الصفحات

الاثنين، 4 فبراير 2013

تعريف الوقف الاسلامي في اللغة والاصطلاح

الوقف (endowment) لغة : هو الحبس عن التصرف. ويقال : وقفت الدابة أي حبستها أو تصدقت بها أو أبدتها أي جعلتها في سبيل الله إلى الأبد ، وجمعه أوقاف ووقوف ، كوقت وأوقات .
والحبس : المنع . وهو يدل على التأبيد ، يقال : وقف فلان أرضه وقفاً مؤبداً ، إذا جعلها حبيساً لا تباع ولا تورث . وقد وردت كلمة الوقف في القرآن الكريم فقال تعالى ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾ الصافات : 24 ، وقال تعالى ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ الأنعام : 30 .

والوقف في الاصطلاح ( Waqf ) : هو تحبيس الأصل ، وتسبيل المنفعة على بر أو قربة بحيث يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى .
والمراد بالأصل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه .
وأجمع تعريف لمعاني الوقف عند الذين أجازوه أنه حبس العين وتسبيل ثمرتها ، أو حبس عين للتصدق بمنفعتها ، أو كما قال ابن حجر العسقلانى في فتح الباري : " إنه قطع التصرف في رقبة العين التي يدوم الانتفاع بها وصرف المنفعة " ، فقوام الوقف في هذه التعريفات حبس العين فلا يتصرف فيها بالبيع أو الرهن أو الهبة ولا تنتقل بالميراث .
وهو عند جمهور الفقهاء : حبس العين على حكم ملك اللّه تعالى ، والتّصدّق بالمنفعة على جهة من جهات البرّ ابتداء أو انتهاء . فالفرق بين الحبس والوقف أنّ الحبس يكون في الأشخاص والوقف يكون في الأعيان .
وقد تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه  بناء على اختلاف آرائهم في لزومه ، وتأبيده ، وملكيته .

فقد عرفه المالكية بقولهم هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة . وشرطه أن لا يتعلق به حق الغير فلا يصح وقف المرهون أو المؤجر ، وعرفه الشافعية بقولهم مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح ، والوقف لازم . وقال أبو حنيفة أن الوقف غير لازم وقيل رجع عن قوله هذا . والوقف مستحب لأنه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى لعدم انقطاعه وكثرة الثواب عليه بتأبيده .
فالوقف ليس من باب التعبد الذي لا يعقل معناه ، بل هو معقول المعنى مصلحي الهدف .
ولقد كان من الفقهاء من أنكر شرعية الوقف بهذا المعنى وعده باطلا ، ولا يصح إقراره ، إذ كيف يمنع الإنسان من التصرف في ملكه ، ومن هؤلاء شريح وإسماعيل بن اليسع الكندى وأبو حنيفة والشعبى ، ولقد قال بعض العلماء إن إنكارهم لشرعية الوقف إنما هو منصب على منع التصرف في الرقبة ببيعها وهبتها وعدم انتقالها بالإرث وغير ذلك ، أما صرف المنفعة إلى الجهة التي عينها فيقر عليه الواقف ويجب عليه وتنفيذ ، ولذلك جاء في عمدة القارئ ما نصه " لا خلاف بينهم في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بما يحصل من الوقف ما دام حيا حتى أنه إذا وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض ، ويكون ذلك بمنزلة النذر بالغلة ، ولا خلاف أيضا في جوازه إذا اتصل به قضاء القاضي أو إضافة إلى ما بعد الموت " .
وهاتان المسألتان في الحقيقة لا تخرجان عن جواز الوقف ، وإنما تخرجان على قاعدتين أخريين غير الوقف ، أولاهما قاعدة فقهية مقررة وهى أن حكم الحاكم إذا صادف فصلا مجتهدا فيه رفع الخلاف فيما صادفه حسما لمادة النزاع ، والثانية أن كل تصرف مضاف إلى ما بعد الموت وصية ، وأن الوصية بالمنافع لجهة الخير تجوز ، فالوقف في الصورة الثانية يخرج على أنه وصية .
وجاء في البدائع : " لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالريع ما دام الواقف حيا ، حتى أن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض ويكون بمنزلة النذر بالتصدق بالغلة ، ولا خلاف أيضا ى حق زوال ملك الرقبة إذا اتصل به قضاء القاضي أو إضافة إلى ما بعد الموت ، واختلفوا في جوازه مزيلا لملك الرقبة إذا لم توجد بالإضافة إلى ما بعد الموت ، ولا اتصل حكم حاكم ، قال أبو حنيفة : لا يجوز حتى كان للواقف بيع الموقوف وهبته ، وإذا مات أجيز ميراث لورثته . وقال أبو سيف وحمد وعامة العلماء : يجوز حتى لا يباع ولا يوهب ولا يورث ".
ويقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( محاضرات في الوقف) : (وأن الوقف الذي يكون فيه حبس العين على حكم الله تعالى والتصدق بالثمرة على جهة من جهات البر ، هو نوع من الصدقات الجارية بعد وفاة المتصدق ، يعم خيرها ويكثر برها ، وتتضافر بها الجماعات في مد ذوي الحاجات ، وإقامة المعالم ، وإنشاء دور الخير ، من مستشفى جامع يطب أدواء الناس ، ونزل يؤوي أبناء السبيل ، وملاجيء تؤوي اليتامى ، وتقي الأحداث شر الضياع ، فيكونوا قوة عاملة ، ولا يكونوا قوة هادمة .
ولذا تكاثرت أبواب البر بأوقاف الصحابة ثم التابعين ثم من جاءوا من بعدهم واتبعوا هديهم بإحسان ، وأن البلاد الإسلامية في شتى أجزائها كان الوقف فيها مصدر بر يهدي به الفقراء وتقام به دور الخير وخصوصا المساجد فما كانت بيوت الله لتعمر بغير الوقف ، وما كانت تنشأ إلا بفكرته ، ولا تقام فيها الشعائر إلا بصدقته .
وبعض الذين وقفوا اتخذوه ذريعة لمحاربة الميراث وحرموا البنات أو جعلوه قسمة ضيزى بين الذكور والإناث ، يطففون للبنات ويزيدون للبنين عن طريقه أو طريقهم الآثم ، ولقد كثرت هذه المآثم حتى شوهت الأوقاف وأخفت في كثير من الأحيان خيراتها ، ولكن من الحق أن نقول أنه كان بجوار ذلك الإثم بعض الخير . فمن الناس من كانوا يخشون على أنفسهم الضياع وعلى أولادهم فيحصنون أموالهم بالوقف على أنفسهم ومن بعدهم على أولادهم أو على جهة بر لا ينقطع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق