جلسة 15 إبريل سنة 1943
برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.
-------------
(49)
القضية رقم 64 سنة 12 القضائية
وارث.
التاريخ العرفي الوارد في المحرر الصادر من مورثه. له بكافة الطرق أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح، وأنه صدر في تاريخ آخر ليتوصل من ذلك إلى أنه صدر في مرض الموت. العبرة في هذا المقام هي بصدور التصرف فعلاً في أثناء مرض الموت بصرف النظر عن التاريخ الموضوع له عرفياً كان أم ثابتاً بصفة رسمية. إهدار التصرف لمجرد أن تاريخه عرفي. لا يصح.
(المادة 228 مدني)
-------------
إن الوارث وإن كان لا يرتبط بالتاريخ العرفي الوارد في ورقة التصرف الصادر من مورثه متى كان له قانوناً حق الطعن في ذلك التصرف، إلا أنه ليس له أن يطالب بعدم الاحتجاج عليه بذلك التاريخ لمجرد كونه غير ثابت بصفة رسمية، بل كل ماله هو أن يثبت بكافة الطرق القانونية أن التصرف المطعون فيه لم يصدر في تاريخه العرفي وإنما صدر في تاريخ آخر ليتوصل من ذلك إلى أن صدوره كان في مرض الموت فيكون باطلاً. ذلك لأن حق الوارث يتعلق قانوناً بمال مورثه بمجرد حصول مرض الموت فلا يملك المورث بعده حق التصرف في ماله الذي يعتبر في حكم المملوك لوارثه، مما يقتضي أن تكون العبرة في هذه المسألة هي بصدور التصرف فعلاً في أثناء مرض الموت بصرف النظر عن التاريخ الموضوع له (1). وإذن فإذا كان الحكم لم يعتبر التصرف الصادر من المورث لبعض الورثة لمجرد كون تاريخه عرفياً وأن المورث توفي على إثر المرض، دون بحث في حقيقة التاريخ المدون في العقد والتحقق من أن التصرف إنما صدر فعلاً في مرض الموت، فإنه يكون مخطئاً في تطبيق القانون.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده كان متزوجاً من المرحومة ستوتة محمد عبد الله والدة الطاعنين، وفي 22 من يونيو سنة 1937 أثناء مرض تلك الزوجة أبلغ المطعون ضده النيابة العمومية أن الطاعنين عاملون على استصدار بيع منها لهم بجميع ممتلكاتها حالة كونها مريضة وفي خطر الموت. وقد سمع البوليس أقوالها في اليوم نفسه فذكرت له أنها قد باعت لأولادها جميع ما تملك بعقد صادر منها في 22 من فبراير سنة 1937، وفي اليوم التالي 23 من يونيو سنة 1937 توفيت.
وفي 14 و23 من مارس سنة 1939 رفع المطعون ضده على الطاعنين الدعوى المدنية رقم 227 سنة 1939 كلي المنصورة طلب فيها الحكم بثبوت ملكيته لحصة قدرها الربع شيوعاً في العقارات المتروكة عن زوجته المرحومة ستوتة وبطلان عقد البيع المؤرخ 22 من فبراير سنة 1937 المنسوب صدوره إليها فيما يختص بهذا النصيب وإلغاء ما يكون قد ترتب عليه من تسجيلات وإلزام الطاعنين متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 110 جنيه قيمة نصيبه فيما تركته المورثة المذكورة من نقود ومصوغات ومواشي، وذلك كله مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 18 من إبريل سنة 1940 قضت محكمة المنصورة تمهيدياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده صدور عقد 22 من فبراير سنة 1937 في مرض موت المورثة. وبعد أن تنفذ الحكم التمهيدي بسماع بينة الطرفين قضت المحكمة في 20 من فبراير سنة 1941 برفض دعوى المطعون ضده بناءً على أنه لم يثبت من التحقيق الذي أجرته صدور العقد المطعون فيه وقت مرض المورثة، ولأن الطاعنين قد حلفوا اليمين الحاسمة بالنسبة للنقود والمصوغات والمواشي.
استأنف المطعون ضده الحكم الابتدائي أمام محكمة استئناف مصر وفي 29 من إبريل سنة 1942 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لعقد البيع الصادر في 22 من فبراير سنة 1937 من المرحومة ستوتة محمد عبد الله إلى الطاعنين وبطلان هذا العقد وتثبيت ملكية المطعون ضده إلى الربع شائعاً في الأطيان الواردة به وملحقاتها، وقبل الفصل في باقي الطلبات بفتح باب المرافعة لجلسة 3 من يونيو سنة 1942 لمناقشة طرفي الخصوم فيما هو مدون بأسباب الحكم وأبقت الفصل في المصاريف.
وفي 22 من أغسطس سنة 1942 طعن الطاعنون بطريق النقض في حكم محكمة الاستئناف طالبين نقضه والحكم أصلياً في موضوع الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي الصادر من محكمة المنصورة الابتدائية واحتياطياً إحالة الدعوى إلى محكمة استئناف مصر لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى، وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده إلخ إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه اعتبر المطعون ضده بالنسبة للمورثة من طبقة الغير الذين لا يصح الاحتجاج عليهم بالمحررات العرفية إلا إذا كان تاريخها ثابتاً بصفة رسمية حسبما تقتضيه المادة 228 من القانون المدني واعتبر العقد المطعون فيه مكتسباً تاريخاً ثابتاً في يوم 22 من يونيو سنة 1937 نذكر المورثة له في محضر البوليس عند استجوابها أثناء مرضها، ورتب على ذلك اعتبار العقد المذكور صادراً في مرض الموت لأنها توفيت في اليوم التالي لاستجوابها. ويقول الطاعنون إن محكمة الاستئناف قد أخطأت قانوناً فيما ذهبت إليه لأن الوارث لا يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لتصرفات مورثه إلا إذا كانت هذه التصرفات قد صدرت منه أثناء مرضه مرض الموت، فمدار البحث والحالة هذه يجب أن يكون دائراً حول الوقت الذي صدر فيه التصرف بصرف النظر عن التاريخ الموضوع له سواء أكان ثابتاً بصفة رسمية أم غير ثابت كذلك، وأن كل تصرف يصدر من المورث في حال صحته يكون ملزماً للوارث ولو كان تاريخه غير ثابت. وقد فطنت محكمة المنصورة الابتدائية إلى الوجه الصحيح في المسألة فقضت تمهيدياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده صدور العقد من مورثته في مرض موتها، ولكن محكمة الاستئناف اعتبرت العقد صادراً في حال المرض لمجرد أنه لا يحمل تاريخاً ثابتاً بصفة رسمية قبل حصول المرض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه يقول في صدد ما ينعاه الطاعنون في طعنهم: "وحيث إن المستأنف (المطعون ضده) إذ يطعن في البيع الصادر من مورثته بالبطلان لوقوعه أثناء هذا المرض مستمداً طعنه من الحقوق التي يرتبها له القانون في تركتها منذ بداية مرض الموت، فإنه يخرج من عداد الخلفاء إلى طبقة الغير فلا يحتج عليه بالمحررات العرفية إلا إذا كان تاريخها ثابتاً بوجه رسمي ومن ذلك التاريخ الثابت دون خلافه حسبما تقتضيه المادة 228 مدني. وحيث إن العقد المشار إليه لم يكتسب تاريخاً ثابتاً إلا في يوم 22 من يونيو سنة 1937 عندما ورد ذكره على لسان البائعة في محضر البوليس فلا مناص من اعتباره صادراً في مرض الموت غير نافذ في حق المستأنف لأنه لم يجزه".
وحيث إن الوارث وإن كان لا يرتبط بالتاريخ العرفي للتصرفات الصادرة من مورثه والتي يكون له حق الطعن فيها قانوناً، إلا أنه ليس له أن يطالب بعدم الاحتجاج عليه بذلك التاريخ لمجرد كونه غير ثابت بصفة رسمية بل كل ماله هو أن يثبت بكافة الطرق القانونية أن التصرف المطعون فيه لم يصدر في تاريخه العرفي وإنما صدر في تاريخ آخر.
وحيث إن القانون قد جعل للوارث حق إبطال البيع الصادر من مورثه، في مرض موته لأن حق الوارث يتعلق بالتركة بحكم القانون بمجرد حصول مرض الموت فلا يملك المورث بعده حق التصرف في ماله الذي يعتبر في حكم المملوك لوارثه. ويترتب على ذلك أن مقطع النزاع في هذه المسألة هو صدور التصرف فعلاً في أثناء مرض الموت بصرف النظر عن التاريخ الموضوع له عرفياً كان أم ثابتاً بصفة رسمية.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً لحكم القانون إذ اعتبر المطعون ضده غير مقيد بالتاريخ العرفي للعقد المطعون فيه لمجرد كونه غير ثابت بصفة رسمية دون أن يكلفه إثبات حصول التصرف في تاريخ آخر، ورتب على ذلك اعتبار التصرف صادراً في مرض الموت فعلاً لمجرد أنه لا يعد ثابت التاريخ بصفة رسمية إلا في اليوم السابق على وفاة المورثة حين ذكرته في تحقيقات البوليس وقد كانت وقتئذ مريضة، ومن أجل هذا يتعين نقض الحكم وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف مصر للفصل فيها من جديد.
(1) لحضرة الدكتور سليمان مرقس الأستاذ بكلية الحقوق مقال قيم تناول فيما تناوله هذا الموضوع وهو منشور بمجلة القانون والاقتصاد السنة 14 صفحة 251 وما بعدها.