6/2012 وفيها قدم المدعي في الدعوى رقم 46266/66ق حافظة طويت على صورة من القرار المطعون فيه، وقدم المدعون في الدعوى رقم 46282/66ق ثلاث حوافظ طويت على عدد 21 قراراً صادراً عن وزير العدل بتخويل بعض الموظفين بجهات حكومية مختلفة صفة مأمور الضبط القضائي ، كما قدموا مذكرة دفاع طالعتها المحكمة.
وطلب الحاضر عن المدعى عليهم التأجيل للاطلاع والرد على طلبات المدعين.
وقررت المحكمة ضم الدعاوى جميعاً إلي الدعوى الأولى رقم 46266/66ق للارتباط وليصدر فيها حكم واحد، والتأجيل لجلسة 26/6/2012 بناء على طلب الحاضر عن الجهة الإدارية للإطلاع والرد.
وبجلسة اليوم 26/6/2012 قدم محامي الحكومة مذكرة دفاع خلص فيها إلي الدفع بعدم اختصاص المحكمة – والقضاء عموماً – بنظر الدعاوى، وبعدم قبول الدعاوى لانتفاء القرار الإداري ولانتفاء الصفة والمصلحة، واحتياطياً: طلب الحكم برفض الدعاوى جميعاً وإلزام المدعين المصروفات.
وقررت المحكمة حجز الدعاوى ليصدر فيها الحكم في آخر جلسة اليوم. حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
 (( المحكمــة ))
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعات ، وبعد المداولة.
 من حيث إن المدعين يطلبون الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير العدل رقم 4991 لسنة 2012، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصاريف.
وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى على سند من أن القرار المطعون فيه يدخل في نطاق الأعمال التشريعية التي تنأى عن رقابة القضاء وأن القرار المطعون فيه متعلق بأعمال الضبط القضائي والتي تختلف عن أعمال الضبط الإداري بحيث تخضع الثانية دون الأولى لرقابة المشروعية التي يمارسها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فإنه مردود بأن التفويض التشريعي الذي تضمنته المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية لا يؤثر على طبيعة القرار المطعون فيه كقرار إداري استكمل مقوماته التي تخضع لرقابة القضاء الإداري للتأكد من مشروعيته، فضلاً عن أن الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة قد تضمنت إفصاح جهير حكماً فريداً مؤداه اعتبار حالات منح صفة الضبطية القضائية متى وردت في قوانين أو مراسيم أخرى خلاف قانون الإجراءات الجنائية كأنها قرارات إدارية صادرة عن وزير العدل ، الأمر الذي يقطع بالصفة الإدارية للقرار المطعون فيه . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المحكمة لا تتعرض لعمل من أعمال الضبط القضائي وإنما تتعرض للقرار الذي منحهم تلك الصفة وهو بطبيعته قراراً إداري على نحو ما تقدم، إذ أن وزير العدل قد أفصح عن إرادته الملزمة بما له من سلطة بمقتضى عجز المادة (23) من القانون المشار إليه بقصد إحداث – مركز قانوني يتمثل في إسباغ صفة الضبط القضائي على كل من ضباط وضباط صف المخابرات الحربية والشرطة العسكرية . الأمر الذي يضحى معه الدفع المبدى في هذا الشأن قائماً على غير سند سليم من الواقع والقانون جديراً بالالتفات عنه.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري ، فقد تكفل الرد على الدفع السابق بالرد عليه ، الأمر الذي تلتفت معه المحكمة عن التعرض له منعاً للتكرار.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة فإنه مردود بأن المدعين مواطنون مصريون وأن القرار المطعون فيه يؤثر تأثيراً مباشراً على مراكزهم القانونية لتعلقه بمسألة تمس جوهر الحقوق والحريات الشخصية للأفراد والتي كفلتها الدساتير المتعاقبة والإعلان الدستوري الحالي ومن ثم فقد بات لهم مصلحة شخصية مباشرة وصفة في إقامة تلك الدعاوى بحسبان أن الصفة والمصلحة في دعوى الإلغاء يندمجان ببعضهما اندماجاً يحول دون فصل إحداهما عن الأخرى، الأمر الذي يغدو معه الدفع الماثل مفتقد لسنده حرياً بالرفض.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم جميعه فإن المحكمة تكتفي بالإشارة إلي رفض جميع الدفوع المتقدمة في الأسباب عوضاً عن النطق بها.
ومن حيث إن الدعاوى الماثلة استوفت أوضاعها الشكلية والشروط اللازمة لقبولها فمن ثم يتعين الحكم بقبولها شكلاً.
ومن حيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنه يشترط للحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري طبقاً لنص المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 أن يتوفر ويتحقق ركنان : أولهما ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه – بحسب ظاهر الأوراق – غير مشروع ويرجح الحكم بإلغائه عند الفصل في موضوع الدعوى ، وثانيهما : ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار أو استمرار تنفيذه نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن الدستور المصري الصادر عام 1971 والذي تم تعطيل العمل بأحكامه بموجب الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 13/2/2011 ثم وافق الشعب في استفتاء عام بتاريخ 19/3/2011 على تعديل بعض أحكامه قد تضمن المواد التالية:
المادة (41) " الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس ، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمة ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً للقانون".
المادة (64) : " سيادة القانون أساس الحكم في الدولة ".
المادة (66) : " العقوبة شخصية . ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ….".
المادة (67): " المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه..".
وتضمن الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 30/3/2011 في المواد 8، 19، 20 ذات الأحكام الواردة في المواد 41، 66 ، 67 من الدستور الصادر عام 1971 سالفة البيان.
وقد تضمن قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 المواد التالية:
المادة (21): " يقوم مأمورو الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى ".
المادة (22) : " يكون مأمورو الضبط القضائي تابعين للنائب العام وخاضعين لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظيفتهم …".
المادة (23): أ – يكون من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم:
1- أعضاء النيابة العامة ومعاونوها.
2- ضباط الشرطة وأمناؤها  والكونستبلات والمساعدون.
3- رؤساء نقط الشرطة.
4- العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء.
5- ………….
ب – ويكون من مأموري الضبط القضائي في جميع أنحاء الجمهورية:
1- مديرو وضباط إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية وفروعها بمديريات الأمن.
2- مديرو الإدارات والأقسام ورؤساء المكاتب والضباط … بمصلحة الأمن العام وفي شعب البحث الجنائي بمديريات الأمن.
3- ……… 4 - …….. 5 - ……….
ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلي الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم . وتعتبر النصوص الواردة في القوانين والمراسيم والقرارات الأخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأموري الضبط القضائي بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص ".

المادة (24) : " يجب على مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا التليفات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم … ويجب عليهم وعلى مرءوسيهم أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجرو المعاينات اللازمة … ويجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم…".
المادة (29): " لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديه معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبها وأن يسألوا المتهم عن ذلك ولهم أن يستعينوا بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة ويطلبوا رأيهم شفهياً أو بالكتابة. ولا يجوز لهم تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إلا إذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمين".
المادة 32: " لمأمور الضبط القضائي عند انتقاله في حالة التلبس بالجرائم أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو لابتعاد عنه حتى يتم تحرير المحضر . وله أن يستحضر في الحال من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة".
المادة (34): " لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ".
المادة (35): " إذا لم يكن المتهم حاضراً في الأحوال المبينة في المادة السابقة جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره ويذكر ذلك في المحضر. وفي غير الأحوال المبينة في المادة السابقة إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية أو …. جاز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الإجراءات التحفظية المناسبة وأن يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمراً بالقبض عليه …".
المادة (36): " يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فوراً أقوال المتهم المضبوط ، وإذا لم يأت بما يبرئه يرسله في مدى أربعة وعشرين ساعة إلي النيابة العامة المختصة …"
المادة (46): " في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه…".
ومفاد ما تقدم أن الدولة المصرية وفقاً للنصوص الواردة في الوثائق الدستورية المصرية المتعاقبة منذ دستور عام 1923 هي دولة القانون التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها بأحكام الدستور والقانون، فلا تعمل سلطات الدولة طليقة من كل قيد وإنما ترد أعمالها إلي أحكام الدستور والقانون لبيان ما تختص به وضوابط مباشرة اختصاصها وبيان الحدود الفاصلة التي لا يجوز لها أن تتعداها ، وسيادة القانون هي أساس مشروعية السلطة ووسيلة لضمان حقوق المواطنين وحرياتهم، وقد كفلت الوثائق الدستورية الحرية الشخصية للمواطنين بوصفها ملاك الحياة الإنسانية، لا تخلقها الدساتير والقوانين بل تنظمها، وحظرت – فيما عدا حالة التلبس- القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو منعه من التنقل أو تقيد حريته بأي قيد إلا بموجب أمر تستلزمة ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو من النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون، وتضمنت الوثائق الدستورية المشار إليها عدداً من المبادئ الدستورية الحاكمة في مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته ومنها أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون وهو ما يعرف بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومبدأ أصل البراءة فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته، ومبدأ شخصية العقوبة ومبدأ عدم توقيع عقوبة إلا بحكم قضائي بعد محاكمة قانونية منصفة تكفل فيها ضمانات الدفاع.
وحيث أن المقرر – كذلك – أن خضوع الدولة للقانون – محدداً على ضوء مفهوم ديمقراطي – مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة . ويندرج تحتها تلك الطائفة من الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية والتي أعلا من شأنها الإعلان الدستوري – على النحو المتقدم بيانه تفصيلاً- بل أنها صارت من المبادئ العالمية والكونية إذ تبنتها وآمنت بها سائر المواثيق والعهود الدولية بلا ريب.
وحيث أن المستقر في الفقه والقضاء الجنائيين أن الإجراءات الجنائية يسودها مبدأ الشرعية، وأن بين الشرعية في قانون العقوبات والشرعية في قانون الإجراءات الجنائية صلة وثيقة ، فهما ينتميان إلي " الشرعية الجنائية" ، وتعتبر الشرعية الإجرائية البيئة الطبيعية والمنطقية للشرعية العقابية، بحيث لا تكفي الثانية لحماية الحقوق الفردية والحريات العامة ما لم تساندها الأولى، وأنه إذا كانت الشرعية في قانون العقوبات تعني أن القانون المكتوب هو مصدر التجريم والعقاب، فإن الشرعية الإجرائية تعني كذلك أن القانون المكتوب هو بدوره مصدر الإجراءات الجنائية، فهذه الإجراءات تنطوي في أغلبها على القهر والقسر إزاء المتهم، بل وإزاء غيره في بعض الحالات وتتضمن خرقاً لحقوق أساسية للأفراد ، وهذه الإجراءات تتخذ إزاء أشخاص لم تثبت بعد إدانتهم ، بل وقد تثبت فيما بعد براءتهم ، ومن ثم تعين أن يكون التشريع مصدرها، ولا تعني الشرعية الإجرائية فحسب اشتراط أن يقرر القانون الإجراء، بل أنها تتطلب – كذلك – أن يحدد القانون في وضوح الشروط الشكلية والموضوعية المتطلبة لاتخاذ الإجراء بحيث لو أغفلت صار الإجراء باطلاً.
وحيث أن المقرر – كذلك – أنه إذا كانت الشرعية في قانون العقوبات قد أنتجت مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون) ، فإن الشرعية في قانون الإجراءات الجنائية تنتج مبدأ ( لا عقوبة بغير دعوى). وهو مبدأ ينطوي على مبدأين إجرائيين هما (لا عقوبة بغير حكم، ولا حكم بغير دعوى).
وحيث إن المشرع – في المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية المشار إليها - مايز – في تحديد مأموري الضبط القضائي – بين طائفتين : الأولى: وهم مأمورو الضبط القضائي ذوو الاختصاص النوعي العام، أي الذين يختصون بإجراءات الاستدلال في شأن أية جريمة، وهؤلاء جعلهم على فئتين من حيث الاختصاص المكاني: أولاهما تختص بأعمال الضبط القضائي على نطاق محدد يرتبط بدوائر اختصاصهم الوظيفي وقد انتظمهم البند (أ) من المادة 23 ، وآخراهما تختص بأعمال الضبط القضائي على مستوى الجمهورية وهؤلاء حددتهم الفقرة (ب) منها.
وقد حدد المشرع هذه الطائفة بفئتيها (أ ، ب) تحديداً جامعاً مانعاً وعلى سبيل القطع والحصر، ولم يفوض غيره في إضافة وظائف أو مناصب أخرى إليها وإلا عد ذلك غصباً لسلطة التشريع.
وأما الطائفة الأخرى فهم موظفون عموميون يمنحون – بموجب قرارات تصدر من وزير العدل – صفة مأموري الضبط القضائي وهم – دوماً – ذوو اختصاص محدود نوعياً ومكانياً. إذ يختصون بإجراءات الاستدلال بالنسبة إلي الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم (اختصاص مكاني) وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم (اختصاص نوعي) ، وذلك بحسبانهم ممن يقع ضمن اختصاصاتهم أعمال الضبط الإداري ، والتي تقوم على إتخاذ الإجراءات المانعة من ارتكاب الجريمة ، ومن ثم كان نشاطها سابقاً على ارتكاب الجريمة، بيد أن الضبطية القضائية تفترض جريمة ارتكبت ، فنشاطها – دائماً – لاحق على الجريمة، وعلى ذلك فإن وظيفة الضبطية القضائية تبدأ حين تنتهي وظيفة الضبطية الإدارية بالفشل فترتكب الجريمة، وكان لوزير العدل أن يخول بعض الموظفين كمهندس الري بمديريات الري ، ومهندس التنظيم بمجالس الأحياء والمدن ومفتش الصحة –على سبيل المثال- سلطة الضبطية القضائية، وهم المنوط بهم أعمال الضبط الإداري في مجال وظائفهم بالإشراف على تنفيذ أحكام القوانين واللوائح، ومن هنا كانت العلة في جواز تخويلهم سلطة الضبطية القضائية.
وحيث إنه وبالنظر لما للمخولين سلطة مأموري الضبط القضائي من أهمية وخطورة وتتعلق أعمالها بالمجال الحيوي للحريات الشخصية للمواطنين، فقد حماها الشارع بسياج من الضمانات والشروط ، ومن بينها ما اشترطة من قصر نطاق الضبطية القضائية لهذه الفئة من الموظفين على الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وأن تكون متعلقة بأعمال وظائفهم.
وقد وسد المشرع لوزير العدل السلطة التقديرية في تحديد هؤلاء الموظفين – بالاتفاق مع الوزير المختص- في ضوء ما تمليه المصلحة العامة، ووفقاً لما اشترطه في الفقرة قبل الأخيرة من المادة 23 – المشار إليها ، وعلى النحو السالف بيانه ، فإذا ما جاوز الوزير هذا الاختصاص مفتئتاً على النص التشريعي كان قراره صادراً على نحو مخالف لصحيح أحكام القانون في مجال ذي شأن خطير لتعلقه بالحقوق والحريات العامة، وكان حقاً على قاضي المشروعية أن يرده إلي جادة الرشد والصواب انتصاراً لصحيح المبادئ الدستورية والقانونية.
ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد منح مأمور الضبط القضائي اتخاذ بعض الإجراءات التي تمس الحرية الشخصية للأفراد على النحو المبين في المواد 34 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية على النحو السالف بيانه، وكانت المادة 23 من ذات القانون بعد أن حددت من له صفة الضبطية القضائية، أجازت في فقرتها قبل الأخيرة لوزير العدل بعد الاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلي الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصاتهم وتكون متعلقة ومرتبطة بأعمالهم، وكان المقصود بعبارة الموظفين المشار إليها في النص هم الموظفين العموميين المدنيين الخاضعين لأحكام الوظيفة العامة المدنية طبقاً لقانون ولوائح التوظف في الجهات الحكومية والهيئات العامة والذين يخضعون بحسب الأصل لقانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات والمحاكمات الجنائية التي تختص بمحاكمة المدنيين وفقاً لقانون السلطة القضائية والقوانين المكملة له، بما مؤداه أن السلطة المقررة لوزير العدل بموجب نص المادة 23 سالفة البيان مقصورة على الموظفين المدنيين بالدولة والهيئات العامة ، دون غيرهم فلا تمتد إلي غيرهم من غير الموظفين المدنيين – وهم العسكريون الذين يخضعون لنظم وقوانين عسكرية خاصة بهم.
ومن حيث إن وزير العدل أصدر القرار المطعون فيه رقم 4991 لسنة 2012 ونص في مادته الأولى على أن " مع عدم الإخلال بالاختصاصات المنصوص عليها في قانون القضاء العسكري الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 يخول الضباط وضباط صف المخابرات الحرية وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية الذين يمنحون سلطة الضبط القضائي من وزير الدفاع أو من يفوضه صفة مأموري الضبط القضائي في الجرائم التي تقع من غير العسكريين والمنصوص عليها في الأبواب الأولى والثاني والثاني مكرراً والسابع والثاني عشر والثالث عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وفي الباب الخامس عشر والباب السادس عشر من الكتاب الثالث من ذات القانون. ويسري على مأموري الضبط القضائي المذكورين الأحكام المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية".
وتضمنت المادة الثانية من القرار سريان أحكامه من اليوم التالي لتاريخ نشره وأن يظل سارياً حتى تاريخ إصدار الدستور والعمل به.
ومن حيث إن الجرائم التي تضمنها قرار وزير العدل المطعون فيه هي من جرائم قانون العقوبات وهو القانون العام للتجريم وقد وردت في ذلك القانون تحت عناوين الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج، والمفرقعات، ومقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم بالسب وغيره، واتلاف المباني والآثار وغيرها من الأشياء العمومية، وتعطيل المواصلات، والتوقف عن العمل بالمصالح ذات المنفعة العامة والاعتداء على حرية العمل والترويع والتخويف والبلطجة ، ويقتضي بحث مشروعية القرار المطعون فيه بيان مدى توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرة قبل الأخيرة من المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لوزير العدل بقرار منه منح صفة الضبطية القضائية لبعض الموظفين بالنسبة إلي الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، وعلى الأخص بيان مدى تعلق الجرائم الواردة بالقرار المشار إليه بأعمال وظائف ضباط وضباط صف المخابرات الحربية وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية.
ومن حيث إن الوثائق الدستورية المصرية منذ الدستور الصادر عام 1923 حرصت على إفراد نصوص مستقلة للجيش أو القوات المسلحة وآخرى للشرطة فنصت المادة (46) من الدستور المشار إليه على أن: "قوات الجيش مقرر بقانون". ونصت المادة (148) منه على أن : " يبين القانون نظام هيئات البوليس وما لها من الاختصاصات".
وتنص المادة (18) من الدستور الصادر عام 1971 – والتي تكرر مضمونها في المادة 53 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 على أن : " الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة وهي ملك للشعب ومهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها. ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية.
وتنص المادة (184) من الدستور المشار إليه والتي تكرر مضمونها في المادة (55) من الإعلان الدستوري السالف البيان على أن: " الشرطة هيئة مدنية نظامية … وتؤدي الشرطة واجبها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين بالقانون".
ومن حيث إن ما تضمنته الوثائق الدستورية المتعاقبة من مراعاة التفرقة والفصل بين الأحكام التي تنظم القوات المسلحة عن تلك التي تنظم هيئة الشرطة إنما جاء عن وعي وبصيرة باختلاف وظيفة واختصاص كل جهة من الجهتين، فالقوات المسلحة تختص بالدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي وتكفل سلامة أراضي الدولة وأمن حدودها ضد أي تهديد خارجي ويحفظ وجود الدولة واستمرارها لذلك فإن الدفاع عن الدولة واجب مقدس على كل أبنائها والتجنيد في القوات المسلحة لخدمة علم الوطن إجباري ، أما الشرطة فهي هيئة مدنية وظيفتها تنفيذ أحكام القانون وكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، وتتولى حفظ النظام العام والأمن العام والآداب العامة داخل البلاد ويشمل عملها منع الجرائم، وفي حال وقوع أية جرائم تختص بالبحث عن مرتكبيها وتقديمهم إلي القضاء، والشرطة هي المعنية - دون القوات المسلحة - بتنفيذ أحكام القانون على المواطنين المدنيين جميعهم بحسبان ذلك اختصاصها، وعين واجبها ويظل الحد الفاصل بين اختصاص القوات المسلحة وبين اختصاص الشرطة واضحاً جلياً لا يشوبه غموض أو التباس أو تداخل، وكان المشرع حريصاً دائماً على تقنين المجالات التي تتدخل فيها القوات المسلحة في غير اختصاصها، وأن يكون ذلك بقدر، وفي حالات مستثناه ومنها ما تضمنته المادة الرابعة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ والتي تنص على أن: " تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف ابتداء من الرتبة التي يعينها وزير الدفاع سلطة تنظيم الحافز للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر، وعلى كل موظف أو مستخدم عام أن يعاونهم في دائرة وظيفته أو عمله القيام بذلك. ويعمل بالمحاضر المنظمة في إثبات مخالفات هذا القانون إلي أن يثبت عكسها".
ويشترط طبقاً للنص المشار إليه لقيام اختصاص لأفراد القوات المسلحة يمتد إلي المواطنين المدنيين أن تكون حالة الطوارئ معلنة وأن يصدر أمر من رئيس الجمهورية للقوات المسلحة بتنفيذ أمر من الأوامر التي يجوز له إصدارها وفقاً لأحكام قانون الطوارئ ويمتد أثرها إلي المواطنين المدنيين، ولم تتضمن المادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ منح ضباط وضباط صف القوات المسلحة صفة مأموري الضبط القضائي وإنما أجاز لهم "تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع" ولو أراد المشرع منحهم تلك الصفة لنص على ذلك صراحة، ومعلوم أن مأمور الضبط القضائي يتمتع باختصاصات تتعدى "تنظيم المحاضر".
ومن حيث إن القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة قد نظم أحكام التعبئة العامة ونص في المادة (1) على أن: " تعلن التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في حالة توتر العلاقات الدولية أو قيام خطر الحرب أو نشوب الحرب" … وأجاز القانون المشار إليه الاستيلاء على المواد الأولية والعقارات اللازمة ونص في المادة (33) على أن : " يكون للموظفين والأشخاص الذين تندبهم الجهة الإدارية المختصة صفة رجال الضبط القضائي…." وفي حال منح أحد ضباط أو ضباط صف القوات المسلحة صفة الضبط القضائي بقرار من الجهة الإدارية المختصة طبقاً لنص المادة المشار إليها فإن اختصاصه يقتصر على الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة دون سواها من جرائم قانون العقوبات.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 148 لسنة 1959 في شأن الدفاع المدني نظم أعمال الدفاع المدني ونص في المادة (22) على أن : " تنسق العلاقة بين سلطات الدفاع المدني وبين القوات المسلحة بقرار يصدره وزيرا الداخلية والدفاع متضمناً الآتي: أ – واجب القوات المسلحة إزاء الدفاع المدني في الأحوال العادية . ب – كيفية تقديم معونة القوات المسلحة لسلطات الدفاع المدني وذلك في حالات الضرورة القصوى والحالات الاستثنائية الخطيرة العاجلة مع تحديد الأعمال التي تناط بالقوات المسلحة في هذه الحالات".
وتنص المادة (23) من ذات القانون على أن : " يكون للموظفين الذين يندبهم وزير الداخلية من موظفي وزارة الداخلية وغيرها صفة رجال الضبط القضائي في تنفيذ أحكام هذا القانون ….." وطبقاً لنص هذه المادة يجوز لوزير الداخلية أن يمنح صفة الضبط القضائي لأحد أفراد القوات المسلحة في حالات الضرورة التي تتدخل فيها القوات المسلحة في مجال الدفاع المدني وبالنسبة للجرائم المنصوص عليها في قانون الدفاع المدني، ولا تمتد صفة الضبط القضائي طبقاً لهذا القانون إلي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات.
ومن حيث إن صفة الضبط القضائي العسكري المنصوص عليها في المادة (12) من قانون القضاء العسكري الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 والممنوحة لضباط وضباط صف المخابرات الحربية وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية كل في دائرة اختصاصه تتعلق بتطبيق أحكام قانون القضاء العسكري والذي يخضع له ضباط القوات المسلحة وضباط الصف والجنود وغيرهم من الأشخاص المنصوص عليهم في المواد 4، 8 ، 8 مكرراً من القانون المشار إليه وعلى الجرائم التي تقع في المعسكرات أو الثكنات أو المؤسسات أو البضائع أو السفن أو الطائرات التي يشغلها العسكريون أو التي تقع على معدات ومهمات واسلحة وذخائر القوات المسلحة والمحددة تفصيلاً في المادة (5) وفي المادة (7) من قانون القضاء العسكري، ولا تسري أحكام القانون المشار إليه على المدنيين إلا على سبيل الاستثناء بالنسبة إلي المدنيين الذين يعملون في وزارة الدفاع أو في خدمة القوات المسلحة أو الذين يرتكبون جرائم في معسكرات القوات المسلحة أو معداتها أو ضد أحد الخاضعين لأحكام قانون القضاء العسكري بسبب تأدية وظائفهم، وفيما عدا تلك الحالات المستثناه فلا تمتد صفة الضبط القضائي العسكري الممنوحة لضباط وضباط صف المخابرات الحربية وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية إلي المدنيين، وليس لهم أي اختصاص وظيفي يمتد في أثره إلي المدنيين ولا يجوز لوزير العدل أن يمنح ضباط وضباط صف المخابرات الحربية وضباط وضباط صف الشرطة العسكرية صفة الضبطية القضائية طبقاً لنص المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية ليمارسوا اختصاص الضبطية القضائية على المواطنين المدنيين في حالات ارتكابهم الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات لانعدام أي اختصاص وظيفي لضباط وضباط صف القوات المسلحة عموماً وضباط وضباط صف المخابرات الحربية أو الشرطة العسكرية على المدنيين ، الأمر الذي يتخلف معه شروط منح صفة الضبطية القضائية طبقاً لنص المادة المشار إليها وينتفي مناط منح تلك الصفة لضباط وضباط صف المخابرات الحربية أو الشرطة العسكرية.
ومن حيث إن جرائم التخلص من أداء الخدمة العسكرية وغيرهما من الجرائم المنصوص عليها في قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 والتي تقع من المدنيين بالمخالفة لأحكام هذا القانون، قد أسند المشرع الاختصاص بنظرها إلي القضاء العسكري طبقاً لنص المادة (48) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية، إلا أن المشرع نص في المادة (46) من ذات القانون على أن : " تتولى الأجهزة المختصة بوزارة الداخلية تقديم جميع البيانات المطلوبة لتنفيذ أحكام هذا القانون إلي الأجهزة المختصة بوزارة الدفاع، وكذا إحضار الأفراد المطلوبين للتجنيد والمستدعين لخدمة الاحتياط وضبط المتخلفين والهاربين منهم" ولم يسند المشرع الاختصاص بإحضار المطلوبين للتجنيد والمستدعين لخدمة الاحتياط وضبط المتخلفين عن التجنيد والهاربين إلي ضباط وضباط صف المخابرات الحربية أو الشرطة العسكرية وعياً منه بمكانه القوات المسلحة لدى الشعب المصري وإدراكاً بأن مكان أفرادها في ساحات القتال أو على الحدود أو في المعسكرات المخصصة لهم، وليس في الشوارع والحارات والأزقة لمطاردة الخارجين على القانون، وحتى لا يضع الجيش المصري في مواجهة أي فرد من أفراد الشعب حتى ولو ارتكب جريمة شنعاء هي التهرب من واجب الجندية ومن شرف الدفاع عن الوطن.
ومن حيث إن مبدأ القاضي الطبيعي – المستقر في وجدان المجتمعات الديمقراطية والذي مفاده حق المواطن في الاحتكام إلي قاضيه الطبيعي ، إنما هو مبدأ تكتمل به مبادئ استقلال القضاء وحياده ويوفر طمأنينة المتهم إلي قاضيه، وكان من ضروريات وجود القاضي الطبيعي وجوب كفالة حق الدفاع وضماناته بدءاً باحترام المبدأ الذي يقضي بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ومروراً بحماية حق الدفاع وكفالة ضمانات المتقاضين ومراعاة القواعد القانونية فيما يتعلق بالإجراءات والإثبات – ومن بينها إجراءات الاستدلال وأعمال مأموري الضبط القضائي – وانتهاء بأن يكون القانون الذي يطبق متفقاً مع أحكام الدستور، وإذ كان في تسليط العسكريين على المدنيين ومنحهم عليهم سلطان مأموري الضبط القضائي ما يمس الشرعية الإجرائية . ويهدر به – من باب خفي – مبدأ القاضي الطبيعي . إذ هما يخرجان من معين واحد وهو الحق في حماية الحقوق والحريات الشخصية. ولا يجوز التذرع – إهداراً للشرعية الإجرائية – بوجوب حماية أمن البلاد والعباد ، فذلك طريقه محدد ومرسوم بالإجراءات القانونية العادية وليست الاستثنائية ، إذ لا يقوم الحق في الاستعانة بالعسكريين في هذا المجال إلا لرئيس الجمهورية حال قيام حالة الطوارئ دون سواها، وهو ما لا يتوافر للوضع الراهن والصادر في ظله القرار الطعين.
ومن حيث إنه وترتيباً على ما تقدم وبحسب ظاهر الأوراق فإن قرار وزير العدل المطعون فيه والذي أسند إلي ضباط وضباط صف المخابرات الحربية الشرطة العسكرية الذين يمنحون سلطة الضبط القضائي من وزير الدفاع أو من يفوضه صفة مأموري الضبط القضائي في الجرائم التي تقع من المدنيين والمنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرراً والسابع والثاني عشر والثالث عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وفي الباب الخامس عشر والباب السادس عشر من ذات القانون، على الرغم من أن الضباط وضباط الصف المشار إليهم ، وضباط وضباط صف القوات المسلحة عموماً ليس لهم أي اختصاص وظيفي بالنسبة للجرائم المشار إليها حال وقوعها من المواطنين المدنيين بأي وجه يجيز لوزير العدل منحهم تلك الصفة طبقاً لنص المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية التي قصرت سلطة وزير العدل في منح صفة مأموري الضبط القضائي على الموظفين المدنيين وحدهم دون غيرهم ، فإن قرار وزير العدل المطعون فيه إذ أسند إلي رجال القوات المسلحة المذكورين اختصاصاً بالمخالفة للوظيفة الدستورية للقوات المسلحة كما حددتها النصوص الدستورية ودونما سند من القانون، كما خالف حكم المادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإنه يكون قد انتهك محارم الدستور والقانون وخالف أحكامهما ، ويغدو بحسب البادي من ظاهر الأوراق غير مشروع ويرجح الحكم بإلغائه عند الفصل في موضوع الدعوى، الأمر الذي يتحقق معه ويقوم به ركن الجدية اللازم للقضاء بوقف التنفيذ، كما يتوافر ويتحقق أيضاً ركن الاستعجال بالنظر إلي أن تنفيذ القرار المطعون فيه يتضمن المساس والانتقاص من حرية المواطنين المدنيين بتخويل العسكريين المشار إليهم بالقيام بأعمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق