الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

خمور / (8) سكر بين بالطريق العام وجلد

وحيث إن النيابة العامة أسندت إلى الجانى أنه وبتاريخ 7 / 2 / 1982 ضبط بحالة سكر بين بالطريق العام. وطالبت إنزال العقاب به وفق نصوص المواد 1 ، 2 ، 7 من القانون رقم 63 / 1976 بحظر شرب الخمر.
·    وحيث إن واقعات الدعوى وفى مجال تبيان إثم الجانى المستوجب لعقاب الله بيانا كافيا ، يتحقق به أركان الجريمة ، والظروف التى وقعت فيها ، وأدلة ثبوت وقوع الفعل المؤثم من الجانى ، بحيث يتضح منه وجه الاستدلال وسلامة المأخذ ، فإن المحكمة هيمنة وسيطرة منها على كافة جوانبها وعناصرها تستعرضها على الوجه الآتي:

بتاريخ 7 / 2 / 1982 وفى تمام الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة صباحا تم لأحد السادة نقباء الشرطة ضبط الواقعة ، أثبت بالمحضر مقدمة له: أنه تم ضبط المتهم حالة كونه يسير مترنحا بشارع عدلى ، يهذى بعبارات غامضة ، غير طبيعية ، فقام من فوره بالقبض عليه ، تحقق معه فقرر بأنه وهو فى بدء العقد الرابع من عمره ؛ ويعمل محاسبا أحضروه إلى قسم الشرطة جبرا عنه . ثم ـ على حد تعبيره ـ وصف التقرير الطبى المتوقع عليه بأنه "غلط" . والمحضر ختاما ممهور بتوقيعه .
أرفق بالأوراق تقرير طبى مؤرخ 7 / 2 / 1982 برقم 260 صادر عن مستشفى أحمد ماهر التعلميى تضمن أنه بالكشف الظاهرى على الجانى "وجد أنه فى حالة سكر بين" .
بذات التاريخ عرضت الأوراق برمتها والمتهم على النيابة العامة ، فدعته داخل غرفة التحقيق ، وسألته شفاهة وإجمالا عن الاتهام المنسوب إليه بعد إذ أحاطته علما بها وبعقوبتها وبشخص وكيل النائب العام وبأن النيابة العامة هى التى تباشر التحقيق معه ، فاعترف مقراً بأنه قد شرب زجاجتين من البيرة ، داخل بار بشارع عدلى ، ولما هم بالخروج يحاول استيقاف سيارة أجرة له يستقلها ليعند قافلا إلى منزله ـ عندئذ تم القبض عليه .
إثر ذلك أمرت النيابة بإخلاء سبيل الجانى وقدمته إلى المحاكمة بالقيد والوصف سالفى البيان بمستهل هذا الحكم ، وكلفته بالمثول بالجلسة المحددة ، فكان أن حضر فى اليوم المبين أمام القضاء بالجلسة المنعقدة علنا بسراى المحكمة .
سألت المحكمة الجانى عن الاتهام المنسوب إليه فاعترف بالشرب ، اختيارا وعندئذ أمرت المحكمة بإلقاء القبض عليه وحبسه على ذمة الدعوى ولحين صدور الحكم فيها بإذن الله بجلسة اليوم ، وذلك وفقا لما للمحكمة من حق مقرر بنص المادتين 134 ، 303 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية .
·   وحيث إن الاتهام ثابت قبل الجانى ، وذلك من محضر ضبط الواقعة ، ومما أثبته الكشف الطبى المتوقع عليه ، ومن اعترافه الثابت أمام سلطة الاتهام ثم فى مجلس القضاء بجلسة المحاكمة العلنية اختيارا منه .
·   وحيث إن المحكمة قد ثبت فى يقينها ، واستقر فى وجدانها أن الجانى قد ارتكب جريمته وأتى فعله المؤثم والمعاقب عليه ، وذلك وفقا لما جرى به أسلوب الدليل فى الإسلام ، وطبقا لما جرى به نص المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية الوضعى.
إذ يشترط ـ فى الفقه الإسلامى ـ لإقامة الحد: أن يشرب الجانى باختياره ، وأن يكون مكلفا فلا حد على صغير أو مجنون أو معتوه ، كما يشترط العلم .
كما يثبت الشرب ـ فى الإسلام ـ بالبينة أو الإقرار أو الاعتراف . والأوراق المعروضة تنطق بتوافر تلك الشروط ، كما تشهد بالثبوت من واقع الاعتراف أمام مجلس القضاء بالجلسة العلنية ، إذ أن هذا فى حقيقته إقرار على النفس بارتكاب الجريمة المؤثمة بقانون الإسلام . ويجمع الاعتراف هنا بين كونه إجراء يباشره المتهم ودليلا تأخذ به المحكمة ، إذ الإدلاء بالاعتراف أمام المحكمة هو إجراء من إجراءات الإثبات . ومضمون الاعتراف ذاته هو الدليل الواضح الذى تعتمد عليه المحكمة ، ومن ناحية أخرى فقد تحققت شروط صحة هذا الاعتراف من أهلية إجرائية ، وإرادة حرة . كما أن مضمونه واضح لا لبس فيه ولا إبهام ولا غموض ، فهو وارد على الواقعة الإجرامية ذاتها ، تلك المسندة إلى الجانى والمؤثمة فى ذات الوقت . وعلى ذلك درجت أحكام محكمتنا العليا [ نقض 10 / 6 / 1952 مجموعة الأحكام س ـ 3 رقم 403 ص 1076 . ويراجع فى ذلك مؤلف الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية جزء 1 ، 2 للأستاذ الدكتور أحمد فتحى سرور صفحة 398 وما بعدها ] .

كما وأن ركنى الجريمة متوافران لدى الجانى من شرب وقصد جنائى ، وثبت كلاهما فى يقين المحكمة وضميرها بما لا يقبل الشك أو التأويل أو التخمين .

·   وحيث إنه تجدر الإشارة إلى أن الخصومة الجنائية ترمى إلى معرفة الحقيقة المطلقة ، مما يقتضى أن يصدر حكم القاضى عن اقتناع يقينى بصحة ما ينتهى إليه من وقائع ، فالحقيقة لا يمكن توافرها إلا باليقين التام لا بمجرد الظن والاحتمال ، وبعبارة أخرى فإن اليقين هو أساس الحقيقة القضائية . وفضلا عن ذلك فإن اليقين هو الذى يولد الثقة فى عدالة حكم القضاء. ذلك أنه فى مرحلة الحكم : يجب أن يتوافر اليقين التام بالإدانة لا مجرد الترجيح [المرجع السابق صفحة 461 وما بعدها] .
·   وحيث إنه تأسيسا على ما سلف بيانه ، كان يتعين عقاب الجانى طبقا لمواد التجريم الوضعية نزولا على نص المادة 304 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية ، إلا أن المحكمة بادئ ذى بدء ، لابد أن تتخذ موقفا من مواد القيد هذه وهى التى سطرتها النيابة العامة ، موقفا تؤصله على جوهر من الإسلام والقانون معا ، ثم تنتهى إلى ما انتهت إليه بالبند الأول من المنطوق بشأن الجانى .

فوجهة نظر الإسلام فى مثل هذه النوعية من الجرائم هو أن الشريعة الإسلامية حرمت الخمر تحريما قاطعا  لكونها مضيعة للنفس والعقل والجسد والمال . فحرمتها واضعة التحريم موضع التنفيذ ، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ)) ؟ [سورة المائدة: 90 ، 91] وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" ، وقد انعقد إجماع الصحابة والفقهاء على أن الخمر هو كل ما خامر العقل وستره دون عدٍّ ولا إحصاء ، لأنه جَدّ من أنواع المسكرات مالا يحصى نوعا ولا عدا ، فالإسكار الذى هو فيها هو سبب التحريم. [يراجع مؤلف العقوبة للإمام أبو زهرة صفحة 162 وما بعدها] ، كما وأن الخمر وأثرها الضار واضح على الصحة بالغ الضرر ، وقد أثبت الطب أن شربها يؤدى إلى اضطرابات فى الجهاز العصبى المركزى ومنها فقد الإحساس ، والدوار ، وطنين الأذن ، كما يؤدى إلى التسمم الكحولى الذى قد يؤدى إلى الوفاة وإلى ضعف التركيز والذاكرة وانخفاض مستوى الذكاء . كما أن تأثيرها مباشر على المخ والأغشية المحيطة به ، ثم إن شربها يؤدى إلى فقدان الشهية للطعام وإلى الالتهابات وقرح المعدة ، وتليف الكبد ، والقىء وفقدان الوزن ، وانخفاض معدل نبضات القلب ، وهبوط فى مركز التنفس بالمخ ثم إن الامتناع الفجائى عنها يعرض للانهيار التام وربما للجنون .

·   وحيث إنه قد ثبت أنه قد أتى لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمن شرب الخمر فضربه بالنعال نحوا من أربعين ، وروى عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه" وأنه قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" ولما ولى عمر بن الخطاب الخلافة استشار عليا بن أبى طالب فقال له : "أرى أن يجلد ثمانين لأنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد المفترى ثمانون جلدة" ، كما جرى نص المادة الأولى من مشروع قانون حد الشرب ـ المقدم إلى السلطة التشريعية منذ 17 / 6 / 1976 والصادر عن اللجنة العليا بوزارة العدل ـ على أن "يحرم شرب الخمر وتعاطيها ، وحيازتها ، وإحرازها ، وصنعها ، وتحضيرها ، وإنتاجها ، وجلبها ، واستيرادها ، وتصديرها ، والاتجار فيها ، وتقديمها ، وإهداؤها ، وترويجها ، ونقلها ، والدعوة إليها ، والإعلان عنها ، وسائر أوجه النشاط المتعلق بها" ونصت المادة 324 من مشروع قانون إسلامى آخر ـ قدم إلى ذات السلطة فى 20 / 12 / 1975 على أن: "يعاقب بالجلد ثمانين جلدة كل مسلم شرب الخمر أو سكر من غيرها" . وجميع الأشربة المسكرة متساوية فى كونها تسكر وفيها المفسدة ، والله لا يفرق بين المتماثلين ، وكل من استحل المسكر فقد كفر [ تراجع الفتوى رقم 699 من الفتاوى الإسلامية المجلدان الثالث والرابع س 1981 صفحة 1567 ] .
·   وحيث إن المادة 191 من الدستور قد جرى نصها على أن: "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام ـ قبل ـ صدور هذا الدستور يبقى صحيحا نافدا ، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور" .

هذا النص لا ينصرف حكمه إلا إلى التشريعات التى لم تلغ أو تعدل بقوة نفاذ هذا الدستور بغير حاجة إلى تدخل من المشرع [ نقض جلسة 24 / 3 / 1975 طعن 45 ق مجموعة الأحكام الصادرة من الهيئة العامة للمواد الجنائية. ومن الدائرة الجنائية س 26 صفحة 258 والطعون أرقام 866 / 45 ق جلسة 9 / 6 / 1975 ق جلسة 15 / 6 / 1975 ، 302 / 45 ق جلسة 21 / 12 / 1975 م ] .
وترتيبا على ذلك فإن القوانين السابقة على التعديل الدستورى الذى نص على أن "الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع" تعتبر منسوخة فى أحكامها المخالفة للشريعة الإسلامية ، كما تعبر معدلة بما يتفق وأحكام الشريعة الغراء ـ القابل منها لهذا التعديل وسارية بالنسبة للقوانين التى تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية ، ولا تثار بالنسبة لتلك القوانين مسألة مدى دستوريتها ما دامت سابقة على الدستور وإلا لثارت هذه المسألة بالنسبة لكل تشريع يصدر بتعديل تشريع سابق أيا كانت درجة التشريع ، أى سواء أكان هذا التشريع تشريعا دستوريا أو عاديا أو فرعيا .
وإنما تثار مسألة الدستورية بالنسبة للقوانين اللاحقة على الدستور المخالفة له فقط لأن هذه القوانين هى التى يتصور أن يكون واضعها قد خالف بها الدستور أما القوانين السابقة عليه : فإنه لا يتصور بداهة أن يراعى فى سنها أحكام دستور لم يولد بعد ، ولم يعرف أحكامه أحد ، ذلك بأن قانونا ما غير دستورى يعنى أن واضع ذلك القانون قد خالف أحكام الدستور القائم فعلا .
·    وحيث إنه أخذا بما سلف بيانه قانونا ، فإن القدر المتيقن والذى لا يمكن أن يثار بالنسبة له أى خلاف هو : أن التعديل الدستورى ـ سالف البسط ـ قد ترتب عليه فور نفاذه بطلان جميع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية ، وبمجرد صدور هذا التعديل ـ المستفتى عليه ـ فقد لفظت تلكم القوانين أنفاسها الأخيرة ، ومنها القانون الذى احتوى مواد القيد فى هذه الدعوى ، وفارقت إثر ذلك حياتها إلى غير رجعة . ومن ثم فإن القول بلزوم التطبيق لقوانين فانية حتى تقوم السلطة التشريعية بسن قوانين بديلة مستمدة من الشريعة الغراء ـ فضلا عن أنه قول ليست له أية قيمة قانونية أو حتى منطقية ـ فمعناه الوحيد أن تظل مصر دولة بربرية بلا قانون بالنسبة لتلك القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية ، والتى ألغيت بالتعديل الدستورى (سالف البيان).
ومن ثم فقد أصبحت قوانين معادية معدومة الوجود ، لا بل إن القول بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية فيه إعمال لنص الدستور ذاته ، كما وأن فيه تنزيه للمشرع الوضعى عن العبث ، ومن المعروف فى فقه التفسير أن "التفسير الذى يعمل النص خير من التفسير الذى يهمله" فضلا عن أن هذا الحل الشرعى القانونى هو المخرج الوحيد الذى يملأ الفراغ الناتج عن بطلان القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية والمعمول بها فى مصر .
والقول بوجوب انتظار استصدار تشريعات من السلطة التشريعية مستمدة من الشريعة الغراء ، يؤدى إلى أوضاع شاذة بغير ما وصف ولا حدود ، ذلك لأنه لم يوضع ضابط زمنى دستورى أو قانونى بعد لتلك التشريعات ، ثم إنه إذا جارينا ذلك الفهم لكان معنى هذا أزلية فى تعطيل نصوص الدستور الوضعى بغير ما سند من الدستور ذاته ، لا بل إن الأخذ بهذا المنطق الغريب يؤدى بالتالى إلى إمكان تعطيل الدستور وإهمال كل قيمة له بل وإهدار جميع نصوصه ، والأثر الحتمى لذلك هو تضييع حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتهم بغير ما سند من القانون أو العقل أو المنطق ومن ثم فإن النتيجة الحتمية التى لا يمكن أن يثار حولها جدل هى: أن جميع القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية باطلة معدومة لافتقارها إلى سند الشرعية.

·   وحيث إنه يترتب على اعتبار النصوص المخالفة للشريعة الإسلامية أنها باطلة بطلانا مطلقا نتائج هامة يثبتها قاضى هذه المحكمة إجمالا فيما يلى:
أولاً: من وجهة تطبيق النصوص الباطلة: يجب على القاضى ألا يطبقها فى القانون الوضعى ، وعليه أن يطبقها فقط فى حالات الصحة ، وليس للقاضى أن يحتج بأن القوانين لا تخوله حق الفصل فى صحتها وبطلانها ، مرتكنا فى ذلك إلى نفس هذه القوانين ، فإن سلطة القاضى فى إهدار ما يخالف الشريعة تأتى من الشريعة ذاتها لا من القوانين المخالفة لها .
وإذا وصم القاضى القانون المخالف فى حكمه بالبطلان ، وجب عليه أن يطبق حكم الشريعة تطبيقا مباشرا وفوريا وليس يهمه بعد ذلك أن ينفذ حكمه أولا ينفذ ما دام قد أدى واجبه ، وعمل ما يعتقده أنه الحق والصواب ، فضلا عن أن التنفيذ ليس من اختصاصه بل من اختصاص السلطة التنفيذية القابضة على الحكم فى البلاد ، وهى الملزمة لزوم حتم أن تنفذ هى أحكام القضاء كلما كانت نهائية أو مقرونة بالنفاذ .
ثانياً: من وجهة تطبيق القوانين بصفة عامة: يترتب على الأخذ بنظرية البطلان أن لا يطبق من أحكام القوانين الوضعية ـ بكافة أنواعها ـ إلا الأحكام التى تتفق ونصوص الشريعة ، أما تلك المخالفة لها فتهمل إهمالا تاما ويجب تجاهلها بلا حدود ، لتحل محلها أحكام الشريعة هكذا فورا ودون معقب .
ثالثاً: من وجهة تطبيق الشريعة: يترتب على بطلان النصوص القانونية الوضعية المخالفة للشريعة أن تطبق المحاكم وفى الحال نصوص قوانين الشريعة دون حاجة لتدخل من الهيئة التشريعية . لا . بل إنه يترتب على البطلان أن يلتزم مجلس الشعب حدود الشريعة فيما يصدره من قوانين جديدة . [ يراجع مؤلف التشريع الجنائى الإسلامى للأستاذ الشهيد عبد القادر عودة جزء 1 بند 195 ] .
·   وحيث إنه ترتيبا على سالف القول: فإنه لم يعد فى مصر بعد التعديل الدستورى ـ فى نص المادة الثانية منه ـ مكان إلا لشريعة الإسلام ، ويجب لذلك أن يسلك القاضى اليوم سلوك الشريعة ومداخلها مستعينا فى ذلك بأحكام أصول الفقه علما وأساساً فى استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية ومنابعها الأصلية ، مستأنسا بالثروة الفقهية الهائلة فى الإسلام ، قياساً على نهجه فى الرجوع عند كل حكم إلى مراجع القانون الوضعى المختلفة لعلماء مصر . لا بل إن المسئولية الجسيمة ـ بعد التعديل الدستورى المشار إليه ـ لم تعد مسئولية السلطة التشريعية فى البلاد بل مسئولية القاضى ، ثم هى ذاتها مسئوليته أمام الله ، ذلك أن صياغة أحكام الشريعة الإسلامية فى قوالب وتقنينات على نمط القوانين الأدنى هو غير ذى ضرورة ، فتلك القوالب لم تكن فى عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم تظهر إلا مؤخرا ، فضلا عن أنها لم تكن فى عصر الدولة الإسلامية ، ثم إن عدم سن القوانين لا يمكن أن يعطل تنفيذ الدستور الوضعى ذاته لحظة واحدة .
وإذا كانت السلطة التشريعية ترغب فى سن قوانين من الشريعة على النمط الوضعى فكان ينبغى عليها أن تعد هذه القوانين قبل نفاذ العديل الدستورى لا بعده ، وإذا كان الدستور لم ينص على فترة زمنية أو مرحلة انتقالية محددة يتم خلالها إعداد تلك القوانين ؛ فهذا لا يعنى إلا أن المشرع الدستورى قد قصد إعمال الشريعة الإسلامية فور نفاذ التعديل الدستورى ، ولا معنى أبدا لامتناع السلطة التشريعية عن البدء فورا فى سن قوانين مستمدة من شريعة الإسلام حتى الآن إلا أن هذا المجلس يعتنق وجهة النظر هذه ، ويرى أن البناء القانونى كله ـ فى مصر ـ قد أصبح قائما على الإسلام .
والآن: يجب على من يرى عدم تطبيق الشريعة إلى أن يتم تقنينها أن يجيب على سؤالين:
السؤال الأول: أيهما أفضل أن يطبق القاضى الشريعة الإسلامية مستمدا أحكامه من مصادرها الشرعية ؛ أم يمتنع عن تطبيقها ـ دون سند ـ حتى يتم تقنينها والسلطة التشريعية قد جمدت مشروعات قوانينها فى أزلية لا حساب لها؟.
السؤال الثانى: كيف كانت تحكم دولة الإسلام ردحا طويلا من الزمان ، قبل ظهور قوالب التقنينات فى مصر على النمط الأوروبى الذى استوردته الدولة على يد علمائها وفقهائها من رجالات القانون ؟ .
·   وحيث إن الشريعة الإسلامية هى قانون الدولة الإسلامية ما وافقها من قوانين وضعية وجب إعماله تطبيقا ومنهجا وتنفيذا ، وما خالفها وجب صده ورده وعصيانه دون تردد ؛ لأن شريعة الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قانونا ـ ما نزلت على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا لإعمالها وإنفاذها وتطبيقها جملة وتفصيلا فى كل زمان ومكان وإلى يوم الدين ، لا تلغى ولا تنسخ ولا تعصى وذلك طاعة لله القائل: ((وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)) [سورة المائدة: 49] .
ثم إن النصوص كقاعدة عامة لا تنسخ إلا بنصوص فى مثل قوتها ، أو أقوى منها ، وإعمالا لهذه القاعدة القانونية الضاربة بأصولها فى جذور التاريخ ، فإن ما بين أيدينا "كتاب الله" "وسنة رسول الله" ولا يمكن أن ينسخ كلام الله بعد انقطاع الوحى ، ولا تتأنى سنة أخرى بعد وفاة رسول الله ، ومن ثم فليس لأية سلطة فى ظل الشريعة الإسلامية ، ليس لها حق التشريع بعد الله إلا بسن التشريعات التنفيذية والتنظيمية التى تستهدف ضمان تنفيذ منهج الله حدودا وأحكاما ، روحا ونصا ، أساسا وقاعدة ، هدفا وغاية ومن ثم وكانت الشريعة فى مصر ـ بكل أسف ـ قد قضت نحبها ، فى الحدود والقصاص والديات والفوائد ، على يد السلطة التشريعية فى البلاد . فإن هذا الوضع وإن أصبح مألوفا إلا أنه مقيت ممجوج ، انقضى أوانه وزال عصره وعهده .
ويلزم القول الآن: إنه لا يوجد سند شرعى مطلقا لتطبيق القوانين الوضعية المخالفة لحدود الله ، فهى قد عادت معدومة باطلة ، ووجب بالتالى تنحيتها إعمالا لشريعة الديان القائل: ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)) [سورة النساء: 105] وقال: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)) [سورة النساء: 65] وقال: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)) [سورة الأحزاب: 36] وقال: ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)) [سورة النور:51] .

والنظام الدستورى المصرى فى هيكله العام : نظامٌ إسلامىٌّ ، ومن ثم فلا محل فيه بتاتا لقداسة التشريع الوضعى فيما خالف قول الله وحدوده ـ ومنها مواد القيد فى هذه الدعوى ـ والتى هى فى حقيقتها تعطيل لأحكام شريعة الإسلام حيث حد الله فى الخمر فأصبحت هذه فى ظل القانون الوضعى مباحة وحلالا على شاربيها ولا عقاب على الشرب منها مطلقا إلا أن يوجد شاربها فى حالة سكر بين وبالطريق العام . فإن كان السكر بينا ولكن فى محل خاص فلا إثم ولا عقاب . ثم هو إن كان سكرا غير بين فلا جريمة ولا عقاب . وهذا يعنى أن العقوبة التى قررها الشارع المصرى ليست على شرب الخمر حيث هو ، ولا على السكر أينما يكون وممن يكون ، وإنما على وجود السكران فى طريق عام ، كما هو الحال فى هذه الدعوى وهذا الأثيم .
·   وحيث إنه لا مجال أبدا لقولة حق أريد بها باطل بأن القوانين الوضعية واجبة التطبيق طاعة لولى الأمر ، ولاء ليمين يحلفه القاضى:
إذ أن الطاعة تستند استنادا خاطئا على تفسير خاطئ لقول الله: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولى الأمر منكم)) [سورة النساء: 59] إذ الأخذ بخاطئ التفسير هذا بأن الله أمر بطاعة أولى الأمر ، تماما كما أمر بطاعته وطاعة رسوله ، يؤدى هذا التفسير الخاطئ إلى منزلق خطير هو: وجوب طاعة القوانين الوضعية التى تولدت عن أولى الأمر حتى ما خالف منها حدود الله ، وأن المشرع وحده هو المسئول عن تلك القوانين المعادية للإسلام أمام الله .
هذا القول فضلا عن كامل خطئه ، فإنه لا سند له من الشرع أو العقل أو المنطق ، لأن الآية الكريمة أوجبت طاعة الله وطاعة رسوله كل منهما استقلالا ، أما طاعة أولى الأمر فإنها تكون بالتبعية بمعنى أنها لا تكون إلا حيث تكون أوامرهم موافقة ومستمدة من أوامر الله ، إذ أنه عز من قائل كرر فعل الطاعة مرتين ثنتين لا ثالث لهما ، مرة عنده وأخرى عند رسوله ، وطرحها والتفت عنها عند: "أولى الأمر" عاطفا طاعتهم على طاعة الله ورسوله . ومفاد ذلك أن طاعة الله ورسوله كلتيهما واجبتان استقلالا أما طاعة أولى الأمر فلا تكون ولا ينبغى أن تكون إلا حيث يتوافر لها شرطان لازمان لها:
الشرط الأول: أن تُسْتَقَى أوامرهم كليا وجزئيا من أوامر الله أو من أوامر رسوله (صلى الله عليه وسلم).
الشرط الثانى: ألا يطاع أولوا الأمر إلا بعد استيفاء طاعة الله وطاعة رسوله (صلى الله عليه وسلم). والتجرد لهما تماما . إذ الأمر البشرى هنا إن تمت طاعته كان معصية لله إن هو خالف أمرا له . وقد ورد فى ذلك قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: السمع والطاعة على المرء فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة " وقوله: "لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق" .
ثم إن الولاء ليمين حلفه القاضى عندما ولى القضاء على احترام القوانين ، حقيقته حسن النية والقصد الشريف لديه أنه لم يكن فى حسبانه ، ولم يدر بخلده أبدا عند ذاك اليمين ، أنه ـ وهو القاضى المسلم ـ سيتنكب الطريق يوما ما عصيانا لله ، إذ أن كلمات الله ـ سالفة البيان ـ فى قدسيتها وأزليتها موجهة بالدرجة الأولى إلى القضاة ، حيث شجاعة الإسلام وحيث النزاهة والعدل والإيمان بالله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم إن قاضى هذه المحكمة حلف اليمين فى إطار كلمة التوحيد ، وقد روى أن رسول الله قال: " لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذى هو خير وكفر عن يمينك " .
والحق كل الحق أنه ليست معضلة ولا طلسما ولا لغزا ، أن تكون حدود الله فى مصر قوانين ، يعمل بها ، ويطبقها القاضى بين الناس . وإن من المخازى النكراء أن يتشدق البعض بأن ثمة إلزاما وحتما على القاضى المسلم يكلف بتطبيق قانون وضعى ، طارحا قوانين الله الخالق الرازق .
والمحكمة تومئ إلى نص المادة الثانية عشر من الدستور والتى جرى نصها على أن: " يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها ، وعليه مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية ، والقيم الخلقية ، والآداب العامة ، وتلتزم الدولة باتباع هذه المبادئ والتمكين لها " . ومن ثم فإن المحكمة تتساءل: ماذا بعد هجر كتاب الله دستورا من قيم خلقية؟ وماذا بعد عدم تقنين حدود الله والقصاص والديات ومنع الربا من رعاية للأخلاق وحمايتها؟ وما بعد عدم اتخاذ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسوة وقيادة من مستوى رفيع للتربية الدينية أو الآداب العامة؟ وماذا بعد طرح مشروعات قوانين الله جمعاء من التزام للدولة باتباع المبادئ والتمكين لها؟ .
إن القاعدة الإسلامية والقانونية معا ، والتى ينبغى إعمالها فى كل مجال هى: (إن الحكم إلا لله)  [سورة الأنعام: 57] وإن القيمة المثلى ما قاله الله : ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)) [سورة الجاثية: 88] . ومن ثم فإنه إذا كانت وثيقة إعلان الدستور قد ورد بصلبها ما نصه : "باسم الله وعونه ، نلتزم إلى غير ما حد ودون قيد أو شرط ، أن نبذل الجهد عرفانا بحق الله ورسالاته ، على أن نقبل ونمنح لأنفسنا هذا الدستور ، مؤكدين عزمنا الأكيد على الدفاع عنه وعلى حمايته" إذا كان ذلك كذلك : فهل الالتزام فى دولة دينها الإسلام يكون بالالتزام بغير ما أنزل الله؟ إنه لأمر نادر وشاذ وعجيب!!! وهل العرفان بحق الله ورسالاته نسف حدود الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ إنه لأمر غريب ومقيت!!! وهل الدفاع والحماية والعزم الأكيد لهذا وذاك يكونان لغير دستور الله؟؟؟ . إنه لأمر ممجوج يتأباه ويلفظه جميع القضاة المسلمين ، فهناك مشروعات قوانين إسلامية طى الأدراج يجب أن تظهر للنور ، لتكون قوانين مطبقة فى البلاد بغير ما قيد ولا شرط ولا حدود .
والمحكمة تشير أيضا ـ فى إصرار ـ إلى ما نصت عليه المادة 74 من الدستور والتى جرى نصها على أن: "لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية ، أو سلامة الوطن ، أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى . أن يتخذ من الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بيانا إلى الشعب ، ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات" ومنطلقا من هذا النص الدستورى ، وقياسا على سابق العديد من الاستفتاءات فى شتى صورها وأشكالها وتباين أنواعها ، فإن لقاضى هذه المحكمة أن يطالب ـ بحزم الإسلام ـ بإجراء استفتاء دستورى عادل على مشروعا قوانين الإسلام ، فليس من خطر يهدد كيان الأمة أعتى من تجميد تلك الحدود الإلهية . وليس من هلاك يهدد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن أعنف ولا أعتى من تعطيل شرعة الله . وليس يعوق مؤسسات الدولة حقا فى كل اتجاه من تجاهل وطرح دين الله أو سنة رسول الله .
والمحكمة تنوه ـ وهى فى عزة الإسلام ـ إلى ما نصت عليه المادة 112 من الدستور والتى جرى نصها على أنه: "لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين" كما وأن السلطة التشريعية فى البلاد قد فوضته رئيسا لمصر فى إصدار قرارات لها قوة القانون . ومن ثم فإن قاضى هذه المحكمة منطلقا من كلمة التوحيد ، وأمانة الكلمة ، تناشد السيد رئيس الجمهورية استعمال حقه الدستورى ذاك ، وعليه أن يبث الروح فى مشروعات حدود الله جمعاء ، وذلك بإصدارها قانونا يتلى إلى يوم القيامة ، ليطبق وينفذ بين الناس ، فهذا حقه الدستورى والإلهى معا ، إبراء لذمته أمام الله والناس ، ووضعا للأمور فى نصابها العادل المتين إعمالا لقول الله: ((وأن احكم بينهم بما أنزل الله)) سورة المائدة: 49 فالقرآن وهو دين الله ، أوحى بتعاليمه وشرائعه إلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون هو الحكم والحكم ، وليكون صالحا لكل زمان ومكان ، لأنه وضع الحدود الفاصلة بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام . وكل تشريع يخالف ما جاء به كتاب الله أو ما قاله محمدٌ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنما هو باطل ورد ، يجب تنحيته وطرحه والالتفات عنه تماما ، والاحتكام إلى شرعة الله ورسوله .
وليس لأحد ـ كائنا من كان ـ أن يبدى رأيا فى وجوب ذلك ، ولا تقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل فى إقرار قوانين السماء ، لأن التسويف فى ذلك معصية لله ورسوله واتباع لطريق الغىّ والهوى دون الرشاد والهدى . كل هذا نزولا على قوله الله أمرا وطاعة .

وتوجه المحكمة فى هذا المقام إلى السيد رئيس الجمهورية قول الله تعالى: ((ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، واتبع هواه وكان أمره فرطا)) [سورة الكهف: 28] . وتثنى لسيادته بقول الله: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)) [سورة الجاثية:18]. وفى الثالثة تكرر له قول الخالق: ((فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ، ونحشره يوم القيامة أعمى * قال: رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا ؟ قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)) [سورة طه: 124 ، 125 ، 126] .
·    وحيث إن المحكمة لا يفوتها وهى بإزاء استعراضها لجريمة الجانى الماثل ، وعلى ما سلف استهلالا للحكم ـ أن تقرر بأن جريمته تلك : هى مثال لكارثة خلقية رخيصة بكل المقاييس والمعايير والاعتبارات . وأن مثالها ارتكب ولا يزال يرتكبها آخرون ـ غير المحاسب الجانى ـ لا يمثلون ـ ولن يمثلوا أبدا مثله فى قفص الاتهام . تعنى المحكمة بهؤلاء: صناديد الخمارات ، وتجار الخمور بتراخيص القانون ، وأساطين صالات لعب الميسر والقمار هنا وهناك ، وعتاولة مجرمى الخمر بملاهى شارع الهرم ، وجميعا يشربونها مطمئنين بلا وازع ولا رادع ولا ضمير ، وإنهم لمراكزهم أو لصفاتهم أو لمادياتهم أو لذواتهم وشخصياتهم ـ بكل أسف ـ يتركون ، بل وبحماية القانون لهم يتنعمون ، ولكنهم خوارج !!! ، اجرامهم فاق الحد والتصور ، لحمتهم الخمر وسداهم احتساؤها ! ، عديدون حقا لا ينالهم أبدا أصوات الاتهام ولا قيد السجان أو رسف الأغلال ، وكل هذا يحدث فى مصر بسياج من السلطان !!! .

لذا فالمحكمة تناشد السلطة التنفيذية القابضة على مقاليد الحكم فى البلاد ، أن تضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه ـ تحت أى وصف ومن خلال أى عذر ـ أن يشرب الخمر ، وأن تضع نصب أعينها أنه قد هلك من كانوا قبلنا ، كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، وأن يكون فى المقام الأول لديها أنه لا استثناء فى قانون الله . ومن ثم فإن عليها بيد من حديد أن تحارب الشرب شرا فى مكامنه وجذوره فى كل مكان ، خلقا للانضباط الحق ، ونشراً لقيم السماء وتعاليم الله ، ومنعا للتسيب المهين وذلك حتى تكون كلمة الله هى العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى والله عزيز حكيم .
·   وحيث إن المحكمة قد انتهت فى سالف القواعد ، قواعد العقائد ، إلى بطلان كل قانون مخالف لأحكام شريعة السماء ، وعلى رأس هذه القوانين: مواد القيد فى هذه الدعوى ، فجميعها باطلة بطلانا مطلقا ، ثم هى تفتقر إلى سند "الشرعية" ومن ثم وجب تطبيق شريعة الإسلام وأحكامها ، نزولا على طاعة الله ورسوله ، وتمكينا لأحكامه فى الدولة أن تكون .

تضع المحكمة حد الشرب الإسلامى موضع التنفيذ ، حكما بما أنزل الله وما جاء على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد ثبتت الإدانة فى جانب المتهم ثبوت اليقين .

·   وحيث إن الأصل فى الحدود أنها لا تقبل عفوا ولا إسقاطا ، إذ هى من حقوق الله خالصة ، ومن ثم فإن المحكمة تشمل حكمها بالنفاذ ، تاركة وزر عدم تنفيذ العقوبة المقضى بها على السلطة المسئولة عن ذلك . منوهة أنه طبقا للقواعد الشرعية ، وعند التنفيذ ، يضرب الجانى بسوط غير يابس ، ضربا متوسطا لئلا يجرح أو يبرح ، وألا يكون بالسوط عقدة فى طرفه حتى لا يصاب الجسم ، كما يضرب الجانى قائما ، ويكون الضرب على سائر الأعضاء عدا الوجه والفرج والرأس .
·        وحيث إن الله قال: ((كل نفس بما كسبت رهينة)) [سورة المدثر: 38] .

فلهــذه الأسبــاب
    
أولاً: حكمت المحكمة حضوريا ، بجلد المتهم ثمانين جلدة مع النفاذ .

     ثانياً: تحتكم المحكمة إلى إجراء استفتاء دستورى عادل تجريه السلطات المعنية حول مشروعات قوانين الحدود والقصاص والديات وتحريم الفوائد .

     ثالثاً: إن المحكمة ـ درءاً ليوم قد يأتى يمتنع فيه جميع القضاة عن تطبيق ما سوى ما أنزل الله تناشد السيد رئيس الجمهورية إصدار قوانين الحدود ، كما تناشد السلطة التشريعية ، وكل مسئول عن التشريع فى الدولة إقرارها قوانين يطبقها القضاة وتنفذها السلطة .

     رابعاً: على الأزهر ، ووزارة الأوقاف ، ودار الإفتاء ، وأجهزة الإعلام كل فى مجاله . مطالبة الجهات المعنية بإصدارها إقرار مشروعات القوانين الإسلامية جميعها ، وإخراجها من حيز الطمس إلى نطاق اللمس ، ومن حيز الأدراج إلى عالم الإفراج ، ومن حيز التمويه إلى بساط التنفيذ ، ومن حيز التنميق إلى حيث التطبيق .
خامساً: على النيابة العامة إخبار كل بصفته ممن ورد ذكره بالبندين الأخيرين بنسخة طبق الأصل من هذا الحكم صلبا ومنطوقا .

       محكمة جنح قسم عابدين
     الدائــرة
محمود عبد الحميد غراب رئيس المحكمة
هانى عباس عبد الجواد             وكيل النائب العام
هانى محمد خلف                    أمين السر
   جلسة 12 جمادى الأولى ـ 1402 هـ .
                                                       8 / 3 / 1982 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق