الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 مارس 2013

مخدرات / ( 1 ) تجارة مخدرات وإدانة

بعد سماع أمر الإحالة ، وطلبات النيابة العامة ، والمرافعة الشفهية ، ومطالعة الأوراق ، والمداولة قانونا.
·   وحيث أن واقعة الدعوى حسبما استخلصتها المحكمة من مطالعة الأوراق ، وما تم فيها من تحقيقات ، وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة ، وكما استقر فى يقين المحكمة ، واطمأن إليه وجدانها تتحصل فى أن المتهم أحرز بغير قصد الاتجار جوهرا مخدرا "حشيشا" وكان ذلك فى غير الأحوال المصرح بها قانونا ، يشترى كميات منها ليقوم بترويجها بين عملائه من أهالى قصر رشوان التابعة لمركز طامية ، الفيوم ، له نشاط مسجل ، حوله تحريات : يحرز ويحوز مواد مخدرة مما يندرج تحت وصف الجرائم المؤثمة وقيودها . ولما وصل ذلك إلى علم العقيد السيد عبد الحليم شعيب (رئيس قسم مكافحة المخدرات بالفيوم) ، وبعد أن تأكد والرائد مجدى إبراهيم بسيونى (وكيل قسم مكافحة المخدرات بالفيوم) من صحة هذه المعلومات أثبت ذلك فى محضره وعرضه على النيابة العامة للإذن بضبطه وتفتيشه فأذنت له النيابة بذلك ، وانتقل الرائد وبصحبته الرقيب رمضان سيف النصر بقسم مخدرات الفيوم إلى الكمين المعد للمتهم بنقطة مرور كوم أوشيم ، وأثناء تفقدهما إحدى سيارات الأجرة شاهداه جالسا بالمقعد الخلفى فقام الرائد بإنزاله وبتفتيشه عثر معه بجيب الصديرى الأيمن على مادة داكنة اللون يشتبه أن تكون لجوهر الحشيش ، كذا عثر بالجيب الأيسر لذات الصديري على حافظة نقود ، وبمواجهة المتهم بالمضبوطات أقر بملكيته لها بقصد الاتجار فيها.
·   وحيث أن الواقعة على الصورة المتقدمة قد قامت الأدلة فيها على صحتها وعلى ثبوت إسنادها إلى المتهم مما اطمأنت إليه المحكمة وذلك من شهادة الرائد مجدى إبراهيم بسيونى والعقيد السيد عبد الحليم شعيب والرقيب رمضان سيف النصر رياض وما ثبت من تقرير المعمل الكيماوى بمصلحة الطب الشرعى.
   فقد شهد الرائد مجدى ابراهيم بسيونى وكيل قسم مكافحة المخدرات بالفيوم بأن تحرياته السرية المشتركة مع الشاهد الثانى العقيد السيد عبد الحليم شعيب أسفرت عن أن المتهم يتجر فى المواد المخدرة وأنه سافر إلى مدينة القاهرة وقام بشراء كمية من المواد المخدرة ويعتزم العودة بها إلى مدينة الفيوم وترويجها بين عملائه ، وبعد استئذان النيابة العامة قام بإعداد كمين بمنطقة مرور كوم أوشيم ، وأثناء تفقده إحدى السيارات الأجرة وبرفقته الشاهد الثالث شاهد المتهم جالسا على المقعد الخلفى فقام بإنزاله وبتفتيشه عثر بجيب الصديرى الأيمن الذى كان يرتديه المتهم على مادة داكنة اللون يشتبه أن تكون لجوهر الحشيش ، كما عثر بالجيب الأيسر لذات الصديرى على حافظة نقوده الجلدية وبها مبلغ ستة جنيهات.
   كما شهد كل من العقيد السيد عبد الحليم شعيب رئيس مكافحة المخدرات بالفيوم ، ورمضان سيف النصر رياض رقيب بذات القسم بمضمون ما شهد به الشاهد الأول.
·   وحيث أن تقرير المعمل الكيماوى بمصلحة الطب الشرعى قد أورى بأن المادة المضبوطة هى لمادة الحشيش ، كما عثر بالجيب الأيمن والأيسر الكبيرين للصديرى على فتات دون الوزن لمادة سمراء ثبت أنها "حشيش".
·   وحيث أن المتهم أنكر بالتحقيقات وبالجلسة ما أسند إليه وطلب الدفاع عنه القضاء ببراءته تأسيسا على أن المتهم عامل من عمال التراحيل واستقل السيارة من القاهرة إلى الفيوم وأمام نقطة مرور كوم أوشيم وقفت السيارة للتفتيش وطلب الضابط من المتهم النزول وقام بتفتيشه فلم يعثر معه على شيء.
ـــــــــــــــــــــــ
* قضية رقم 235 لسنة 1983 جنايات الفيوم .
·   وحيث أن المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات أخذت بها مدعمة بنتيجة تقرير المعمل الكيماوى بمصلحة الطب الشرعى ، ومن ثم فإنها لا تعتد بإنكار المتهم ولا بما لجأ إليه من دفاع وتراه مجرد محاولة من جانبه لدرء الاتهام عن نفسه.
·   وحيث أن ما أثاره الدفاع حول عدم عثور الضابط على شيئ عندما قام بتفتيش المتهم ـ هذا الذى أثير مردود بما تمخضت عنه ملابس هذا الآثم فعلا عن 407 جرام من المواد المخدرة ، وهذا ما ثبت بالفعل من الأوراق ومن التحليل الكيماوى بمصلحة الطب الشرعى ، كما وأن الشهود الثلاثة إثباتا لتلك الواقعة أكدوا ذلك فى أقوالهم بالتحقيقات . والأمر كله مرده إلى اطمئنان المحكمة وارتياح وجدانها للشهادة فى أى مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة ومن ثم فإن المحكمة تلتفت عما أثاره الذفاع فى هذا الصدد.
·   وحيث أن المحكمة لا تساير ما ذهب إليه شهود الإثبات من أن الإحراز للمواد المخدرة من قبل المتهم كان بقصد الاتجار ، إذ أن الأوراق خلت مما يشايع ذلك الفكر خاصة وأن المتهم لم يضبط فى حالة تفيد اتجاره فى تلك المادة ، فضلا عن عدم ضبط مطواة كآلة تقطع المخدر أو ميزان يزنها أو غير ذلك مما يستعمله تاجر المخدرات عادة فى هذا الغرض ، كما وأنه لم يضبط مع المتهم سوى مبلغ ستة جنيهات وهو مبلغ نقدى زهيد . ومن ثم فقد تعين اعتبار هذا الإحراز مجردا.
·   وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم يكون قد استقر فى يقين المحكمة على وجه القطع والجزم أن المتهم بتاريخ 9 / 9 / 1983 بدائرة مركز طامية محافظة الفيوم قد أحرز جوهرا مخدرا "حشيش" فى غير الأحوال المصرح بها قانونا ، مما يتعين معه إعمالا لنص المادتين 304/2 ، 381 / 1 من قانون الإجراءات الجنائية معاقبته بالمواد ـ 1 ، 2 ، 7 / 1 ، 38 ، 42 / 1 من القانون 182 / 1960 المعدل والبند 57 من الجدول رقم ( 1 ) الملحق به المستبدل بقرار وزير الصحة رقم 295 / 1976 والمصادرة مع إلزامه بالمصاريف الجنائية عملا بنص المادة 313 من قانون الإجراءات الجنائية .
·   وحيث أن المحكمة ترى من ظروف الدعوى وملابساتها أخذ المتهم بقسط من الرأفة فى حدود ما تقضي به المادة 17 من قانون العقوبات ، وحيث أن لا يفوت المحكمة أن تقرر أن المادة الثانية من الدستور جرى نصها على أن "الإسلام دين الدولة ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع " كما جرى نص المادة السابعة من قانون العقوبات على أنه " لا تخل أحكام هذا القانون بأى حال من الأحوال بالحقوق المقررة فى الشريعة الغراء "
       منطلقا من هذا النص وذاك تؤكد المحكمة أن لله فى هذه النوعية من القضايا وصفا وقيدا ، حيث أن المخدرات بشتى صورها وأنواعها وألوانها لله ولرسوله فيها حكم وقضاء ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُّوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ) [المائدة : 90 ـ 91 ]
      ومما لا شك فيه ـ والحال كذلك ـ أن هذا النص قاطع الدلالة على تحريم الخمر ـ بكل صنوفها ـ لأن شاربها كعابد الأوثان من دون الله كافر ، وفوق هذا فهى أم الخبائث كما وصفها ـ صلى الله عليه وسلم.
·   وحيث أن فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة قد اتفقوا جميعا على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ، ويطلق عليه اسم الخمر ويأخذ حكمه وتلك قاعدة شمولية وردت على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل :  كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ". والخمر هو كل ما خامر العقل وستره من غير عد ولا إحصاء فقد جد من المسكرات ما لا يحصى عددا ونوعا . والإسكار الذى هو فيها هو سبب التحريم [ يراجع مؤلف العقوبة للشيخ محمد أبى زهرة صفحة 162 وما بعدها ]
·   وحيث أن ما ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذا المقام أنه قال : " لعن الله الخمر : شاربها وساقيها ، وبائعها ومبتاعها ، عاصرها ومعتصرها ، حاملها والمحمولة إليه".
     كما جرى نص المادة الأولى من مشروع قانون حد الخمر المقدم إلى السلطة التشريعية فى البلاد منذ 17 / 6 / 1976 والصادر عن اللجنة العليا بوزارة العدل وفقا للشريعة الإسلامية على أن " يحرم شرب الخمر وتعاطيها ، وحيازتها ، وإحرازها ، وصنعها ، وتحضيرها ، وإنتاجها ، وجلبها ، واستيرادها ، وتصديرها والاتجار فيها ، وتقديمها ، وإهداؤها ، وإعطاؤها ، وترويجها ، ونقلها ، والدعوة إليها ، والإعلان عنها ، وسائر أوجه النشاط المتعلق بها ".
      وجاء نص مادة أخرى بذات المشروع ما نصه : " يعاقب بالجلد عشرين جلدة وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 2000 جنيه كل من حاز أو أحرز خمرا ".
·   وحيث أن كل تشريع أو حكم يخالف ما جاء به الإسلام كل باطل ويجب على القضاة صده ورده والاحتكام إلى شريعة الله ورسوله ، كما يجب الأمر بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وليس لأحد ـ فى هذا المجال ـ أن يبدى رأيا فى وجوب ذلك ، ولا تقبل مشورة بالتمهل أو التدرج أو التأجيل . بل إن التسويف فى إقرار القوانين الإسلامية ونفاذها وإعمالها يعد معصية لله ولرسوله.
·   وحيث أنه بإنزال ما سلف من قواعد الإسلام فإن المحكمة فى أرفع مكان وضعها الله فيه ـ قد غلت يمناها قسرا عنها أن تطبق عقوبة الإسلام الزاجرة السالفة البيان فى واقعة هذه الدعوى نفاذا لحد الشريعة الغراء ، لكن أسعفها فى التطبيق مؤقتا قانون بشرى من وضع السلطة التشريعية تعتبره من قبيل " التعزير " تجاوزا فى اللفظ ، ولكن تهفو نفسها ـ فى الحقيقة ـ إلى تطبيق قوانين السماء طالبة عفو الله ورحمته.
·   وحيث أن الله سبحانه قال : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلخَائِنِينَ خَصِيمًا) [النساء : 105] وقال أيضا: (مَن يُّطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه) [النساء : 80] . وإعمالا لهذا القول الربانى الكريم فإن المحكمة تناشد السلطة التشريعية ـ التوأم ـ فى مصر إقرار مشروعات القوانين الإسلامية جميعها دون تردد ولا تسويف وإخراجها من حيز القبور إلى نطاق النشور.
·   وحيث أنه ترتيبا على ما سلف فإنه لم يعد فى مصر ـ منارة الإسلام ـ بعد التعديل الدستورى فى نص المادة الثانية منه ـ لم يعد هناك ـ مكان إلا للشريعة الإسلامية دون غيرها ، ويجب لذلك أن يسلك القاضى ـ اليوم ـ هذا السلوك مستعينا فى ذلك بأحكام علم وأوصل الفقه فى استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية ـ مرضاة لله ـ مستأنسا فى ذلك بالثروة الفقهية الهائلة التى حواها الفقه الإسلامى.
      ودرءا ليوم قد يأتى يمتنع فيه جميع القضاة المسلمين عن تطبيق ما سوى ما أنزل الله وما ورد على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحسبا ليوم فى الأفق يرد فيه قانون وضعى يخالف قانون السماء ويضرب به عرض الحائط لتحل محله أحكام الإسلام ، فإن المحكمة تهيب بالسلطة التشريعية ـ طاعة لله ولرسوله ـ أن تسن قوانين الإسلام فى قوالب وتقنينات يطبقها القضاة وتنفذها السلطة المهيمنة على مقاليد الحكم فى البلاد وعلى أن يكون الإسلام ـ وحده ـ مصدرها ونبعها وعمادها.
      وليستقر فى ذهن تلك السلطة التشريعية أنه طبقاً لنص المادة 191 من الدستور أن النصوص الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية إنما هى نصوص باطلة بطلانا مطلقا ، وأن من سلطة القاضى المسلم إهدار ما يعتقده أنه "الحق " ، بل إن على القاضى أن يهمل إهمالا تاما ، ويتجاهل دون حد كل تشريع وضعى ينال من حقوق الإسلام وشموخه ، أو أى حق مقرر فى الشريعة الغراء طبقا لنص المادة السابعة من قانون العقوبات [يراجع مؤلف التشريع الجنائى الإسلامى للأستاذ عبد القادر عودة جزء (1) بند 195]
      ومن ثم فإن هذه المحكمة تناشد السلطة التشريعية إفراغ حدود الله ورسوله قوانين تكون وجودا ونفاذا وتطبيقا بين البشر يعمل بها جميع القضاة فى مصر.
فلهذه الأسباب
وبعد الاطلاع على المواد سالفة الذكر بالقوانين الوضعية .
حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه خمسمائة جنيه والمصادرة ، وألزمته بالمصاريف الجنائية.
                                                          محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا بالفيوم
                                                                             الدائــرة
                                       م. محمد جلال الدين حسين                   رئيسا
                                                المستشار مصطفى السيد أغا                 عضوا
                             المستشار محمود عبد الحميد غراب          عضوا
الأستاذ/ محمد هانى         ممثل النيابة                                              السيد/ محمد مجدى رشاد           أمين السر
جلسة 20 / 12 / 1984

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق