الصفحات

الأحد، 17 فبراير 2013

عدم دستورية قانون العزل

قضية رقم 57 لسنة 34 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الخميس ، الرابع عشر من يونيه سنة 2012م ، الموافق الرابع والعشرين من رجب سنة 1433 ه .
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق  نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : السيد عبد المنعم حشيش والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور حسن عبد المنعم البدراوى                           نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار     رئيس هيئة  المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد         أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 57 لسنة 34قضائية " دستورية". المحالة من لجنة الانتخابات الرئاسية بموجب قرارها الصادر بتاريخ 25/4/2012 فى التظلم
المقدم من
السيد / أحمد محمد شفيق زكى
ضد
لجنة الانتخابات الرئاسية
الإجراءات
    بتاريخ الثلاثين من شهر إبريل سنة 2012 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، صورة رسمية من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية ، الصادر بتاريخ 25/4/2012 ، المتضمن – فى البند ثالثًا منه – إحالة نص البند (4) من المادة (3) من قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 73 لسنة 1956 ، والمضاف بالقانون رقم 17 لسنة 2012 ، إلى المحكمة الدستورية العليا ، للفصل فى دستوريته .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة أولى بدفاعها ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
          وبتاريخ 20/5/2012 ، أودع السيد الدكتور / على فهمى على شرف ، المحامى ، صحيفة، طلب فيها قبول تدخله هجوميًا فى الدعوى ، وعدم قبول الدعوى الدستورية لعدم قانونية الوسيلة التى انتهجتها لجنة الانتخابات الرئاسية فى طلب ولاية المحكمة الدستورية العليا . كما طلب إحالة أوراق الدعوى إلى النيابة العامة بشأن ما ارتكبته اللجنة المشار إليها من تدخل سافر فى شئون هذه المحكمة ، باغتصاب سلطتها فى القضاء بعدم دستورية القانون رقم 17 لسنة 2012، واستبعاده من التطبيق على مرشحى الرئاسة .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ثانية ، طلبت فيها الحكم بعدم قبول طلب التدخل .
          وقدم السيد / أحمد محمد شفيق زكى ، مذكرة طلب فيها الحكم بعدم دستورية القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه .
          وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
          وبالجلسة المحددة لنظر الدعوى مثل محامى عن السيد / أحمد محمد شفيق زكى، وقدم مذكرة صمم فيها على طلباته، ومثل أيضًا طالب التدخل الهجومى، وقدم والحاضرون معه مذكرتين صمموا فيهما على طلباته، كما مثل السيد / وائل بهجت مأمون ذكرى، المحامى، وطلب قبول تدخله انضماميًا للجنة الانتخابات الرئاسية، فى طلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه، ومثل عضو هيئة قضايا الدولة، وقدم مذكرة، طلب فيها الحكم بعدم قبول التدخل، ورفض الدعوى موضوعًا .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
          بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من قرار الإحالة، وما أرفق به من مستندات ، وسائر الأوراق – تتحصل فى أن السيد / أحمد محمد شفيق زكى، كان قد تقدم بطلب إلى لجنة الانتخابات الرئاسية ، كمرشح لمنصب رئيس الجمهورية ، لخوض الانتخابات التى حدد لإجرائها يومى 23 و 24 مايو سنة 2012 ، وقد قررت تلك اللجنة، بتاريخ 13/4/2012 ، قبول أوراق ترشيحه. ونظرًا لأنه بتاريخ 24/4/2012 قد بدأ العمل بأحكام القانون رقم 17 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، والذى أضاف بندًا جديدًا برقم (4) للمادة (3) من ذلك القانون ، ليشمل وقف مباشرة الحقوق السياسية " كل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على 11/2/2011 رئيسًا للجمهورية أو نائبًا لرئيس الجمهورية أو رئيسًا للوزراء أو ….. "، وذلك لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المشار إليه . ونفاذًا لذلك القانون ، أصدرت لجنة الانتخابات الرئاسية بتاريخ 24/4/2012 ، قرارًا باستبعاد المذكور من الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ، لكونه كان يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السابق ، فتظلم من هذا القرار بتاريخ 25/4/2012 ، طالبًا أصليًا إلغائه، واستمرار قيده فى كشوف المرشحين ، واحتياطيًا وقف تنفيذ القرار المتظلم منه ، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا ، للفصل فى دستورية القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه ، أو التصريح له بإقامة دعوى بعدم دستوريته . وإذ تراءى للجنة –  بعد سماعها دفاع المتظلم – قيام شبهة بعدم دستورية ذلك القانون ، فقد قررت فى التاريخ ذاته ، قبول التظلم شكلاً ، وفى الطلب العاجل بوقف تنفيذ قرارها المتظلم منه ، وما يترتب على ذلك من آثار ، أهمها إدراج اسم المتظلم فى القائمة النهائية للمرشحين ، واستمرار إجراء العملية الانتخابية فى مواعيدها المحددة ، وإحالة البند (4) من المادة (3) من القانون رقم 73 لسنة 1956 ، والمضاف بالقانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه ، إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريته ، وأرجأت الفصل فى الموضوع .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مؤدى نص المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، أن المشرع حدد بموجبها طريقًا لرفع الدعوى الدستورية أمام هذه المحكمة ، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها مباشرة من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى ، إذا قامت لديها شبهة قوية فى مخالفة أى نص فى قانون أو لائحة – لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها – لأحكام الدستور ، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية ، دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعى ، وقدرت تلك المحكمة أو الهيئة ذات الاختصاص القضائى جدية دفعه ، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية . وتلك الإجراءات ، تتعلق بالنظام العام، باعتبارها شكلاً جوهريًا فى التقاضى ، تغيا به المشرع مصلحة عامة ، حتى ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى – كذلك – على أن التمييز بين الأعمال القضائية ، وبين غيرها من الأعمال التى تلتبس بها ، إنما يقوم على مجموعة من العناصر ، قد لا تتحدد بها ضوابط هذا التمييز على وجه قطعى ، ولكنها تعين على إبراز الخصائص الرئيسية للعمل القضائى ولما يُعد جهة قضاء ، ومن بينها : أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها المشرع بالفصل فى نزاع معين ، يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون ، وليس بأداة تشريعية أدنى ، وأن يغلب على تشكيلها العنصر القضائى الذى يلزم أن تتوافر فى أعضائه ضمانات الكفاية والحيدة والاستقلال ، وأن يُعهد إليها بسلطة الفصل فى خصومة ، بقرارات حاسمة ، لا تخضع لمراجعة أية سلطة غير قضائية ، دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التى لا يجوز النزول عنها ، والتى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم، على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا ، ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدًا للحقيقة القانونية ، مبلورًا لمضمونها فى مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها .
          وحيث إنه متى كان ما تقدم ، وكان الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 30/3/2011، قد أفصح عن الطبيعة القانونية للجنة الانتخابات الرئاسية ، بما نص عليه فى صدر الفقرة الأولى من المادة (28) من أن " تتولى لجنة قضائية عليا ، تسمى لجنة الانتخابات الرئاسية ، الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية ، بدءًا من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب " . وفضلاً عن ذلك فقد أوردت الفقرة الثانية من المادة ذاتها بيان تشكيل تلك اللجنة ، بقصره على العناصر القضائية – على خلاف ما كان عليه الأمر فى المادة (76) من دستور سنة 1971 المعطل العمل بأحكامه – إذ نصت على أن " تشكل اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا ، وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة ، وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض ، وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة " . وهو ما رددته أيضًا الفقرة الأولى من المادة (5) من القانون رقم 174 لسنة 2005 بتنظيم الانتخابات الرئاسية ، المعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2012 . وهكذا، تكون قد توافرت فى هذا التشكيل ضمانات الكفاية والحيدة والاستقلال ، لكونه مقصورًا على عناصر قضائية خالصة ، تم اختيارها ليس على أساس شخصى ، وإنما بحكم مناصبهم الوظيفية . ومن جانب آخر ، فإن اختصاصات تلك اللجنة – الإدارية منها والقضائية – فصلتها مواد القانون رقم 174 لسنة 2005 المشار إليه . كما وأن اللجنة تتمتع فى ممارسة جميع اختصاصاتها بالاستقلال ، ولها شخصية اعتبارية عامة ، وموازنة خاصة تدرج ضمن الموازنة العامة للدولة ، وذلك على نحو ما نصت عليه المادة (6) من القانون ذاته . وتبت اللجنة فى الأنزعة القضائية التى تدخل فى اختصاصها، ممثلة فى التظلم المقدم ممن لم تقبل أوراق ترشيحه ، والطعون المقدمة من المرشحين فى قرارات اللجان العامة – وفقًا لنص البند (11) من الفقرة الأولى من المادة (8) ، والفقرة الثانية من المادة (16) ، والفقرة الثانية من المادة (36) من القانون المشار إليه – وذلك بعد سماع أقوال المتظلم أو الطاعن ، أو إخطاره للمثول أمامها وتخلفه عن الحضور ، بما يوفر الضمانات القضائية الرئيسية ، من خلال إتاحة الفرص المتكافئة للمرشحين فى التظلم والطعن ، وتحقيق دفاعهم أمام اللجنة ، على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون قرار اللجنة على هذا النحو مؤكدًا للحقيقة القانونية ، مبلورًا لمضمونها فى مجال موضوع التظلم أو الطعن المعروض عليها . والقرارات التى تصدرها اللجنة – وفقًا لصريح نص الفقرة الثالثة من المادة (28) من الإعلان الدستورى ، والفقرة الثانية من المادة (8) من القانون رقم 174 لسنة 2005 ، المشار إليهما – نهائية ونافذة بذاتها ، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة ، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء .
          وترتيبًا على ما تقدم ، فإن لجنة الانتخابات الرئاسية فى خصوص اختصاصها القضائى يتوافر فيها المعيارين الشكلى والموضوعى لما يُعد هيئة ذات اختصاص قضائى، على النحو الذى عناه المشرع فى نص المادة (29) من القانون رقم 48 لسنة 1979 المشار إليه، وقد استوفى قرارها الصادر بإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية النص المحال ، سائر الشروط الشكلية المقررة لاتصال الدعوى المعروضة بالمحكمة الدستورية العليا، فكان اتصالها بها متوافقًا والأوضاع المعمول بها أمامها .
          وحيث إنه عن طلبى التدخل، الهجومى والانضمامى، فى الدعوى المعروضة ، فقد اطرد قضاء هذه المحكمة على أن شرط قبول التدخل ، أن يكون مقدمًا ممن كان طرفًا فى الدعوى الموضوعية ، التى يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الحكم فيها ، فإذا كان طالب التدخل غير ممثل فى تلك الدعوى ، فلا يعتبر من ذوى الشأن فى الدعوى الدستورية ، ولا يقبل تدخله . إذ كان ذلك، وكان طالبا التدخل غير ممثلين فى التظلم المعروض موضوعه على لجنة الانتخابات الرئاسية ، ولا يعتبرا – بالتالى – من ذوى الشأن فى الدعوى الدستورية المعروضة ، فإن تدخلهما فيها يكون غير مقبول .
          وحيث إن المادة (3) من القانون رقم 73 لسنة 1956، المعدلة بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه، تنص على أن :
          " تقف مباشرة الحقوق السياسية للأشخاص الآتى ذكرهم :
1-      المحجور عليهم ،  مدة الحجر .
2-      المصابون بأمراض عقلية المحجوزون ، مدة حجزهم .
3-      الذين أشهر إفلاسهم ، مدة خمس سنوات من تاريخ شهر إفلاسهم ، ما لم يرد إليهم اعتبارهم قبل ذلك .
4-      كل من عمل خلال العشر سنوات السابقة على 11 فبراير سنة 2011 رئيسًا للجمهورية أو نائبًا لرئيس الجمهورية أو رئيسًا للوزراء أو رئيسًا للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل أو أمينًا عامًا له أو كان عضوًا بمكتبه السياسى أو أمانته العامة ، وذلك لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المشار إليه ". (البند المحال )
وحيث إن المصلحة المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها ، وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة ، ارتباطها بالمصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية ، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها . متى كان ذلك ، وكان قرار لجنة الانتخابات الرئاسية ، الصادر بتاريخ 24/4/2012 ، باستبعاد السيد / أحمد محمد شفيق زكى ، من قائمة المرشحين لخوض انتخابات رئيس الجمهورية ، قد ارتكن لنص البند (4) من المادة (3) من القانون رقم 73 لسنة 1956، المعدل بموجب المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه . وكان القضاء فى مدى دستورية نص المادة الأولى من ذلك القانون سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على موضوع النزاع المطروح على اللجنة، وفصلها فيه . ومن ثم، فإن المصلحة تكون متحققة فى الدعوى المعروضة .
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور ، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية ، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم ، لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها ، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض ، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
وحيث كان ذلك ، وكانت المناعى التى أثارها قرار الإحالة بشأن النص المحال، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الوثيقة الدستورية من حيث محتواها الموضوعى . ومن ثم ، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص فى ضوء ما ورد بأحكام الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 ، باعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية التى تمر بها حاليًا ، بعد تعطيل العمل بأحكام دستور سنة 1971 ، وذلك بموجب الإعلان الدستورى الأول الصادر بتاريخ الثالث عشر من فبراير سنة 2011 .
          وحيث إن قرار الإحالة ينعى على النص المحال أنه قد استحدث عقوبة الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية عن واقعات سابقة على صدوره ، بالمخالفة لقاعدة عدم رجعية العقوبات ، فضلاً عن كونه أنشأ قرينة قانونية ، فرض عليها جزاء ، بغير حكم قضائى ، بعد محاكمة يكفل فيها حق الدفاع . كما أسس الجزاء الوارد فيه على مجرد صفات وحالات ، لا على أفعال محددة . وأخيرًا مخالفته مبدأ المساواة أمام القانون ، بأن مايز – تحكمًا – بين بعض من تقلد وظائف بعينها ، والبعض الآخر ، دون أن يرتكن ذلك إلى معيار موضوعى معتبر .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ، ويقرر الحريات والحقوق العامة ، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها ، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ، فإنه بذلك يكون قد عين لكل منها التخوم والقيود الضابطة لولايتها ، بما يحول دون تدخل إحداها فى أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها فى اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها . لما كان ذلك، وكانت المادة (33) من الإعلان الدستورى قد اختصت السلطة التشريعية بسن القوانين ، كما اختصت المادة (46) السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات ، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين ، لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الإعلان الدستورى إلى السلطة القضائية وقصرها عليها ، وإلا كان ذلك افتئاتًا على عملها ، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية ، وانتحالاً من المشرع لاختصاص هو من صميم اختصاص السلطة القضائية .
          وإذ جرى نص الفقرة الثانية من المادة (19) من الإعلان الدستورى المشار إليه على أنه " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى ، …. " ، فقد دل على عدم جواز توقيع عقوبة إلا بحكم قضائى ، هادفًا بذلك إلى تحقيق استقلال السلطة القضائية بهذا الاختصاص . مع مراعاة أن نطاق نص المادة (19) من الإعلان الدستورى لا يقتصر على العقوبة الجنائية، وإنما يشمل كذلك العقوبات الأخرى التى تأخذ حكمها ، وإن لم تكن من جنسها ، كالحرمان من حقوق أو حريات بعينها ، إذ ليس بشرط أن يكون الجزاء المقرر من طبيعة عقابية أو تقويمية ، وإنما يكفى أن يكون وقائيًا، وهى جميعها لا يجوز توقيعها إلا بحكم قضائى .
          وحيث كان ذلك ، وكان النص المحال ، قد رتب الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية ، لمدة عشر سنوات تالية لتاريخ 11/2/2011 ، لكل من عمل بأى من المناصب التى أوردها حصرًا ، فإنه بذلك يكون قد رتب جزاء ، يوقع عليهم تلقائيًا ، ودون حكم قضائى ، بما يمثل افتئاتًا من السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة القضائية ، وانتحالاً من المشرع لهذا الاختصاص ، وذلك بالمخالفة لنص المادتين (19 ، 46) من الإعلان الدستورى المشار إليه .
          وحيث إن المادة (1) من الإعلان الدستورى المشار إليه – الذى صدر القانون المشتمل على النص المحال فى ظل العمل بأحكامه – تنص على أن " جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى ، يقوم على أساس المواطنة …."، وحددت المواد من (26) إلى (28) منه الشروط الواجب توافرها فيمن ينتخب رئيسًا للجمهورية ، وكيفية انتخابه ، وأوردت المادة (31) الشروط الواجب توافرها فى نائب رئيس الجمهورية . كما تضمنت المواد من (32) إلى (41) من هذا الإعلان القواعد المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلسى الشعب والشورى . ومؤدى هذه النصوص مجتمعة أن ذلك الإعلان الدستورى – شأنه شأن الدساتير المصرية جميعها – قد حرص على كفالة الحقوق السياسية للمواطنين جميعًا ، وقوامها حقا الترشيح والانتخاب ، فضلاً عن إبداء الرأى فى الاستفتاء ، وتمكينهم من ممارستها ، ضمانًا لإسهامهم فى الحياة العامة ، باعتبارها إحدى الوسائل الديمقراطية للتعبير عن أرائهم واختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم ، وتكوين المجالس النيابية التى تضطلع برعاية مصالح الجماعة .
          وحيث إن صفة " المواطنة " التى اتخذتها الوثيقة الدستورية أساسًا للنظام الديمقراطى فى الدولة ، هى التى ينفتح بها الطريق إلى ممارسة الحقوق السياسية . إذ يرتبط بها ممارسة جموع المواطنين للسيادة الشعبية ، وحمايتها ، على نحو ما صرحت به وأكدته المادة (3) من الإعلان الدستورى المشار إليه ، بنصها على أن " السيادة للشعب وحده ، وهو مصدر السلطات ، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها …… " .
          وحيث إن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية ، خاصة حقا الترشيح والانتخاب ، تُعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية ، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق فى اختيار مرشحيهم ، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التى تعنيهم ، أم كان بوصفهم مرشحين يتناضلون – وفق قواعد منصفة – من أجل الفوز بالمقاعد التى يتنافسون للحصول عليها ، وهما حقان مترابطان ومتكاملان ، يتبادلان التأثير فيما بينهما . ومن ثم ، كانت ممارسة المشرع لسلطته التقديرية فى تنظيم تلك الحقوق رهنًا بالتقيد بالحدود والضوابط التى نصت عليها الوثيقة الدستورية، وتضحى كفالتها ، وضمان حق كل مواطن فى ممارستها ، وفق قواعد موضوعية –لا تنال من جوهرها ، أو تنتقص منها ، أو تؤثر فى بقائها ، أو تتضمن عصفًا بها ، أو إهدارًا ومصادرة لها – التزامًا دستوريًا على عاتق المشرع ، لا يملك منه فكاكًا ، وإلا وقع ما يسنه ، خروجًا عليها ، فى حومة المخالفة الدستورية .
          وحيث كان ما تقدم ، وكان ما قضى به النص المحال ، من وقف مباشرة الحقوق السياسية، خلال المدة التى حددها ، لكل من عمل بأحد المناصب التى عددها ، إنما يمثل - فى واقع الأمر - حرمانهم من مباشرة هذه الحقوق ، ومن المشاركة فى الحياة العامة طيلة المدة التى حددها ، دون مقتض أو مبرر يتفق وأحكام الإعلان الدستورى ، بما ينطوى على إهدار لأصل هذه الحقوق ، ويمثل اعتداء عليها ، ومصادرة لها ، وقيدًا على ممارستها ، يجاوز حدود دائرة تنظيم الحقوق التى يملكها المشرع ، الأمر الذى يضحى معه ذلك النص ، وما تضمنه من أحكام ، مصادمًا لنصوص المواد ( 1 ، 26 ، 27 ، 31 ، 32 ، 35 ، 38، 39 ) من الإعلان الدستورى المشار إليه .
          وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية جميعها ، وأكدته المادة (7) من الإعلان الدستورى ، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها ، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعى غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها ، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة . وإذا جاز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير ، لتنظيم موضوع محدد ، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة رده ، فإن تطبيقها لمبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفًا عن نزواتها ، ولا منبئًا عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها ، ولا عدوانًا معبرًا عن بأس سلطاتها ، بل يتعين أن يكون موقفها اعتدالاً فى مجال تعاملها مع المواطنين ، فلا تمايز بينهم إملاءً أو عسفًا . ولئن جاز أن تغاير السلطة التشريعية – ووفقًا لمقاييس منطقية – بين مراكز لا تتحدد معطياتها ، أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم عليها، فشرط ذلك أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل ، ذلك أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه ، هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يتضمنها ، بالأغراض المشروعة التى يتوخاها . فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها ، كان التمييز انفلاتًا لا تبصر فيه ، كذلك الأمر إذا كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، إذ يعتبر التمييز عندئذ مستندًا إلى وقائع يتعذر أن يُحمل عليها ، فلا يكون مشروعًا من الناحية الدستورية .
          وحيث إن مضمون مبدأ تكافو الفرص ، الذى يتفرع عن مبدأ المساواة ، ويُعد أحد عناصره ، إنما يتصل – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها ، وأن إعماله يقع عند التزاحم عليها ، وغاية الحماية الدستورية لتلك الفرص ، تتمثل فى تقرير أولوية تتحدد وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام .
          وحيث كان ذلك ، وكان النص المحال قد تضمن حرمانًا لفئة من المواطنين من مباشرة حقوقهم السياسية ، استنادًا إلى سبق تقلدهم المناصب الواردة فيه قبل تاريخ 11/2/2011 بعشر سنوات ، إبان حكم النظام السابق . وقد حصر تلك المناصب فى كل من عمل " رئيسًا للجمهورية أو نائبًا لرئيس الجمهورية أو رئيسًا للوزراء أو رئيسًا للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل أو أمينًا عامًا له أو كان عضوًا بمكتبه السياسى أو أمانته العامة " ، وذلك دون غيرهم ممن شغلوا المناصب ذاتها ، خلال مدة سابقة للسنوات العشر المشار إليها ، وكذلك من تولى مناصب تماثل، من حيث طبيعتها ومسؤولياتها، المناصب الواردة بالنص ، وخلال المدة المحددة فيه ، ومن ذلك منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ، والوزراء ، والأمناء العامين المساعدين بالحزب الوطنى المنحل . وبذلك يكون النص المحال قد تضمن تمييزًا تحكميًا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره ، فضلاً عن تبنيه تقسيمًا تشريعيًا بين المواطنين لا يرتكن إلى أسس أو مقاييس منطقية ، وما استتبعه ذلك من انفصال أحكامه عن أهدافها ، ليصير اتصالها بها واهيًا ، وليغدو التمييز الذى أورده مستندًا إلى وقائع يتعذر حمله عليها ، ومصطنعًا لفوارق غير حقيقية بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة ، بما يوقعه فى حومة مخالفة مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، المقررين بالمادة (7) من الإعلان الدستورى .
          وحيث إن خضوع الدولة للقانون ، محددًا على ضوء مفهوم ديمقراطى ، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته ، وشخصيته المتكاملة ، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الإعلان الدستورى فى المادة (8) منه ، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس . ومما ينافى مفهوم الدولة القانونية ، أن تقرر الدولة سريان عقوبة – جنائية كانت أو تأديبية أو ذات طبيعة مدنية – بأثر رجعى ، من خلال تطبيقها على أفعال لم تكن حين أتيانها تشكل إثمًا جنائيًا ، أو ذنبًا إداريًا ، أو إخلالاً يستوجب التعويض .
          وحيث كان ذلك، وكان النص المحال قد رصد جزاء الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدة عشر سنوات، لمجرد تقلد أى من المناصب الواردة حصرًا فيه، دون أن يتطلب لذلك أن يثبت فى حق من تولى أى من هذه المناصب إتيان فعل أو انتهاج سلوك يستأهل هذا الجزاء، فإنه يكون قد ابتنى على افتراض لا يستقيم مع طبائع الأشياء وتأباه العدالة، ويخالف من ثم مفهوم الدولة القانونية . ومن جانب آخر، فإن رصد هذا الجزاء لكل من عمل بأى من تلك المناصب خلال السنوات العشر السابقة لتاريخ 11/2/2011، يعد توقيعًا لعقوبة بأثر رجعى، وذلك بالمخالفة لنص المادتين ( 8، 19) من الإعلان الدستورى .
          وحيث إنه لكل ما تقدم، فإن جميع أحكام المادة الأولى من القانون رقم (17) لسنة 2012 المشار إليه، وقد تصادمت وأحكام الإعلان الدستورى، فتكون – والحال هذه – قد وقعت فى حومة المخالفة الدستورية .
          وحيث إنه، ولئن كانت كل مخالفة دستورية اعتورت ذلك النص على نحو ما تقدم، تكفى بذاتها لإبطاله، إلا أن اجتماع تلك المثالب الدستورية، مع عدم خفاء أمرها على أعضاء المجلس التشريعى على ما كشفت عنه مضابط مجلس الشعب ذات الصلة واتجاه المجلس فى غالبيته، لتجاهلها، وإقراره لمشروع القانون، ما يجافى عن قصد الأغراض التى كان يجب أن يتوخاها التشريع، وهو الأمر الذى يفقده عموميته وتجريده، ويوصمه بالتالى بعيب الانحراف التشريعى .
          لما كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 17 لسنة 2012 المشار إليه والخاصة بنشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية وتاريخ العمل به لا يمكن تصور وجودها مستقلة ومنفصلة عن مادته الأولى التى قضى بعدم دستوريتها بالنظر إلى ارتباطهما ارتباطًا لا يقبل التجزئة، فإنها تسقط تبعًا لإبطال مادته الأولى .
فلهذه الأسباب
  حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وبسقوط نص مادته الثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق