الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 أبريل 2024

الطعن 12671 لسنة 87 ق جلسة 12 / 12 / 2022

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة " الاثنين" (ه) المدنية
برئاسة السيد القاضي / محمد فوزى خفاجى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / عبد البارى عبدالحفيظ ، خالد مصطفى ، أحمد فراج و أحمد جمال عبدالخالق نواب رئيس المحكمة

وحضور رئيس النيابة السيد / أحمد المنشاوى .

وأمين السر السيد / مصطفى محمود ميزار .

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الاثنين 18 من جماد أول سنة 1444 ه الموافق 12 من ديسمبر سنة 2022 .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 12671 لسنة 87 ق .

المرفوع من
ورثة / ..... وهم........ :. المقيمون / .... - العمرانية - محافظة الجيزة. حضر الأستاذ / .... .
ضد
أولاً :. وزير المالية بصفته .
ثانياً :. رئيس جهاز تصفية الحراسات بصفته .
يعلنوا / بهيئة قضايا الدولة بمجمع التحرير - قسم قصر النيل - القاهرة .
حضر المستشار / ..... بهيئة قضايا الدولة .

ثالثاً :. ورثة / ...... وهم :.
.........  الجميع يعلنوا / ..... - العمرانية - محافظة الجيزة.

---------------

" الوقائع "

في يوم 9/ 8/ 2017 طُعِن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بتاريخ 13/ 6/ 2017 في الاستئنافات أرقام 7041/ 9387/ 10887 لسنة 133 ، 845/ 134 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعنين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة .
وفى نفس اليوم أودع الطاعنين مذكرة شارحة .
وفى 5/ 9/ 2017 أعلن المطعون ضدهما اولاً وثانياً بصحيفة الطعن .
وفى 25/ 9/ 2017 أعلن المطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً بصحيفة الطعن .
وفى 12/ 9/ 2017 أودع المطعون ضدهما الأول والثانى مذكرة بدفاعهم طلبا فيها رفض الطعن.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها :. قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً .
وبجلسة 28/ 3/ 2022 عُرِض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة 27/ 6/ 2022 وبها سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم كل من محامى الطاعنين ونائب الدولة والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتهم والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .
---------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر / أحمد جمال عبدالخالق " نائب رئيس المحكمة " ، والمرافعة وبعد المداولة :
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل فى أن المطعون ضدهما أولاً وثانياً بصفتيهما أقاما الدعوي رقم 46 لسنة 2016 محكمة السادس من أكتوبر الابتدائية على الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً بطلب الحكم بطردهم من الفيلا موضوع الدعوي والتسليم وبإلزامهم أن يؤدوا إليهما مبلغ 805000 جنيهاً مقابل انتفاعهم بها في الفترة من 1/ 9/ 2000 وحتي 10/ 2/ 2014 وما يستجد حتي التسليم ، وقالا بياناً لذلك إنه بتاريخ 9/ 11/ 1988 صدر قرار المستشار / النائب العام بمنع مورثي الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً - ملاك شركة الريان للمعاملات المالية - من التصرف والإدارة وأن المورثين أصدرا عن نفسيهما وبصفتيهما القانونية تفويض وتوكيل رسمي عام لصالح النائب العام بالإدارة والتصرف في أموال الشركة المذكورة تم اعتماده بموجب قرار محكمة الجيزة للأحوال الشخصية - ولاية علي المال - وقد فوض النائب العام المطعون ضده أولاً بصفته - وزير المالية - في جميع ما تضمنه عقد التفويض ، ولما كانت عين التداعي من بين تلك الأصول وسبق أن قامت أحدي الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال بتوجيه إنذار إلي مورثي الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً لإداء مبلغ 215000 جنيهاً كمقابل انتفاع عن الفترة من 1/ 9/ 2000 حتي 30/ 4/ 2000 بواقع مبلغ 5000 جنيهاً شهرياً إلا أنهما لم يستجيبا ، كما قام المطعون ضده ثانياً بصفته بمطالبة الورثة بمبلغ 805000 جنيهاً مقابل انتفاعهم بها منذ 1/ 9/ 2000 وحتي 10/ 2/ 2014 ، فقد أقاما الدعوي ، حكمت المحكمة بالطلبات . استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 7041 لسنة 133 ق القاهرة ، واستأنفه المطعون ضدهما أولاً وثانياً بصفتيهما بالاستئناف رقم 9387 لسنة 133 ق القاهرة ، واستأنفه المطعون ضدهما الثاني والثالث بند رابعاً بالاستئناف رقم 10887 لسنة 133 ق القاهرة ، كما استأنفته المطعون ضدها الثانية بند ثالثاً بالاستئناف رقم 845 لسنة 134 ق القاهرة ، وبتاريخ 13/ 6/ 2017 قضت المحكمة في موضوع الاستئنافات الأول والثالث والرابع برفضهم وفي موضوع الاستئناف الثاني بتعديل الحكم المستأنف بإلزام الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً بأن يؤدوا للمطعون ضدهما أولاً وثانياً بصفتيهما ما يستجد من أجرة منذ 1/ 6/ 2016 بواقع مبلغ 5000 جنيه شهرياً وحتي التسليم والتأييد فيما عدا ذلك . طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض ، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن ، وإذ عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث مما ينعاه الطاعنون علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق ، حين قضي بطردهم من عين التداعي والتسليم وإلزامهم بسداد الأجرة المقضي بها ، رغم تمسكهم أمام محكمة الموضوع بانتفاء قيام علاقة ايجارية بين طرفي الخصومة ، فضلاً عن زوال صفة المطعون ضدهما أولاً وثانياً بصفتيهما بالإدارة والتصرف في أموال شركة الريان بعد صدور حكم محكمة النقض رقم 14116 لسنة 63 ق بإلغاء الأمر الصادر من النائب العام في شأن منع مورثهم من التصرف في أمواله وإدارتها ، وأن التوكيل الرسمي العام والتفويض الصادرين من المورث لصالح النائب العام انتهي العمل بهما بانتهاء العمل الموكل وهو سداد حقوق كافة المودعين بشركات الريان، ومن ثم تعود ملكية عين النزاع للمورث ومن بعده ورثته الشرعيين ، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى سديد ، ذلك أن المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بفساد الاستدلال إذ انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر كما في حالة عدم اللزوم المنطقى للنتيجة التي انتهت إليها في حكمها بناء على تلك العناصر التي تثبت لديها ، وأنه ولئن كان إثبات العلاقة الإيجارية من المسائل الموضوعية التي تخضع لمطلق سلطان محكمة الموضوع دون معقب عليها في ذلك إلا أن ذلك مشروط بأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها أصل ثابت في الأوراق وتؤدي إلي النتيجة التي انتهت إليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بطرد الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً من عين التداعي والتسليم وإلزامهم بسداد الأجرة المقضي بها علي ما استخلصه من وجود علاقة إيجارية غير مثبتة بين طرفي التداعي مستنداً في ذلك إلي صدور توكيل رسمي عام وتفويض من مورث سالفي الذكر لصالح المستشار/ النائب العام بصفته يبيح له الإدارة والتصرف في جميع الأموال العقارية والمنقولة والسائلة المملوكة له وقد تضمن جدول حصر الأموال لعين النزاع وتوجيه إنذارين لهم من إحدي الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام ومن المطعون ضده الثاني بصفته بسداد مقابل انتفاعهم بالعين ، في حين أن ما استخلصه الحكم المطعون فيه غير سائغ لا يكفي بذاته لإثبات وجود علاقة إيجارية بين طرفي التداعي فضلاً عن أن الأوراق قد خلت من صدور قرار بنزع ملكية عين النزاع أو بيعها لأخر في تاريخ سابق علي صدور حكم محكمة النقض في الطعن بالنقض رقم 141160 لسنة 62 ق جنائي بإلغاء أمر النائب العام رقم 6 لسنة 1988 في شأن منع مورث الطاعنين والمطعون ضدهم ثالثاً ورابعاً من التصرف في أمواله وإدارتها وكذا قبل انتهاء التفويض والتوكيل الرسمي العام رقم 801 لسنة 1992 - الصادرين لصالح النائب العام - بوفاة المورث عملاً بنص المادة 714 من القانون المدني - حتي يمكن مطالبة الورثة بمقابل انتفاع عن عين التداعي ، ومن ثم فإن ما ساقه الحكم المطعون فيه تبريراً لقضائه آنف البيان لا يدل بمجرده على ما انتهى إليه من نتيجة فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن علي أن يكون مع النقض الإحالة.
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة وألزمت المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتيهما المصروفات ومائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 1 لسنة 2020 ق توحيد المبادئ القضائية جلسة 7 / 7 / 2021

الطلب رقم 1 لسنة 2020 - هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية
بالجلسة المنعقدة بتاريخ 7/ 7/ 2021
برئاسة المستشار محمد بن حمد البادي رئيس الهيئة وعضوية السادة المستشارين القضاة شهاب عبد الرحمن الحمادي ومحمد عبد الرحمن الجراح وعبد العزيز يعكوبي والمبارك العوض حسن وسعد محمد زويل وعمر يونس جعرور وعلي عبد الفتاح جبريل وأحمد مصطفى أبو زيد

------------------

1 - مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة أن يكون أحد المبدأين صادراً عن المحاكم العليا في الدولة أياً كان مسماها سواء محكمة نقض أم تمييز أم عليا والآخر صادراً من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر بحيث يكون المبدأن قد تصادما بما يتعذر تغليب أحدهما على الأخر واجتماع تنفيذها معاً يستوجب أن تتولى الهيئة حسم هذا التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق بينهما من حيث الأثر القانوني على المنازعات المتعلقة بين المبدئين المتعارضين، وينتفي هذا المناط إذا كان المبدأن صادرين عن جهة قضائية واحدة. مما مؤداه: بأن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها هي التي تكون لها ولاية الفصل في التعارض وفقاً للقواعد الإجرائية المعمول بها في نطاقها، حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن مبدأ مستقر وإصدار مبدأ أخر يخالفه.

2 - مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع بصفة صريحة أو ضمنية في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة بالمنطوق في مسألة أساسية بعد أن تناقض فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقراراً جامعاً يمنع ذات الخصوم والمحكمة من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها.

3 - الحكم الصادر قبل البائع ببطلان سند ملكيته على العقار المبيع بعد تسجيل عقد البيع باعتباره غير مالك للمبيع لا يعتبر حجة على المشتري الذي سجل عقد شرائه قبل صدور الحكم بالبطلان السالف بيانه ولم يختصم في الدعوى باعتبار أن دعوى البطلان لا تنتج أثرها بالنسبة إلى الغير الذي تلقى حقاً على الشيء موضوع التصرف الباطل ألا إذا تم إدخاله في الدعوى كخصم حقيقي. فإن لم يخصتم فيها فإن الحكم بالبطلان حال صدوره ينتج أثره فيما بين طرفي الخصومة فقط، ولا يمتد أثره إلى الغير الذي لم يكن طرفاً في العقد الباطل منذ نشأته، لكنه تلقى من أحد المتعاقدين (المتصرف أليه) حقاً على الشيء محل العقد الذي تقرر بطلانه، وهو على خلاف الأصل في أن العقد الباطل في حكم العدم ويؤدي بطلانه إلى زوال آثاره كلها بما يقتضي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد. مما يعبر عنه بالأثر الرجعي للبطلان، ولا يقتصر على طرفيه بل يسري أثره حتى على الغير.

4 - الأخذ بفكرة البطلان المطلق في العقود وامتداد أثرها إلى الغير يؤدي إلى زعزعة استقرار المعاملات ويتعارض مع مبدأ ضرور حماية من اطمأن إلى ظهر له من تصرف صحيح تلقى من صاحب الحق واعتقد بحسن نية بمطابقته للحقيقة الظاهرة فتعامل على أساسه، لإن إبطال العقود التي أبرمت على اساس هذا الظاهر وإزالة ما يترتب عليها من آثار من وقت إبرامها سيؤدي حتماً إلى اضطراب المعاملات وعدم استقرارها، فضلاً عن ان العدالة ومقتضيات الثقة في المعاملات وحمايتها تقتضي حماية الأغيار حسني النية من مغبة عقود سلفهم الذي تعاقدوا معهم بعد أن اطمأنوا واعتقدوا بصحة تلك العقود، وأن المصلحة العامة تقتضي منحهم هذه الحماية لما فيه من رعاية للائتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يعتمد عليها الناس في معاملاتهم، وتجد هذه الحماية سندها في أن بطلان العقد من لا يمنع من وجوده وجوداً واقعياً، إذ ينشئ العقد رغم بطلانه وضعاً ظاهراً يتعامل الناس على أساسه متوهمين بحسن نية كونه عقداً صحيحاً قانونياً طالما لم ينسب إليهم أي خطأ أو تقصير في هذا الاعتقاد.

5 - المظهر الواقعي المخالف للقانون بالنسبة للعقد الباطل ينبغي أن يتولد عنه بالنسبة للغير حسن النية نفس الآثار التي كانت تتولد عنه لو استجمع العناصر التي تحقق له الوجود القانوني الصحيح أخذاً بنظرية الأوضاع الظاهرة مما يببر حمال الغير حال تملكه للشيء محل التصرف الباطل من خلال تعاقده مع صاحب الوضع الظاهر المخالف للحقيقة متى توافر حسن النية لديه (أي الغير)- ولئن كانت نظرية الأوضاع الظاهرة لم ينص عليها صراحة أو ضمناً في قانون المعاملات المدنية، إلا أنه يمكن الأخذ بها استناداً إلى مقتضيات المصلحة والعدالة، إذ طبقاً للمادة (1) من هذا القانون تعتبر قواعد العدالة والمصلحة مصدراً للقاعدة القانونية وذلك بعد التشريع والعرف ومبادئ الشريعة الإسلامية.

6 - مؤداه: أن التصرف المبرم بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية يعد نافذاً في مواجهة صاحب الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع لدى الكافة بمطابقة هذا المظهر للحقيقة دون أن يرتكب هذا الغير خطأ أو تقصيراً في تحري الحقيقة والوقوف عليها، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوى استخلاص تلك الشواهد ومدى إسهام صاحب الحق في قيامها والجهد الذي بذله المتعاقد مع صاحب المركز الظاهر في استطلاع حقيقة هذا المظهر.

7 - من المقرر أن ملكية العقار لا تنتقل ولا الحقوق العينية العقارية الأخرى بين المتعاقدين وفي حق الغير إلا بالتسجيل وفقاً لأحكام القوانين الخاصة به، وأن عدم تسجيل التصرفات التي من شأنها حق ملكية أو حق عقاري أخر أو نقله أو تغييره أو زواله- ومنها عقد بيع العقار- يترتب عليه أن تلك الحقوق لا تنشأ ولا تنتقل بين ذوي الشأن ولا بالنسبة للغير ولا يكون للعقود غير المسجلة من الاثر سوى الإلتزامات الشخصية بين المتعاقدين، فإذا ما تم التسجيل صحيحاً فإن المتصرف إليه تكون قد انتقلت إليه ملكية العقار وتكون له سلطة المالك في التصرف في ملكه وتصبح تصرفاته نافذة في حق الغير من تاريخ التسجيل، وبالتالي فلا يحاج المشتري بالحكم الذي يصدر ضد البائع بخصوص العقار المبيع متى كان تسجيل البيع سابقاً على هذا الحكم وذلك رغبة في حماية الغير حسن النية متى كان قد تلقى حقاً عينياً على عقار تم تسجيله قبل الحكم، ويكون التسجيل حجة في مواجهة الكافة ولا يجوز الطعن في بياناته إلا إذا كان نتيجة غش أو تزوير، وتكون ملكية العقار قد انتقلت إلى المشترين بأمرين متلازمين أحدهما يستند إلى الآخر هما التصرف الصحيح الناقل للمكية، والتسجيل المستند إلى هذا التصرف الصحيح. أثره: حجية عقد بيع المشتري حسن النية قبل الورثة.

---------------

الهيئة

بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
حيث إن الوقائع- على ما يبين من الطلب وسائر الأوراق- تتحصل في أن .... في غضون عام 2006 قام مع والده .... حال حياته بتأسيس "شركة ...." ذات مسؤولية محدودة بغرض الاستثمار العقاري وإدارة ثروته العقارية، وقد تم توزيع حصص الشركة في عقد التأسيس بحيث اختص .... بنسبة 99% من الأسهم، بينما اختص ابنه .... بنسبة 1%.
قام المورث بتحرير وكالتين لصالح ابنه المذكور لمباشرة أعمال الإدارة والتصرف الأولي بتاريخ 22/ 12/ 1999، والثانية بتاريخ 26/ 3/ 2006.
قام .... وفي الفترة من عام 2006 حتى عام 2011 بنقل أمواله بجميع عناصرها وصورها بطريق الهبة إلى الشركة المذكورة آنفة لتصبح ضمن أصولها العقارية، كما تم نقل البعض منها إلى ذمة .... الشخصية، وقد قام الأخير بموجب الوكالة الصادرة لصالحه بتعديل الحصص الواردة في عقد الشركة بحيث أصبح يمتلك 25% من حصص الشركة، بينما يمتلك والده نسبة 75%.
ثم قام بتعديل العقد مرة أخرى بحيث أصبح يمتلك نسبة 76% من أسهمها، بينما يمتلك والده نسبة 24%، وبعد ذلك قام .... ببيع أسهمه في شركة .... بحيث أصبح لا يمتلك فيها أي نسبة من أسهمها.
أقام أبناء ....- حال حياته- بعد علمهم بهذه التصرفات الدعوى رقم ... لسنة ... مدني كلي أبو ظبي بطلب وقف العمل بالوكالات الممنوحة من والدهم إلى شقيقهم المذكور وإبطال تصرفات الهبة التي قام بها الأخير على سند من الأمر السامي الذي اصدره الشيخ زايد رحمه الله بالتسوية في الهبات بين الأولاد والزوجات حال حياة الواهب، ونص المادة (62/ 2) من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أنه "تجب التسوية في الهبة وما في حكمها بين الأولاد وبين الزوجات ما لم تكن مصلحة يقدرها القاضي، فإن لم يسو سوى القاضي بينهم واخرجها من التركة".
وقد قام شقيقهم ببيع عقار تجاري عبارة عن .... واستولى على ثمن المبين وادخله في ذمته، وبيع مجمع سكني في إمارة .... واستعمال تلك الأموال في شراء فندق .... باسمه بقيمة 46 مليون يورو، كما قام باثقال العقارات برهون تجاوزت مئات الملايين، وكانت أغلب العقارات المملوكة لوالدهم قد آلت إليه بطريق المنح من حاكم إمارة أبو ظبي وبقية حكام الإمارات، إلا إنه قام بنقل ملكيتها إلى ولده .... بطريق الهبة دون موافقة الجهات المانحة مما تكون معه هذه الهبات باطلة، لذا أقاموا دعواهم بوقف وإلغاء العمل بالوكالتين الصادرتين لصالح شقيقهم وإبطال جميع الهبات والتصرفات الواردة في الأملاك التي وهبها المورث لشركة .... إضرارا بحقوقهم مع رد العقارات والمبالغ النقدية إلى ذمة والدهم.
وبتاريخ 28/ 11/ 2012 توفى .... فتم تصحيح شكل الدعوى وإدخال خصوم جدد، وبتاريخ 30/ 4/ 2013 اصدر سمو رئيس دائرة القضاء بإمارة أبو ظبي قرارا بتشكيل هيئة قضائية خاصة للنظر في جميع النزاعات والخلافات المثارة بين ورثة .... المرفوعة من أحد الورثة أو بعضهم ضد الورثة الآخرين سواء كانت محل نزاع قضائي مثار حاليا أم لم يسبق إثارتها أمام المحاكم.
وبتاريخ 10/ 12/ 2013 قضت الهيئة القضائية المشكلة بمحكمة استئناف أبو ظبي في الدعوى رقم .... لسنة .... مدني أبو ظبي ببطلان الهبات المنصبة على مجموعة من أملاك المورث وعددها (22) عقارات وتوزيعها على الورثة وفق الفريضة الشرعية، على سند أن هذه الهبات قصد بها التحايل على أحكام الميراث إذا استفاد منها أحد الورثة وهو ابنه.
وأقام الورثة الدعوى رقم ... لسنة ... لتنفيذ الحكم المشار إليه.
استشكل واضعو اليد على بعض العقارات في الحكم المراد تنفيذه، فاصدر قاضي التنفيذ قراره برفض التنفيذ بالنسبة للعقارات التي تم تصرف فيها، مما حدا بالوارثين .... إلى إقامة دعاوى ضد حازي العقارات المقضي ببطلان جميع التصرفات المتعلقة بها، ومن بينها تلك الدعاوى:-
أولا: الدعوى رقم ... لسنة ... تجاري كلي الشارقة ضد المدعو .... حائز القطعة رقم ... بمنطقة .... بطلب الحكم ببطلان التصرف فيها.
وبتاريخ 30/ 7/ 2019 حكمت محكمة الشارقة الابتدائية برفض الدعوى، تأسيسا على أن المشتري لم يختصم في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي بإبطال التصرف بالهبة.
استأنف المدعيان هذا الحكم أمام محكمة استئناف الشارقة بالاستئناف رقم ... لسنة ... مدني، ومحكمة الاستئناف قضت بالتأييد.
طعن على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة ... تجاري، وبتاريخ 12/ 5/ 2020 قضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة، تأسيسا على أنه يترتب على بطلان العقد إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وهو أن يرد كل من طرفي العقد ما تسلمه من الطرف الآخر، لأن احتفاظه به يكون دون وجه حق، وأن الملكية تنتقل بأمرين أحدهما أصلي وأساسي وهو العقد الصحيح الناقل للملكية، والثاني تبعي ومكمل وهو التسجيل، فإذا انعدم الأصل فلا يغني عنه المكمل وبالتالي فالعقود الباطلة لا يصححها التسجيل الذي لا يحول دون الطعن في العقد بإنه باطل ومعدوم وأنه غير نافذ في حق الغير.
وعابت المحكمة الاتحادية العليا على الحكم المنقوض إنه لم يفطن إلى أن الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي رفعت من ورثة .... ضد مورثهم الواهب وشركة ... وشقيقهما .... الموهوب له بطلب إبطال كافة الهبات والتنازلات التي أتاه المورث لصالح الشركة المذكورة والشقيق بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية والنظام العام وقانون المعاملات المدنية، ولم يكن موضوع الدعوى رجوعا عن الهبة من طرف الواهب عملا بالمادة (646) من القانون الأخير، ويكون من أثر ذلك وفقا لأحكام المادتين (210، 275) من هذا القانون أصبح الورثة هم الملاك الحقيقيين للقطعة محل النزاع، ويمتد أثر هذا البطلان إلى الغير ... الذي انتقلت له الشركة الموهوب لها ملكية الأرض بموجب عقد البيع المؤرخ 23/ 7/ 2009، ورتبت المحكمة على ذلك أن تصرف الموهوب لها بالبيع غير نافذ في حق المالكين الحقيقيين- الورثة- ولو قام الغير- المشتري- بتسجيل عقد البيع في السجل العقاري لأن التسجيل لا يصحح العقد الباطل، ولا ينال من ذلك حسن النية الذي أوردها لحكم المنقوض والذي- أيا كان وجه الرأي فيها- يضحى غير منتج.
ثانيا: الدعوى رقم ... لسنة ... مدني كلي أبو ظبي ضد .... بطلب الحكم بعدم نفاذ عقد البيع المحرر بينه وبين الشركة .... الموهوب لها بخصوص العقار رقم (205)، وإلزامه برده وتسليمه خاليا من الشواغل لورثة ....، وتكليف المدعى عليها .... بمحو قيد الملكية من إدارة تسجيل العقارات وإعادة قيده باسم الورثة استنادا إلى الحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي.
وبتاريخ 27/ 10/ 2019 حكمت محكمة أبو ظبي الابتدائي برفض الدعوى، تأسيسا على أن واضع اليد على العقار محل التداعي من الغير حسن النية، وقد تأيد هذا القضاء بالاستئناف رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي.
طعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة ... مدني، وبتاريخ 30/ 6/ 2020 قررت محكمة النقض في غرفة مشورة بعدم قبول الطعن على سند من أن قانون المعاملات المدنية لم ينص على الحالة التي يقع فيها الشيء في يد من انتقلت إليه بعقد صحيح إذا كان حسن النية وغير عالم بالبطلان الذي شاب العقد السابق عليه، وكان المشتري .... وهو حسن النية بحسب الأصل قد اشترى العقار سالف البيان استنادا إلى ملكية البائعة له المسجلة لدى دائرة البلدية وتم تسجيل عقد شرائه وكان ذلك قبل إقامة الدعوى رقم ... لسنة ... ببطلان الهبات، ومن ثم فلا يعد هذا الحكم حجة على المشتري عملا بنسبية الأحكام وتكون ملكية العقار قد انتلقت بأمرين متلازمين أحدهما يستند إلى الأخر هما التصرف الصحيح الناقل للملكية والتسجيل المستند إلى هذا التصرف الصحيح.
وقد أسفر عن الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري، والحكم الصادر من محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... مدني، صدور مبدأيين متعارضين حول مسألة واحدة ذلك أن الحكم الأول اعتبر الحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني ببطلان الهبات الصادر من الواهب إلى أحد ابنائه لا يعدو أن يكون حكما كاشفا وليش منشئا، ومن ثم يمتد اثر البطلان إلى التصرفات التي أبرمها الموهوب إليه مع الغير حتى ولو تم تسجيل عقده، لأن التسجيل لا يصحح العقد الباطل.
بينما الحكم الثاني لم يعتد بالأثر الرجعي لبطلان الهبات في حق الغير، تأسيسا على أن الغير حسن النية وعقده صحيح وأن الملكية انتقلت إليه بالتسجيل.
وعلى أثر هذا التعارض بين المبدأين السالفين تقدم النائب العام بطلب إلى هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بالمحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 18/ 10/ 2020 قيدت برقم (1 لسنة 2020- هيئة توحيد المبادئ) طلب في ختامها النظر في التعارض السالف بيانه.
وحيث أن الهيئة تنوه ابتداء إلى أن نص المادة (15) من القانون الاتحادي رقم (10 لسنة 2019) بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية على أن "تختص الهيئة بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة من محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سابق لها أن قررته وفقا للإجراءات المحددة في المادة (16) من هذا القانون". يدل على أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة أن يكون أحد المبدأين صادرا عن المحاكم العليا في الدولة أيا كان مسماها سواء محكمة نقض أو تمييز أو عليا، والآخر صادر من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر، بحيث يكون المبدآن قد تصادما بما يتعذر تغليب أحدهما على الآخر واجتماع تنفيذها معا، مما يستوجب أن تتولى الهيئة هذا التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق بينهما من حيث الأثر القانوني على المنازعات المتعلقة بين المبدأين المتعارضين.
وينتفي مناط قبول الطلب إذا كان المبدأين صادرين من جهة قضائية واحدة فأن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها هي التي تكون لها ولاية الفصل في التعارض وفقا للقواعد الإجرائية المعمول بها في نطاقها، حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن مبدأ مستقر وإصدار مبدأ آخر يخالفه.
لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري، والحكم الصادر من محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... مدني، أن الحكمين أصدرا مبدأين قضائيين متعارضين حول مسألة واحدة على النحو المبين في المساق المتقدم، مما ينعد معه الاختصاص لهيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية بنظر طلب النائب العام بخصوص هذا التعارض، على ألا يمتد اختصاص الهيئة إلى بحث أوجه النزاع الموضوعية بين الخصوم والفصل فيه.
وحيث أن الهيئة وقبل الفصل في التعارض بين المبدأين المتعارضين على النحو السالف بيانه- تنوه ابتداء إلى أن هناك مسألة أساسية لازمة يتوقف عليها الفصل في التعارض وهي مدى سريان الحكم الصادر ببطلان الهبات الصادرة من المورث حال حياته بأثر رجعي في حق المشتري حسن النية بموجب عقد بيع مسجل وما رتبه من استحقاق المبيع وحجية هذا العقد قبل الورثة، فإن المستقر عليه- وعلى ما جرى عليه نص المادة (49) من قانون الاثبات - أن مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع بصفة صريحة أو ضمنية في المنطوق أو في الأسباب والمنطوق المرتبطة بالمنطوق في مسألة أساسية بعد أن تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقرارا جامعا يمنع ذات الخصوم والمحكمة من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها، ومؤدى ذلك أن أثر حجية الحكم الصادر ببطلان الهبات الصادرة من المورث .... يكون مقصورا على من كان طرفا في هذا الحكم، بما يترتب عليه بقاء العقارات والأعيان على ملك المورث وينسحب الحكم بأثر رجعي إلى وقت نشوء عقد الهبة ولا يمتد هذا الأثر ولا يعتد بحجية الحكم في شأن التصرفات التي أبرمها المورث في صحته لصالح الغير مثل البيع أيا كانت صفته فيه لانتفاء وجود علاقات قانونية بين المورث حال حياته وهذا الغير يمكن أن ترتب أثرا قانونيا لنقل الملكية لصالح المشترين حسني النية، وعليه فإن الحكم الصادر قبل البائع ببطلان سند ملكيته على العقار المبيع بعد تسجيل عقد البيع باعتباره مالك المبيع لا يعتبر حجة على المشتري الذي سجل عقد شرائه قبل صدور الحكم بالبطلان سالف البيان ولم يختصم في الدعوى باعتبار أن دعوى البطلان لا تنتج أثرها بالنسبة إلى الغير الذي تلقى حقا على الشيء موضوع التصرف الباطل إلا إذا تم إدخاله في الدعوى كخصم حقيقي، فإن لم يختصم فيها فإن الحكم بالبطلان حال صدوره ينتج أثره فيما بين طرفي الخصومة فقط ولا يمتد اثره إلى الغير الذي لم يكن طرفا في العقد الباطل منذ نشأته لكنه تلقى من أحد المتعاقدين (وتحديدا المتصرف إليه في العقد الباطل) حقا على محل العقد الذي تقرر بطلانه، وهو على خلاف الأصل في أن العقد الباطل في حكم العدم ويؤدي بطلانه إلى زوال آثاره كلها بما يقتضي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد وهذا ما يعبر عنه بالأثر الرجعي للبطلان، ولا يقتصر على طرفيه بل يسري أثره على الغير، وهو ما اعتنقه الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري كما سلف بيانه، إلا أن الأخذ بفكرة البطلان المطلق في العقود يؤدي إلى زعزعة استقرار المعاملات ويتعارض مع مبدأ ضرورة حماية من اطمأن إلى ما ظهر له من تصرف صحيح تلقى من صاحب الحق واعتقد بحسن نية بمطابقته للحقيقة الظاهرة فتعامل على أساسه، لأن إبطال العقود التي أبرمت بين الناس على أساس هذا الظاهر وإزالة ما يترتب عليها من آثار وقت إبرامها سيؤدي حتما إلى اضطراب المعاملات وعدم استقرارها، أضف إلى ذلك أن العدالة ومقتضيات الثقة في التعاملات وحمايتها تقتضي حماية الأغيار حسني النية من مغبة عقود سلفهم الذين تعاقدوا معهم بعد أن اطمأنوا واعتقدوا بصحة تلك العقود، وأن المصلحة العامة تقتضي منحهم هذه الحماية لما فيها من رعاية للائتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يعتمد عليها الناس في معاملاتهم، وتجد هذه الحماية سندها في أن بطلان العقد لا يمنع من وجوده وجودا واقعيا، إذ ينشئ العقد رغم بطلانه وضعا ظاهرا يتعامل الناي على أساسه متوهمين بحسن نية كونه عقدا صحيحا قانونا طالما لم ينسب إليهم أي خطأ أو تقصير في هذا الاعتقاد، وبالتالي فإن المظهر الواقعي المخالف للقانون بالنسبة للعقد الباطل ينبغي أن يتولد عنه بالنسبة للغير حسن النية نفس الآثار التي كانت تتولد عنه لو استجمع العناصر التي تحقق له الوجود القانوني الصحيح أخذا بنظرية الأوضاع الظاهرة مما يبرر حماية الغير حال تملكه للشيء محل التصرف الباطل من خلال تعاقده مع صاحب الوضع الظاهر المخالف للحقيقة متى توافر حسن النية لديه (أي الغير)، ومن ثم يعد حسن النية متوافرا إذا لم يكن في وسع ذلك الغير التوصل إلى معرفة المركز الحقيقي المخالف للوضع الظاهر ولو بذل ذلك الغير عناية الشخص العادي ولم يقصر في استطلاع حقيقة الأمر وتقصيه المخالف للظاهر، فإذا قصر الغير في ذلك زال عنه افتراض حسن النية وفقد الحماية المقررة بمقتضى الوضع الظاهر، لذلك فإن التصرف المبرم بين صاحب الوضع الظاهر (المالك الظاهر الذي بطل تصرفه أو سند ملكيته) والغير حسن النية يعد نافذا في مواجهة صاحب الحق متى كان الأخير أسهم بخطئه سلبا أو إيجابا في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع لدى الكافة بمطابقة هذا المظهر للحقيقة دون أن يرتكب هذا الغير خطأ أو تقصير في تحري الحقيقة والوقوف عليها، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوى استخلاص تلك الشواهد ومدى إسهام صاحب الحق في قيامها والجهد الذي بذله المتعاقد مع صاحب المركز الظاهر في استطلاع حقيقة هذا المظهر. ولئن كانت نظرية الأوضاع الظاهرة لم ينص عليها صراحة في ضمنا في قانون المعاملات المدنية، إلا أنه يمكن الأخذ بها استنادا إلى مقتضيات المصلحة والعدالة، إذ طبقا للمادة (1) من هذا القانون تعتبر قواعد العدالة والمصلحة مصدرا للقاعدة القانونية وذلك بعد التشريع والعرف ومبادئ الشريعة الإسلامية.
أما فيما يتعلق بحجية عقد بيع المشتري حسن النية قبل الورثة، فإن من المقرر أن ملكية العقار لا تنتقل ولا الحقوق العينية العقارية الأخرى بين المتعاقدين وفي حق الغير إلا بالتسجيل وفقا لأحكام القوانين الخاصة به، وأن عدم تسجيل التصرفات التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو تغييره أو زواله- ومنها عقد بيع العقار- يترتب عليه أن الحقوق المذكورة لا تنشأ ولا تنتقل بين ذوي الشأن ولا بالنسبة للغير، وأنه لا يكون للعقود غير المسجلة من أثر سوى الإلتزامات الشخصية بين المتعاقدين، فإذا ما تم التسجيل صحيحا فإن المتصرف إليه تكون قد انتقلت إليه ملكية العقار وتكون له سلطة المالك في التصرف في ملكه، وتصبح (تصرفاته) نافذة في حق الغير من تاريخ التسجيل، وبالتالي فلا يحاج المشتري بالحكم الذي يصدر ضد البائع بخصوص العقار المبيع متى كان تسجيل المبيع سابقا على هذا الحكم وذلك رغبة في حماية الغير حسن النية متى كان قد تلقى حقا عينيا على عقار وتم تسجيله قبل الحكم، ويكون التسجيل حجة في مواجهة الكافة، ولا يجوز الطعن في بياناته إلا إذا كان نتيجة غش أو تزوير، وتكون ملكية العقار قد انتقلت إلى المشترين بأمرين متلازمين احدهما يستند إلى الآخر هما التصرف الصحيح الناقل للمكية، والتسجيل المستند إلى هذا التصرف الصحيح.
لما كان ذلك وكان المورث .... رحمه الله باعتباره المالك الحقيقي للعقار موضوع النزاع- وهو سلف الورثة الذي يتلقون الحق عنه- قد اسهم بموجب إبرامه للهبة الباطلة في ظهور شركة .... على الحق بمظهر صاحبه بما دفع المشتري حسن النية إلى التعاقد معها للشواهد المحيطة بالتعاقد والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد بمطابقة هذا المظهر الحقيقي- بما مؤداه نفاذ التصرف المبرم بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية في مواجهة المالك الحقيقي وورثته من بعد، ذلك أن ما وقع من المورث من التصرف بالهبة إلى الشركة المذكورة وقيدها بالسجل باعتبارها مالكة للعقار إنما كان ينبئ في ظاهر الأمر عن انصراف إرادته إلى نقل الملكية إلى الشركة، وإلى إجازته لها بالتعامل باسمها وكشف عن مظهر خاص من شأنه أن يوهم الغير ويجعله معذورا في اعتقاده بأن الشركة ومديرها ....- أحد الورثة- هي المالكة الحقيقية للعقار، ومن ثم يكون من حق المشتري حسن النية في هذه الحالة أن يتمسك بانصراف أثر التعامل الذي أبرمه مع من اعتقد بحق أنه مالك المبيع الذي انتقل إليه ولا سيما أن عقد البيع الصادر من الشركة كان قبل صدور الحكم ببطلان الهبة، مما يكون صحيحا ومنتجا لأثاره القانونية، وكان الورثة لم يطعنوا على ذلك البيع بالصورية المطلقة، وإنما إقامة دعواهم بعد نفاذ العقد في مواجهتهم باعتبارهم قد كسبوا حقا- بصفتهم الورثة- على المبيع بغرض إزالة العوائق القائمة على سبيل عدم سريان أثر ذلك التعاقد المسجل في مواجهتهم، وكان الحكم الصادر في دعوى بطلان التصرفات لم يثبت صورية العقد المبرم بين الشركة والمشتري فإنه يبقى صحيحا مرتبا أثره القانوني من حيث انتقال الملكية ويكون حجة على الوارث، وإنما ما خلصت إليه الهيئة من تقريرات قانونية في نطاق النزاع المطروح إنما يسري على جميع عقود البيع التي أبرمتها شركة .... متى توافرت موجبات صحتها واستكملت شرائطها القانونية وفق الأسباب المشار إليها في المساق المتقدم.

وحيث أنه ترتيبا على ما تقدم فأن الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري قد اعتد بالأثر الرجعي للحكم الصادر ببطلان سند ملكية البائع في حق مشتري العقار حسن النية بعقد مسجل بعد تمام التسجيل، مما ترى معه الهيئة إقرار المبدأ القانوني الذي خلص إليه الحكم الصادر من محكمة نقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... وترتيب الآثار القانونية على واقعة النزاع.

فلهذه الأسباب

قررت الهيئة الاعتداد بالمبدأ القانوني الذي قررته محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... مدني.

الطعن رقم 3 لسنة 2023 ق توحيد المبادئ القضائية جلسة 21 / 12 / 2023

باسم حضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
إن هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية المشكلة:- برئاسة السيد القاضي: محمد حمد البادي وعضوية السيد القاضي: شهاب عبد الرحمن الحمادي والسيد القاضي: محمد عبد الرحمن الطنيجي والسيد القاضي: عبد العزيز يعكوبي والسيد القاضي: المبارك العوض حسن والسيد القاضي: سعد محمد زويل والسيد القاضي: عمر يونس جعرور والسيد القاضي: أحمد مصطفى أبو زيد والسيد القاضي: عصمت بخيت أبو زيد
وأمين السر السيد: د. سعود فيصل آل علي
بالجلسة المنعقدة يوم الخميس 8 من جمادي الآخرة 1445 هـ الموافق 21 من ديسمبر 2023 م بمقر المحكمة الاتحادية العليا بمدينة أبو ظبي.
أصدرت القرار الآتي في:
الطلب رقم 3 لسنة 2023 "هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية"

---------------

الهيئة

بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
حيث إن الوقائع، على ما يبين من الطلب وسائر الأوراق، تتحصل في أن المطعون ضدها شركة .... ش.ذ.م.م. تقدمت بالعريضة رقم ..... لسنة 2021 إلى القاضي المختص بطلب استصدار أمر أداء ضد الطاعنة شركة .... ش.ذ.م.م بإلزامها أن تؤدي لها مبلغ مالي والفائدة القانونية بواقع 12% سنوياً من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، وقالت بياناً لذلك أنه بموجب تعاملات تجارية بينهما نفذت أعمالاً لصالح الطاعنة موضحة تفصيلًا في كشف حساب الدفعات لعدة مشاريع تخص الطاعنة والمبينة تفصيلاً بالعريضة فترصد في ذمة الأخيرة المبلغ المطالب به بعد أن انتهت من تنفيذ الأعمال المسندة إليها، وكلفتها الوفاء به قانوناً إلا أنها امتنعت، ومن ثم تقدمت بالعريضة، بتاريخ 4/ 8/ 2021 أصدر القاضي المختص أمراً في مادة تجارية أولاً: بإنفاذ العقد التجاري المبرم بين الطرفين ثانياً: بإلزام الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضدها المبلغ المالي والفائدة القانونية بواقع 5% من تاريخ 14/ 7/ 2021 وحتى تمام السداد. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم .... لسنة 2022 "استئناف أمر أداء" وبعد أن ندبت المحكمة خبيراً، قضت بتاريخ 28/ 12/ 2022 بتعديل المبلغ المقضي به وبتأييد الأمر المستأنف فيما عدا ذلك. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالتمييز أمام محكمة تمييز دبي بالطعن رقم 417 لسنة 2023 تجاري، وبجلسة 27/ 4/ 2023 قضت بنقض الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضدها المصروفات ومبلغ ألفي در هم مقابل أتعاب المحاماة وأمرت برد التأمين، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم ..... لسنة 2022 "استئناف أمر أداء" بإلغاء الأمر المستأنف وبعدم قبول إصداره وألزمت المستأنف ضدها المصروفات ومبلغ ألف درهم مقابل أتعاب المحاماة، وأسست قضاءها على أن النص في المادة 62 من اللائحة التنظيمية لقانون الإجراءات المدنية لسنة 1992 يدل على أن المدعي الذي يطالب بحق له قبل خصمه يتعين عليه كأصل الالتجاء إلى المحكمة بموجب صحيفة يودعها لدى مكتب إدارة الدعوى، واستثناء من هذا الأصل يتعين عليه بعد أن يكلف المدين أولاً بالوفاء في ميعاد خمسة أيام على الأقل. ثم الالتجاء إلى طريق استصدار أمر أداء من القاضي المختص بالمحكمة الابتدائية إذا كان كل ما يطالب به حقاً ثابتاً بالكتابة إلكترونياً أو مستندياً وكان كل ما يطالب به مال من النقود محدد المقدار أو منقول محدداً بذاته أو معيناً بنوعه ومقداره، أو يكون المدعي دائناً بموجب ورقة تجارية إذا أراد الرجوع على ساحبها أو محررها أو القابل لها أو الضامن الاحتياطي لأحدهم متى توافرت كافة الشروط السالف بيانها، وكان هذا الحق أو الدين حال الأداء وغير مضاف إلى أجل أو معلق على شرط أو لإنفاذ عقد تجاري، وأن قصد المشرع من أن يكون الدين ثابتاً بالكتابة هو أن تكون الورقة مفصحة بذاتها عن أن المطلوب استصدار أمر الأداء ضده هو الموقع على الورقة ويلزم دون غيره بأدائه وقت استحقاقه، فإذا تخلف شرط من هذه الشروط وجب على الدائن اتباع الطريق العادي لرفع الدعوى والمقصود بكون المبلغ المطالب به معين المقدار هو ألا يكون بحسب الظاهر من الورقة الثابت فيها قابلاً للمنازعة فيه وبأن يكون تحديد مقداره قائماً على أسس ثابتة لا يكون معها للقضاء سلطة حياله في التقدير، فإذا لم تتوافر هذه الشروط كأن لم يكن كل الدين المطالب به ثابتاً بالكتابة أو غير حال الأداء أو غير معين المقدار، فإنه لا يجوز الإلتجاء إلى طريق استصدار أمر الأداء، ولو توافرت هذه الشروط مجتمعة بالنسبة لجزء من الدين المطالب به دون باقي أجزائه، إذ هو طريق استثنائي للالتجاء إلى القضاء لا يجوز التوسع فيه، ولأن الأمر بالأداء غير قابل للتجزئة، فليس القاضي أن يصدر الأمر ببعض طلبات المدعي ويرفض البعض الآخر منها وإحالة هذا البعض الأخير إلى المحكمة المختصة للفصل فيه، وحيث أن الطاعنة تمسكت أمام محكمة الاستئناف بمنازعتها في الدين وبأنه غير ثابت في حقها وبعدم أحقية المطعون ضدها في سلوك طريق أمر الأداء، وندبت محكمة الاستئناف خبيراً هندسياً ثم انتهت إلى أحقية المطعون ضدها في مبلغ أقل من المبلغ الذي ضمنته عريضة طلب استصدار أمر الأداء، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتعديل المبلغ موضوع أمر الأداء وبتأييد الأمر المستأنف فيما عدا ذلك على سند من اطمئنانه إلى تقرير الخبرة، الأمر الذي يقطع بوجود نزاع جدي حول مبلغ الدين وأن إثباته وتحديد مقداره قد تطلب ندب خبير في الدعوى، فيكون هذا الدين قد فقد شروط ثبوت تحديد مقداره بالكتابة وكونه حال الأداء، ومن ثم فلا تتوافر فيه شروط سلوك طريق أمر الأداء المنصوص عليها بالمادة 62 من اللائحة التنظيمية المشار إليها، ويكون الحكم المطعون فيه بقضائه أنف البيان قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه. وإذ أن الموضوع صالح للفصل فيه، قضت محكمة التمييز بحكمها الذي تقدم ذكره هذا المبدأ القضائي، ووافقه قضاء محكمة تمييز دبي الصادر في الطعنين رقمي 725، 825 لسنة 2022 تجاري.
وبتاريخ 25/ 3/ 2020 استصدر الطاعن من القاضي الجزئي بمحكمة أبو ظبي العمالية أمر الأداء رقم 1 لسنة 2020 بإلزام المطعون ضدها بأن تؤدي له المبلغ المالي الثابت بموجب سند عرفي منسوب صدوره إليها مؤرخ 11/ 6/ 2019 معنون خطاب تأكيد عمولات تضمن أن هذا المبلغ يمثل مستحقات الطاعن العمالية من عمولات السنوات 2015 حتى 2019 وأنها لم تسلمه إليه عند طلبه، استأنفت المطعون ضدها هذا الأمر بالاستئناف رقم ... لسنة 2020 وبتاريخ 26/ 5/ 2022 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بعدم قبول الطلب. أقام الطاعن الطعن رقم 96 لسنة 2020 عمالي في هذا الحكم بالنقض أمام محكمة نقض أبو ظبي مختصماً المطعون ضدها طالباً نقضه، وبجلسة 16/ 8/ 2022 قضت بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة الاستئناف إلى الدائرة المختصة للفصل في موضوع الطلب طبقاً للقانون وبإلزام المطعون ضدها الرسم والمصروفات ومبلغ ألف درهم مقابل أتعاب المحاماة وأمرت برد التأمين، وأقامت قضاءها تأسيسا على أن المشرع رسم للدائن طريقاً هو مخير فيه- استثناء من القواعد العامة في رفع الدعوى ابتداء بسلوك طريق أمر الأداء- للمطالبة بحق يدعيه متى كان هذا الحق ثابتاً بالكتابة إلكترونياً أو مستندياً وكان محل المطالبة ديناً من النقود معين المقدار أو منقول محدداً بذاته أو معيناً بنوعه ومقداره، أو كان محلها إنفاذ عقد تجاري، وفي حال كان دائناً بورقة تجارية- فإن سلكه ورأى القاضي المختص توافر شروط إصدار الأمر أصدره وإلا رفضه بقرار مسبب، فإن لم يلق الأمر أو الرفض قبولاً لدى صاحب المصلحة من الطرفين، وكانت المطالبة في حدود النصاب الانتهائي للمحكمة الجزئية، كان له التظلم بصحيفة بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى وينظر القاضي التظلم، وكأنه دعوى سيقت إليه ابتداء بالقواعد والإجراءات المتبعة حسماً لمسألة صحة الأمر أو قرار رفض إصداره، وفصلاً في الموضوع إذا قدر عدم وجود وجه لإصدار الأمر لعدم توافر الشروط الموضوعية لاستصداره كصدور الأمر بدين غير ثابت بالكتابة أو غير معين المقدار، بحكم نهائي منه الخصومة غير قابل للطعن أما إذا كانت المطالبة تتجاوز النصاب الانتهائي اختصت محكمة الاستئناف منعقدة في غرفة مشورة بنظر التظلم حسماً لمسألة صحة الأمر أو قرار رفض إصداره فإن هي انتهت إلى رفض إصدار الأمر أو عدم قبول الطلب أحالت الموضوع للمرافعة للفصل فيه ويكون لها عندئذ الصلاحيات المقررة لها في شأن استئناف الأحكام القضائية فتنتقل إليها الدعوى بكل ما يبدى فيها من طلبات ودفوع وأوجه دفاع في حدود ما رفع عنه الاستئناف ويتعين عليها عند تصديها للفصل في النزاع أن يشتمل حكمها على ما يدل على أنها قامت بدراسة الأدلة المطروحة عليها وسائر أوجه الدفاع الجوهري والرد عليها- إذ قدر المشرع في هذه الحالة نظر الموضوع على درجة واحدة أمام محكمة الاستئناف فيمتنع عليها إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة اللهم إلا إذا كانت المطالبة قد رفعت ابتداء بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى وأصدر القاضي المشرف أمراً بالأداء فيها ورأت محكمة الاستئناف عدم توافر شروط استصدار الأمر فتعيدها إلى محكمة أول درجة لنظرها وفقاً للطريق المعتاد لنظر الدعاوى ويخضع الحكم الصادر من محكمة الاستئناف لطرق الطعن المقررة قانوناً، وحيث إن الثابت بالأوراق ومما حصله الحكم المطعون فيه أن الطاعن تقدم بطلب لاستصدار أمر الأداء بغية إلزام المطعون ضدها أن تؤدي إليه المبلغ المالي محل السند العرفي المنسوب صدوره إليها والمعنون (خطاب تأكيد عمولات)، فأجابه القاضي الأمر لما طلب، وإذ قامت المطعون ضدها باستئناف الأمر الصادر بإلزامها بالمبلغ المذكور فقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الأمر المتظلم منه وبعدم قبول طلب الأداء لعدم توافر موجبات إصداره ووقفت بقضائها عند حد عدم توافر شروط إصدار الأمر، في حين كان عليها أن تتصدى لنظر المنازعة موضوعاً والفصل فيها، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه، وإذ حجبه هذا الخطأ عن الفصل في موضوع النزاع فإنه يكون مع النقض لإحالة لكي لا يفوت على الخصوم درجة التقاضي الوحيدة. (وقد وافق هذا المبدأ القضائي- قضاء محكمة تمييز رأس الخيمة الصادر في الطعن رقم 37 لسنة 2022 تجاري).
وعلى إثر هذا التعارض بين المبدأين السالفين تقدم النائب العام للاتحاد بطلب إلى هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية بتاريخ قيد برقم 3 لسنة 2023 "هيئة توحيد المبادئ" طلب في ختامه النظر في التعارض السالف بيانه.
وحيث إن الهيئة تنوه ابتداء إلى أن نص المادة (15) من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 2019 بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية على أن "تختص الهيئة بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة عن محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سبق لها أن قررته وفقاً للإجراءات المحددة في المادة 16 من هذا القانون". كما أنه ومن المقرر بنص المادة (16) أنه "تقدم طلبات توحيد المبادئ القضائية إلى الهيئة بتقرير مسبب من أي من رؤساء المحاكم العليا في الدولة، أو النائب العام الاتحادي أو النواب العامين المحليين بصورة تلقائية أو بناء على طلب مقدم إليهم من الجهات الحكومية الاتحادية أو المحلية..."، مما مفاده أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة أن يكون أحد المبدأين صادراً عن المحاكم العليا في الدولة أياً كان مسماها سواء محكمة نقض أو تمييز أو عليا والآخر صادراً من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر بحيث يكون المبدآن قد تصادما بما يتعذر تغليب أحدهما على الآخر واجتماع تنفيذهما معاً مما يستوجب أن تتولى الهيئة حسم هذا التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق بينهما من حيث الأثر القانوني على المنازعات المتعلقة بين المبدأين المتعارضين، وينتفي مناط قبول الطلب إذا كان المبدآن صادرين عن جهة قضائية واحدة، فإن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها هي التي تكون لها ولاية الفصل في التعارض وفقاً للقواعد الإجرائية المعمول بها في نطاقها حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن مبدأ مستقر وإصدار مبدأ آخر يخالفه. كما أن الطلب الماثل مقدم ممن له صلاحية تقديمه (سعادة النائب العام الاتحادي)، وجاء بتقرير مسبب.
لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم الصادر من محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 417 لسنة 2023 تجاري وما وافقه من الحكمين الصادرين في الطعنين رقمي 725، 825 لسنة 2022 تجاري، والثابت من الحكم الصادر من محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم 96 لسنة 2022 عمالي وما وافقه من حكم محكمة تمييز رأس الخيمة الصادر في الطعن رقم 37 لسنة 2022 تجاري، أن هذه الأحكام تضمنت مبدأين قضائيين متعارضين حول مسألة واحدة على النحو المبين في المساق المتقدم مما ينعقد الاختصاص لهيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية لنظر طلب النائب العام بخصوص هذا التعارض.
وحيث إنه الهيئة تنوه إلى أن البين من التنظيم القانوني الوارد بقرار مجلس الوزراء رقم 57 لسنة 2018 بإصدار اللائحة التنظيمية للقانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات المدنية، والمادة (147/ 3) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022 بإصدار قانون الإجراءات المدنية- بشأن أوامر الأداء- أنه يجب التفرقة بين أمرين: الأول/ أن ترفع المنازعة ابتداء عن طريق أمر الأداء، وفي هذه الحالة ينطبق عليها نص الفقرة الثالثة من المادة (68) من اللائحة التنفيذية التي تقضي بأنه "مع مراعاة المادتين (17) بند (8) و(68) مكرراً من هذه اللائحة، تفصل المحكمة في الاستئناف في غرفة المشورة دون تحضيرها من إدارة الدعوى خلال أسبوع من إتمام إعلان صحيفة الاستئناف، ولها أن تحدد جلسة لنظر الموضوع إذا اقتضى الأمر ذلك، ولا يجوز لها أن تعيد المطالبة إلى محكمة أول درجة"، كما ينطبق عليها نص الفقرة الثالثة من المادة (147) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022 بشأن إصدار قانون الإجراءات المدنية التي تقضي بأنه "مع مراعاة المادتين (45 بند 8) و(150) من هذا القانون، تفصل المحكمة في الاستئناف في غرفة المشورة دون تحضيرها من مكتب إدارة الدعوى خلال أسبوع من إتمام إعلان صحيفة الاستئناف، ولها أن تحدد جلسة لنظر الموضوع إذا اقتضى الأمر ذلك، ولا يجوز لها أن تعيد المطالبة إلى محكمة أول درجة"، والثاني/ أن ترفع المطالبة بأمر الأداء بالطريق المعتاد لرفع الدعوى عن طريق صحيفة دعوى، وفي هذه الحالة ينطبق عليها نص الفقرة الرابعة من المادة (68) من اللائحة التنفيذية التي تقضي بأنه "واستثناء من أحكام الفقرة السابقة، إذا كانت المطالبة قد رفعت ابتداء بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى. وأصدر القاضي المشرف أمراً بالأداء فيها، ورأت محكمة الاستئناف عدم توافر شروط استصدار الأمر فتعيدها إلى محكمة أول درجة لنظرها وفقاً للطريق المعتاد لنظر الدعاوى". كما ينطبق عليها الفقرة الرابعة من المادة (147) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (42) لسنة 2022 التي نصت على أنه "استثناء من أحكام البند (3) من هذه المادة، إذا كانت المطالبة قد رفعت ابتداء بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى. وأصدر القاضي المشرف أمرا بالأداء فيها، ورأت محكمة الاستئناف عدم توافر شروط استصدار الأمر فتعيدها إلى محكمة أول درجة لنظرها وفقاً للطريق المعتاد لنظر الدعاوى".
لما كان ذلك، وكانت المسألة المعروضة لا تحتمل إلا حلاً واحداً، فإن الهيئة تقر المبدأ القانوني الذي خلصت إليه محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم 96 لسنة 2022 عمالي- وما وافقه من حكم محكمة تمييز رأس الخيمة الصادر في الطعن رقم 37 لسنة 2022 تجاري- وترتيب الآثار القانونية على ذلك والمتمثلة في أنه إذا انتهت محكمة الاستئناف إلى رفض إصدار أمر الأداء أو عدم قبول الطلب أن تحيل الموضوع للمرافعة للفصل فيه ويكون لها عندئذ الصلاحيات المقررة لها في شأن استئناف الأحكام القضائية فتنتقل إليها الدعوى بكل ما يبدى فيها من طلبات ودفوع وأوجه دفاع في حدود ما رفع عنه الاستئناف ويتعين عليها عند تصديها للفصل في النزاع أن يشتمل حكمها على ما يدل على أنها قامت بدراسة الأدلة المطروحة عليها وسائر أوجه الدفاع الجوهري والرد عليها، إذ أن المشرع قد قدر في هذه الحالة نظر الموضوع على درجة واحدة أمام محكمة الاستئناف ومن ثم يمتنع عليها إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة، اختصار للإجراءات وتحقيقاً للعدالة الناجزة وتفادياً لتكرار سداد الرسوم، إلا إذا كانت المطالبة قد رفعت ابتداء بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى وأصدر القاضي المشرف أمراً بالأداء فيها ورأت محكمة الاستئناف عدم توافر شروط استصدار الأمر فتعيدها إلى محكمة أول درجة لنظرها وفقاً للطريق المعتاد لنظر الدعاوى ويخضع الحكم الصادر من محكمة الاستئناف لطرق الطعن المقررة قانوناً، تطبيقاً للفقرة (3) من المادة (147) من المرسوم بقانون اتحادي- رقم (42) لسنة 2022 بشأن إصدار قانون الإجراءات المدنية، ولا يجوز لها أن تحيله إلى محكمة أول درجة، إلا إذا كانت المطالبة بأمر الأداء مرفوعة بالطريقة المعتادة لرفع الدعوى، تطبيقا للفقرة (4) من المادة (147) من المرسوم ذاته.

فلهذه الأسباب

قررت الهيئة بأغلبية الآراء في الطلب رقم (3) لسنة 2023 "هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية" بالاعتداد بالمبدأ القانوني الذي قررته محكمتا نقض أبو ظبي وتمييز رأس الخيمة بأنه إذا انتهت محكمة الاستئناف إلى رفض إصدار أمر الأداء أو عدم قبول الطلب لعدم توافر شروط استصداره أن تحيل الموضوع للمرافعة للفصل فيه بكافة الصلاحيات المقررة لها في شأن استئناف الأحكام القضائية.

الطلبين رقمي 4 & 5 لسنة 2023 ق توحيد المبادئ القضائية جلسة 21 / 12 / 2023

باسم حضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة
إن هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية المشكلة:- برئاسة سعادة القاضي: محمد حمد البادي وعضوية سعادة القاضي: شهاب عبد الرحمن الحمادي وسعادة القاضي: محمد عبد الرحمن الطنيجي وسعادة القاضي: عبد العزيز يعكوبي وسعادة القاضي: المبارك العوض حسن وسعادة القاضي: سعد محمد زويل وسعادة القاضي: عمر يونس جعرور وسعادة القاضي: أحمد مصطفى أبو زيد وسعادة القاضي: عصمت بخيت أبو زيد
وأمين السر السيد: د. سعود فيصل آل علي
بالجلسة المنعقدة يوم الخميس 8 من جمادي الآخرة 1445 الموافق 21 من ديسمبر 2023م بمقر المحكمة الاتحادية العليا بمدينة أبو ظبي.
أصدرت القرار الآتي:
في الطلبين رقمي 4، 5 لسنة 2023 "هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية"

----------------

الهيئة

بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
حيث إن وقائع الطلب رقم (4) لسنة 2023 والمقدم من النائب العام للاتحاد، تتحصل في أن محكمة النقض بأبو ظبي قد أصدرت قرارها بتاريخ 2/ 2/ 2022 في طلب الرجوع رقم 4 لسنة 2021 جزائي أبو ظبي بقبول الطلب شكلاً وفي الموضوع بالرجوع عن الحكم محل الطلب وإحالة الطعن إلى رئيس محكمة النقض لتشكيل هيئة مغايرة لنظره من جديد، وأسست المحكمة قضاءها على الفقرة الخامسة من المادة (1) من المرسوم بقانون اتحادي رقم 38 لسنة 2022 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على أن "تسري أحكام قانون الإجراءات المدنية على ما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون"، والمادة 187 مكرر من المرسوم بقانون اتحادي رقم 15 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون اتحادي رقم 11 لسنة 1992- المقابلة لنص المادة 190 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 42 لسنة 2022-، بشأن جواز رجوع محكمة النقض عن القرارات الصادرة منها في غرفة المشورة أو عن حكمها البات من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من الصادر ضده القرار أو الحكم.
وبتاريخ 1/ 8/ 2023 نظرت محكمة تمييز دبي طلب الرجوع رقم 52 لسنة 2023 جزائي دبي وقررت فيه عدم جواز نظر الطلب وأمرت بمصادرة التأمين، وأسست قضاءها على أن المادة 190 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 42 لسنة 2022 بإصدار قانون الإجراءات المدنية تسر ي أحكامها على القرارات أو الأحكام التي تصدر من الدوائر المدنية بمحكمة التمييز دون الصادرة من الدوائر الجزائية، وذلك لأن المشرع قد أفصح عن ذلك القصد في العبارة الأولى من نص المادة التي تفيد جواز رجوع محكمة التمييز عن القرار الصادر في غرفة المشورة وهو ما لا ينسحب إلى الأحكام الصادرة من الدائرة الجزائية بمحكمة التمييز إذ لا تنظر الطعون الجزائية في غرفة المشورة ولا تصدر قرارات منها في تلك الطعون، كما لا تطبق الأوضاع المنصوص عليها في المادة 185/ 1- التي أشارت إليها المادة 190- على الطعون الجزائية إذ أنها خاصة بالطعون المدنية وحدها ومن ثم يكون خطاب الشارع في هذا الشأن موجه إلى القرارات والأحكام الصادرة من الدوائر المدنية بمختلف فروعها بمحكمة التمييز فحسب والتي تصدر وفقاً للأوضاع المقررة في المادة 185 من قانون الإجراءات المدنية ولا يمتد حكمها إلى الأحكام الجزائية الصادرة من الدوائر الجزائية، إذ أن القول بغير ذلك يكون فضلاً عن مخالفته لصحيح القانون اجتهاد غير جائز إزاء صراحة النص وتوسعاً في تفسيره ولا يجزئ في ذلك ما هو مقرر من أن قانون الإجراءات المدنية يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية يتعين الرجوع إليه لسد ما في القانون الأخير من نقص إذ أن ذلك مقيد بأن تكون القاعدة القانونية الواردة في قانون الإجراءات المدنية لا تأبى على الإعمال على الأحكام الجزائية، إذ أن القاعدة الواردة في المادة 190 المار بيانها لا تصلح للإعمال في الأحكام الصادرة من المحاكم الجزائية لورود اختلاف في طبيعة القواعد القانونية والموضوعية في القانون الجزائي عنه في القانون المدني ومن ثم تكون غير صالحة للتطبيق على القانون الجزائي باعتبار أنها استثناء لا يجوز التوسع فيه، فضلاً عن ما للحكم الجزائي البات الصادر من محكمة التمييز من حجية على المحاكم المدنية ولا سبيل للرجوع فيه إلا بتعلق الأمر بتوافر حالة من حالات إعادة النظر.
وحيث إنه وعن وقائع الطلب رقم (5) لسنة 2023 والمقدم من رئيس محكمة تمييز دبي، تتحصل في أن هيئة طلبات الرجوع بمحكمة النقض بأ بو ظبي قد قررت في الطلب رقم 45 لسنة 2023 بجلسة 24/ 4/ 2023 قبول الطلب والعدول عن الحكم الصادر في الطعن رقم 1 لسنة 2023 تسليم جزائي الصادر بتاريخ 27/ 3/ 2023 وأحالت الطعن إلى محكمة النقض لتشكيل هيئة مغايرة لنظره من جديد وأمرت برد الرسوم ومبلغ التأمين، تأسيساً على أن الحكم الجزائي لم يعرض لدفاع الطاعن الجوهري ولم يمحصه ويقل كلمته فيه مما يشوبه بالقصور، بينما ذهبت محكمة تمييز دبي في طلبات الرجوع أرقام 45، 49، 86 لسنة 2023 في الطعون أرقام 1194 لسنة 2022، 102، 263 لسنة 2023 تمييز جزاء دبي إلى عدم جواز طلب الرجوع في القضايا الجزائية أياً كان نوع الاتهام فيها وأياً كان وجه الرأي فيها تأسيساً على ذات ما انتهت إليه المحكمة في طلب الرجوع رقم 52 لسنة 2023 المشار إليه بطلب توحيد المبادئ المقدم من النائب العام.
وعلى إثر هذا التعارض بين المبدأين السالفين تقدم النائب العام للاتحاد بطلبه إلى هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية بتاريخ 5/ 9/ 2023 وتقدم رئيس محكمة تمييز دبي بطلبه إلى الهيئة ذاتها بتاريخ 11/ 9/ 2023، وطلباً في ختامهما النظر في توحيد المبدأين المتعارضين الصادرين من محكمة نقض أبو ظبي ومحكمة تمييز دبي على النحو المار بيانه.
وحيث إن الهيئة تنوه ابتداء إلى أن نص المادة (15) من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 2019 بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية الاتحادية والمحلية على أن "تختص الهيئة بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة عن محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سبق لها أن قررته وفقا للإجراءات المحددة في المادة 16 من هذا القانون"، كما أنه ومن المقرر بنص المادة (16) أنه "تقدم طلبات توحيد المبادئ القضائية إلى الهيئة بتقرير مسبب من أي من رؤساء المحاكم العليا في الدولة، أو النائب العام الاتحادي أو النواب العامين المحليين بصورة تلقائية أو بناء على طلب مقدم إليهم من الجهات الحكومية الاتحادية أو المحلية..."، مما مفاده أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة أن يكون أحد المبدأين صادراً عن المحاكم العليا في الدولة أياً كان مسماها سواء محكمة نقض أو تمييز أو عليا والآخر صادراً من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر بحيث يكون المبدأين قد تصادما- وقت تقديم الطلب- بما يتعذر تغليب أحدهما على الآخر واجتماع تنفيذهما معاً مما يستوجب على الهيئة أن تحسم هذا التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق بينهما من حيث الأثر القانوني على المنازعات المتعلقة بين المبدأين المتعارضين، وينتفي مناط قبول الطلب إذا كان المبدآن صادرين عن جهة قضائية واحدة فإن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها تكون لها ولاية الفصل في التعارض وفقاً للقواعد الإجرائية المعمول بها في نطاقها حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن مبدأ مستقر وإصدار مبدأ آخر يخالفه، كما أن الطلبين الماثلين مقدمان ممن له صلاحية تقديمه (سعادة النائب العام الاتحادي، ورئيس محكمة تمييز دبي)، وجاء بتقريرين مسببين ومن ثم فهما مقبولان شكلاً.
وإذ كان البين من القرارين الصادرين من محكمة النقض بأبو ظبي في طلبي الرجوع رقمي 4 لسنة 2021 جزائي أبو ظبي، رقم 1 لسنة 2023 تسليم جزائي أبو ظبي إقرار مبدأ قضائي هو "جواز الرجوع في الأحكام الجزائية الصادرة من محكمة النقض"- وهو ما اتجهت إليه المحكمة الاتحادية العليا في القرار الصادر منها في طلب الرجوع رقم 14 لسنة 2022 جزائي جلسة 14/ 6/ 2022، والقرار الصادر في الطلب رقم 25 لسنة 2023 جزائي جلسة 16/ 8/ 2023، كما إن البين من القرارات الصادرة من محكمة تمييز دبي في طلبات الرجوع أرقام 45، 49، 52، 86 لسنة 2023 تمييز دبي والصادرة عن الطعون أرقام 1194 لسنة 2022، 102، 263 لسنة 2023 تمييز جزاء دبي إقرار مبدأ قضائي مخالف وهو "عدم جواز الرجوع في الأحكام الجزائية الصادرة من محكمة التمييز"، ولما كان ذلك وكانت هذه القرارات قد تضمنت مبدأين قضائيين متعارضين حول مسألة واحدة صادرين عن أكثر من محكمة عليا في الدولة- على النحو المبين في المساق المتقدم- مما ينعقد معه الاختصاص لهيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية لنظر طلبي النائب العام ورئيس محكمة تمييز دبي بخصوص هذا التعارض.
لما كان ذلك، وكان مبنى التعارض بين المبدأين هو الخلاف حول تطبيق المادة 190 من قانون الإجراءات المدنية على طلبات الرجوع في المواد الجزائية، إذ اتجهت المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة نقض أبو ظبي إلى تطبيق أحكام الرجوع في الأحكام الباتة المعمول بها في قانون الإجراءات المدنية رقم 42 لسنة 2022 بموجب المادة (190) وفي المواد الجزائية استناداً على الفقرة الخامسة من المادة (1) من قانون الإجراءات الجزائية، بينما اتجهت محكمة تمييز دبي إلى رفض تطبيق الرجوع في المواد الجزائية، باعتبار أن المادة (190) من قانون الإجراءات المدنية استثناء من الأصل يجب قصره في نطاق ما استن من أجله وعدم التوسع فيه.
وحيث إن نصوص القانون ومقتضيات العدالة ومبررات تقنين نظام الرجوع تقتضي ترجيح مبدأ جواز العدول عن الأحكام الباتة الصادرة من المحاكم العليا في المواد الجزائية تحقيقاً للعدالة وإصلاحاً لما قد يشوب بعض الأحكام الباتة وتوحيداً لكلمة القانون، للأسباب التالية: الأول أن الفقرة (5) من المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية نصت على أن "تسري أحكام قانون الإجراءات المدنية على ما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون". والبين من هذه الفقرة وجود علاقة بين قانون الإجراءات الجزائية وقانون الإجراءات المدنية، باعتبار أن قانون الإجراءات المدنية هو الشريعة العامة التي تحكم المسائل الإجرائية، وجواز الاستناد إليه لسد أي نقص فيها، وذلك على أساس وحدة الجهة القضائية المختصة بالفصل في الدعاوى المدنية والجنائية أو الطعن فيها، بما يعني إمكان تطبيق بعض مبادئ التنظيم القضائي الواردة في قانون الإجراءات المدنية على الدعوى الجنائية أو الطعن فيها في حدود معينة، متى كان ذلك لا يتنافر أو يتعارض معها. وقد وضع المشرع حدود الصلة بين القانونين، وتكون كذلك على النحو التالي: 1- إذا كان قانون الإجراءات الجزائية نفسه قد تعرض للمسألة بالحل، وفي هذه الحالة لا محل للرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية فيما نص عليه في قانون الإجراءات الجزائية. 2- إذا أحال قانون الإجراءات الجزائية صراحة على حكم من أحكام قانون الإجراءات المدنية، تعين إعمال هذه الإحالة وتطبيق القواعد الواردة في القانون الأخير. 3- إذا لم يرد نص يحكم المسألة المعروضة على القاضي الجزائي في قانون الإجراءات الجزائية فإن يتعين تطبيق نص المادة 5/ 1 من قانون الإجراءات الجزائية- الذي ألزم القاضي بالرجوع في ذلك إلى قانون الإجراءات المدنية، ولكن شرط تطبيق هذا المبدأ أن يكون نص قانون الإجراءات المدنية الذي يطبق في الإجراءات الجزائية مقرراً لقاعدة إجرائية عامة، وليس مقررًا لقاعدة استثنائية أو قاعدة خاصة بالدعوى المدنية، فمن ناحية أولى تأبى قواعد التفسير أن يقاس على الاستثناء، ومن ناحية ثانية، يتعين أن تراعى أوجه الاختلاف بين الدعويين، فلا تطبق على إحداهما قاعدة مستنبطة من طبيعة الأخرى وخصائصها الذاتية. ومن ناحية ثالثة، يجب أن لا تتعارض القاعدة العامة الإجرائية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية مع المبادئ الحاكمة لقانون الإجراءات الجزائية، والتي تقوم عليها الشرعية الجزائية، بالإضافة إلى أنه ينبغي في مجال سد النقص في قانون الإجراءات الجزائية أو تفسير ما غمض من أحكامه الرجوع إلى المبادئ الإجرائية العامة التي تحكم قانون الإجراءات وتتفق مع دوره الذي يقوم به سواء في مجال كيفية اقتضاء الدولة لحقها في العقاب في إطار الشرعية الإجرائية أم في مجال دوره في حماية الحرية الشخصية وضمانات المتهم في الدفاع عن نفسه، وقد تأتي الأحكام من خلال تلك المبادئ بحلول تتفق وقواعد قانون الإجراءات المدنية فيطبقها القاضي لا بوصفها قواعد في قانون الإجراءات المدنية، وإنما بوصفها حلولاً قاده إليها تفسيره للإجراءات الجنائية، سيما وأن الرجوع لا يتعارض مع طبيعة الدعوى الجزائية بصفة عامة ومع المبادئ الحاكمة لقانون الإجراءات الجزائية، والتي تقوم عليها الشرعية الجزائية بصفة خاصة. السبب الثاني أن الرجوع ليس استثناء، إذ لا يستساغ القول بأن الرجوع استثناء ولا يقاس عليه، لأن الشارع قد أورد النص عليه أيضاً بموجب المادة (32) من قانون الإجراءات المدنية، كما نصت المادة (144/ 2) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (51) لسنة 2023 بإصدار قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس على أن "يكون حكم محكمة الاستئناف في الطعن باتاً لا يجوز الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، ومع ذلك يجوز الرجوع عن هذا الحكم أمام المحكمة التي أصدرته وفقاً للقواعد الواردة في قانون الإجراءات المدنية". وهذا يؤكد أن الرجوع ليس استثناء، وإنما هو طريق أو وسيلة أو نهج للإصلاح القضائي تبناه الشارع الاتحادي على غرار الأنظمة العربية والمقارنة. الثالث العلة من الرجوع: العلة من تقرير الرجوع هي الإصلاح القضائي، وهو ما لا يقتصر على الأحكام المدنية، وإنما يشمل الأحكام الجزائية أيضاً. الرابع المقارنات المعيارية: إذ نص عليه القانون الفرنسي صراحة في المادة 626 من قانون الإجراءات الجزائية، ونص عليه قانون الإجراءات الجنائية السوداني الصادر عام 1991 والمعدل عام 1998، وطبقته محكمة النقض المصرية خاصة في الأحكام الجنائية. الخامس: استقر القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة على الأخذ بنظام العدول عن الأحكام الباتة الصادرة من المحاكم العليا في المواد المدنية والجزائية على السواء- عند الاقتضاء- قبل تقنين نظام الرجوع.
لما كان ذلك وكانت المسألة المعروضة لا تحتمل إلا حلاً واحداً، وهو الأمر الذي ترجح معه الهيئة إقرار المبدأ القضائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة النقض بأبو ظبي بجواز الرجوع في الأحكام الجزائية الصادرة من المحاكم العليا.

فلهذه الأسباب

قررت الهيئة بالأغلبية في الطلبين رقمي (4)، (5) لسنة 2023 "هيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية" بالاعتداد بالمبدأ القانوني الذي قررته المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة نقض أبو ظبي بتطبيق الرجوع المنصوص عليه في المادة 190 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 42 لسنة 2022 بإصدار قانون الإجراءات المدنية على القرارات والأحكام الجزائية الصادرة من المحاكم العليا (المحكمة الاتحادية العليا أو محكمة النقض أو محكمة التمييز).